عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (57)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
بَيَانٌ مِنْ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ؛ عَبْدِ الْعَزِيْزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَازٍ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ ،
فِيْ :
وُجُوْبِ نُصْرَةِ الْمُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ فِيْ جَمِيْعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ فِيْ هَذَا الْبَيَانِ :
“فَقَدِ اِقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَالْغِنَى وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُوْنَ ، وَهَلْ يَكُوْنُوْنَ مُطِيْعِيْنَ لَهُ فِيْ حَالِ الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ ، قَائِمِيْنَ بِحُقُوْقِهِ سُبْحَانَهُ فِيْ كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ ،
قَالَ تَعَالَى : {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35] ،
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:1-3] ، …
وَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الْقَوِيةِ فِيْ مَالِهَا ، أَوْ رِجَالِهَا ، أَوْ سِلَاحِهَا ، أَوْ عُلُوْمِهَا أَنْ تُمِدَّ الْأُمَّةَ الْمُسْتَضْعَفَةَ ، وَأَنْ تُعِيْنَهَا عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَدِيْنِهَا ، وَتَمْنَعَ عَنْهَا الذِّئَابَ مِنْ حَوْلِهَا الْمُتَسَلِّطَةَ عَلَيْهَا ، وَأَنْ تُؤْتِيَهَا مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِيْ آتَاهَا ؛ فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِيْ عَقَدَهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ ؛ فِيْ مُشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا ، إِذْ :
يَقُوْلُ جَلَّ شَأْنُهُ : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10] ،
فَيَا أَيُّهَا الزُّعَمَاءُ وَالْقَادَةُ ، وَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ فِيْ كُلِّ مَكَانِ :
أَدْعُوْكُمْ إِلَى تَطْبِيْقِ مُقْتَضَى الْآيَةِ الْكَرِيْمَةِ ، وَالْعَمَلِ عَلَى إِقَامَةِ الْأُخُوَّةِ الْحَقِيْقِيَّةِ بَيْنَ كُلِّ الْمُسْلِمِيْنَ ؛ عَلَى اِخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِمْ ، وَأَلْوَانِهِمْ ، وَأَلْسِنَتِهِمْ ، وَأَنْ يُكُوْنَ الْمُسْلِمُوْنَ يَدًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، …
فَالْمُسْلِمُوْنَ الْيَوْمَ يَسْمَعُوْنَ أَوْ يَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِإِخْوَانِهِمْ فِيْ الْفِلِبِّيْنَ ، وَأَفْغَانِسْتَانَ ، وَإِرِيِتْيِرْيَا ، وَالْحَبَشَةِ ، وَفِلَسْطِيْنَ ، وَبُلْدَانٍ أُخْرَى كَثِيْرَةٍ ، بَلْ إِنَّ هُنَاكَ أَقَلِّيَّاتٌ مُسْلِمَةٌ فِيْ دُوَلٍ شُيُوْعِيَّةٍ كَافَرَةٍ ، وَالْمُسْلِمُوْنَ قَدْ فَرَّطُوْا فِيْ حَقِّهَا ، وَلَمْ يَقُوْمُوْا بِمَا يَجِبُ مِنْ نُصْرَتِهَا ، وَتَأْيِيْدِهَا ، وَإِعَانَتِها ،
وَالرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ : «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ ، وَتَرَاحُمِهِمْ ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»[1].
وَيَقُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»[2]،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[3]،
وَقَالَ أَيْضًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»[4]، …
وَلَقَدْ قَرَّرَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ أَنَّهُ : لَوْ أُصِيْبَتْ اِمْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ فِيْ الْمَغْرِبِ بِضَيْمٍ لَوَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ نُصْرَتُهَا ، فَكَيْفَ وَالْقَتْلُ ، وَالتَّشْرِيْدُ ، وَالظُّلْمُ ، وَالْعُدْوَانُ ، وَالْاِعْتِقَالَاتُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، كُلُّ ذَلِكَ يَقَعُ بِالْمِئَاتِ الْكَثِيْرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ فَلَا يَتَحَرَّكُ لَهُمْ إِخْوَانُهُمْ ، وَلَا يَنْصُرُوْنَهُمْ ؛ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ ، …
وَإِذَا كَانَتِ الْأُمَمُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُوْدِيَّةُ وَالشُّيُوْعِيَّةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ قَدْ تَحْفَظُ حُقُوْقَ أَيِّ فَرْدٍ يَنْتَسِبُ إِلَيْهَا ؛ وَلَوْ كَانَ يُقِيْمُ فِيْ دَوْلَةٍ أُخْرَى بَعِيْدَةٍ عَنْهَا ، وَتُصْدِرُ الْاِحْتِجَاجَاتِ ، وُتُرْسِلُ الْوَعِيْدَ ، وَالتَّهْدِيْدَ أَحْيَانًا إِذَا لَحِقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَرَرٌ ؛ وَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا فِيْ الدَّوْلَةِ الَّتِيْ يُقِيْمُ فِيْ أَرَاضِيْهَا ، فَكَيْفَ يَسْكُتُ الْمُسْلِمُوْنَ الْيَوْمَ عَلَى مَا يَحِلُّ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ حُرُوْبِ الْإِبَادَةِ ، وَضُرُوْبِ الْعَذَابِ ، وَالنَّكَالِ فِيْ أَمَاكِنَ كَثِيْرَةٍ مِنَ هَذَا الْعَالَم ،
وَلْتَعْلَمْ كُلُّ طَائِفَةٍ وَأُمَّةٍ لَا تَتَحَرَّكُ لِنُصْرَةِ أُخْتِهَا فِيْ اللهِ بِأَنَّهُ يُوْشِكُ أَنْ تُصَابَ هِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْبَلَاءِ الَّذِيْ تَسْمَعُ بِهِ ، أَوْ تَرَاهُ يُقَطِّعُ أَوْصَالَ أُوْلَئِكَ الْمُسْلِمِيْنَ فَلَا يَجِدُوْنَ مَنْ يَنْصُرُهُمْ ، أَوْ يَعْمَلُ عَلَى رَفْعِ الظُّلْمِ ، وَالْعَذَابِ عَنْهُمْ ،
فَاللهُ سُبْحَانَهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوْ الْمَسْؤُوْلُ بِأَنْ يُوْقِظَ قُلُوْبَ الْعِبَادِ لِطَاعَتِهِ ، وَأَنْ يَهْدِيَ وُلَاةَ أُمُوْرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَعَامَّتِهِمْ إِلَى أَنْ يُكُوْنُوْا يَدًا وَاحِدَةً ، وَصَرْحًا مُتَرَاصًّا لِلْقِيَامِ بِأَوَامِرِ اللهِ ، وَالْعَمَلِ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ ، وَنُصْرَةِ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَمُحَارَبَةِ الظَّالِمِيْنَ الْمُعْتَدِيْنَ ، عَمَلًا بـ :
قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:40-41] ،
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:2] ،
وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:1-3] ،
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ ، وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ”[5].