“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .
حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .
حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .
الحلقة (السادسة) :
-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-
“وَصْفُ عَقِيْدَةِ أَهْلِهَا الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَأَخْلَاقِهِمْ” .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :
(مقدمة)
وفي هذه الحلقة سنذكر -إن شاء الله- مُجْمَلًا مختصرًا لعقيدة أصحاب البيوت المؤمنة ، وهذه العقيدة هي العقيدة التي ورثوها عن نبيهم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، وسار عليها من بعده أصحابه المخلصون الأوفياء عليهم من ربهم أتم الرضا ، ثم تبعهم عليها التابعون لهم بإحسان ؛ جيلاً بعد جيل إلى يوم الحشر والمآب ،
فيقول أصحاب البيوت المؤمنة -الطاهرة النقية-:
(1)
نَشْهَدُ أَنْ “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ” ؛ أحدٌ فردٌ صمدٌ ؛ لا معبود بحق إلا هو جَلَّ وَعَزَّ ،
عَالِمِيْنَ -بهذه الشهادة- ، موقنين ، مخلصين لله بها ، مصدقين ، محبين ، منقادين ، قابلين لها ، حذرين من كل ما يخالف معناها ، من : الجهل ، والشك ، والرياء ، والكذب ، والكره ، والترك ، والرد ،
كَافِرِيْنَ جاحدين بكل طاغوت يعبد مع الله ربنا ؛ إلهنا ومعبودنا ،
عالِمِيْنَ بأن الجنة لن يدخلها إلا من حققها ، وحذر مما يناقضها ، وأن النار مأوى المتكبرين ، والمعرضين عنها ،
دَاعِيْن إليها أول -وكلما- ندعو ؛ كما دعا إليها الرسل المكرمون عليهم السلام ، والصديقون المصدقون ، والعلماء الخاشعون ،
صَابِرِيْنَ محتسبين -جهادًا- في سبيل الدعوة إليها ،
لَاهِجِيْنَ بها -ذكرًا لله ربنا- لننال فضلها وفضيلتها ،
ثَابِتِيْنَ عليها لتكون آخر ما ننطق به عند خروجنا من دنيانا ، مدخرينها لتكون ذخرًا لنا عند لقائنا ربنا ، وعرضه حسابنا ،
مُوَالِيْنَ من والاها ؛ من أهل التقى والإيمان ، معادين من عادها من أهل الزندقة والنفاق ، والكفر والإلحاد ،
مُكَفِّرِيْنَ مَنْ كَفَرَ بها ، أو وقع فيما يناقضها ،
مُبَدِّعِيْنَ كل فرقة خالفت ما عليه أهل التوحيد في الإيمان بها ،
رَادِّيْنَ كل شبهة يوردها أصحاب الشبهات عليها عليهم ،
وَقَدْ وَرَدَ فِيْ مَعْنَاهَا ، وَشُرُوْطِهَا ، وَفَضْلِهَا نُصُوْصٌ وَآثَارٌ :
· أما معناها فـ:
قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير}[الحج:62] ،
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف: 26-28] ،
وَقَالَ اِبْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}[الأنعام:106]- : “اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك ، فاعمل به ، وانزجر عما زجرك عنه فيه ، ودع ما يدعوك إليه مشركو قومك من عبادة الأوثان والأصنام ، فإنه {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، يقول : لا معبود يستحق عليك إخلاص العبادة له إلا الله”[1].
· وأما شروطها ؛ فـ:
1) لِلْعِلْمِ الْمُنَافِيْ لِلْجَهْلِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله}[محمد :9] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ”[2].
2) وَلِلْيَقِيْنِ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون}[الحجرات:15] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : “فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ”[3]،
3) وَلِلْإِخْلَاصِ الْمُنَافِي لِلشِّرْكِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:3] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ، أَوْ نَفْسِهِ”[4].
4) وَلِلصِّدْقِ الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين}[العنكبوت:3] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ”[5].
5) وَلِلْمَحَبَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْبُغْضِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}[المائدة:51] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ”[6].
6) وَلِلْاِنْقِيَادِ الْمُنَافِي لِلتَّرْكِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لقمان:22] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}[النساء:125] ،
7) وَلِلْقَبُوْلِ الْمُنَافِي لِلرَّدِّ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:22-35] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء:65]
8) وَلِلْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة:265] ،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ ، حَرُمَ مَالُهُ ، وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ”[7]،
وَقِيْلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : من قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة ، قَالَ : “من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَدَّى حَقّهَا وَفَرْضَهَا ، دخل الْجنَّة”[8].
· وأما فضلها ؛ فـ:
قَوْلُهُ تَعَالَى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}[الأنعام:82] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون}[إبراهيم:25]
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ شهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَىَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ“[9].
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ ؛ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ”[10] .
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : يَا رَبِّ ، عَلِّمْنِي شَيْئًا ؛ أَذْكُرُكَ ، وَأَدْعُوكَ بِهِ ، قَالَ : قُلْ يَا مُوسَى : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُونَ هَذَا ، قَالَ : يَا مُوسَى ، لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ ، مَالَتْ بِهِنَّ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ”[11] .
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “قَالَ اللهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ آتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا ، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً”[12]،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ”[13]،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوْصِيَهُ بِوَصِيَّةٍ- : “إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا” ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ؟ قَالَ : “هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ“[14]،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ”[15]،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوْسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ، فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ ، قَالَ : فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ”[16]،
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى العَرْشِ ، مَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ”[17]،
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -فِي قَوْلِهِ : {ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}[إبراهيم:25]- قال : “{كَلِمَةً طَيِّبَةً} : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} وَهُوَ الْمُؤْمِنُ ، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} ، يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ ، {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} ؛ يَقُولُ : يُرْفَعُ بِهَا عَمَلُ الْمُؤْمِنِ إِلَى السَّمَاءِ”[18].
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “الإله هو المألوه ، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب ، المخضوع له غاية الخضوع ، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل”[19].
وَقَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “كلمة التوحيد ، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات ، وفطر الله عليها جميع المخلوقات ، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة ، وجردت سيوف الجهاد ، وهي محض حق الله على جميع العباد ، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار ، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار ، وهي المنشور الذي لا يدخل الجنة إلا به ، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه ، وهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد ، ومقبول وطريد ، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإيمان ، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان ، وهي العمود الحامل للفرض والسنة … ، وروح هذه الكلمة وسرها : إفراد الرب جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، وتبارك اسمه ، وتعالى جده ، ولا إله غيره ؛ بالمحبة ، والإجلال ، والتعظيم ، والخوف ، والرجاء ، وتوابع ذلك : من التوكل ، والإنابة ، والرغبة ، والرهبة ، فلا يحب سواه ، وكل ما كان يحب غيره فإنما يحب تبعًا لمحبته ، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ، ولا يخاف سواه ، ولا يرجى سواه ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يرغب إلا إليه ، ولا يرهب إلا منه ، ولا يحلف إلا باسمه ، ولا ينظر إلا له ، ولا يتاب إلا إليه ، ولا يطاع إلا أمره ، ولا يتحسب إلا به ، ولا يستغاث في الشدائد إلا به ، ولا يلتجأ إلا إليه ، ولا يسجد إلا له ، ولا يذبح إلا له وباسمه ، ويجتمع ذلك في حرف واحد ، وهو : أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة ، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة ، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها، كما قال تعالى: {وَالَّذِيْنَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُوْنَ}[سورة المعارج: 33] ، فيكون قائمًا بشهادته في ظاهره وباطنه ، في قلبه وقالبه ، فإن من الناس من تكون شهادته ميتة ، ومنهم من تكون نائمة ، إذا نبهت انتبهت ، ومنهم من تكون مضطجعة ، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب ، وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن ، فروح ميتة ، وروح مريضة إلى الموت أقرب ، وروح إلى الحياة أقرب ، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن”[20]،
نكمل في الحلقة التالية إن شاء الله …
([1]) تفسير الطبري (9/478-478) .
([2]) رواه مسلم (45) .
([3]) رواه مسلم (56) .
([4]) رواه البخاري (99) .
([5]) رواه البخاري (128) .
([6]) رواه أحمد (18524) .
([7]) رواه مسلم (39) .
([8]) الحجة في بيان المحجة ؛ لقوام السنة (91) .
([9]) رواه البخاري (3435) ، ومسلم (49) .
([10]) رواه البخاري (5401) ، ومسلم (1440) .
([11]) رواه ابن حبان (6218) ، والحاكم (1936) .
([12]) رواه الترمذي (3540) ، وقال : حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
([13]) رواه الترمذي (3388) ، وابن ماجه (3800) .
([14]) رواه أحمد (21487) .
([15]) رواه أبو داوود (3116) .
([16]) رواه الترمذي (2639) ، وابن ماجه (4300) .
([17]) رواه الترمذي (3590) .
([18]) تفسير ابن أبي حاتم (7/2241) .
([19]) مجموع الفتاوى (10/249) .
([20]) الجواب الكافي ، ص : (196) .