فَبِمَوْتِ أَهْلِ الْخُرَافَةِ وَالْبِدْعَةِ فَلْيَفْرَحْ أَهْلُ الْإِيْمَانِ وَالسُّنَّةِ ،
هَذَا مَقَالٌ أُبَيِّنُ فِيْهِ أَنَّ هَلَاكَ الطُّغَاةِ مِنْ أَهْلِ الْاِبْتِدَاعِ فِيْهِ فَرَحٌ وَحَمْدٌ لِأَهْلِ الْإِيْمَانِ ، وَفِيْهِ فَضْحٌ وَانْكِشَافٌ لِلْمُتَسَتِّرِيْنَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ ، الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْاِتِّبَاعِ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد :
(مقدمة)
(1)
الفرح بموت أهل الخرافة والبدعة سنة سلفية أثرية ، جاءت النصوص والآثار في إثباتها ، خاصة إذا كان الهالك من أصحاب البدع المكفرة ، المستغيثين بغير الله ، وطالبي المدد من الصالحين والأولياء ،
والله يُفرح {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِين}[التوبة:14] بإماتته الكفار ، ومن شابههم من المبتدعة الضُلَّال ؛ وهو-أي : موت أهل الانحراف المبتدعة- نعمة من الله وفضل ، به تندحر البدع ، وتعلو السنن ، فالحمد لله على جليل نعمه وفضائله ؛ {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون”[يونس:58] ،
ودل على ما أقول أدلة وآثار كثيرة ، فإليكم شيئًا منها :
· قال تعالى : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الأنعام:44-45] ،
· قال البغوي رحمه الله في تفسير الآية السابقة : “قوله : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} ؛ أي : آخرهم … ، ومعناه : أنهم استؤصلوا بالعذاب ، فلم يبق منهم باقية ، {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ} : حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم ؛ لأنه نعمة على الرسل ، فذكر الحمد لله تعليمًا لهم ولمن آمن بهم ، أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين ، وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين”([1]).
· وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ : “مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : “العَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ”([2])،
· قال محمد بن علي بن آدم الأثيوبي رحمه الله في شرحه للحديث السابق : “… ، وقع في رواية ابن حبان بلفظ «الكافر» بدل الفاجر ، ولفظه : «والكافر يموت ، فيستريح منه العباد ، والبلاد ، والشجر ، والدواب» ، «يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ، قال الداودي رحمه الله : أما استراحة العباد فلما يأتي به من المنكرات ، فإن أنكروا عليه آذاهم ، وإن تركوه أَثِمُوا ، واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي ، فإن ذلك مما يحصل به الْجَدْب ، فيقتضي هلاك الحرث والنسل”([3]).
· وَعَنْ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَتَلَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : انْظُرُوا ، فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “إِنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ لَا يُجَاوِزُ حَلْقَهُمْ ، يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَقِّ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، سِيمَاهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ رَجُلًا أَسْوَدَ مُخْدَجَ الْيَدِ ، فِي يَدِهِ شَعَرَاتٌ سُودٌ” إِنْ كَانَ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ شَرَّ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ ، فَبَكَيْنَا ، ثُمَّ قَالَ : اطْلُبُوا ، فَطَلَبْنَا فَوَجَدْنَا الْمُخْدَجَ ، فَخَرَرْنَا سُجُودًا ، وَخَرَّ عَلِيٌّ مَعَنَا سَاجِدًا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : “يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ”([4])،
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -في تعليقه على الأثر السابق-: “وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارجَ ، وذكر فيهم سنَّة رسول الله المتضمنة لقتالهم ، وفرح بقتلهم ، وسجد لله شكراً لما رأى أباهم مقتولاً ؛ وهو ذو الثُّدَيَّة”([5]).
· وقال سلمة بن شبيب : كنت عند عبد الرزاق -يعني الصنعاني- فجاءنا موت عبد المجيد -وعبد المجيد هذا هو ابن عبدالعزيز بن أبي روَّاد ، وكان رأساً في الإرجاء- فقال : “الحمد لله الذي أراح أُمة محمد من عبد المجيد”([6]).
· قيل لأبي عبد الله : الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد ، عليه في ذلك إثم ؟ قال : “ومن لا يفرح بهذا؟”([7])،
· وذكر الخطيب البغدادي رحمه الله في تاريخه أن عبيد الله بن عبدالله بن النقيب كان شديداً في السنة ، فلما مات شيخ الرافضة (ابن المعلم ) جلس للتهنئة ، وقال : ما أبالي أي وقت مت ، بعد أن شاهدت موت ابن المعلم”([8]).
· وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في أحد المبتدعة الروافض -وكان متنفذًا في الدولة- : “أراح الله المسلمين منه في هذه السَنَةِ ، في ذي الحجة منها ، ودفن بداره ، ثم نقل إلى مقابر قريش ، فلله الحمد والمنة ، وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً ، وأظهروا الشكر لله ، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله”([9]).
(2)
وموت أهل البدع -ممن وصفنا- يميز الله به صف أهل السنة الثابتين من صف أهل البدعة الضالين المضلين ، ويكشف به عوار المتسترين والمنافقين ، الموالين المحبين لأخدانهم من القبوريين ، وأهل الإلحاد المارقين ، و{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران:179] ، ومن آثارهم تعرفونهم ،
وإني لا أعجب من صنيع الهمج الرعاع ، من التلاميذ والأقرباء حين يحزنون ويألمون لموت رؤوسهم وشيوخهم وأقاربهم من أهل الابتداع ، ولكني أعجب وآسى -حقًا- ممن ينتسبون إلى أهل السنة حين نراهم -في أحايين كثيرة- إذا هلك رأس من رؤوس الزنادقة والمشركين سارعوا إلى إرسال رسائل التعزية والمواساة ؛ وإني أقول -ناصحًا- لهؤلاء ، احذروا فإنكم على خطر عظيم ، ومن هذه الوقائع وأمثالها تتجلى لنا في شأنكم الحقائق ، ونعرف السني من غيره ، و”الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”([10])،
· قال ابن المبارك رحمه الله : “من خفيت علينا بدعته لم تخف علينا ألفته”([11])،
· وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : “من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع”([12])،
· وقال قال محمد بن عبيدالله الغلابي رحمه الله : “كان يقال : يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة”([13]).
· وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فرقة الاتحادية -ويلحق بهم من شابههم من الزنادقة والملحدين- : “ويجب عقوبة كل من انتسب اليهم ، أو ذب عنهم ، أو أثنى عليهم ، أو عظم كتبهم ، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهم ، أو كره الكلام فيهم ، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو ، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب ، وأمثال هذه المعاذير ، التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ، ولم يعاون على القيام عليهم ، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان ، على خلق من المشايخ والعلماء ، والملوك والامراء ، وهم يسعون في الأرض فساداً ، ويصدون عن سبيل الله”([14]).
فيا أهل السنة انظروا واعتبروا وتدبروا في أمركم ؛ فلا يغرنكم بالله الغرور ، ولا يصرفنكم عن دينكم والتمسك بسنة نبيكم العواطف ، ولا أهل الشرور .
اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ ،
وَصَلِّ اللُّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْأَمِيْنِ ، وَآلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .
[1] تفسير البغوي (3/144) .
[2] رواه البخاري (6512) ، ومسلم (2160) .
[3] البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (18/424-425) .
[4] رواه مسلم (2432) ، وأحمد (848) ، واللفظ له .
[5] مجموع الفتاوى (20/395) .
[6] سير أعلام النبلاء ؛ للذهبي (9/435) .
[7] السنة ؛ للخلال (1769) .
[8] تاريخ بغداد (5553) .
[9] البداية والنهاية ؛ لابن كثير (12/338) .
[10] رواه البخاري (6168) ، ومسلم (6811) .
[11] الإبانة الصغرى ؛ لابن بطة (173) .
[12] طبقات الحنابلة ؛ لابن أبي يعلى (2/43) .
[13] الإبانة الكبرى ؛ لابن بطة (510) .
[14] مجموع الفتاوى (2/132) .