القائمة إغلاق

“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .

حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .

حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .

الحلقة (التاسعة) :

-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-

“وَصْفُ عَقِيْدَةِ أَهْلِهَا الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَأَخْلَاقِهِمْ” .

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :

(مقدمة)

سنتابع في هذه الحلقة -إن شاء الله- ما قد بدأناه في الحلقات الماضية من ذكر عقيدة أصحاب البيوت المؤمنة ، فنقول :

(4)

قد أورد أعداء التوحيد على “لا إله إلا الله” شبهات كثيرة ؛ سنذكر أهمها ، ثم سنجاوب عليها بما ييسر الله لنا ، وقبل أن نبدأ بما نحن فيه نريد أن نُذَكِّرُ الأسرة المسلمة بخطورة الشبهات ، وطرق الخلاص من شباكها ، فنقول وبالله التوفيق :

أولًا / خطر الشبهات :

الشبهات إحدى وسائل الشيطان وأسلحته التي يقاتل بها أهل التوحيد ، وقد قام بإضلال كثير من العباد ، فدعاهم لمراده ؛ فأطاعوه واتبعوه ، فصاروا له قرناء ، وأولياء ، فضلوا بضلاله وإضلاله ، وأضلوا ، وهذا اللعين الرجيم {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير}[فاطر:6] ، وقد زين لهم أعمالهم ، بعدما أودع في قلوبهم من الشبهات ما لا خلاص لهم منها ، {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُون}[النمل:24]، وقد بدأها مع أبينا آدم عليه أفضل السلام ، وأتم التسليم ، فغواه ، لكن الله سدده ؛ فتاب عليه وهدى ،

قَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}[طه:115-122] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الحج:5-54] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}[الأنعام :112-113]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الألْبَاب}[آل عمران:7] ، قَالَتْ :

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ”[1].

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ، مَنْ خَلَقَ كَذَا ، حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ”[2]،

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فيما يرويه عن ربه تعالى-: ” وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا”[3]،

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “ومن مكايده أنه يسحر العقل دائما حتى يكيده ، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله ، فيزين له الفعل الذى يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء ، وينفر من الفعل الذى هو أنفع الأشياء له ، حتى يخيل له أنه يضره ، فلا إله إلا الله ،

كم فتن بهذا السحر من إنسان ؟

وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان ؟

وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة ، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة ؟ وكم بهرج من الزيوف على الناقدين ، وكم روّج من الزغل على العارفين ؟

فهو الذى سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة ، والآراء المتشعبة ، وسلك بهم في سبل الضلال كل مسلك ، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك ، وزين لهم عبادة الأصنام ، وقطيعة الأرحام ، ووأد البنات ، ونكاح الأمهات ، ووعدهم الفوز بالجنات مع الكفر والفسوق والعصيان ، وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم ، والكفر بصفات الرب تعالى ، وعلوه على عرشه ، وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه ، وترك الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر في قالب التودد إلى الناس ، وحسن الخلق معهم ، والعمل بقوله : {عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ}[المائدة: 105] ، والإعراض عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام في قالب التقليد ، والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم ، والنفاق والإدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذى يندرج به العبد بين الناس ،

فهو صاحب الأبوين حين أخرجهما من الجنة ، وصاحب قابيل حين قتل أخاه ، وصاحب قوم نوح حين أغرقوا ، وقوم عاد حين أهلكوا بالريح العقيم ، وصاحب قوم صالح حين أهلكوا بالصيحة ، وصاحب الأمة اللوطية حين خسف بهم ، وأتبعوا بالرجم بالحجارة ، وصاحب فرعون وقومه حين أخذوا الأخذة الرابية ، وصاحب عباد العجل حين جرى عليهم ما جرى ، وصاحب قريش حين دعوا يوم بدر ، وصاحب كل هالك ، ومفتون”[4]،

وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ؛ فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها تشربها ، وامتلأ بهــــــــا ، فينضح لسانه ، وجوارحه بموجبها ؛ فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك ، والشبهات ، والإيرادات فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ، ويقينه”[5]،

وسنتكلم في الحلقات التالية -إن شاء الله- عن منهج السلف في كيفية التعامل مع شبهات المشبهين ؛ من جنود الشياطين ، 

 

  



([1]) رواه البخاري (4547) ، ومسلم (6869) .

([2]) رواه البخاري (3276) ، ومسلم (262) .

([3]) رواه مسلم (7309) .

([4]) إغاثة اللهفان (1/110-111) .

([5]) مفتاح دار السعادة (1/140) .

اكتشاف المزيد من مدونة عبدالله بن ناصر الناجم العلمية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading