عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (50)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]
فَمَنْ يَتَوَلَّى مِنْكُمْ -أَيُّهَا الْمَسْلِمُوْنَ- أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ ؛ يَهُوْدِيًّا كَانَ ، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، أَوْ وَثَنِيًّا ، أَوْ مُلْحِدًا ، أَوْ مُرْتَدًّا صَارَ كَافِرًا مِثْلَهُ إِجْمَاعًا[1]،
وَقَالَ تَعَالَى -مُحَذِّرًا عِبَادَهُ- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[المائدة:57] ،
وَ”التَّوَلِّي” -هُنَا- مَعْنَاهُ : النُّصْرَةُ وَالْمُعَاوَنَةُ ؛ أَيْ : نُصْرَةُ وَمُعَاوَنَةُ الْكُفَّارِ ضَدَّ الْمُسْلِمِيْنَ ، بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاوَنَةِ ، كَالذَّبِّ عَنْهُمْ ، وَإِعَانَتِهِمْ بِالْمَالِ ، وَالْبَدَنِ ، وَالسِّلَاحِ ، وَالرَّأْيِّ ، وَدَلَالَتِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَالسَّعْيِّ فِيْمَا يَظْهَرُ بِهِ دِيْنُهُمْ ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّعْطِيْلِ ، وَالشِّرْكِ ، وَالْمُوْبِقَاتِ الْعِظَامِ[2].
وَهَذَا النَّاقِضُ يَسْتَهِيْنُ بِهِ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَحُكَّامِ الدُّوَلِ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوْبِ مُنَافَاةً لِأَصْلِ الْإِسْلَام ،
“فَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَرَفْتَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَقِيْمُ لَهُ دِيْنٌ وَلَا إِسْلَامٌ -وَلَوْ وَحَّدَ اللهَ وَتَرَكَ الشِّرْكَ- إِلَّا بِعَدَاوَةِ الْمُشْرِكِيْنَ ، وَالتَّصْرِيْحِ لَهُمْ بِالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون}[سورة المجادلة:22] ؛ فَإِذَا فَهَمْتَ هَذَا فَهْمًا حَسَنًا جِيِّدًا ، عَرَفْتَ أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ الَّذِيْنَ يَدَّعُوْنَ الدِّيْنَ لَا يَعْرِفُوْنَهَا”[3]،
اللَّهُمَّ إِنَّا نُشْهِدُك أَنَّا نَبْغَضُ الْيَهُوْدَ ، وَالنَّصَارَى ، وَكُلَّ كَافِرٍ مُشْرِكٍ ، أَوْ مُلْحِدٍ ، أَوْ مُرْتَدٍّ ، لَا نُوَالِيْهِمْ ، وَلَا نُوَادُّهُمْ ، وَلَا نُقَرِّبُهُمْ ؛ بَلْ نُكَفِّرُهُمْ ، وَنُكَفِّرُ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ ،
اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى هَذَا حَتَّى نَلْقَاكَ .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ وَمُصْطَفَاكَ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَالْأَصْحَابِ ، وَعَلَى التَّابِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْمَآبِ .