القائمة إغلاق

بِدْعَةُ التَّقْلِيْدِ الْمَذْهَبِيِّ وَأَثَرُهَا فِيْ اِنْتِشَارِ الْبِدَعِ ، وَظُهُوْرِ الْمُبْتَدِعِيْنَ .

ذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ السَّيْئَةِ الَّتِيْ سَبَّبَهَا التَّقْلِيْدُ -لِلْمَذَاهِبِ أَوِ الرِّجَالِ- فِيْ اِنْتِشَارِ الْبِدَعِ  وَظُهُوْرِ الْمُبْتَدِعِيْنَ ، مَعَ ذِكْرِ أَمْثِلَةٍ لِهَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيْرِ .

-(الحلقة الثامنة (الأخيرة))-

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد :

تَاسِعًا :

وَصَايَا مُهِمَّةٌ نُنْهِي بِهَا هَذَا الْمَقَالَ .

وفي هذه الفقرة -والتي ننهي مقالنا هذا بها- أود أن أقدم وصاية مهمة لطالب العلم ، علها تكون -لي وله- نافعة مذكرة ، مؤكدة ، فأقول وبالله التوفيق :

      الْوَصِيَّةُ الْأُوْلَى : لا يصرفنك -يا طالب العلم- قول المذهبيين -فيك ، وأمثالك المتبعين-: إنكم في المسائل الفقهية تقولون فيها بلا أصول ، بل قل لهم -وبشجاعة- : نحن والحمد لله قد ضبطنا أصولنا الفقهية على أصول “الفرقة الناجية ؛ أهل الحديث والسنة ، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله ، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها ، وسقيمها ، وأئمتهم فقهاء فيها ، وأهل معرفة بمعانيها ، واتباعًا لها وتصديقاً ، وعملاً ، وحباً ، وموالاةً لمن والاها ، ومعاداة لمن عاداها ، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به الكتاب والحكمة ، فلا ينصبون مقالة ، ويجعلونها من أصول دينهم ، وجمل كلامهم ، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه”[1]،

      الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَّةُ : احذر أن تخالف قولًا صح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ؛ اتباعًا لشيخك ، أو تقليدًا لمذهبك ؛ فيزيغ قلبك ، فتهلك ، قال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[النور:63] ، واعلم أن “عامَّة هذه الضَّلالات إنما تطرق مَن لم يعتصم بالكتاب والسنة ، كما كان الزهري يقول : «كان علماؤنا يقولون : الاعتصام بالسُّنة هو النجاة»[2]،

     الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ : إن ضاقت عليك السبل ، وأعياك معرفة أي الأقوال أقرب للصواب فلا تَمِلْ -ألبتة- إلى هواك ، أو مذهب شيوخك والأقران ، بل الجأ إلى ربك ومولاك ؛ صابرًا ، متضرعاً ، منكسرًا ، وألح في الدعاء ، وأكثر مِن “دَعْوَة ذِي النُّونِ ؛ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ بِهَا”[3]، ثم ابذل الأسباب الصالحة للوصول إلى مبتغاك ؛ من سؤال أهل العلم الأثبات ، واتباع المناهج والأصول العلمية المسددة ، فإنك ستجد الحق أمام ناظريك -إن شاء الله- جليًا ، والمسائل موضحة .    

      الْوَصِيَّةُ الرَّابِعَةُ : احذر أن يصبك -في حال إعراضك عن المذهبية وأهلها- : الهم ، أو يضيق خاطرك وتغتم ؛ وذلك حين تسمع من الناس اللوم ، أو الوصم بالجمود ، ومخالفة أهل العلم ، بل اعلم -علماً يقينيًا- أن إرضاء الناس غاية لا تدرك ، واجعل همك ، ونصب عينيك -فقط- رضى الله ، لا رضا الناس ؛ فإنه : “مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ؛ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ”[4].

      الْوَصِيَّةُ الْخَامِسَةُ : ارفع صوتك عالياً في الدعوة إلى اتباع الدليل الصحيح ، اصدع بها ولا تخجلن ، وقل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ استجابة لأمر مولاه الأكرم : {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين}[يوسف:108] ،

      الْوَصِيَّةُ السَّادِسَةُ : اثبت على هذا -أنت ومن معك من أهل الحديث والسنة- حتى تلقوا ربكم ، ثبتكم الله تعالى ؛ فأنتم المحبون -إن شاء الله- للرسول صلى الله وسلم ؛ صدقًا وحقًا ؛ فإنه “لما كثر الْمُدَّعون للمحبة طولِبوا بإقامة البيِّنة على صحة الدعوى ، فتأخر الخَلق كلُهم ، وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه”[5]، جعلنا الله وإياكم من أتباعه المخلصين .

وَخِتَامًا :

أقول -لكل مقلد مذهبي- ما قاله ابن القيم رحمه الله في هذا الشأن :

يَا مَنْ يُرِيْدُ نَجَاتَهُ يَوْمَ الْحِسَا … بِ مِنْ الْجَحِيْمِ وَمَوْقِدِ النِّيْرَانِ

اِتَّبِعْ رَسُوْلَ اللهِ فِيْ الْأَقْوَالِ وَالْأَ … عَمْالِ لَا تَخْرُجْ عَنِ الْقُرْآنِ

وَخُذِ الصَّحِيْحَيْنِ الَّذَيْنِ هُمَـ … ـا لَعَقْدِ الدِّيْنِ وَالْإِيْمَانِ وَاسِطَتَانِ

وَاقْرَأْهُمَا بَعْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ هَوًى … وَتَعَصُّبٍ وَحَمِيَّةِ الشَّيْطَانِ

وَاجْعَلْهُمَا حَكَمًا وَلَا تَحْكُمْ عَلَى … مَا فِيْهِمَا أَصْلًا بِقَوْلِ فُلَانِ

فَالرَّبُّ رَبٌّ وَاحِدٌ وَكِتَابُهُ … حَقٌّ وَفَهْمُ الْحَقِّ مِنْهُ دَانِ

وَرَسُوْلُهُ قَدْ أَوْضَحَ الْحَقَّ الْمُبِيْنَ … بِغَايَةِ الْإِيْضَاحِ وَالتِّبْيَانِ

مَا ثَمَّ مِنْهُ فَوْقَ كُلِّ نَصِيْحَةٍ … يَحْتَاجُ سَامِعُهَا إِلَى تِبْيَانِ

وَالنُّصْحُ مِنْهُ فَوْقَ كُلِّ نَصِيْحَةٍ … وَالْعِلْمُ مَأْخُوْذٌ عَنِ الرَّحْمَنِ

فَلِأَيِّ شَيْءٍ يَعْدِلُ الْبَاغِي الْهُدَى … عَنْ قَوْلِهِ لَوْلَا عَمَى الْخُذْلَانِ

فَالنَّقْلُ عَنْهُ مُصَدَّقٌ وَالْقَوْلُ مِنْ … ذِيْ عِصْمَةٍ مَا عِنْدَنَا قَوْلَانِ

وَالْعَكْسُ عِنْدَ سِوَاهُ فِيْ الْأَمْرَيْنِ يَا … مَنْ يَهْتَدِي هَلْ يَسْتَوِي النَّقْلَانِ

وأقول :

تَاللهِ قَدْ لَاحَ الصَّبَاحُ لِمَنْ لَهُ … عَيْنَانِ نَحْوَ الْفَجْرِ نَاظِرَتَانِ

وَأَخُوْ الْعِمَايَةِ فِيْ عِمَايَتِهِ يَقُوْ … لُ اللَّيْلُ بَعْدُ أَيَسْتَوِي الرَّجُلَانِ

تَاللهِ قَدْ رُفِعَتْ لَكَ الْأَعْلَامُ إِنْ … كُنْتَ الْمُشَمِّرَ نِلْتَ دَارَ أَمَانِ

وَإِذَا جَبُنْتَ وَكُنْتَ كَسْلَانًا فَمَا … حَرُمَ الْوُصُوْلَ إِلَيْهِ غَيْرُ جَبَانِ

فَاقْدِمْ وَعِدْ بِالْوَصْلِ نَفْسَكَ وَاهْـ … ـجُرْ الْمَقْطُوْعَ مِنْهُ قَاطِعَ الْإِنْسَانِ

عَنْ نَيْلِ مَقْصِدِهِ فَذَاكَ عَدُوُّهُ … وَلَوْ أَنَّهُ مِنْهُ الْقَرِيْبُ الدَّانِي

وأقول :

يَا قَاعِدًا سَارَتْ بِهِ أَنْفَاسُهُ … سَيْرَ الْبَرِيْدِ وَلَيْسَ بِالذَّمَلَانِ

حَتَّى مَتَى هَذَا الرُّقَادُ وَقَد سَرَى … وَفدُ الْمَحَبَّةِ مَعْ أُوْلِي الْإِحْسَانِ

وَحَدَتْ بِهِم عَزَمَاتُهُم نَحْوَ الْعُلَى … لَا حَادِيَ الرُّكبَانِ وَالْأَظْعَانِ

رَكِبُوْا الْعَزائِمَ وَاعتَلَوْا بِظُهُورِهَا … وَسَرَوْا فَمَا حَنُّوْا إلَى نُعْمَانِ

سَارُوْا رُوَيْدًا ثُمَّ جَاؤُوْا أَوَّلَا … سَيْرَ الدَّلِيْلِ يَؤُمُّ بِالرُّكبَانِ

لِذَاكَ كَانَ الْعَارِفُونَ صِفَاتِهِ … أَحْبَابَهُ هُمْ أَهْلُ هَذَا الشَّانِ

وَلِذَاكَ كَانَ العَالِمُونَ بِرَبِّهِم … أَحْبَابَهُ وَبِشِرْعَةِ الْإِيمَانِ

وَلِذَاكَ كَانَ الْمُنكِرُونَ لَهَا هُمُ الـْ … أَعْدَاءُ حَقًّا هُمُ أُوْلُوْ الشَّنآنِ

يَا مَنْ تَعِزُّ عَلَيهِمُ أَرْوَاحُهُمْ … وَيَرَوْنَ غَبْنًا بَيْعَهَا بِهَوَانِ

وَيَرَوْنَ خُسْرَانًا مُبِيْنًا بَيْعَهَا … فِيْ إِثْرِ كُلِّ قَبِيْحَةٍ وَمُهَانِ

وَيَرَوْنَ مَيْدَانَ التَّسَابُقِ بَارِزًا … فَيُتَارِكُوْنَ تَقَحُّمَ الْمَيْدَانِ

وَيَرَوْنَ أَنْفَاسَ الْعِبَادِ عَلَيهِمُ … قَدْ أُحْصِيَتْ بِالْعَدِّ وَالْحُسْبَانِ

وَيَرَوْنَ أَنَّ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اللِّقَا … لِلَّهِ مَسْأَلَتَانِ شَامِلَتَانِ

مَاذَا عَبَدُتُمُ ثُمَّ مَاذَا قَدْ أَجَبْـ … تُمُ مَنْ أَتَى بِالْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ

هَاتُوْا جَوَابًا لِلسُّؤَالِ وَهَيِّئُوْا … أَيْضًا صَوَابًا لِلْجَوَابِ يَدَانِ[6]

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْحَقِّ حَتَّى نَلْقَاهُ ،

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ .

 

 



[1] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/347) .

[2] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (4/56) ، وأثر الزهري رحمه الله أخرجه الدارمي (97) .

[3] رواه الترمذي (3505) .

[4] رواه ابن حبان (276) .  

[5] مدارج السالكين (3/8) .

 [6]نونية ابن القيم ، ص : (255-258) .

اكتشاف المزيد من مدونة عبدالله بن ناصر الناجم العلمية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading