“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .
حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا ، وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ ، وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .
حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ ، وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .
الْحَلْقَةُ (الثَّالِثَةُ) :
-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-
“قِسْمُ الْأَخْلَاقِ” .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“حِفْظُ الْبُيُوْتِ الْمُؤْمِنَةِ مِنَ التَّهْدِيْدَاتِ الْمُعَاصِرَةِ” .
(1)
وَأَخْطَرُ هَذِهِ التَّهْدِيْدَاتِ هِيَ : “التَّهْدِيْدَاتُ الْعَقَدِيَّةُ” ، الَّتِي تُهَدِّدُ بُيُوْتَ كِثِيْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ، تُعَرِّضُهُمْ -إِنْ أَخَذَوْا بِهَا- إِلَى الْاِنْحِرَافِ ، ثُمَّ الْاِرْتِدَادِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- ،
وَفِيْ هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَصْبَحَتْ وَاضِحَةً جَلِيَّةً ، يَتَحَدَّثُ -مُقِرًّا بِـهَا- الصَّغِيْرُ ، وَالْكَبِيْرُ ، وَالْمُثَقَّفُ ، وَغَيْرُ الْمُثَقَّفِ ، بَلْ تَسَلَّلَتْ إِلَى كَثِيْرٍ مِنْ مُرَبِّي الْأَجْيَالِ ؛ الْأَسَاتِذَةِ ، وَالْمُوَجِّهِيْنَ ، وَالْمُشْرِفِيْنَ ، وَالْآبَاءِ ، وَالْأُمَّهَاتِ ، وَغَيْرِهِمْ ، بَلْ دَسُّوَهَا فِيْ مَنَاهِجَ تُدَرَّسُ هُنَا ، وَهُنَاكَ ، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى ،
وَلِهَذِهِ التَّهْدِيْدَاتُ أَنْوَاعٌ عَدِيْدَةٌ ، مِنْ أَهَمِّهَا :
1] التَّشْكِيْكُ فِيْ الْقُرْآنِ ، وَالسُّنَّةِ ، أَمَّا الْقُرْآنُ فِفِيْ دَلَالَتِهِ ، وَأَمَّا السُّنَّةِ فَفِي ثُبُوْتِهَا ، وَدَلَالَتِهَا ؛ فَمِنْ طَرِيْقَتِهِمْ فِيْ ذَلِكَ : إِلْغَاءُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْبَتَّةَ ، وَمَا يُثْبِتُوْنَهُ مِنَ النُّصُوْصِ يَخْتَلِفُوْنَ ، وَيُخَالِفُوْنَ فِيْ دَلَالَتِهِ ؛ اِبْتِغَاءَ تَقْدِيْمِ مَا يُوَافِقُ رَؤَاهُمْ ، وَأَهْوَاءَهُمْ ، وَعُقُوْلَهُمْ الْفَاسِدَةَ ، وَرَدِّ مَا يُخَالِفُهَا ، وَهَذِهِ حَالُ “الْمُفْتَرِقَةِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ، تَجْعَلُ لَهَا دِينًا ، وَأُصُولَ دِينٍ قَدْ ابْتَدَعُوهُ بِرَأْيِهِمْ ، ثُمَّ يَعْرِضُونَ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنَ ، وَالْحَدِيثَ ؛ فَإِنْ وَافَقَهُ احْتَجُّوا بِهِ اعْتِضَادًا ، لَا اعْتِمَادًا ، وَإِنْ خَالَفَهُ ؛ فَتَارَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَهَذَا فِعْلُ أَئِمَّتِهِمْ”[1]، وَلِهَذَا صَارُوْا مِنْ عُبَّادِ الْهُوْى ، يَدُوْرُوْنَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ ، وَقَدْ عَاقَبَهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ صَارَتْ قِبْلَتُهُمْ -مُرْغَمِيْنَ ، ذَلِيْلِيْنَ- إِلَى الْأَنْظِمَةِ ، وَالْقَوَانِيْنَ الْأُمَمِيَّةِ الْكَافِرَةِ ، يَسْتَقُوْنَ مِنْهَا تَشْرِيْعَاتِهِمْ ، وَيَتَحَاكَمُوْنَ إِلَيْهَا فِيْ نِزَاعَاتِهِمْ ،
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ :
– “الْوَلَاءُ ، وَالْبَرَاءُ” ، حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهُ بِمَا يُسَمُّوْنَهُ بِـ: “التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ” ، الْمُسْتَلْزِمِ لِمَحَبَّةِ الْكَافِرِ ، وَمُوَادَّتِهِ ،
– “التَّحَاكُمُ إِلَى الشَّرِيْعَةِ” ؛ حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهُ بِالتَّحَاكُمِ إِلَى الْقَوَانِيْنِ الْوَضْعِيَّةِ ،
– “الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوْفِ ، وَالنَّهِيُّ عَنِ الْمُنْكَرِ” ؛ حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهُ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ قَوَانِيْنَ ، وَأَنْظِمَةِ الذَّوْقِ الْعَامِّ ، وَالنَّهِيِّ عَنْ مُخَالَفَتِهَا ،
– “التَّرْفِيْهُ الْبَرِيْءُ الْمُبَاحُ” ؛ حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهُ بَالتَّرْفِيْهِ الْمُحَرَّمِ ؛ الْقَائِمِ عَلَى الْاِخْتِلَاطِ ، وَالتَّعَرِّي ، وَالصَّدَاقَةِ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ ، وَالْأَفْلَامِ ، وَالسِّيْنَمَا ، وَالْمُوْسِيْقَى ، وَشُرْبِ الْمُسْكِرَاتِ ، وَتَنَاوُلِ الْمُخَدِّرَاتِ ،
– “الْمُعَامَلَاتُ الْمَصْرَفِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ” ؛ حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهَا بِالنِّظَامِ الرَّبَوِيِّ ، الرَّأْسَمْالِيِّ ،
– “الْمَالُ الْحَلَالُ” ؛ حِيْنَ اِسْتَبْدَلَ بِالْمَالِ الْحَرَامِ ؛ كَالضَّرَائِبِ ، وَالْمُكُوْسِ ، وَالرُّسُوْمِ ، وَالتَّأْمِيْنَاتِ ،
– “الْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّوْنَ” ، حِيْنَ اِسْتَبْدَلُوْهُمْ بِمَنْ يُسَمَّوْنَ بِـ: الْمُفَكِّرِيْنَ ، وَالتَّنْوِيْرِيِّيْنَ .
وَالْقَائِمَةُ تَطُوْلُ ، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[الجاثية:23] ، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] .
لِلْمَقَالِ بَقِيَّةٌ ، نُكْمِلُهُ فِيْ حَلْقَاتٍ تَالِيَةٍ ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ .