القائمة إغلاق

عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (41)

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ فَرَقَّ دِيْنُهُمْ … (تابع)

(2)

خُلُقُ الْعَدْلِ ،

وَهُوَ مِيْزَانُ قِسْطٍ ، بِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَعَلَيْهِ صَلُحَ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ الْعِبَادِ مُحَرَّمًا[1]،

وَالظَّالِمُ مُظْلِمُ الْقَلْبِ وَالْوَجْهِ ، مَمْقُوْتٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ ، ضَاقَتْ نَفْسُهُ بِنَفْسِهِ ، وَشَقِيَ بِهِ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَقَوْمُهُ ، اِسْتَخَفَّ بِحُرُمَاتِ اللهِ فَانْتَهَكَهَا ، وَبِحُدُوْدِ اللهِ فَضَيَّعَهَا ، “يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسِ ظُلُمَاتٍ : قَوْلُهُ ظُلْمَةٌ ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ ، وَمُدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ ، وَمُخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ ، وَمَصِيرُهُ إِلَى الظُّلْمَةِ”[2]، وَهُوَ مَعَ هَذَا عُتُلٌّ جَوَّاظٌ مُسْتَكْبِرٌ ، ذَاقَ بِهِ ذَرْعًا صُنُوْفٌ مِنَ الْبَشَرِ ، جَثَا عَلَى صُدُوْرِهِمْ ، وَكَتَمَ أَنْفَاسَهُمْ ، وَسَفَّهَ آرَاءَهُمْ ، وَضَرَبَ أَبْشَارَهُمْ ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ ، وَانْتَهَكَ أَعْرَاضَهُمْ ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَمْلَاكِهِمْ .

فَيَا أَيُّهَا الظَّالِمُ : أَيْنَ سَتَذْهَبُ -إِنْ لَمْ تُقْلِعْ عَنِ  الظُّلْمِ ، وَتَرُدَّ الْمَظَالِمَ إِلَى أَصْحَابِهَا- فَانْتَظِرْ عِقَابَ اللهِ ، فَهُوَ قَادِمٌ لَا مَحَالَةَ ؛ {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}[إبراهيم:42] ،  

أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمَظْلُوْمُ : فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ ، لَا تُهْلِكْهَا بِالْحُزْنِ وَالْأَسَى ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى نَصِيْرُ الْمَظْلُوْمِيْنَ ، سَيْنَصُرُكَ عَلَى مَنْ ظَلَمَكَ ؛ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ ، فَـ”إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ”[3]، يَأْخُذُهُ أَخْذَ عَزِيْزٍ مُقْتَدِرٍ ، جَبَّارٍ مُنْتَقِمٍ ؛ فَالْجَأْ إِلَى اللهِ ، وَالْهَجْ بِذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ ، فَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ -لِدُعَاءِ الْمَظْلُوْمِيْنَ مُفَتَّحَةٌ- ، وَسِهَامُ اللِّيْلِ صَائِبَةٌ ، فَارْفَعْ يَدَيْكَ ، وَأَلِحَّ فِيْ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْكَ ، وَانْتَظِرِ النَّصْرَ ، فَإِنَّهُ قَرِيْبٌ ، جِدُّ قَرِيْبٍ.

وَأَنْتُمْ -عِبَادَ اللهِ- : اِحْذَرُوْا الظُّلْمَ ؛ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ ، يُبِيْدُ النِّعَمَ ، وَيُسْقِطُ الدُّوَلَ ، وَيُشَتِّتُ الْبَرَكَاتِ ، وَهُوَ شَقَاءٌ فِيْ الدُّنْيَا ، وَعَذَابٌ فِيْ الْآخِرَةِ ؛ {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر:47] ،

وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَكُوْنُوْا أَعْوَانًا لِلظَّلَمَةِ ، أَوْ مَدَّاحِيْنَ لَهُمْ ، أَوْ مُحَامِيْنَ مُدَافِعِيْنَ عَنْهُمْ ، أَوْ سَاكِتِيْنَ عَنْ أَخْطَائِهِمْ وَمُنْكَرَاتِهِمْ ، وَتَدَبَّرُوْا فِيْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}[هود:113]؛ وَاعْلَمُوْا أَنَّ مِنَ الرُّكُوْنِ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ : مَحَبَّتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ ، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ وَمَدْحَهُمْ ، وَمُجَامَلَتَهُمْ عَلَى حِسَابِ الْحَقِّ وَمُدَاهَنَتَهُمْ ، وَ”إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ”[4]، و”مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ”[5]، وَمَنْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا ، أَوْ نَاوَلَهُمْ قِرْطَاسًا ، أَوْ أَخَاطَ لَهُمْ أَثْوَابًا ، أَوْ أَعَدَّ لَهُمْ طَعَامًا ، أَوْ جَالَسَهُمْ مُسْتَأْنِسًا بِهِمْ فَقَدْ أَعَانَهُمْ[6]،

نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَفْوُ وَالْعَافِيَةَ .

 نكمل في الحلقات التالية إن شاء الله .


(1) ورد في هذا المعنى حديث رواه مسلم (6664) .

(2) اجتماع الجيوش الإسلامية ؛ لابن القيم (2/57) .

(3) رواه مسلم (6673) .

(4) رواه أبو داوود (4338) ، والترمذي (2168) .

(5) أخرجه الحاكم (7052) ، وقد ضعف .

(6) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/64) .

%d مدونون معجبون بهذه: