القائمة إغلاق

 كَلِمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا فِيْ مُوْضُوْعِ تَجْمِيْلِ الْمَقَابِرِ وَتَشْجِيْرِهَا.

كَلِمَةٌ مُقَيَّدَةٌ أَتَنَاوَلُ فِيْهَا مَا عَرَضَتْهُ بَعْضُ الصُّحُفِ الْمَحَلِّيَّةِ مِنْ إِرَادَةِ جِهَةٍ مَعْنِيَّةٍ بِالشُّؤُوْنِ الْخِدْمِيَّةِ بِتَجْمِيْلِ الْمَقَابِرِ وَتَشْجِيْرِهَا .  

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد :

(مقدمة)

طالعتنا صحيفة : “الأحساء نيوز” هذه الأيام بخبر جديد ، منشور في طيات صفحاتها بتاريح : 15/3/1443ه ، الموافق : 21 /10/2021م ، وكذلك أوردت هذا الخبر جريدة : “الوطن” ، بتاريح : 27/1/1443ه ، الموافق : 4/9/2021م ، وهذا الموضوع يتعلق بـ”المقابر” ؛ إذ تقوم إحدى الوزارات الخدمية -الآن- بتنفيذه داخل المقابر، وهو عبارة عن مبادرة لها ؛ في برنامج أسمته : “برنامج تشجير المقابر” ؛ تريد من خلال تحقيقه تحسين المشهد الحضري ، وأنسنة المدن ، وزيادة الغطاء النباتي في المنطقة ، فلما قرأت الموضوع وتأملته استغربته كثيرًا كثيرًا ؛ لما أعلمه من أن ما أرادوه في برنامجهم المذكور يعتبر مخالفة شرعية -سأذكر مسوغاتها بعد قليل إن شاء الله- فعزمت على الكتابة في هذا الشأن لأبين رأيي فيه ؛ نصحًا للمسؤولين في بلادنا ، وإبراء لذمتي ، ووفاء بالعهد الذي أخذه الله على أهل العلم ألا يكتموه ؛ خاصة وأنه قد انتشر وصرح به في الصحف ، وبدئ -فعليًّا في تنفيذه ، فأقول -سائلاً الله العون والسداد- :

(1)

تشجير المقابر ؛ تجميلاً لها -أو لأي غرض كان- : بدعة في الدين محدثة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ[1]؛ وحكم على هذا العمل بالبدعة :

1)  لأن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك التشجير في المقابر التي كانت في عهده ، وكذلك “لم يفعله السلف ؛ مع قيام المقتضي ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً ، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا”[2].

2)  ولأن أمور المقابر الشأن فيها -حمى ، وحماية ، وحفظًا من أي اجتهاد باطل ، أو غلو- موكول إلى الشريعة ، وفتاوى علمائها الأثبات ؛ فـ:

     أَمَّا الشَّرِيْعَةُ الْمُحْكَمَةُ فَقَدْ جَاءَتِ النُّصُوْصُ الْعَدِيْدَةُ فِيْهَا بِمَنْعِ كُلِّ مَا يُفْضِي إِلَى الْغُلُوِّ فِيْ الْقُبُوْرِ بِالْعِبَادَةِ ، أَوِ التَّعْظِيْمِ ، فَـ :

·      عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَصَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ”[3] .

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍكَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُ فِيهَا ، فَيَدْعُو، فَنَهَاهُ ، وَقَالَ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي ، عَنْ جَدِّي،  عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : “لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا،  وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ لَيَبْلُغُنِي أَيْنَ كُنْتُمْ”[4] .

وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : “لَعَنَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ اَلْقُبُورِ ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا اَلْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ”[5].

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ”[6]،

وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : “لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا”[7]،

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ اَلْحَبَشَةِ ، وَمَا فِيهَا مِنْ اَلصُّوَرِ ، فَقَالَ : “أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ اَلرَّجُلُ اَلصَّالِحُ ، أَوْ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ اَلصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ اَلْخَلْقِ عِنْدَ اَللَّهِ”[8]،

وزيادة على كون ذلك التشجير والتجميل بدعة في الدين : فيه تشبه بالكفار النصارى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم محذرًا : “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”[9].

     وَمِنْ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ فِيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، مَا يَلِي :

جَاءَ فِيْ قَرَارِ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ رَقْمَ (49) ، الصَّادِرِ فِيْ : (20/8/1396) مَا نَصُّهُ  : “نظراً إلى أنَّ المقابر محل للاعتبار ، والاتعاظ ، وتذكُّر الآخرة ؛ كما في صحيح مسلم : (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال  : «زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ ، فَقَالَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي ، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ” ، وحيث إنَّ تجميلها بفرش الأشجار ، وتبليط الممرات ، وإنارتها بالكهرباء ، وغير ذلك من أنواع التجميل لا يتفق مع الحكمة الشرعية في زيارة القبور ، وتذكُّر الآخرة بها ، حيث إنَّ تجميل المقابر بما ذُكرَ يَصرفُ عن الاتعاظ والاعتبار ، ويُقوِّي جوانب الاغترار بالحياة ونسيان الآخرة ، فضلاً عمَّا في ذلك من تحذير النبيِّ صلى الله عليه وسلم من إنارة القبور ، ولعنه فاعل ذلك ، فقد وَرَدَ عنه صلى الله عليه وسلم : «أَنَّهُ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُوْرِ ، وَالْمُتَّخِذِيْنَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ«[10]، ولِما فيه من مشابهة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في تشجير مقابرهم وتزيينها ، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن التشبُّه بهم ، ولِما في ذلك من تعريض القبور للامتهان بابتذالها ، والمشي عليها ، والجلوس فوقها ، ونحو ذلك مما لا يتَّفق مع حُرمة الأموات ، وعليه :

فِإِنَّ الْمَجْلِسَ يُقرِّرُ بِالْإِجْمَاعِ : تَحْرِيْمُ التَّعَرُّضِ لِلْمَقَابِرِ ، لَا بِتَشْجِيْرِهَا ، وَلَا بِإِنَارَتِهَا ، وَلَا بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّجْمِيْلِ ، لِلْإِبْقَاءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ ، وَلِتَكُوْنَ الْمَقَابِرُ مَصْدَرَ عِظَةٍ وَعِبْرَةٍ ، وَادِّكَارٍ[11]،

وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ رَحِمَهُ اللهُ  :“بناء ما قد تهدم من سور المقبرة من الجهات المؤدية إلى أطرافها ، مع عمل الأبواب اللازمة لحجرها ، وإقامة حارس للمراقبة ، وإتمام ما يجب نحو تنظيفها ، وعمل ممر بين المقابر ، فكل ذلك لا باس به  ، أما تشجير المقبرة فهو لا يجوز ، وفيه تشبه بعمل النصارى الذين يجعلون مقابرهم أشبه ما تكون بالحدائق ، فيجب إزالتها ، وإزالة صنابير الماء التي وضعت لسقيها ، ويبقى من الصنابير ما يحتاج إليه للشرب وتليين التربة ، وأما إضاءة المقبرة فيخشى أن يجر ذلك إلى إسراج القبور الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله ، ولا سيما ونفوس الجهال تتعلق كثيراً بالخرافات ، فتزال هذه الأنوار سداً للذريعة”[12].

(2)

أما ما أشارت إليه صحيفة الوطن بقولها :

“حدد مجلس بلدي الأحساء (4) اشتراطات شرعية لتشجير (10) مقابر بالمحافظة كعمل بيئي بالتنسيق مع جمعية إكرام الموتى ، وأمانة المحافظة ، وصرح رئيس المجلس الدكتور أحمد البوعلي ، والذي يعمل -أيضًا- كإمام وخطيب جامع في مدينة الهفوف شمول نحو (10) مقابر في مدن وبلدات المحافظة في مبادرة : «الأحساء تغرس 2021… فلنغرسها» ؛ مشيرًا إلى وضع عدد من الاشتراطات لمراعاتها في المقابر ، وهي :

ألا يكون أي نوع من الشجر غرسه فيه مساس بجانب التوحيد ، أو يفضي إلى التقديس والتعظيم ،

وألا يؤثر التشجير على ضيق ونقص مساحة القبور داخل المقبرة ،

وألا توضع الأشجار في الممرات بين القبور ،

وكذلك التركيز على الزراعة بمحاذاة السور. “

فلي مع هذا النقل -إن صح- عدة وقفات :

الْوَقْفَةُ الْأُوْلَى : ليس موكولًا للمجلس البلدي ، ولا لجمعية إكرام الموتى أمور الاشتراطات الشرعية في أي شيء ؛ إنما الموكول إليه ذلك أهل الفتوى ، المخولون من قبل ولي أمرهم ، فإن كان ثَمَّ شيء عندهم من الفتاوى في هذا الشأن فليخرجوه ؛ محرراً مكتوبًا ، موقعًا عليه من الجهة المختصة بالفتوى ؛ فإن أخرجوه صار لنا معهم حديث آخر ، وإلا لم نقبل منهم -ألبتة- ما صرحوا به هنا .

الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ : أما قولهم : “ألا يكون أي نوع من الشجر غرسه فيه مساس بجانب التوحيد ، أو يفضي إلى التقديس والتعظيم” ، فهي غريبة منهم : وما أدرانا أن غرس الأشجار في المقابر يفضي في نفس الإنسان ، أو لا يفضي إلى التقديس أو التعظيم ؟ لا يعلم ما في القلوب إلا الله ، لكن المتعين أن يقال : “غرس الأشجار في المقابر يفضي إلى الغلو في أصحابها ، وفي الأزمنة التي يغلب فيها الجهل بالعقيدة النقية الصافية ، وتكثر فيها الطوائف المبتدعة ؛ من رافضة ، ومتصوفة ، يتأكد الأمر بمنعه” ، هذا المفترض منهم أن يقولوه .

الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ : التاريخ -الغابر والمعاصر- خير شاهد في أن الناس لهم تعلق شديد بالأشجار ؛ تعظيمًا ، وعبادة ، فـ:

      شَجَرَةُ الْعُزَّى” : شَجَرَةٌ كَانَتْ لِلْمُشْرِكِيْنَ يَعْبُدُوْنَهَا ؛ فَـ” لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ ، وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى ، فَأَتَاهَا خَالِدٌ ، وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ ، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : «ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا» ، فَرَجَعَ خَالِدٌ ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ السَّدَنَةُ -وَهُمْ حَجَبَتُهَا- أَمْعَنُوا فِي الْجَبَلِ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا عُزَّى ، يَا عُزَّى ، فَأَتَاهَا خَالِدٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ ، نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا ، تَحْتَفِنُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا ، فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : «تِلْكَ الْعُزَّى»[13].  

      وَ”ذَاتُ أَنْوَاطٍ” : شَجَرَةٌ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَضَعُوْنَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَقَالَ قَوْمٌ حَدِيْثُوْ عَهْدٍ بِشِرْكٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ ، هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف: 138] ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»[14]،

      و”فَحْلُ الْفُحُوْلِ” : شَجَرَةُ فَحَّالٍ كَانَتْ فِيْ نَجْدٍ -قَبْلَ تَطْهِيْرِهَا بِالدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ- ” كَانَ يَنْتَابُهُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ ، وَيَفْعَلُوْنَ عِنْدَهُ أَقْبَحَ الْفِعَالِ ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهَا الزَّوَاجُ ، وَلَمْ تَرْغَبْ فِيْهَا الْأَزْوَاجُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ ، فَتَضُمَّهُ بِيَدِهَا ، وَتَدْعُوْهُ بِرَجَاءٍ وَابْتِهَالٍ ، وَتَقُوْلُ : يَا فَحْلَ الْفُحُوْلِ ، أُرِيْدُ زَوْجًا قَبْلَ الْحَوْلِ”[15]،

      و”شَجَرَةُ الطَّرَفِيَّةِ” : شَجَرَةٌ كَانَتْ فِيْ أَهْلِ نَجْدٍ -كَذَلِكَ- ، يَعْتَقِدُوْنَ بِهَا “أَغَرْاهُمُ الشَّيْطَانُ بِهَا ، وَأَوْحَى إِلَيْهِمْ التَّعَلُّقَ عَلَيْهَا ، وَأَنَّهَا تُرْجَى مِنْهَا الْبَرَكَةَ ، وَيُعَلِّقُوْنَ عَلَيْهَا الْخِرَقَ ، لَعَلَّ الْوَلَدَ يَسْلَمُ مِنَ السُّوْءِ”[16]،

       و”شَجَرَةُ الْعَبَّاسِ” : شَجَرَةٌ شَاهَدُتَهَا بِنَفْسِي ، كَانَ يَتَبَرَّكُ بِهَا الرَّافِضَةُ فِيْ إِحْدَى قُرَى الْأَحْسَاءِ ، فَفِي حُدُوْدِ عَامِ : (1402ه) رَأَى أَحَدُ دُعَاةِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْأَحْسَائِيِّيْنَ فِيْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ -وَهُوَ مَارٌّ بِهَا- أُنَاسًــا؛ رِجَالًا وَنِسَاءً ، كَانُوْا يَتَبَرَّكُوْنَ بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ ، يُعَلِّقُوْنَ عَلَيْهَا ثِيَابَهُمْ ، وَيَتَمَسَّحُوْنَ بِهَا ؛ فَرَفَعَ إِلَى الْجِهَاتِ الْمُخْتَصَّةِ لِإِزَالَتِهَا ، فَأُزِيْلَتْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَكَانَتِ الْإِزَالَةُ وَالتَّطْهِيْرُ بِإِشْرَافٍ مُبَاشِرٍ مِنْ الْأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ فَهْدٍ آلْ جُلُوْي عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ .

فهذه أمثلة عدة تبين ولع النفوس الجاهلة بالأشجار ، وتقديسها ، فإذا علمنا ذلك تعين علينا ألا نقرب لهم أسبابها ، خاصة -كما ذكرت- أنَّا في منطقة يكثر فيها المبتدعون وأهل الضلال ، ومن شاهد مقابر الرافضة ، والمتصوفة -عندنا- أيقن حقيقة ما أقول .   

 الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ : الشيطان له طرق خطيرة في أغراء المبتدعة ، والجهلة الأغمار ، وذلك بجرهم إلى خطواته الشيطانية ، يقول لهم أولاً : لا تفعلوا شيئًا ، نريدها للظل ، والجمال فقط ، حتى إذا هلك ذلك القرن ، وجاء أحفادهم نزغ في نفوسهم ليقول لهم : هذه الأشجار ما نبتت في هذه المقبرة إلا لأن أصحابها -المدفونين فيها- عند الله لهم جاه ومكانة ، فتعبد بعد ، كما حدث ذلك لقوم نوح أول ما عبدوا الأصنام ،  فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى : {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23] ، قَالَ : “هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمٍ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى اَلشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصُبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ اَلَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا ، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ ، فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ ، وَنُسِيَ اَلْعِلْمُ عُبِدَتْ”[17].

الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ : العادة عند كثير من الناس أنهم لا يتقيدون بضوابط ، فكثيراً ما توضع لهم ضوابط ، واشتراطات لأمور شرعية ثم -بعد- يتسامح المسؤول في متابعتها ، والوقائع في ذلك كثيرة جدًا ، لا نحتاج إلى ضرب المثال لها ؛ لأنها معروفة .

الْوَقْفَةُ السَّادِسَةُ : تشجير المقابر يصيرها بساتين وحدائق غناء ، يرتادها المرتادون للنزهة والاستمتاع ، ويزول -عندها- من القلوب عامل العظة ، والاعتبار ، وقد ذكرنا ذلك في الفقرة الأولى ، واستقصيناه من فتاوى العلماء .  

(3)

وأخيرًا : الواجب على من ولِّيَ الأمر في أي شؤون من شؤون الأمة أن يقوم به حق القيام ، ولا يعجل حتى ينظر في المفاسد المترتبة عليه ، وذلك بعد سؤال العلماء واستشارتهم ، فإن أتفق رأي العلماء على حله وصوابه ، وإلَّا فليتنح ، ولينجُ بنفسه ، حتى لا يتحمل أوزار الناس ، فتبقى عليه متواردة حتى قيام الساعة ،  

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا ، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً  كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ”[18].

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السُّيُوبَ”[19].

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَيُثَبِّتَنَا عَلَى التَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنْ يَحْمِيَنَا مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبُ الدَّعْوَةِ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْمُخْتَارِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالْأَتْبَاعِ .

  

 

 



([1]) رواه البخاري (2697) ، ومسلم (4513) .

([2]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/123) .

([3]) رواه أبو داوود (2044) ، وأحمد (8804) .

([4]) رواه الضياء المقدسي في “المختارة” (428) .

([5]) رواه أبو داوود (2338) ، والترمذي (320) ، والنسائي (2043) . 

([6]) رواه مسلم (2205) .

([7]) رواه مسلم (2211) .

([8]) رواه البخاري (427) ، ومسلم (1118) .

([9]) رواه أبو داوود (4031) .

([10]) تقدم تخريجه .

([11]) توضيح الأحكام (3/246) ؛ للشيخ عبد الله البسام رحمه الله.

([12]) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (3/161) .

 

([13]) رواه النسائي في الكبرى (11483) .

([14]) رواه الترمذي (2180) .

([15]) الدرر السنية (1/379) .

([16]) المصدر السابق .

([17]) رواه البخاري (4920) . 

([18]) رواه مسلم (2314) .

([19]) رواه البخاري (2424) ، ومسلم (7294) .

%d