عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (69)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“الصَّبْرُ الْجَمِيْلُ”.
“الَّذِي لَا شَكْوَى فِيهِ ، وَلَا مَعَهُ” -إِلَّا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا- أَمْرٌ ضَرُوْرِيٌ ، مُتَحَتِّمٌ لِلدُّعَاةِ إِلَى اللهِ ؛ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْأَغْيَارِ ، فِيْ جَمِيْعِ الْأَقْطَارِ ، وَمُخْتَلِفِ الْأَمْصَارِ ، خَاصَّةً فِيْ سَنَوَاتِنَا -هَذِهِ- الْخَدَّاعَاتِ ؛ الَّتِيْ تَسَوَّدَ فِيْهَا الْفَسَقَةُ الْجُهَّالُ ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، وَالسِّفْلَةُ الطَّغَامُ ، مِنَ التَّافِهِيْنَ الرُّوَيْبِضَةِ ؛ عَلِيْمِي اللِّسَانِ ، مُتَّبِعِي الْأَهْوَاءِ ، مُؤْثِرِيِّ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ،
فِيْ طَرِيْقِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّوِيْلِ -فِيْ هَذِهِ السَّنَوَاتِ الْخَدَّاعَاتِ- قَدْ يُصِيْبُ جُمْلَةً مِنَ الدُّعَاةِ بَعْضٌ مِنَ الْخَوْفِ ، وَالْحَزَنِ ، أَوْ يَتَسَلَّلُ إِلَيْهِمْ يَسِيْرٌ مِنَ الْيَأْسِ ، وَالْجَزَعِ ، أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْفُتُوْرِ ، وَقُصُوْرٌ فِيْ الْعَمَلِ ، فَأَقُوْلُ -نَاصِحًا ، مُوَجِّهًا- لِهَؤُلَاءِ ، وَأَمْثَالِهِمْ ، وَلِمَنْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ :
اِصْبِرُوْا ، وَصَابِرُوْا ، وَلَا تَجْزَعُوْا مِنَ الْكُرَبِ ، وَالْمَصَائِبِ ، فَهُوْ خَيْرٌ لَكُمْ ، فِيْ الْحَالِ، أَوْ فِيْ الْمَآلِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}[البقرة:214] ،
اِصْبِرُوْا ، وَاحْتَسِبُوْا ، وَلَا تَسْتَعْجِلُوْا النَّصْرَ ، وَالتَّمْكِيْنَ ؛ فَهُوَ قَرِيْبٌ ، جِدُّ قَرِيْبٌ ، لَا مَحِيْصَ عَنْهُ ، وَلَا مَحِيْدَ ، فَقَدْ “كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِيْ الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ ؛ مِنْ عَظْمٍ ، أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”[1]،
اِصْبِرُوْا ، وَاعْمَلُوْا ، وَلَا تَفْتُرُوْا عَنِ الْعِبَادَاتِ ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ ؛ فَقَد قَالَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -فِيْ هَذَا الشَّأْنِ- : “الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ”[2]،
اِصْبِرُوْا ، وَأَبْشِرُوْا ، وَلَا تَقْنَطُوْا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الْوَهَّابِ ، وَفَضْلِهِ الْمِدْرَارِ ، فـ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10] .
حَفِظَكُمُ اللهُ ، وَرَعَاكُمْ ، وَثَبَّتَكُمْ ، وَإِلَى طَرِيْقِ الْخَيْرِ وَفَّقَكُمْ ، وَأَعَانَكُمْ ، وَسَدَّدَكُمْ ، وَإِلَى جَنَّتِهِ وَمَرْضَاتِهِ أَوْصَلَكُمْ ، وَأَسْعَدَكُمْ ، وَهَنَّأَكُمْ .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى الْمُصْطَفَى الْكَرِيْمِ وَسَلِّمَ ، وَعَلِى آلِهِ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ ، وَأَكْثِرْ .
([1]) رواه البخاري (6312) .
([2]) رواه مسلم (7510) .