عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (46)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
﴿مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون﴾ [الأعراف:186].
يُحَاوِلُ أَهْلُ التَّحَرُّرِ وَالْمُجُوْنِ “اللِّيِبْرَالِيُّوْنَ” -عَبَثًا- أَنْ يُصَوِّرُوْا لِلنَّاسِ -بِمَا تَحَقَّقَ لَهُمْ مِنْ مَكَاسِبَ مَزْعُوْمَةٍ- أَنَّهُمْ اِنْتَصَرُوْا فِيْ مَعْرَكَتِهِمْ مَعَ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ !!
وَهَذَا مِنْهُمْ غَيْرُ مُسْتَغْرَبِ ، فَحَالُهُمْ كَحَالِ أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون}[الروم:7] !!
أَلَا يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقُ الْفُجَّارُ أَنَّ لِلَّهِ سُنَنًا لَا تَتَخَلَّفُ ، لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَغَيَّرُ ، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}[الأحزاب:62] ،
وَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ : “سُنَّةُ اِسْتِدْرَاجِ اللهِ -جَلَّ وَعَزَّ- الظَّالِمِيْنَ” ، “فَكَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالنِّعَمِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ، مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ الْجُهَّالِ عَلَيْهِ ، مَغْرُورٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ حَوَائِجَهُ وَسَتْرِهِ عَلَيْهِ!
وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَلَامَةُ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاحِ ، ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ”[1].
قَالَ تَعَالَى : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ}[المؤمنون: 55- 56] ،
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 178]،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}[الْحَجّ: 48] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[إِبْرَاهِيمَ: 42] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}[التَّوْبَة: 55] ،
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الْأَنْعَامِ: 44]”[2].
فَيَا أَيُّهَا الْفَاسِقُ اللِّيِبْرَالِيُّ اِعْمَل مَا أَنْتَ عَامِلُهُ فَـ ، «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ”[3]، وَعَذَابُ اللهِ شَدِيْدٌ ، {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين}[الأنعام:147] ،
وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ فَكَنْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْأَتْقِيَاءِ ، وَلَا تَسْتَوْحِشْ ظُلْمَةَ الطَّرِيْقِ ، فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌّ عِبَادَهُ الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ ، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُون}[الروم:60] .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنَّا الْمِحْنَةَ ، وَيُذِلَّ أَعْدَاءَنَا الْمُتَحَرِّرِيْنَ الْفَجَرَةَ ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ .