القائمة إغلاق

عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (61)

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

جَرِيْمَةُ كِتْمَانِ الْحَقِّ

وَقَدْ جَاءَ الْوَعِيْدُ عَلَى ذَلِكَ فِيْ غَيْرِ مَا آيَةٍ ،

قَالَ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة:159] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:42] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة:140] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[النساء:135]، 

وَالْوَعِيْدُ يَشْتَدُّ عَلى مَنْ تَوَلَّى وِلَايَةَ الْبَلَاغِ ، وَإِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ ؛ فَفَرَّطَ فِيْهَا ؛ وَخَانَهَا ، فَكَتَمَهَا ،

قَالَ تَعَالَى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:174-178] ،

وَهَذِهِ -أَيْ : الْآيَةَ السَّابِقَةَ- أَشَدُّ آيَةٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَاهُ آيَةً مِنِ اسْمِهِ الْأَعْظَمِ ، وَالدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَةِ ، وَالْعِلْمِ ، وَالْحِكْمَةِ ، فَاسْتَوْجَبَ بِالسُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى تَغْيِيرَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ ، وَالِانْسِلَاخَ عَنْهَا ، وَمَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْخُلَّتَيْنِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ؟”[1]،

وَقَالَ تَعَالَى : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة:5] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُون}[المائدة:63]،

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ”[2]،

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ”[3]،

“عُلَمَاءُ السُّوْءِ جَلَسُوْا عَلَى بَابِ الْجنَّةِ يَدْعُوْنَ إِلَيْهَا النَّاسَ بِأَقْوَالِهِمْ ، وَيَدْعُوْنَهُمْ إِلَى النَّارِ بِأَفْعَالِهِمْ ؛ فَكُلَّمَا قَالَتْ أَقْوَالُهُمْ لِلنَّاسِ هَلُمُّوْا قَالَتْ أَفْعَالُهُمْ لَا تَسْمَعُوْا مِنْهُمْ ، فَلَوْ كَانَ مَا دَعُوْا إِلَيْهِ حَقًا كَانُوْا أَوَّلَ الْمُسْتَجِيْبِيْنَ لَهُ ، فَهُمْ فِيْ الصُّوْرَةِ أَدِلّاءُ ، وَفِيْ الْحَقِيْقَةِ قُطَّاع الطُّرُقِ”[4]،

وَفِيْ خَتْمِ هَذَا الْمَقَالِ أَقْوُلُ :

فِتْنَةُ عُلَمَاءِ السُّوْءِ مِنْ أَضَرِّ الْفِتَنِ الَّتِيْ تَعْصِفُ بِالْأُمَّةِ فِيْ هَذَا الزَّمَنِ ، وَهِيَ ثَغْرَةٌ يَدْخُلُ مِنْ خِلَالِهَا دُعَاةُ الضَّلَالَةِ لِإِفْسَادِ الْأَخْلَاقِ ، وَالْعَقِيْدَةِ ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوَ ، وَالْعَافِيَةَ ،

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ عُلَمَاءِ السُّوْءِ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عُلَمَاءَنَا مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْفِتْنَةِ ، وَأَعِنْهُمْ عَلَى حَمْلِ مَا حُمِّلُوْهُ مِنْ أَمَانَةِ تَبْلِيْغِ الْحَقِّ ، بِهِمَّةِ ، وَعَزْمٍ ، وَحَزْمٍ .

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى الْآلِ ، وَالصَّحْبِ ، وَمَنْ تَبِعَ .


([1]) تفسير البغوي (3/304) .

([2]) رواه أبو داوود (4252) ، والترمذي (2229) .

([3]) رواه أحمد (143) .

([4]) الفوائد ؛ لابن القيم ، ص : (61) .

%d