القائمة إغلاق

عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (54)

-الجزء الأول-

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

تَفْكِيْرَانِ مُخْتَلِفَانِ … لَا يَجْتَمِعَانِ .

مَعَ بَدْءِ الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ الْجَدِيْدِ -هَذِهِ السَّنَةِ- يَتَدَاوَلُ النَّاسُ فِيْ مَجَالِسِهِمْ الْحَدِيْثَ عَنْ التَّفْكِيْرِ وَمَجَالَاتِهِ ؛ الصَّحِيْحِ مِنْهُ وَالسَّقِيْمِ ، يَتَحَاوَرُوْنَ وَيَتَنَاقَشُوْنَ وَيَتَجَادَلُوْنَ ، وَقَد يَتَّفِقُوْنَ بَعْدَهَا أَوْ يَخْتَلِفُوْنَ ، وَأَنَا -بِاجْتِهَادٍ- سَأَذْكُرُ فِيْ هَذَا الْمَقَالِ -إِنْ شَاءَ اللهُ-:

      الْمَعَالِمَ الْوَاضِحَةَ لِأَهْلِ الْإِيْمَانِ وَالسُّنَّةِ فِيْ التَّفْكِيْرِ الصَّحِيْحِ ،

      ثُمَّ الْفُرُوْقَ الْجَلِيَّةَ بَيْنَ تَفْكِيْرِهِمْ وَتَفْكِيْرِ غَيْرِهِمْ ،

      ثُمَّ الْآثَارَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى هَذِهِ الْفُرُوْقِ ،

      ثُمَّ نَخْتِمُهُ بِنَصَائِحَ مُهِمَّةٍ لِأَصْحَابِ ذَيْنِكَ الْفِكْرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ؛

فَأَقُوْلُ وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ :

أَوَّلًا :

الْمَعَالِمُ الْوَاضِحَةُ لِأَهْلِ الْإِيْمَانِ وَالسُّنَّةِ فِيْ التَّفْكِيْرِ الصَّحِيْحِ

هِيَ مَعَالِمُ عَشَرَةٌ ، إِلَيْكُمُوْهَا مُخْتَصَرَةً مُوْجَزَةً :

الْمَعْلَمُ الْأَوَّلُ : يَعْتَقِدُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْإِيْمَانِ أَنَّ اللهَ مَا خَلَقَهُمْ إِلَّا لِعِبَادَتِهِ ، وَلِأَجْلِ ذَلَكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ  ؛ فَالسَّعِيْدُ مَنْ آمَنَ وَاهْتَدَى ، وَالشَّقِيُّ مَنْ كَفَر وَغَوَى ، قَالَ تَعَالَى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] .

الْمَعْلَمُ الثَّانِيْ : وَيَعْتَقِدُوْنَ -أَيْضًا- أَنَّهُمْ مَفْطُوْرُوْنَ عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَتَوْحِيْدِهِ ، قَالَ تَعَالَى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}[الروم:30] .

الْمَعْلَمُ الثَّالِثُ : وَيَعْتَقِدُوْنَ -أَيْضًا- اِعْتِقَادًا صَادِقًا ، لَا رَيْبَ فِيْهِ وَلَا شَكَ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ فِيْ دِيْنِهِ الْقَوِيْمِ وَشَرِيْعَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ ؛ إِنْ فِيْ عِبَادَتِهِ ، أَوْ فِيْ تَصْرِيْفِ حَيَاتِهِ وَمَعَاشِهِ ، أَوْ فِيْ فِكْرِهِ وَثَقَافَتِهِ وَعُلُوْمِهِ ، قَالَ تَعَالَى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل:89].

الْمَعْلَمُ الرَّابِعُ : وَيَعْتَقِدُوْنَ -أَيْضًا- أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ ، فَلَا تَعَدُّدِيَّةَ فِيْ الْأَدْيَانِ وَلَا الْعَقَائِدِ ، فَالدِّيْنُ -عِنْدَهُمْ- هُوَ دِيْنُ الْإِسْلَامِ الْخَالِدُ ، فَلَا يَهُوْدِيَّةَ ، وَلَا نَصْرَانِيَّةَ ، وَلَا بُوْذِيَّةَ -وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مُخْتَلَفِ الْأَدْيَانِ- وَالْعَقِيْدَةُ فِيْ مَنْهَجِهِمْ وَاحِدَةٌ ؛ هِيَ عَقِيْدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، النَّاصِعَةُ الصَّافِيَةُ ؛ عَقَيْدَةُ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُوْرَةِ ، وَالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ ، قَالَ تَعَالَى : {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُون}[يونس:32] .

الْمَعْلَمُ الْخَامِسُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- يَزِنُوْنَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْاِعْتِقَادَاتِ بِمِيْزَانِ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ الصَّحِيْحَةِ ، لَا بِمِيْزَانِ الْعَقْلِ ، أَوِ الْفُهُوْمِ الْعَقِيْمَةِ ، أَوِ الدَّسَاتِيْرِ الْوَضِيْعَةِ ، فَالْعَقْلُ -عِنْدَهُمْ- تَابِعٌ لَا مَتْبُوْعٌ ، مَعَ عِلْمِهِمْ الْأَكِيْدِ أَنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيْحَ لَا يُعَارِضُ النَّقْلَ الصَّحِيْحَ ، قَالَ تَعَالَى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلَا}[النساء:59] .  

الْمَعْلَمُ السَّادِسُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- يُفَسِّرُوْنَ مَا وَرَدَ فِيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانِ ؛ مِنْ أَصْحَابِ الْقُرُوْنِ الْمُفَضَّلَةِ ، الْمُزَكَّوْنَ فِيْ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ ، وَيُجَانِبُوْنَ -كُلَّ الْمُجَانَبَةِ- فُهُوْمَ أَهْلِ الْأَهْوَاِء ، الْغَاوِيَةَ الزَّائِغَةَ ، الضَّالَّةَ الْمُضِلَّةَ ، قَالَ تَعَالَى : {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء:115] .

الْمَعْلَمُ السَّابِعُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- يُحِبُّوْنَ وَيَبْغَضُوْنَ ؛ يُحِبُّوْنَ فِيْ اللهِ كُلَّ مُوَحِّدٍ مُتَّبِعٍ ، يَمْدَحُوْنَهُ وَيُوَافِقُوْنَهُ ، وَيَبْغَضُوْنَ كُلَّ مُلْحِدٍ كَافِرٍ ، أَوْ مُحْدِثٍ مُبْتَدِعٍ ، يَذُمُّوْنَهُ وَيَنْقُدُوْنَهُ ، وَمَحَبَّتُهُمْ هَذِهِ وَبُغْضُهُمْ ذَلْكَ كَائِنٌ مِنْهُمْ بِلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيْطٍ ، إِنَّمَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيْمُ ، وَالنَّمَطُ الْمُسْتَقِيْمُ ، قَالَ تَعَالَى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون}[المجادلة:22] .

الْمَعْلَمُ الثَّامِنُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- يَلْتَزِمُوْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِيْن ؛ عُلَمَاءَهُمْ وَأُمَرَاءَهُمْ ، بِالْمَعْرُوْفٍ ؛ لَا يُحْدِثُوْنَ الثَّوْرَاتِ ، وَلَا يُطْلِقُوْنَ النَّعْرَاتِ ؛ قَالَ تَعَالَى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103]

الْمَعْلَمُ التَّاسِعُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- يَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ بِمَعْرُوْفٍ ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ بِلَا مُنْكَرٍ ، قَالَ تَعَالَى : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}[آل عمران:104] .

الْمَعْلَمُ الْعَاشِرُ : وَأَنَّهُمْ -أَيْضًا- مُعْتَزُّوْنَ بِدِيْنِهِمْ ، وَبِرُمُوْزِهِمْ الدِّيْنِيَّةِ ، وَأَهْلِ التَّحْقِيْقِ فِيْهِمْ ؛ يَأْنَسُوْنَ بِأَقْوَالِهِمْ ، وَبِاخْتِيَارَاتِهِمْ الْفِقْهِيَّةِ ، لِأَنَّ اللهَ بَارَكَ لَهُمْ فِيْمَا أَعْطَاهُمْ ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيْلًا([1])، قَالَ تَعَالَى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُون}[المنافقون:8] .

هَذِهِ مَعَالِمُ عَشَرَةٌ نَاصِعَةٌ وَاضِحَةٌ ، هِيَ مَعَالِمُنَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، نَعْتَزُّ بِهَا ، وَنُطَاوِلُ ، لَا نَحِيْدُ عَنْهَا -إِنْ شَاءَ اللهُ- وَلَا نُرَاوِغُ ،

نُكْمِلُ فِيْ الْحَلْقَةِ التَّالِيَةِ -إِنْ شَاءَ اللهُ– .



([1]) وسنذكر في الحلقة التالية أمثلة لهم -إن شاء الله- .

%d