عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (56)
-الجزء الأول-
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“إِصْلَاحٌ لِمَنْ يُرِيْدُ الْإِصْلَاحَ”.
وَهُوَ : صَاحِبُ الْقَلْبِ الْحَيِّ ، الْمُسْتَنِيْرُ بِنُوْرِ الْإِيْمَانِ ، الذَّاكِرُ ، الْخَاشِعُ ، الْمُنِيْبُ ، الْمُخْبِتُ ، الرَّاضِيْ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِيْنًا ، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا ، صَاحِبُ الْهِمَةِ الْعَالِيَةِ ، وَالنَّفْسِ الْكَبِيْرَةِ ،
وَإِذَا كَانَت النُّفُوْسُ كِبَارًا … تَعِبَتْ فِيْ مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ[1]،
وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ قَالَ اللهُ فِيْهِ -وَأَمْثَالِهِ- : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[الأنعام:122] ،
أَمَّا : مَنْ كَانَ هَمَّهُ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيْلًا ، فَقَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ ؛ أَظْلَمَ قَلْبُهُ ، وَاسَوَدَّ فُؤَادُهُ ؛ فَهُوَ بَيْنَ أَهْلِهِ وَذَوِيْهِ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ -وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ عَافَانَا مِمَّا اِبْتَلَاهُ-
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ … إِنَّمَا الْمَيِّتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ[2] ،
وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ قَالَ اللهُ فِيْهِ -وَأَمْثَالِهِ- : {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيْلًا}[الفرقان:43-44] ،
وَ”هُوَ الْمفْتُون الْمَوْصُوْفُ بِأَنَّ قَلْبَهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا -لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ هَوَاهُ- فِيْ حَدِيْثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيْ الصَّحِيْحَيْنِ تٌعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوْبِ عَرْضَ الْحَصِيْر . الحَدِيْث”[3].
وَفِيْ هَذَا الْمَقَالِ سَأَذْكُرُ وَأُذَكِّرُ -صَاحِبَ الْقَلْبَ الْحَيَّ- بِخُطَّةِ رُشْدٍ ، وَمِنْهَاجِ هُدَى ، لِيَحْفَظَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَأَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ مِنْ الْفِتَنِ الْغَاشِيَاتِ وَأَهْلِهَا ، وَالْمُنْكَرَاتِ الْفَاشِيَاتِ وَأَصْحَابِهَا ، الَّتِيْ مُنِيَتْ بِهِمْ وَبِهَا أَمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ هَذَهِ الْأَزْمَانِ ،
وَهِيَ مُوَجَّهَةٌ لِفِئَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوْبِ الْحَيَّةِ :
الْفِئَةِ الْأُوْلَى : وَهِيَ الْفِئَةُ السَّالِمَةُ مِنْ أَيِّ مُنْكَرَاتٍ ظَاهِرَةٍ ؛ وَهُمُ الْآبَاءُ الصَّالِحُوْنَ ، أُوَجِّهُهَا لَهُمْ لَيُقَوُّوْا بِهَا حِمَاهُمْ ، وَيُؤَمِّنُوْا جُدُرَهُمْ وَأَسْوَارَهُمْ مِنْ أَنْ يَخْتِرِقَهَا الْمُنَافِقُوْنَ الْمُخَاتِلُوْنَ ،
الْفِئْةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ الْفِئَةُ الْخَاطِئَةُ الْآسِفَةُ ، وَهُمْ الْآبَاءُ الَّذِيْنَ خُدِعُوْا بِبَرِيْقِ وَزُخْرُفِ دُعَاةِ الْمُنْكَرَاتِ ، فَوَقَعُوْا فِيْ شَيْءٍ مِنْهَا ، ثُمَّ نَدِمُوْا ، أُوَجِّهُهَا إِلَيْهِمْ لِأُعَرِّفَهُمْ عَلَى الطُّرُقِ النَّاجِعَةِ للْخُرُوْجِ مِنْ الضَّائِقَةِ ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْمَهْلَكَةِ ،
وَالْمُنْكَرَاتُ الْمَعْنِيَّةُ فِيْ هَذَا الْمَقَالِ هِيَ مُنْكَرَاتٌ رَاجَتْ وَشَاعَتْ بَيْنَ الْأَنَامِ ، مَجْمُوْعَةٌ فِيْ أَمْرَيْنِ اِثْنَيْنِ :
أَوَّلِهِمَا : مُنْكَرَاتُ الشُّبُهَاتِ ؛ كَالتَّشْكِيْكِ فِيْ الْمُسَلَّمَاتِ ، وَتَشْوِيْهِ سَنَنَ الْعُلَمَاءِ فِيْ الْاِسْتِدْلَالَاتِ ؛ وَإِلْغَاءِ السُّنَّةِ مِنْ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمُوْثُوْقَاتِ ،
ثَانِيْهِمَا : مُنْكَرَاتُ الشَّهَوَاتِ -وَسَائِلُ وَمَقَاصِدُ- كَحُضُوْرِ الْمَهْرَجَانَاتِ الْغِنَائِيَّةِ لِلْمُطْرِبِيْنَ وَالْمُطْرِبَاتِ ، وَكَقِيَادَةِ النِّسَاءِ لِلسَّيَّارَاتِ ، وَكَشْفِ وُجُوْهِهِنَّ وَتَبَرُّجِهِنَّ أَمَامَ الْأَجَانِبِ مِنَ الرِّجَالِ ، وَاخْتِلَاطِهِنَّ مَعَهُمْ فِيْ الْأَعْمَالِ ،
وَمَا سَأَذْكُرُهُ هُنَا -فِيْ حَلَقَاتِه التَّالِيَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ- إِنَّمَا هُوَ مَحْضُ اِجْتِهَادٍ مِنِّي ، أَرْجُوْ أَنْ أُوَفَّقَ فِيْهِ لِلصَّوَابِ ، وَمِنَ اللهِ الْكَرِيْمِ أَسْتَمِدُّ الْعَوْنَ وَالسَّدَادَ …