القائمة إغلاق

عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (60)

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

سُنَنُ اللهِ الَّتِيْ لَا تَتَبَدَّلُ ، وَلَا تَتَحَوَّلُ ،

{فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر:43]

وَسُنَّتُهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَادَتُهُ الَّتِيْ يُسَوِّي فِيْهَا بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ نَظِيْرِهِ الْمَاضِي[1]،

تَظْهَرُ جَلِيَّةً فِيْ الْوَقَائِعِ الْمَشْهُوْدَةِ الْمَعْلُوْمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيْ الْأَقْوَامِ الْبَائِدَةِ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ ، أَنْجَى اللهُ فِيْهَا الْمُؤْمِنِيْنَ الصَّادِقِيْنَ ، وَأَهْلَكَ الْعُتَاةَ الْمُتَجَبِّرِيْنَ ،

وَقَدْ قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِيْ الْقُرْآنِ مِنْ ذلك الشَّيْءَ الْكَثِيْرَ ، “وَإِنَّمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا قِصَصَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأُمَمِ لِتَكُونَ عِبْرَةً لَنَا ؛ فَنُشَبِّهُ حَالَنَا بِحَالِهِمْ ، وَنَقِيسُ أَوَاخِرَ الْأُمَمِ بِأَوَائِلِهَا ، فَيَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ شَبَهٌ بِمَا كَانَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَيَكُونُ لِلْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ شَبَهٌ بِمَا كَانَ لِلْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَمَّا قَصَّ قِصَّةَ يُوسُفَ مُفَصَّلَةً وَأَجْمَلَ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى}[يوسف:111]”[2]،

وَهَذِهِ السُّنُنُ وَعِيْدٌ مِنَ اللهِ وَوَعْدٌ مُحَقَّقٌ ، يُؤْمِنُ بِهَا أَهْلُ الْإِيْمَانِ ، وَيَغْفُلُ عَنْهَا أَهْلُ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرَانِ ،

جَعَلَهَا اللهُ فِيْ عِبَادِهِ قَدَرًا كَوْنِيًّا ، لِحِكَمٍ عَظِيْمَةٍ ، وَغَايَاتٍ جَلِيْلَةٍ ،

مِنْهَا : نَفَاذُ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ ، فَلَهُ جَلَّ وَعَلَا -وَحْدَهُ- التَّدْبِيْرُ وَالْأَمْرُ كُلُّهُ ،

وَمِنْهَا : إِكْرَامُ أَوْلِيَائِهِ ، وَأَهْلِ طَاعَتِهِ ،

وَمِنْهَا : النِّقْمَةُ مِنْ الْعَاصِيْنَ الْمُعْرِضِيْنَ ، وَالطُّغَاةِ الْمُتَكَبِّرِيْنَ ؛ لِيَكُوْنَ الدِّيْنُ كُلُّهُ لَهُ جَلَّ وَعَلَا ،

وَغَيْرِهُا مِنَ الْحِكَمِ الَّتِيْ يُرِيْدُهَا جَلَّ وَعَلَا ،

وَفِيْ الْحَلَقَاتِ التَّالِيَةِ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- سَوْفَ نَعْرِضُ جُمْلَةً مِنْ سُنَنِ اللهِ الَّتِيْ جَعَلَهَا فِيْ عِبَادِهِ ، لِلتَّدَبُّرِ وَالْاِتِّعَاظِ ، وَلِلْحَذَرِ وَالْاِحْتِيَاطِ ،

وَاللهُ الْمُعِيْنُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ ، وَهُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمْجَدِ ، وَآلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَالتَّابِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَأَحْسَنَ .

 



([1]) انظر : مجموع الفتاوى ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (13/23) .

([2]) المصدر السابق (28/425) .

%d مدونون معجبون بهذه: