القائمة إغلاق

تَفْكِيْرَانِ مُخْتَلِفَانِ … لَا يَجْتَمِعَانِ.

نَظَرَاتٌ نَاقِدَةٌ لِمَا تَضَمَّنَتُهُ بَعْضُ الْمُقَرَّرَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ والَّتِيْ تُعْنَى بِـ”التَّفْكِيْرِ النَّاقِدِ” ، مِنْ خِلَالِ عَقْدِ مُقَارَنَةٍ بَيْنَ تَفْكِيْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَتَفْكِيْرِ مُخَالِفِيْهِمْ ، “وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ” .

 -الحلقة الرابعة- “الأخيرة” .

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد :

(مقدمة)

كنا قد ذكرنا في الحلقات السابقة أهم الفوارق بين تفكير أهل السنة والجماعة ، وتفكير غيرهم ، وفي هذه الحلقة -إن شاء الله- سوف أذكر -سردًا- الآثار المترتبة على هذا الاختلاف ؛ فأقول مستعينًا بالله ، متوكلاً عليه :

(ثَالِثًا) :

أَهَمُّ الْآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْاِخْتِلَافِ بَيْنَ تَفْكِيْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَفْكِيْرِ غَيْرِهِمْ .

نلخصها فيما يلي :

1)  إن من أكبر الآثار المدمرة للتفكير العقلاني المحدث هو إيجاد الفجوة الواسعة بين النخب العلمية في الدولة الواحدة ، مما يسبب الشقاق ، والخصام ، وحدوث الفتن ، والتي تعتبر مائدة شهية لكل شيطان مريد ، وعدو بغيض ، والناظر المتأمل في المشاكل الحادثة في الدول والبلدان ، والانقلابات التي تصاحبها يجد -في أغلبها- أن أصلها فكري ؛ إما علماني إرجائي ليبرالي ، أو خارجي تكفيري ، ولم نجد -والحمد لله- من أهل التوحيد والسنة أي فتنة جاءت من قبلهم ، إنما همهم -في هذا الشأن- هم واحد ؛ هو أن يُوْصِلُوْا الناس إلى الحق ، ويقيموا الحجة على الخلق ، بحكمة بالغة ، وتؤدة فاضلة .

2)  إن الغلو في أخذ التفكير العقلاني المذموم ، وترك ما كان عليه السلف من التفكير المبني على الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، سيبعد الأمة -ولا بد- عن معينها الصافي ، ودوائها الشافي ، وسيستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير ؛ سيتركون العلم الحقيقي -علم الكتاب والسنة- والذي لم يترك أي شيء يحتاجه المرء المسلم ؛ إن في دينه ، أو في دنياه إلى علوم مسمومة مستوردة ؛ شرقية أو غربية ، وسيتركون -جراء ذلك- العلماء الصادقين الربانيين رغبة عنهم ؛ لأنهم نصوصيون -كما يزعمون- مُيَمِّمِيْنَ وجوههم صوب قدوات اتخذوها لهم من علماء عقلانيين ؛ وهذا ما رأيناه واضحًا جليًا في كتب “التفكير الناقد” التي تدرس في كثير من البلدان المنتسبة إلى الإسلام ؛ احتفوا بمن يسمون مفكرين ، وأهملوا علماء الشريعة المؤهلين ، وهي محاولة -فاشلة- من أصحابها لضرب المرجعيات الموثوقة في الأمة ، والتي يقصدها الناس للسؤال والفتوى .

3)  إن الاستمرار في بث هذه الفكر العقلاني في أوساط الناشئة سوف يؤسس حزبية مقيتة في المجتمع المسلم ، تؤدي إلى توسيع الشرخ الحادث في الأمة ؛ يبعدها -أكثر- عن الجماعة ، ويمهد لها طريقًا للتمرد والمشاققة .

4)  إن الطريقة الفكرية “الناقدة” الفاسدة المفسدة ، والتي تعتمد على : “الشك في كل شيء” ، و”نقد كل شيء” عاقبتها وخيمة ، وآثارها مدمرة خطيرة ، وإن من أعظم آثارها المدمرة : انتشار موجة الإلحاد ؛ والتي نراها -الآن- في أوساط الشباب المنتسب إلى الإسلام ، وما سبب انتشار هذا الإلحاد في الدول التي انتشر فيها إلا لما بالغوا في تقديس العقول ، وأهملوا النصوص !!

5)  من التناقض الواقع عند مؤلفي كتب “التفكير الناقد” :

      أنهم لما قدسوا العقل ، وأعلوا من شأنه ، وأرقوه منزلة هي فوق منزلته التي أنزله الله عليها لم يشيروا إلى تعظيم النصوص الربانية ، والحث -والتأكيد- على التمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ ؛ لأنهم -فيما يظن بهم- لا يريدون أن يجمعوا بين نقيضين ؛ تعظيم العقل ، وتقديس النص ؛ لأن القسمة -عندهم- أحادية فقط .

      ومن التناقض الواضح -أيضًا- عندهم أنهم لما أسرفوا في تقديس العقل ، قالوا : “القانون ، والنظام هما اللذان يحددان مساحة الحرية المتاحة” ، وهذا ما سيفاجئ الطالب المخدوع بأطروحاتهم -حتمًا- وسيتساءل :

(س) : إذا كان العقل له من القدرات الخارقة -كما درستمونا- لماذا لا تترك له كامل الحرية ؟

(س) : وما صفة هذا القانون الذي يحد حرياتنا ، أليس مصدره العقول البشرية ؟! إذًا وقعنا فيما حذرتمونا منه ؛ فأصبحنا “تابعين” ، “مقلدين” ، “نصوصيين” !!!

(س) : أتظنون أنكم لما أطلقتم عقولنا في نقد كل شيء ، أتظنون أن القانون سيقيدنا بحد ؟ لا ، لن نتقيد بأي حد ولا قيد ؛ لأن ما أصلتموه -لنا لم تقبله عقولنا حتى نتقيد به ، لم ولن نتبعه!!

 أقول :

وأكبر دليل على ذلك ما نشاهده بين الفينة والأخرى من كُتَّابٍ إعلاميين من نقد أصولنا الشرعية ، والتشكيك في المسلمات النصوصية ؛ كالتشكيك بخبر الآحاد ، وتنقص الكتب الصحاح ، ومنها : “صحيح البخاري” ؛ عليه رحمة الله ، وهذا من أكبر نتاجهم الفاسد ، وسيأتي اليوم الذي تنتفض عقولهم على مؤسسات الدولة في بلدانهم ، وسيخرجون عليها كما خرج أسلافهم ، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم .

(رَابِعًا) :

نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِأَصْحَابِ ذَيْنِكَ الْفِكْرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ؛

هما نصيحتان :

أَوْلَاهُمَا : للعقلانيين ، مقدسي العقول ؛ ومقدميها على القرآن ، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، أقول لهم :

اتقوا الله تعالى ربكم ؛ كفوا عن تأصيلاتكم العقلانية المشؤومة ؛ التي بها افسدتم البلاد والعباد ؛ من حيث تشعرون أو لا تشعرون ؛ فإن أبيتم وعاندتم فما لي إلا أن أقول لكم -وبصراحة-:

اكتبوا ما يحلوا لكم ، واعملوا ما شئتم ؛ فالحق عندنا -والحمد لله- واضح ليس به خفاء ، تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا ، وأخذناه من علمائنا وأشياخنا ، وها نحن نربي عليه أولادنا وطلابنا ، وسنموت عليه إن شاء الله ، وستبقى طائفة منصورة على هذا إلى قيام الساعة ، والنصر والعاقبة الحميدة لهم ، في الحال أو المآل ، وأما تعملونه الآن فما هو إلا تمحيص وابتلاء ، والنصر لنا محقق قريب إن شاء الله .  

وَثَانِيْهِمَا : لإخواني أهل السنة -المتبعين نصوص الكتاب والسنة ، على فهم سلف الأمة- أقول لهم -مذَكِّرًا- :

اثبتوا -ثبتكم الله- ولا تلتفتوا إلى من أزاغ الله قلوبهم ، ولا تعيروا لهم أي اهتمام ؛ احفظوا كتاب ربكم ، واتبعوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، واعملوا بهما ، وتقيدوا بنصوصهما ، وعلِّموا ناشئتكم وطلابكم أن الفلاح كل الفلاح في التمسك بما كان عليه الأسلاف ، من التقيد بالنص الشرعي دون أي حدث ، أو ابتداع ، … ، والسلام . 

نَسْأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ ، وَالْهِدَايَةَ لِكُلِّ ضَالٍّ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَالْأَصْحَابِ ، وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .

%d