التَّحْذِيْرُ الْمُتَوَالِي مِمَّا وَرَدَ فِيْ كِتَابِ : “إِمَامِ الْأَنْبِيَاءِ فِيْ الشِّعْرِ الْأَحْسَائِيِّ” مِنَ الْمَدِيْحِ الْغَالِي .
رَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى كِتَابٍ جَمَعَ فِيْهِ صَاحِبُهُ : “عَبْدُ اللهِ بْنُ صَلَاحٍ الْخَلِيْفَةُ” مَجْمُوْعَةً مِنْ قَصَائِدَ لِشُعَرَاءَ أَحْسَائِيِّيْنَ ، فِيْ مَدْحِ الرَّسُوْلِ الْأَمِيْنِ ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلَاةِ وَأَتَمُّ التَسْلِيْمِ ، سَأَرْصُدُ مِنْ خِلَالِ هَذَا الْمَقَالِ -نُصْحًا لِلْعِبَادِ ، مِنْ قَاطِنِي الْأَحْسَاءِ ، أَوْ خَارِجِهَا- مَا وَجَدْتُهُ فِيْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ ضَلَالَاتٍ وَانْحِرَافَاتٍ ، وَسَأُتْبِعُهُ بِبَعْضِ النَّصَائِحِ الْمُهِمَّةِ لِلْعَوَامِّ وَالْخَوَاصِ ، عَلَّهَا تَكُوْنُ مُفِيْدَةً نَافِعَةً مُنْجِيَةً -لَنَا وَلَهُمْ- يَوْمَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ .
-(الجزء الأول)-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد :
(مقدمة)
(1)
لا زال المبتدعة في بلادنا ينفثون سمومهم البدعية من خلال مؤلفاتهم الخلفية ، عبر مواقعهم ومؤسساتهم الوقفية ، يقودهم في ذلك دعاة على أبواب جهنم ، يؤزونهم إلى السقوط في الهاوية أزًّا مستطيرًا ، نسأل الله العفو والعافية .
وهذه المرة قد اعتلوا منصة الشعر لنشر ضلالاتهم وبدعهم ، في كتاب أسموه : “إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم في الشعر الأحسائي ، خلال خمسة قرون (995ه- 1441ه)” ، من تأليف : عبد الله بن صلاح الخليفة ، جمع فيه مدائح قيلت في الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لشعراء أحسائيين مختلفين ، معاصرين وغير معاصرين ، وقع كثير منهم في تجاوزات وانحرافات مما جعلنا نسطر هذا المقال بيانًا للحق ، ودفاعًا عن جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مني من أوجب ما يكون عليَّ -وعلى أمثالي من أهل العلم- مكافحة للفساد عن بلادنا ، وعن سائر بلاد المسلمين في مختلف الأقطار ، وردعًا للجناة من دعاة البدع الضُلَّالِ ،
(2)
– تتولى “مؤسسة وقف العلم” -والتي يمسك بخطامها الصوفي الأشعري : عبد الإله العرفج- كِبْرَ نشر هذا الكتاب ، وقد كتبت ردًا مطولاً على هذه المؤسسة في مقال لي أسميته : «الْبَيَانُ وَالنَّقْدُ لِمَا يُسَمَّى بِـ”مُؤَسَّسَةِ وَقْفِ الْعِلْمِ”» ، بأجزائه الأربعة[1]، مسطورة في مدونة الأحساء العلمية .
– قدم لهذا الكتاب ثلاثة : الشيخ عبد المحسن البنيان ، والدكتور عبد الحميد المبارك ، والدكتور عبد الإله العرفج ،
وهذا الأخير قد رددت عليه -بدعه وانحرافاته- في غير ما مقال ، وقد رد عليه غيري -أيضًا- في كتب ومقالات متعددة معروفة مشتهرة[2]،
وأما الذي قبله فلا يقل عنه خطورة ، لكنه مقل جدًا في التأليف ، وسأتناوله بالرد في مقال خاص به[3] ،
وأما أولهم فهو شيخ من شيوخ أهل السنة ، سأوجه له -عفا الله عنه- لومي وعتابي في الجزء الثاني من هذا المقال ، بحول الله .
(3)
– وأهم الانحرافات والأخطاء التي وقعت في الكتاب -آنف الذكر- تكمن فيما يلي :
1) انحرافات شركية ؛ كسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة -عند قبره ، أو بعيد عنه- .
2) انحرافات بدعية ؛ كـ:
الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بأنه :”سر الوجود” ،
والزعم بأن الشمس والقمر استمد نورهما من نوره صلى الله عليه وسلم ،
التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم ،
والنذر بتقبيل أعتاب حجرته صلى الله عليه وسلم ، ولثم مواطئه ،
وشد الرحل لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم .
3) أخطاء أخرى ؛ كتسميتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ”طه” .
– وسأختمه ببعض النصائح والتوجيهات والتنبيهات ، للعوام والخواص ، علها تكون نافعة لنا ولهم يوم أن نلقى الله يوم العرض والحساب ،
والآن أوان الشروع في المقصود ، فأقول وبالله التوفيق :
أَوَّلًا :
اِنْحِرَافَاتٌ شِرْكِيَّةٌ ؛ كَسُؤَالِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّفَاعَةَ -عِنْدَ قَبْرِهِ ، أَوْ بَعِيْدًا عَنْهُ– .
من ذلك :
1) قصيدة لـ”إبراهيم بن حسن الملا” ، ص : (23) ، ومما جاء فيها قوله :
يا أحمد المختار من رتب العلا *** والمجد والإفضال في أعلاها
يا من تلوذ الأنبياء بجنابه *** يوم الوغى فبلطفه يرعاها
ما إن تعد فضيلة أو نعمة *** في الخلق من أقصى ومن أدناها
إلا وأنت نقيبها وإمامها *** ووسيلة فيها إلى مولاها
فاسمح بفضلك سيدي لمتيَّم *** يرجوك في الدنيا وفي أخراها
يرجو جوارك فيهما وشفاعة *** لذنوبه والظهر لا يقواها
وأنله قربًا منك إن قليبه *** يهواك في بيدا الهوى قد تاها
فاشفع له في ذنبه ولك لمن *** والى فجاهك ليس يشبه جاها
صلى عليك الله ما شهدت له *** كل الخلائق أنه أنشاها
2) قصيدة لـ”أحمد بن عبد الله العبد القادر” ، ص : (38-39) ، ومما جاء فيها قوله :
يا صاحب الجاه العريض وصاحب الذ *** يل الطويل في المعالي الشمس
كن لي إذا صحف البرية نشرت *** وصحيفتي كصحيفة المتلمس
واقبل ثنائي فهو جهدي إنني *** إن رمت تعدادًا لفضلك أخرس
فاعطف وجد فضلاً فجودك واسع *** والكل من شؤبوب فضلك محتسي
وعبيدك المدعو أحيمد نجل عبـ *** ـــد الله نادى يا غناء المفلس
حاشا لمثلك أن يخيب طالبًا *** أو يرجع الراجي بوجه عابس
وعليك صلى ذو الجلال مسلمًا *** ما ناح طير في الغداة وفي المسي
3) قصيدة لـ”محمد بن عبد الله آل فيروز” ، ص(45) ، ومما جاء فيها قوله :
فيا شمس الوجود بغير ريب *** ومن أولى الجميل بغير منة
ذنوبي أثقلت ظهري وما لي *** ملاذ غير جاهك فاقبلنه
وكن لي شافعًا يوم التنادي *** فما نفسي بغيرك مطمئنة
عليك الله صلى ما تغنى *** مقيريح بصوت فيه غنة
4) قصيدة لـ”محمد بن أحمد العبد اللطيف” ، ص(50-51) ، ومما جاء فيها قوله :
فيا كعبة الآمال يا من بسوحه *** تحط رحال البائسين تتابع
ويا حرم الأمن الذي هو مأمن *** فمن حله يومًا فما هو فازع
نظمت قريضي في محاسنك التي *** مداها من التعداد والحصر شاسع
وما لي من قصد سوى أن تجود لي *** بعطف لتحيا من جسيمي بلاقع
فإني معتز لفضلك بائس *** فقير بغير الوصل ما أنا قانع
فلعلك يا مختار تمنح رجعة *** إلى طيبة فيها تطيب المراتع
وتسعفني إطلاق أسري في الهوى *** وفرعون نفسي كيده متتابع
فإن ذنوبي أثقلتني وما لها *** سوى أملي في الحشر أنك شافع
وحاشاي أن أخزى ولي منك ذمة *** وأنت وفي العهد ما أنت خادع
وحسن ختامي بالصلاة عليك يا *** شفيع البرايا والسلام يتابع
5) قصيدة لـ”عبد الرحمن بن أبي بكر الملا” ، ص(80-81) ، ومما جاء فيها قوله :
يا رسولاً به يبشر عيسى *** قائلاً : اسمه لدى الله أحمد
قد أتيناك زائرين وها نحـ *** ـن ضيوف وضيف جودك يرفد
فأنلنا منك الشفاعة يوم الـ ***ـحشر يومًا به الخلائق تحشد
يا حبيبًا أسرى به الله ليلاً *** فاعتلى كوكبًا تسامى وفرقد
كل من أتاك يحمل ثقلًا *** من ذنوب فحين يللقاك يسعد
فرجانا قد كان فيك مكينًا *** أنت بعد الإله ملجا ومقصد
يا شفيعًا أعطي الشفاعة والنا *** س عكوف أنفاسهم تتصعد
لا يخيب الذي أتاك خجولاً *** وبأوزاره الثقال مقيد
فحماك الحمى وجاهك جاه *** من به لاذ لا يضام ويطرد
فأنلني شفاعة منك تمحو *** كل ذنب جنيته يا مؤيد
فأنا الآن في جوارك كريم *** والكريم الذي يزار ويقصد
فقرائي منك الرضا وقبولي *** يا جوادًا بالجوج حقًا تفرد
وصلاة عليك من عابد الرحـ ***ـمن من ذا أشواقه تتجدد
6) قصيدة لـ”عبد الله بن محمد الرومي” ، ص(85) ، ومما جاء فيها قوله :
فالله يعلي شأنه *** يوم الجزا في الآخرة
ويرتضيه شافعًا *** له العلا والسيطرة
قصدته بطيبة *** طابت به للخيرة
شددت رحلي قاصدًا *** حضرته المطهرة
فزرته زيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارة *** يوم الجزا مدخرة
بها فؤادي قد قضى *** رغم العوادي وطره
وقفت في حضرته *** وأدمعي منهمرة
وهبت نفسي سيدي *** عبدًا رجاء المغفرة
وقلت : يا خير الورى *** مني إليك المعذرة
فاستغفر الله لمن *** يشكو إليك قصره
واستغفر الله لمن *** أتى أمورًا منكرة
فأنت ذو جاه لدى *** آل الدنا والآخرة
في تضيعني فلي *** فيك ظنون خيرة
لا تجعلن صفقتي *** يوم اللقاء خاسرة
صلى عليك الله ما *** جادت بوبل ماطرة
التعليق :
– قد تواطأت أقوال هؤلاء الشعراء على الشرك بالله -والعياذ بالله- بالسؤال والطلب من النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره -أو بعيدًا عنه- يطلبون منه الشفاعة لهم بمغفرة الذنوب ، وكأنهم قد تواصوا على هذا المنكر العظيم ، والذنب الكبير ، نسأل الله العفو والعافية ، فـ:
أولهم يقول : “فاسمح بفضلك سيدي لمتيَّم ** يرجوك في الدنيا وفي أخراها ** فاشفع له في ذنبه ولك لمن ** والى فجاهك ليس يشبه جاها ،
وثانيهم يقول : يا صاحب الجاه العريض وصاحب الذ ** يل الطويل في المعالي الشُمَّسِ ** كن لي إذا صحف البرية نشرت ** وصحيفتي كصحيفة المتلمس ** فاعطف وجد فضلاً فجودك واسع ** والكل من شؤبوب فضلك محتسي .
وثالثهم يقول : فيا شمس الوجود بغير ريب ** ومن أولى الجميل بغير منة ** ذنوبي أثقلت ظهري وما لي ** ملاذ غير جاهك فاقبلنه ** وكن لي شافعًا يوم التنادي ** فما نفسي بغيرك مطمئنة .
ورابعهم يقول : فلعلك يا مختار تمنح رجعة ** إلى طيبة فيها تطيب المراتع ** وتسعفني إطلاق أسري في الهوى ** وفرعون نفسي كيده متتابع ** فإن ذنوبي أثقلتني وما لها *** سوى أملي في الحشر أنك شافع .
وخامسهم يقول : قد أتيناك زائرين وها نحـ ** ـن ضيوف وضيف جودك يرفد ** فأنلنا منك الشفاعة يوم الـ **ـحشر يومًا به الخلائق تحشد .
وسادسهم يقول : وهبت نفسي سيدي ** عبدًا رجاء المغفرة ** وقلت : يا خير الورى ** مني إليك المعذرة ** فاستغفر الله لمن ** يشكو إليك قصره ** واستغفر الله لمن ** أتى أمورًا منكرة،
وتفصيل الرد على هذه الأبيات يكون بما يلي :
– من سأل النبي صلى الله عليه وسلم -أو غيره من الأموات- الشفاعة ؛ فقال : يا رسول الله اشفع لي عند ربك ، أو ادع الله أن يغفر لي ذنوبي ، أو يفرج همي -أو نحو ذلك من الدعوات- فقد وقع في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة ، لأن طلب الشفاعة من الأموات بعد موتهم -عند قبورهم ، أو بعيدًا عنها- دعاء ، والدعاء عبادة ، والعبادة لا تكون إلا لله وحده ، قال تعالى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِين}[الأحقاف:5-6] ، وقال تعالى : {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُون}[المؤمنون:117] ، وقال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ}[الزمر:43] ، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار”[الزمر:3] ،
– ولا فرق بين كون المرء يسأل -مباشرة- النبي صلى الله عليه وسلم -أو غيره من الأموات- تفريج الكرب وقضاء الحاجات ، أو يطلب منه ويسأله ويناديه بأن يستغفر له ربه ، قال تعالى : {إن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}[فاطر: 14] ، وقوله : {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}[يونس:106] ،
فالأموات لا يقدرون أن ينفعوا أحدًا بعد موتهم ، أو يضروهم ؛ لأنهم لا يسمعون دعاء الحي ، ولو سمعوا ما استجابوا ،
· يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “ومنهم من يتأول قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}[النساء:64] ، ويقولون : إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ، ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين ، فإن أحداً منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ، ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم ، وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء ، وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه ، سيأتى ذكرها وبسط الكلام عليها -إن شاء الله تعالى- فهذه الأنواع من خطاب الملائكة ، والأنبياء ، والصالحين بعد موتهم عند قبورهم ، وفي مغيبهم ، وخطاب تماثيلهم : هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب ، وفي مبتدعة أهل الكتاب ، والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك ، والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى ، قال الله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى:21]”[4].
· وقال -أيضًا- رحمه الله : “وقد كان جماعة يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه الرقية ويطلبون ذلك من بعض أصحابه ، وهذا وإن كان جائزًا لكن أولئك لا يسألون إلا الله ، فدرجتهم أعلى ، وأما بعد موته ، فلم يكن الصحابة يطلبون منه ما كانوا يطلبون منه في حياته ، لا من دعاء ، ولا من غير دعاء البتة ، ولا كان السلف في القرون الثلاثة يأتون إلى قبر أحدٍ من الأنبياء والصالحين ، يطلبون منه حاجة ، ولا دعاء ، ولا غيره ، ولا يسافرون إلى قبره ، بل إذا زاروا قبور المؤمنين كان مقصودهم الدعاء لهم ؛ كالصلاة على جنائزهم ، لا دعاؤهم ، ولا الدعاء بهم ، فتبين أن قول جمهور العلماء الذين لا يستحبون أن يطلب منه بعد موته استغفار ، ولا غيره ، هو المشروع الذي كان عليه الصحابة ، وأيضًا فلو شرع أن يطلب من الميت الدعاء ، والشفاعة ، كما كان يطلب منه في حياته ؛ كان ذلك مشروعًا في حق الأنبياء ، والصالحين ، فكان يسن أن يأتي الرجل قبر الرجل الصالح ، نبيًّا كان ، أو غيره ، فيقول ادع لي بالمغفرة ، والنصر ، والهدى ، والرزق ، اشفع لي إلى ربك ، فيتخذ الرجل الصالح شفيعًا بعد الموت ، كما يفعل ذلك النصارى ، وكما تفعل كثير من مبتدعة المسلمين ، وإذا جاز طلب هذا منه ، جاز أن يطلب ذلك من الملائكة ، فيقال : يا جبريل ، يا ميكائيل ، اشفع لنا إلى ربك ، ادع لنا ، ومعلوم أن هذا ليس من دين المسلمين ، ولا دين أحد من الرسل ، لم يسنّ أحد من الأنبياء للخلق أن يطلبوا من الصالحين الموتى ، والغائبين ، والملائكة ، دعاء ، ولا شفاعة ، بل هذا أصل الشرك ، فإن المشركين إنما اتخذوهم شفعاء ، قال تعالى : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}[يونس: 18] ، وقال : {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94] ، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم: 26] ، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ: 22-23] ، وقال : {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ}[الأنعام: 51] ، وقال : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ}[السجدة: 4] ، وقال : {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}[يونس: 3]”[5].
· ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : “طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من غيره من الأموات لا يجوز ، وهو شرك أكبر عند أهل العلم ؛ لأنه لا يملك شيئاً بعدما مات عليه الصلاة والسلام ، والله يقول : {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر: 44] ، الشفاعة ملكه سبحانه وتعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات لا يملكون التصرف بعد الموت في شفاعة ولا في دعاء ولا في غير ذلك”[6].
· وقال -أيضًا- رحمه الله : “طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من غيره من الأموات أمر لا يجوز ، وهو على القاعدة الشرعية ، من الشرك الأكبر ، لأنه طلب من الميت شيئًا لا يقدر عليه ، كما لو طلب منه شفاء المريض ، أو النصر على الأعداء ، أو غوث المكروبين ، وما أشبه ذلك ، فكل هذا من أنواع الشرك الأكبر ، ولا فرق بين طلب هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من الشيخ عبد القادر أو فلان أو فلان ، أو من البدوي ، أو من الحسين ، أو من غير ذلك ، طلب هذا من الموتى أمر لا يجوز ، وهو من أقسام الشرك ، وإنما الميت يترحم عليه إذا كان مسلمًا ، ويدعى له بالمغفرة والرحمة”[7]،
· وقال فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : “ومن الشبه التي تعلقوا بها : قضية الشفاعة ؛ حيث يقولون : نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله ، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله ؛ لأنهم أهل صلاح ومكانة عند الله ؛ فنحن نريد بجاههم ، وشفاعتهم ، والجواب : أن هذا هو عين ما قاله المشركون -من قبل- في تسويغ ما هم عليه ، وقد كفَّرهم الله ، وسمَّاهم مشركين ؛ كما في قوله تعالى : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس:18]”[8].
– وغلط الصوفية -ومن نحا نحوهم- حين قالوا : ما دام أن الأنبياء أحياء في قبورهم ، كما جاء بذلك الحديث فحياتهم هذه كحياتهم في الدنيا سواء بسواء ؛ من حيث جواز الطلب منهم ودعاؤهم ، وسؤالهم المدد ، وهذا منهم خطأ وانحراف ؛ إذ المقصود بالحياة في هذا الحديث حياة برزخية خاصة ، لا تقتضي التكليف ؛ لأن أعمالهم قد انقطعت في الدنيا ،
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة حياة الأنبياء في قبورهم : “وأما كونه رأى موسى قائما يصلي في قبره ورآه في السماء -أيضًا- فهذا لا منافاة بينهما فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة ، في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك ليست في ذلك كالبدن … ، وهذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ، ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح ؛ فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَفَسَ ؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل ، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس ، وتتلذذ به ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[9]، يريد به العمل الذي يكون له ثواب ، لم يرد به نفس العمل الذي يتنعم به ، فإن أهل الجنة يتنعمون بالنظر إلى الله ويتنعمون بذكره ، وتسبيحه ، ويتنعمون بقراءة القرآن ، ويقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ، ويتنعمون بمخاطبتهم لربهم ومناجاته ، وإن كانت هذه الأمور في الدنيا أعمالا يترتب عليها الثواب ؛ فهي في الآخرة أعمال يتنعم بها صاحبها أعظم من أكله ، وشربه ، ونكاحه …”[10].
– أما سؤال المرء الشفاعة من الأحياء ؛ بمعنى أن يطلب منهم أن يدعوا له الله بالمغفرة والرحمة ، أو بنزول المطر ، أو بالتوفيق في معاشه في حياته ، وحسن الختام بعد مماته -أو نحو ذلك من الدعوات- فهذا في أصله مشروع ، كما كان يحدث ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وعصر الصحابة والتابعين ، وما بعدهم ، وكما سيحدث في الآخرة عندما يطلب من في الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ؛ بمعنى : أن يذهب ليدعو الله لهم بأن يريحهم من شدة وهول الموقف ، وهذا من باب طلب الدعاء من : الحي ، الحاضر ، القادر ، وهذا الحي -سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره- أنت : “لا تطلب منه الفعل ، ولا تدعوه ، ولكن تطلب أن يدعو لك ؛ كما تقول للحي : ادع لي ، وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء فهذا مشروع في الحي كما تقدم ، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول : ادع لنا ، ولا اسأل لنا ربك ، ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ، ولا أمر به أحد من الأئمة ، ولا ورد فيه حديث ، بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس ، وقال : «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتُسْقِيَنَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا ؛ فَيُسْقَوْنَ»[11]، ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلين : يا رسول الله ادع الله لنا ، واستسق لنا ، ونحن نشكو إليك مما أصابنا -ونحو ذلك- لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط ، بل هو بدعة[12]ما أنزل الله بها من سلطان ، بل كانوا إذا جاءوا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلمون عليه ، فإذا أرادوا الدعاء لم يدعوا الله مستقبلي القبر الشريف ، بل ينحرفون ، ويستقبلون القبلة ، ويدعون الله وحده لا شريك له ؛ كما يدعونه في سائر البقاع”[13].
– وأما الشفاعة التي في الآخرة فلا تكون إلا لله وحده ، ومنه -فقط- تطلب ، قال تعالى : {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر: 44] ، ولا بد -مع ذلك- أن يأذن الله تعالى للشافع أن يشفع ، ويرضى عن الشافع والمشفوع له ، قال تعالى : {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}[النجم:26] ، وقال صلى الله عليه وسلم : “أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ، أَوْ نَفْسِهِ”[14]، فهذه الشفاعة حق لله لا ينالها أحد إلا بعد أن تتوفر الشروط المتقدمة فيه ، فإذا توفرت حق له أن يشفع عند الله ؛ وذلك بأن يدعو الله ويطلبه أن يخرج من أراد من النار ، أو يخفف عنه من العذاب ، أو نحو ذلك من الدعوات .
ثَانِيًا : اِنْحِرَافَاتٌ بِدْعِيَّةٌ ؛
من ذلك :
– وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سر الوجود ، جاء ذلك في قصيدة لـ”أحمد العبد القادر” ، ص : (38) ، يقول فيها :
المصطفى سر الوجود أجل من *** نبئ وأوقر من بدا في مجلس
التعليق :
وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سر الوجود وصف مبتدع محدث ، وهو من ألفاظ غلاة المتصوفة ، الذين يرون أن الدنيا وما عليها لم تخلق ولم توجد إلا لأجل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا باطل لا شك في بطلانه ؛ فالخلائق إنما خلقوا لأجل العبادة ؛ قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] ،
· يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد ، ولولا محمد ما خلقت الدنيا ، ولا خلق الناس !! وهذا باطل لا أصل له ، وهذا كلام فاسد ، فالله خلق الدنيا ليعرف ويُعلم سبحانه وتعالى وليُعبد جل وعلا ، خلق الدنيا وخلق الخلق ليُعرف بأسمائه وصفاته ، وبقدرته وعلمه ، وليعبد وحده لا شريك له ، ويطاع سبحانه وتعالى ، لا من أجل محمد ، ولا من أجل نوح ، ولا موسى ، ولا عيسى ، ولا غيرهم من الأنبياء ، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له ، خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعظم ويعلم أنه على كل شيء قدير ، وأنه هو القادر على كل شيء ، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] ، فبين سبحانه أنه خلقهم ليعبدوه ، لا من أجل محمد عليه الصلاة والسلام ، ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه ، يقول سبحانه : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:99] ، وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الظلاق:12]…”[15]،
– ومن ذلك :
الزعم بأن الشمس والقمر استمد نورهما من نور الرسول صلى الله عليه وسلم ، جاء ذلك في قصيدة لـ”إبراهيم الملا” ، ص : (23) ، يقول فيها :
لولا اقتباس الشمس من أنواره *** ما كان يعرف نورها وضياها
يا من هو البدر المنور للدجى *** والبدر ضاء بنوره وتباهى
التعليق :
الزعم بأن نور الشمس والقمر استمد نورهما من نور النبي صلى الله عليه وسلم زعم باطل ، مردود على صاحبه ، وأرى أنه من الغلو الذي نهينا عنه ،
قال صلى الله عليه سلم : “ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ”[16]،
وقال -أيضاً- صلى الله عليه وسلم : “لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ ، وَرَسُولُهُ”[17]،
· وسئلت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله السؤال التالي : إن جل الناس يعتقدون أن الأشياء خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن نوره خلق من نور الله ، ويروون “أنا نور الله وكل شيء من نوري” ، ويروون -أيضًا- : “أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم” ، فهل لذلك من أصل ؟ فأجابت : “سبق منا جواب مفصل بالفتوى رقم: (2871) هذا نصها : وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله ؛ إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته ، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببًا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح ، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك هذا نصها : للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده ، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله ، قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:51-53] ، وليس هذا النور مكتسبًا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة ، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم.. إلخ ، خُلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته ، وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه ، وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ، ونظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيًّا ، أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم ، فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن خلال الفتوى السابقة يظهر أنه اعتقاد باطل[18].
– ومن ذلك :
التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم ، جاء ذلك في قصيدة لـ”يحيى بن علي باشا الأحسائي” ، ص : (29) ، يقول فيها :
فعسى بجاهك أن يمن بعفوه *** رب كريم بالنوال تفردا
ويجود بالغفران منه تفضلاً *** وأنال عزًا من مديحك سرمدًا
التعليق :
التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم بدعة محدثة ، “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”([19])، وهو وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه[20].
· قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمشروع ، وإنما المشروع التوسل بأسماء الله وصفاته ؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }[الأعراف:180] ؛ يعني يسأل الله بأسمائه كأن يقول الإنسان : اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم ، بأنك الجواد الكريم ، اغفر لي ، ارحمني ، اهدني سواء السبيل ، وغير ذلك ، لأن الدعاء عبادة ، وقربة عظيمة ، كما قال الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، وقال عز وجل : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:186] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»[21] … ، لا يتوسل إلى الله إلا بما شرع ؛ من أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته ، أو بتوحيده سبحانه ، كما في الحديث : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ»[22]، أو بأعمالك الصالحة ، فتقول : يا ربي أسألك بإيماني بك ، وإيماني بنبيك محمد عليه الصلاة والســــلام ، اللهم إني أسألك بحبي لك ، أو بحبي لنبيك محمد عليه الصلاة والسلام ، أو اللهم إني أسألك ببري بوالدي ، أو عفتي عما حرمت عليّ ، يا رب أو ما أشبه ذلك ، فتسأله بأعمالك الصالحة التي يحبها وشرعها سبحانه وتعالى … ، فالوسيلة الشرعية هي : التوسل بأسماء الله وصفاته ، أو بتوحيده ، والإخلاص له ، أو بالأعمال الصالحات ، هذه الوسيلة الشرعية التي جاءت بها النصوص ، أما التوسل بجاه فلان ، أو بحق فلان ، فهذا لم يأت به الشرع ، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أنه غير مشروع ؛ فالواجب تركه … ، وأما ما فعله عمر رضي الله عنه فهو لم يتوسل بجاه العباس ، وإنما توسل بدعائه ، قال رضي الله عنه لما خطب الناس يوم الاستسقاء ، لما أصابتهم المجاعة ، والجدب الشديد ، والقحط صلى بالناس صلاة الاستسقاء ، وخطب الناس ، وقال : «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتُسْقِيَنَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَـــــــا ؛ فَيُسْقَوْنَ»[23] ، … ، فهو توسل بعم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بدعائه ، واستغاثته ربه عز وجل … ، أما التوسل بجاه فلان فهذا لا أصل له ، ويجب تركه ، وهو من البدع المنكرة ، والله جل وعلا أعلم”[24].
– ومن ذلك :
النذر بتقبيل أعتاب حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولثم مواطئه ، جاء ذلك في قصيدة لـ “عبد الله العبد القادر” ، ص : (70) ، يقول فيها :
علي لله إن شاهدت حجرته *** لألثمن المواطي منه والعتبا
التعليق :
ومن المنكرات المحدثة -أيضاً- تقبيل حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولثم مواطئه ، وهو وسيلة من وسائل الشرك ، وأما النذر فهو نذر معصية : “وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ”[25]،
· قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “فليس لأحد أن يبني على القبور ؛ لا قبابًا ، ولا مساجد ، ولا غير ذلك ، وليس له أن يقبلها ، ولا أن يتبرك بترابها ، ولا أن يطلب الشيخ المدد كما يأتي ، لا يجوز يقول : يا رسول الله! مدد مدد ، ولا يا فلان كالشيخ عبد القادر ، أو يا شيخ البدوي السيد البدوي ، أو يا الحسن ، أو يا سيدي الحسن ، أو الحسين ، أو يا فلان ، أو يا أبا حنيفة ، أو يا أبا فلان ، كل هذا لا يجوز ، المدد لا يطلب من الميت ؛ يطلب من الله جل وعلا : يا رب أغثني ، يا رب ارحمني ، يا رب اشف مريضي ، يا رب ارزقني ، أما طلب المدد من الموتى فهو من الشرك بالله -عز وجل- من الشرك الأكبر ، من عمل الجاهلية ، فلا يقبل الحجارة ولا النصائب ، ولا التراب ، ولا يأخذ التراب للبركة ، ولا يطلب مدد من المخلوق من الميت …”[26].
– ومن ذلك :
شد الرحل لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، جاء ذلك في قصيدة لـ”عبد الله الرومي” ، ص : (85) ، يقول فيها :
شددت رحلي قاصدًا *** حضرته المطهرة
التعليق :
ومن البدع التي وردت -في هذا الكتاب- شد الرحل لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر محرم ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : “لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى”[27].
· وفي فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : “لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم ، بل هو بدعة ، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، ومَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»[28]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[29]، وأما زيارتهم دون شد رحال فسنة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زُورُوا الْقُبُورَ ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» ، خرجه مسلم في صحيحه[30].
· وقال سماحته : “أما شد الرحال لمجرد الزيارة للقبور ؛ فهذا لا يجوز على الصحيح من أقوال العلماء ؛ لأنه منهي عنه ؛ ولأنه وسيلة إلى الشرك ، والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، ومَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى“[31]، هذه الثلاثة تشد لها الرحال للعبادة فيها بنص النبي عليه الصلاة والسلام ، وما سواها لا تشد إليه الرحال للعبادة فيها، فيدخل في ذلك بقية المساجد ، ويدخل في ذلك -أيضًا- الأضرحة من باب أولى ؛ فإنه إذا كان لا تشد الرحال إلى المساجد غير الثــــــلاثة ، وهي أفضل البقاع ، فغيرها -من البقاع التي تشد لها الرحال ، من أجل فضل المدفون بها ، أو نحو ذلك المنع من ذلك- من باب أولى ، ولهذا أصح أقوال العلماء في هذا الباب تحريم شد الرحال لزيارة القبور ، وإنما تزار من دون شد الرحال”[32].
ثَالِثًا : أَخْطَاءٌ أُخْرَى ؛
من ذلك :
– تسميتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ”طه” ، جاء ذلك في قصيدة لـ”عبد اللطيف العمير” ، ص : (67) ، يقول فيها :
فمن نال من طه الكريم زيارة *** فقد نال ما يهوى وفي الخير راتع
التعليق :
ومن الأخطاء التي تكررت في هذا الكتاب تسميتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ”طه” ، وهذه التسمية لم ترد في كتاب ولا سنة ،
· قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “(يس) ليست من أسمائه صلى الله عليه وسلم على الصحيح ، وهكذا (طه) ليست من أسمائه ، بعض الناس يظن ذلك وليست من أسمائه ؛ لا (طه) ، ولا (يس) ، ولا غيرها من فواتح السور -عليه الصلاة والسلام- وإنما هي حروف مقطعة مثل : (الم) ، ومثل : (حم) ، ومثل : (المص) وأشباهها ، كلها حروف مقطعة في أوائل السور ، لله فيها الحكمة العظيمة -سبحانه وتعالى- وليست أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يقال : سورة طه ، سورة يس ، سورة المص ، سور حم كذا لا بأس ، وأما أسماؤه فهي كثيرة عليه الصلاة والسلام ، لكن أشهرها : (محمد) ، و(أحمد) عليه الصلاة والسلام ، و(الماحي) ، و(الحاشر)، و(المقفي) …”[33].
هذا ما تسنى لي جمعه من ملاحظات ومنكرات مسطرة في هذا الكتاب ، ولم أستوعب ، بل هذه عينة منها ، والأخطاء فيه كثيرة ، ومن قرأه قراءة عابرة يدرك ذلك ، أسأل الله لمؤلفه -ولكل ضال- الهداية ، وسلوك صراط الله المستقيم ، وفي الحلقة التالية -إن شاء الله- سوف نقف وقفات ضرورية ، وننبه تنبيهات مهمة ، لعموم وخواص إخواننا من أهل السنة ، أسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
([1]) وهذه روابطها -على الترتيب- في مدونة الأحساء العلمية ؛ رابط الجزء الأول : [https://ala7sa.com/14411103-2/] ، ورابط الجزء الثاني : [https://ala7sa.com/14411111-2/] ، ورابط الجزء الثالث :[https://ala7sa.com/14411118-2/] ، ورابط الجزء الرابع : [https://ala7sa.com/14411125-2/] .
([12]) أي : بدعة مكفرة ، وقد تقدم تكفير شيخ الإسلام فاعل ذلك ، وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : “ومن فهم من كلام بعض أئمتنا التفريق أو أن هذا طلب الدعاء من الميت بدعة لا يعني أنه ليس بشرك ، بل هو بدعة شركية ؛ يعني ما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، وإنما كانوا يتقربون ليدعوا لهم ، لكن أن يطلب من الميت الدعاء هذا بدعة ؛ ما كانت أصلا موجودة لا عند الجاهليين ، ولا عند المسلمين ، فحدثت فهي بدعة ولا شك ، ولكنها بدعة شركية كفرية وهي معنى الشفاعة ، إيش معنى الشفاعة التي من طلبها من غير الله فقد أشرك ؟ الشفاعة طلب الدعاء ، طلب الدعاء من الميت هو الشفاعة”[شرح الطحاوية ، ص : 116)] .