القائمة إغلاق

تَطْهِيرُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ مِنْ أَدْرَانِ الْبِدَعِ وَالشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ

ذِكْرٌ مًخْتَصَرٌ لْأَشْهَرِ الْأَحْزَابِ ، وَالْفِرَقِ ، وَالْأَدْيَانِ -الْتِي خَالَفَتْ بِعَقَائِدِهَا وَنِحَلِهَا الْبَاطِلَةِ دِيِنَ الْإِسْلَامِ ، وَعَقِيدَةَ أَسْلَافِنَا الْكِرَامِ- وَالرَّدِّ عَلَى أَهَمِّ شُبُهَاتِهِمْ الْتِي افْتَأَتُوا ، وَفَتَنُوا ، وَشَبَّهُوا بِهَا عَلَى العَوَامِّ .

الحلقة (الثامنة والستون) :

الفرقة : الإلحادية … (الرد على شبهاتهم في إنكارهم وجود الله … تابع)

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :

(مقدمة)

تكلمنا فيما مضى في الرد على شبهات عن بعض شبهات الملحدين الإلحاد غير الكامل ؛ من الذين يُسمون بـ : “الربوبيين” ، وفي هذه الحلقة سوف نتكلم عن الشبهة الثالثة والرابعة ، فنقول وبالله التوفيق :

 (الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ) :

وهي شبهة خاصة بـ”الْمُتَشَكِّكِيْنَ” القائلين بأن : الأدلة في وجود الخالق لا تقنعنا ، فنتوقف عن إثبات وجود الخالق ؛ متشككين فيه[1].

 

الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ :

وهي شبهة خاصة بــ: الـْ “لَا أَدْرِيِّيْنَ” ؛ القائلين بأن : الأدلة في إثبات الخالق لا تدركه عقولنا ، فنتوقف عن إثبات الخالق ؛ فنقول : لا ندري[2].

وكلا الشبهتين بابهما واحد ،

الرد :

(1)

قد قدمنا في الحلقات الأولى الأدلة المقنعة لأصحاب الفطر السليمة على وجود الله ، وفرقة الملاحدة “الْمُتَشَكِّكِيْنَ” ، والـْ “لَا أَدْرِيّيْنَ” لما استحكمت شبهات إبليس وأعوانه في قلوبهم وعقولهم ، واغتروا بذكائهم المزعوم ، وتكبروا وتعالوا عن الحق وقبوله فاهوا بما فاهوا به ، منكرين -بما لا يعد ولا يحصى- الآيات والأدلة على وجود الله تعالى ، وأرى أن أقرب وصف يوصفون به :

·      ما قاله الله تعالى -في حق أمثالهم من الملاحدة- : {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين}[النمل:13-14] ،

·      وقوله تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}[الأعراف:146] .

وأظن أن الإشكال -عندهم- ليس في عدم وضوح الأدلة الدالة على وجود الله وإنما الإشكال في تمكن داء الكبر في قلوبهم حتى أعماها وأصمَّها ، وأسهل طريق لمن أراد أن يبصر الطريق منهم هو أن يعالج هذا الداء المستكن المتمكن في نفسه ؛ فإن فعل فسيرى بعدها تغير حاله ، واقتناعه بالمسلمات الفطرية والعقلية دون أي عناء ، قال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم}[الأنفال:53] ، وقال جل ذكره : {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال”[الرعد:11]،

·      قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله جل وعلا : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ، قال : “{وَجَحَدُوا بِهَا} ؛ أي : كفروا بآيات الله جاحدين لها ، {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} ؛ أي : ليس جحدهم مستندًا إلى الشك والريب ، وإنما جحدهم مع علمهم ، ويقينهم بصحتها {ظُلْمًا} : منهم لحق ربهم ولأنفسهم ، {وَعُلُوًّا} : على الحق وعلى العباد وعلى الانقياد للرسل”[3]،

·      وقال -أيضًا- رحمه الله في تفسير قوله تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} : “{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ} ؛ أي : عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية ، والفهم لآيات الكتاب {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ؛ أي : يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق ، وعلى من جاء به ، فمن كان بهذه الصفة حرمه اللّه خيرًا كثيرًا وخذله ، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به ، بل ربما انقلبت عليه الحقائق ، واستحسن القبيح ، {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} : لإعراضهم واعتراضهم ، ومحادتهم للّه ورسوله ، {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ} ؛ أي : الهدى والاستقامة ، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته { لا يَتَّخِذُوهُ} ؛ أي : لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه ، {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ} ؛ أي : الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} ، والسبب في انحرافهم هذا الانحراف {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} : فردهم لآيات اللّه ، وغفلتهم عما يراد بها ، واحتقارهم لها  هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي ، وترك طريق الرشد ما أوجب[4]،

لذا أقترح للذين يحاورون الملاحدة المتشككين أن يبدؤوا معهم في حواراتهم بالعلاج النفسي المقرب لعلاج داء الكبر ، ومن أفضل أساليب العلاج في ذلك لإفحامهم ، هو : مناقشتهم في البدهيات العقلية التي لا يختلف فيها اثنان ، وتبكيتهم بأسئلة تحصرهم في دوائر لا يستطيعون الخروج منها ؛ كما بُكِّت النمروذ لما حاججه أبونا إبراهيم عليه السلام ، قال الله تعالى في شأنه -لما خصم- : {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:258] ، فإن رفضوا هذا مع وضوحه فليعلم أنهم مكابرون ، والحوار معهم في هذا لن يثمر ، وينبغي أن يتوجه معهم بالوعظ والتذكير والتأنيب ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، 

·      قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “فإن العلم النظري الكسبي هو ما يحصل بالنظر في مقدمات معلومة بدون النظر ؛ إذ لو كانت تلك المقدمات -أيضا- نظرية لتوقف على يغرها ، فيلزم تسلسل العلوم النظرية في الإنسان ، والإنسان حادث كائن بعد أن لم يكن ، والعلم الحاصل في قلبه حادث ، فلو لم يحصل في قلبه علم إلا بعد علم قبله ، للزم أن لا يحصل في قلبه علم ابتداء ، فلا بد من علوم بديهية أوليه ؛ يبتدؤها الله في قلبه ، وغاية البرهان أن ينتهي إليها ، ثم تلك العلوم الضرورية قد يعرض فيها شبهات ووساوس ؛ كالشبهات السوفسطائية … ، والشبهات القادحة في تلك العلوم لا يمكن الجواب عنها بالبرهان ؛ لأن غاية البرهان أن ينتهي إليها ، فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق النظر والبحث ، ولهذا كان من أنكرم العلوم الحسية والضرورية لم يناظر ، بل إذا كان جاحداً معانداً عوقب حتى يعترف بالحق ، وإن كان غالطاً ؛ إما لفساد عرض لحسه أو عقله لعجزه عن فهم تلك العلوم ، وإما لنحو ذلك ، فإنه يعالج بما يوجب حصول شروط العلم له ، وانتفاء موانعه فإن عجز عن ذلك لفساد في طبيعته عولج بالأدوية الطبيعية ، أو بالدعاء والرقي والتوجه ، ونحو ذلك ، وإلا ترك ، ولهذا اتفق العقلاء على أن كل شبهة تعرض لا يمكن إزالتها بالبرهان والنظر والاستدلال وإنما يخاطب بالبرهان والنظر والاستدلال من كانت عنده مقدمات علمية ، وكان ممن يمكنه أن ينظر فيها نظراً يفيده العلم بغيرها ؛ فمن لم يكن عنده مقدمات علمية ، أو لم يكن قادراً على النظر لم تمكن مخاطبتة بالنظر والاستدلال ، وإذا تبين هذا فالوسوسة والشبهة القادحة في العلوم الضرورية لا تزال بالبرهان ، بل متى فكر العبد ونظر ازداد ورودها على قلبه ، وقد يغلبه الوسواس حتى يعجز عن دفعه عن نفسه ؛ كما يعجز عن حل الشبهة السوفسطائية ، وهذا يزول بالاستعاذة بالله ، فإن الله هو الذي يعيذ العبد ويجيره من الشبهات المضلة والشهوات والمغوية ، ولهذا أمر العبد أن يستهدي ربه في كل صلاة فيقول : {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ * صِرَاطَ الَّذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّيْنَ}[الفاتحة 6-7] ، وفي الحديث الإلهي الصحيح ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى : «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ»[5]…”[6].

(2)

وأشبه الناس بهؤلاء “المتشككين أو الـ:”لا أدريين” هم الملاحدة الجهمية المعطلة ،

·      يقول الإمام الذهبي رحمه الله : “وهؤلاء المعطلة لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي :

المسلك الأول : الاقتصار على نفي الإثبات ؛ فقالوا : لا يسمى بإثبات .

المسلك الثاني : أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي .

المسلك الثالث : السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي .

المسلك الرابع : تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها .

فهذا الصنف من المعطلة اتفقوا على إنكار الأسماء جميعها ، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.

ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره ، والله منزه عن مشابهة الغير .

فهؤلاء المعطلة المحضة -نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً ، فيقولون : إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين ، وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير ، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم ، بل قالوا إذا قلنا موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجود ، وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حيًا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز» ، وهو قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة ، فهم يقولون : لا نسميه حيًّا ولا عالماً ولا قادراً ولا متكلماً إلا مجازاً ؛ بمعنى السلب والإضافة ؛ أي : هو ليس بجاهل ولا عاجز ، وهذا كذلك قول ابن سينا وأمثاله .

وأما أصحاب المسلك الثاني فقد زادوا في الغلو ؛ فقالوا : لا يسمى بإثبات ولا نفي ، ولا يقال موجود ولا لا موجود ، ولا حي ولا لاحي ؛ لأن في الإثبات تشبيهاً بالموجودات ، وفي النفي تشبيهاً له بالمعدومات ، وكل ذلك تشبيه ، وهذا المسلك ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة .

وأما أصحاب المسلك الثالث ؛ فيقولون : نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ، ولا حي ولا ميت ، فلا ننفي النقيضين ، بل نسكت عن هذا وهذا ، فنمتنع عن كل من المتناقضين ، لا نحكم بهذا ولا بهذا ، فلا نقول ليس بموجود ولا معدوم ، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم ، ومن الناس من يحكى هذا عن الحلاج ، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط ، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه ، وأصحاب هذا المسلك هم المتجاهلة اللاأدرية ، وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة ؛ الذين يقولون : لا نثبت ولا ننفي ، وأصحاب المسلك الأول هم المكذبة النفاة ….

وهناك مسلك رابع ؛ وهو : مسلك أصحاب وحدة الوجود ؛ الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود ، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد”[7].

نكمل في الحلقات التالية إن شاء الله .



(1) انظر : المذاهب الفكرية المعاصرة ؛ لغالب عواجي (2/1008) ، (2/1182) ، وانظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ؛ للندوة العالمية للشباب ، ص : (2/910-911) .

(2) انظر : التعليق السابق .

 (3) تيسير الكريم الرحمن ، ص (602) .

(4) تيسير الكريم الرحمن ، ص (302) .

(5) رواه مسلم (6664) .

(6) درء التعارض (3/309-311) .

(7) كتاب العرش (1/78-81) .

اكتشاف المزيد من مدونة عبدالله بن ناصر الناجم العلمية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading