عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (65)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّيْنَ فِيْ أَزِمِنَةِ الْفِتَنِ” .
شَرٌّ ، وَسُمٌّ زُعَافٌ ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ !!
وَلِزَامًا عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيْدِ ، وَالْغُرْبَةِ أَنْ يَفِرُّوْا مِنْهَا -وَمِنْ أَصْحَابِهَا- فِرَارَهُمْ مِنَ الْمَجْذُوْمِيْنَ ، وَالْفُسَّاقِ الْمُجْرِمِيْنَ ، بَلْ أَشَدُّ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ خَطَرَهُمْ وَاقِعٌ -بِشَكْلٍ خَاصٍّ- عَلَى الدِّيْنِ ، وَالْعَقِيْدَةِ ، وَالْأَخْلَاقِ ؛ يُفْسِدُوْنَ فِيْ جَلْسَةِ إِفْتَاءٍ قَصِيْرَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ عِرْبِيْدٌ مُجْرِمٌ فِيْ عَامٍ ،
بَالْأَمْسِ سَكَتُوْا عَنْ إِنْكَارِ مُنْكَرَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ ، وَالْيَوْمَ نَطَقُوْا بِفَتَاوَى مُضِلَّاتٍ ،
وَهَذِهِ الْفَتَاوَى هِيَ إِحْدَى مَعَاوِلِ اللِّيْبْرَالِيِّيْنَ -الْآنِيَةِ- فِيْ تَنْفِيْقِ أَبَاطِيِلِهِمْ فِيْ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، فـ:
يَا أَهْلَ التَّوْحِيْدِ وَالْغُرْبَةِ :
اِحْذَرُوْا فَتَاوَاهُمْ أَشَدَّ مَا يَكُوْنُ مِنَ الْحَذَرِ ؛
فِيْ التَّعَايُشِ الْمَزْعُوْمِ ؛ مَعَ الْيَهُوْدِ ، وَالنَّصَارَى ، وَالْمَجُوْسِ ، أَوْ مَعَ الْمُبْتَدِعَةِ ، وَأَهْلِ الْفُجُوْرِ ، وَفِيْ تَجْوِيْزِ إِقَامَتِهِمْ ، وتَهْنِئَتِهِمْ أَعْيَادَهُمْ الشِّرْكِيَّةَ ، وَمُنَاسَبَاتِهِمْ الْوَثَنِيَّةَ ،
وَفِيْ تَحْلِيْلِهِمُ الْمَعَازِفَ ، وَالسُّفُوْرَ ، وَالْاِخْتِلَاطَ ، وَتَعَاطِيَ الْمُخَدِّرَاتِ ، أَوْ شُرْبَ الْخُمُوْرِ ،
وَاحْذَرُوْا مِنْ نُقُوْلَاتِهِمْ وَإِحَالَاتِهِمْ عَنِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ تُهْمَةٍ ، يَتَتَبَعُوْنَ الْمُتَشَابِهَ مِنَ الْأَقْوَالِ ، وَيَتْرُكُوْنَ مِنْهَا الْمُحْكَمِ ؛ لِحَاجَةٍ فِيْ نُفُوْسِهِمْ ، وَلِهَوًى فَتَّ قُلُوْبَهُمْ ،
وَيَا أَهْلَ التَّوْحِيْدِ وَالْغُرْبَةِ :
حَذِّرُوْا الْعَوَامَّ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْفَتَاوَى ، وَمِنْ أَصْحَابِهَا ، وَاسْتَمِرُّوْا فِيْ الْحَذَرِ ، والتَّحْذِيْرِ ؛ فَإِنَّ الْفَتْوَى مَقَامُهَا عَظِيْمٌ ، وَشَأْنُهَا كَبِيْرٌ ، وَهِيَ تَوْقِيْعٌ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، فَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِيْهَا ، وَمَنْ عُرِفَ بِهِ حَرُمَ اِسْتِفْتَاؤُهُ[1]، وَتَقْلِيْدُ الْمُتَسَاهِلِيْنَ الْمُضِلِّيْنَ فِيْ ضَلَالَاتِهِمْ طَرِيْقٌ مُمَهَّدٌ إِلَى النَّارِ ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ ، وَقَدْ كَانَ كَثِيْرٌ مِنَ السَّلَفِ يُحْجِمُ عَنِ الْفَتْوَى خَشْيَةَ أَنْ يَشْمَلَهُ عُمُوْمُ :
قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}[يونس:59] ،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُوْنَ}[النحل:116] ،
ثُمَّ اِعْلَمُوْا -أَخِيْرًا- يَا أَهْلَ التَّوْحِيْدِ وَالْغُرْبَةِ :
إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْتِيْنَ الْمُضِلِّيْنَ لَيْسَ لَهُمْ مَقَامٌ عَدْلٌ -وَالْحَمْدُ لِلَّهِ- بَيْنَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ كَانُوْا يُعْرَفُوْنَ بِتَسَاهُلِهِمْ مِنْ قَبْلُ ، لَكِنْ لَمَّا غَشِيَتْ هَذِهْ الْفِتْنَةُ كَشَفَتْهُمْ ، وَعَرَّتْهُمْ ، وَفَضَحَتْهُمْ عَلَى رُؤُوْسِ الْخَلْقِ ، وَ-بِحَوْلِ اللهِ- عِنْدَمَا تَنْجَلِي الْغُمَّةُ سَيُخَلِّدُ ذِكْرَهُمْ التَّارِيْخُ بِالذِّكْرِ الْمُسِيْءِ ، بَلِ الْمُهِيْنِ ، وَلَنْ يُذْكَرُوْا بِالْجَمِيْلِ ، بَلْ بِالْقَبِيْحِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوْا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ ، وَالْهُدَى الْقَوْيِمِ ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ عَافَانَا مِمَّا اِبْتَلَاهُمْ ، وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيْلًا ،
“اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوْبِ ثَبِّتْ قُلُوْبَنَا عَلَى دِيْنِكَ” ، وَاهْدِ مَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيْلِكَ ،
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب”
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .
([1]) آداب الفتوى و المفتي ؛ للنووي ، ص : (37) .