“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .
حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .
حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .
الحلقة (الثامنة) :
-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-
“وَصْفُ عَقِيْدَةِ أَهْلِهَا الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَأَخْلَاقِهِمْ” .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :
(مقدمة)
سنتابع في هذه الحلقة -إن شاء الله- ما قد بدأناه في في الحلقات الماضية من ذكر عقيدة أصحاب البيوت المؤمنة ، فنقول :
يقول أصحاب البيوت المؤمنة -الطاهرة النقية-:
(3)
ولـ”لا إله إلا الله” نواقض عديدة ، تخرج المرء المسلم من الإسلام ، ويكون كافرًا مرتدًا ، له حكم الكافرين ، هذه النواقض نحذرها أشد الحذر ، ونحذر منها غيرنا ؛ سواء كانت قولية ، أو فعلية ، أو اعتقادية ، وهي أنواع ، سنذكر منها أخطرها ،
مِنْهَا : الشرك بالله الشرك الأكبر ؛ وذلك بأن يُجعل معه -سبحانه وتعالى- شركاء وأندادًا يُعبدون معه ، من ملائكة ، أو جن ، أو أنبياء ، أو أولياء ، أو صالحين ، أو غيرهم ، أو بأن يجعلهم له شفعاء ، أو وسطاء ؛ يدعوهم ، ويسألهم الشفاعة ، أو يتوكل عليهم من دون الله ، أو يصرف لهم أي نوع من أنواع العبادة ،
فكل مشرك بالله الشرك الأكبر كافر ؛ سواء كان من المشركين الأصليين ؛ وثنيين ، أو بوذيين ، أو يهود ، أو نصارى ، أو كان ممن وقع في هذه الناقض فانتقل عن ملة الإسلام ؛ فصار في عداد الكفار المشركين ؛ كالرافضة ، والنصيريين ، والصوفية المخرفين ؛ فهولاء كفار كلهم ، ولا يحل أن يسموا مسلمين ؛ لما وقعوا فيه من نواقض .
وَمِنْهَا : من اعتقد أن الحكم بغير شريعة الإسلام ؛ كالحكم بالدساتير ، أو القوانين ، أو بالأعراف القبلية المخالفة لشريعة الإسلام أفضل من الحكم بالإسلام ؛ أو مساوية له ، أو أن العمل بها جائز لا حرج فيه ، ويدخل فيه : من نحَّى الحكم بالشريعة بأكملها ، واستبدلها بغيرها ؛ رغبة عنها ؛ لأنها -على حد زعمه- في زمان غير صالح للحكم بها ؛ فمن اعتقد ذلك خرج من دين الإسلام ، ولا حظ له فيه من قريب ، ولا من بعيد ،
وَمِنْهَا : الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ، ولا يعمل به ، ويدخل فيه : التارك لأعمال الجوارح كلها ؛ مكتفيًا بعمل القلب ، ونطق اللسان ، ويدخل في ذلك : ترك الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر .
وَمِنْهَا : الاستهزاء بالدين ، أو بالقرآن ، أو بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، ويدخل في ذلك : إطلاق اللسان ، والبنان بالنكت والفكاهات في أي شيء يتعلق بما ذكر ،
وَمِنْهَا : الشك والريبة في مسلَّمات الإسلام ، وشرائعه العظام ؛ كمن يشك في وجود الله ، أو يشك في أنبيائه ورسله ، أو في القرآن ، أو الجنة ، أو في النار ؛ كأن يقول : لا أدري هل بعث أحد من الرسل أو لا ؟ أو يقول : لا أدري هل هناك يوم آخر أو لا ؟ أو يشك في حرمة الزنا ، وشرب الخمر -مثلاً- .
وَمِنْهَا : النفاق المخرج من الملة ؛ كنفاق المنافقين الأول ، ممن يبطنون الكفر ، ويظهرون الإسلام ؛ ويدخل فيهم من المعاصرين : كثير من الليبراليين ، والعلمانيين ، والحداثيين ؛ فعلامات أهل النفاق واضحة عليهم .
وَمِنْهَا : من اعتقد جواز أن يتعبد المرء لله بدين غير دين الإسلام وشريعته ؛ التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم من عند ربه ؛ ناسخة لجميع الأديان ، كمن يجوِّز أن يتعبد الله بدين النصرانية ، أو اليهودية ، أو البوذية ، أو يعتقد جواز التقريب بين الأديان السماوية ، بما يسمى بـ: “الملة الإبراهيمية” ؛ لأنها -كما يزعم- جاءت جميعها من عند الله ، ويدخل في ذلك : من اعتقد جواز التحرر الديني ، وذلك بأن يكون الإنسان حرًا ؛ يدين بأي دين غير دين الإسلام ، أو يكون ملحدًا .
وَمِنْهَا : استحلال المحرمات الشرعية المجمع عليها ؛ كمن يستحل شرب الخمر ، أو فعل الزنا ، ويدخل في ذلك : التزاوج اللوطي المعاصر ، المسمى بزواج المثليين .
وَمِنْهَا : محبة أعداء الإسلام ، ومظاهرتهم ، ومعاونتهم على المسلمين ؛ ويدخل في ذلك : من يدعم ويساند الكفار الوثنيين ، أو النصارى الصليبيين في استئصال وتقتيل المسلمين الأبرياء الآمنين ، وتهجيرهم من بلدانهم .
وَمِنْهَا : جحد أسماء الله ،وصفاته الثابتة في الكتاب والسنة ؛ كمن يجحد اسم الرحمن ، أو الرحيم -مثلاً- أو يقول : إن القرآن مخلوق ، أو يقول : إن الله ليس في السماء ، ونحوه .
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النَّوَاقِضِ الَّتِيْ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ ، وَهِيَ مَذْكُوْرَةٌ مَسْطُوْرَةٌ فِيْ مَظَانِّها مِنَ الْكُتُبِ .
وبعد :
فيا أيها الموحد المتبع “إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب ، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48] ، وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد سواه ، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين :
الْأُوْلَى : الفرح بفضل الله ورحمته [أن سلمك من هذه النواقض وغيرها] ؛ كما قال تعالى : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] [يونس: 58] ،
وأفادك أيضًا –وَهِيَ وَالثَّانِيَةُ- : الخوف العظيم ؛ فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل ، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما ظن المشركون ، خصوصًا إن ألهمك الله ما قص على قوم موسى مع صلاحهم ، وعلمهم أنهم أتوه قائلين : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] ؛ فحينئذ يعظم خوفك ، وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله”[1]،
حمانا الله وإياكم مما يغضبه ، ويسخطه ، اللهم آمين .
ذَكَرْنَا -هُنَا- أَهَمَّ هَذِهِ النَّوَاقِضِ سَرْدًا ،
وَفِيْ الْحَلْقَةِ التَّالِيَةِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- سَنَذْكُرُ لَهَا مَا يِتَيَسَّرُ مِنْ أَدِلَّةٍ ، مُعَضَّدَةٍ بِأَقْوَالِ عُلَمَاءَ أَجِلَّةٍ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ ، وَالْهَادِي إِلَى سَبِيْلِ السُّنَّةِ .
([1]) من مقدمة كتاب : “كشف الشبهات” ؛ لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، ص : (10-11)] .