القائمة إغلاق

 

عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (54)

-الجزء الرابع-

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

تَفْكِيْرَانِ مُخْتَلِفَانِ … لَا يَجْتَمِعَانِ .

… ، وَأَمَّا تَفْكِيْرُ أَهْلِ الضَّلَالَاتِ مِمَّنْ خَالَفَ مَنْهَجَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ في الْاِسْتِدْلَالَاتِ فَهُوَ يُبْنَى عَلَى قَاعِدَةٍ سَقِيْمَةٍ مُهَلْهَلَةٍ ؛ يُبْنَى عَلَى قَاعِدَةِ تَحْكِيْمِ الْعَقْلِ الْمَوْهُوْمَةِ ، وَأَقْبِحْ بِهَا مِنْ قَاعِدَةٍ ،

وَتَقْدِيْمُ الْعَقْلِ وَجَعْلُهُ حَكَمًا عَلَى النَّقْلِ ، هُوَ الْجَامِعُ الْمُشْتَرَكُ لِمَصَادِرِ التَّلَقِّي عِنْدَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ ؛ سَوَاءً كَانَتِ الْبِدْعِيَّةَ ؛ أَوِ اللِّيِبْرَالِيَّةَ التَّحَرُّرِيَّةَ ،

فَانْظُرُوْا مِثَالًا لِذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةَ -وَأَفْرَاخَهُمْ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ- عِنْدَمَا قَدَّمُوْا عُقُوْلَهُمْ عَلَى نُصُوْصِ الشَّرِيْعَةِ الْمُحْكَمَةِ ، فَـ:

        لَمْ يَعْتَبِرُوْا بِالْفِطْرَةِ فِيْ مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِهِ ؛ بَلْ جَعَلُوْا التَّفَكُّرَ وَالنَّظَرَ الْعَقْلِيَّ دَلِيْلًا أَوَّلِيًّا مُسْتَقِلًّا عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ ،

        وَلَمْ يَجْعَلُوْا التَّوْحِيْدَ هُوَ أَوَّلَ وَاجِبٍ ، بَلْ قَرَّرُوْا أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ -لَكِيْ يَكُوْنَ مُسْلِمًا- النَّظَرُ الْعَقْلِيُّ ، أَوِ الْقَصْدُ إِلَيْهِ ، أَوِ الشَّكُّ ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ؛

يَقُوْلُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُ : “إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ ، فَقَالَ : مَا أَوَّلُ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكَ ؟ فَقُلْ : النَّظَرُ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعرَفُ ضَرُوْرَةً ، وَلَا بِالْمُشَاهَدَةِ ، فَيَجِبُ أَنْ نَعْرِفَهُ بِالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ”[1]،

وَيَقُوْلُ أَبُوْ بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْأَشْعَرِيُّ -مُقَرِّرًا مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُتَقَدِّمَ فِيْ مَعْرِفَةِ اللهِ-: “وَأَنْ يُعْلَمَ : أَنَّ أَوَّلَ مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَمِيْعِ الْعِبَادِ النَّظَرَ فِيْ آيَاتِهِ ، وَالْاِعْتِبَارَ بِمَقْدُوْرَاتِهِ ، وَالْاِسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِآثَارِ قُدْرَتِهِ ، وَشَوَاهِدَ رُبُوْبِّيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مَعْلُوْمٍ بِاضْطِرَارٍ ، وَلَا مُشَاهَدٌ بِالْحَوَاسِ ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ وُجُوْدُهُ وَكَوْنُهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيْهِ أَفْعَالُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاهِرَةِ ، وَالْبَرَاهِيْنُ الْبَاهِرَةُ”[2]،

وَيَقُوْلُ أَبُوْ حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ الْأَشْعَرِيُّ : “الشُّكُوْكُ هِيَ الْمُوْصِلَةُ إِلَى الْحَقِّ ، فَمَنْ لَمْ يَشُكَّ لَمْ يَنْظُرْ ، وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ لَمْ يُبْصِرْ ، وَمَنْ لَمْ يُبْصِرْ بَقِيَ فِيْ الْعَمَى وَالضَّلَالِ”[3].

وَقَدْ أَوْقَعَهُمْ أَصْلُهُمْ الْعَقْلِيُّ هَذَا فِيْ الْاِنْحِرَافِ فِيْ التَّوْحِيْدِ ؛ فـ:

1)    خَالَفُوْا بِذَلِكَ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ الصَّرِيْحَةَ عَلَى الْفِطْرَةِ النَّقِيَّةِ ؛ كَمَا فِيْ :

قَوْلِهِ تَعَالَى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] ،

وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] ،

وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[4]؛

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[5]؛ فَالصَّوَابُ أَنَّهَا فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ قَالَ : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف:172] ؛ وَهِيَ السَّلَامَةُ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ ، وَالْقَبُولُ لِلْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ ؛ فَإِنَّ حَقِيقَةَ «الْإِسْلَامِ» : أَنْ يَسْتَسْلِمَ لِلَّهِ ؛ لَا لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَعْنَى : «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ ذَلِكَ فَقَالَ : «كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟»[6]بَيَّنَ أَنَّ سَلَامَةَ الْقَلْبِ مِنْ النَّقْصِ كَسَلَامَةِ الْبَدَنِ ، وَأَنَّ الْعَيْبَ حَادِثٌ طَارِئٌ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى عَنْ اللَّهِ : «إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا»[7][8]،

“وَإِذَا قِيْلَ : إِنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ خُلِقَ حَنِيْفًا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَعْلَمُ هَذَا الدِّيْنَ وَيُرِيْدُهُ ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ : {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُوْنِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ شَيْئًا}[النحل:78]، وَلَكِنْ فِطْرَتُهُ مُقْتَضِيَةٌ مُوْجِبَةٌ لِدِيْنِ الْإِسْلَامِ ؛ لِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ؛ فَنَفْسُ الْفِطْرَةِ تَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ بِخَالِقِهِ وَمَحَبَّتَهُ وَإِخْلَاصَ الدِّيْنِ لَهُ ، وَمُوْجِبَاتُ الْفِطْرَةِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْصُلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، بِحَسَبِ كَمَالِ الْفِطْرَةِ ، إِذَا سَلِمَتْ عَنِ الْمُعَارِضِ”[9].

2)     وَعَارَضُوْا بِهِ -أَيْضًا- مَا جَاءَ فِيْ الْأَصْلَيْنِ الْمُشَرَّفَيْنِ بِأَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ التَّوْحِيْدِ ، وَإِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ ، كَمَا فِيْ :

قَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:36] ، 

وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ : “إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى ، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلَّوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ”[10].

وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْعُ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ إِلَى النَّظَرِ اِبْتِدَاءً ، وَلَا إِلَى مُجَرَّدِ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ ، بَلْ أَوَّلُ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ الشَّهَادَتَانِ ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ ؛ كَمَا قَالَ فِيْ الْحَدِيْثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ … ، وَهَذَا مَمَّا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّيْنِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِيْنَ ، فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُوْنَ عَلَى مَا عُلِمَ بِالْاِضْطِرَارِ مِنْ دِيْنِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَإِنَّهُ يُدْعَى إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ؛ سَوَاءً كَانَ مُعَطِّلًا أَوْ مُشْرِكًا ، أَوْ كِتَابِيًّا ، وَبِذَلِكَ يَصِيْرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا ، وَلَا يَصِيْرُ مُسْلِمًا بِدُوْنِ ذَلِكَ”[11]،

وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -أَيْضًا-: “وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَهْلُ تَقْلِيدٍ ؛ لَيْسُوا أَهْلَ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ ، وَأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجَّةَ الْعَقْلِ ، وَرُبَّمَا حُكِيَ إنْكَارُ النَّظَرِ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ، وَهَذَا مِمَّا يُنْكِرُونَهُ عَلَيْهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُمْ :

لَيْسَ هَذَا بِحَقِّ ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ لَا يُنْكِرُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ ، هَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ ، وَاَللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِالنَّظَرِ ، وَالِاعْتِبَارِ ، وَالتَّفَكُّرِ ، وَالتَّدَبُّرِ فِي غَيْرِ آيَةٍ ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، وَلَا أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَعُلَمَائِهَا أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ ؛ مِنْ النَّظَرِ ، وَالتَّفَكُّرِ ، وَالِاعْتِبَارِ ، وَالتَّدَبُّرِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ وَقَعَ اشْتِرَاكٌ فِي لَفْظِ «النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ» ، وَلَفْظِ «الْكَلَامِ» ؛ فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا مَا ابْتَدَعَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ ؛ مِنْ بَاطِلِ نَظَرِهِمْ ، وَكَلَامِهِمْ ، وَاسْتِدْلَالِهِمْ ؛ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ إنْكَارَ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِإِنْكَارِ جِنْسِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ”[12]، وَ”الْقُرْآنُ الْعَزِيْزُ لَيْسَ فِيْهِ أَنَّ النَّظَرَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ ، وَلَا فِيْهِ إِيْجَابُ النَّظَرِ عَلَى كُلِّ أَحَــــــــدٍ ، وَإِنَّمَا فِيْهِ الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ لِبَعْضِ النَّاسِ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُـــوْلُ : إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْإِيْمَانُ إِلَّا بِهِ ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا يُؤَدِّي وَاجِبًا إِلَّا بِـــــهِ ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}[الروم:8] ، وَهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:6-7][13].

 نُكْمِلُ فِيْ الْحَلْقَةِ التَّالِيَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ .


 


 

([1]) شرح الأصول الخمسة ؛ للقاضي عبد الجبار ، ص : (39) .

([2]) الإنصاف ؛ للباقلاني ، ص : (33) .

([3]) ميزان العمل ، ص : (409) .

([4]) رواه البخاري (1359) .

([5]) رواه البخاري (1359) .

([6]) رواه البخاري (1359) ، ومسلم (6849) .

([7]) رواه مسلم (7309) .

([8]) مجموع الفتاوى (4/245-246) .

([9]) درء تعارض العقل والنقل (8/383) .

([10]) رواه البخاري (7327) .

([11]) درء تعارض العقل والنقل (8/6-7) .

([12]) مجموع الفتاوى (4/55-56) .

([13]) درء تعارض العقل والنقل (8/7-8).

اكتشاف المزيد من مدونة عبدالله بن ناصر الناجم العلمية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading