عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (70)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“الْهُمُوْمُ كَفَّارَاتٌ ، وَرِفْعَةٌ فِيْ الدَّرَجَاتِ”.
فَلَا تَجْزَعْ مِنْهَا أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ إِنِ ابْتُلِيْتَ بِهَا ، فَهِيَ مِنَ قَدَرِ اللهِ ، وَفِيْهَا خَيْرٌ لَكَ عَظِيْمٌ ، وَجَزَاءٌ جَزِيْلٌ ، “وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ؛ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ؛ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”[1].
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ ، وَلَا نَصَبٍ ، وَلَا سَقَمٍ ، وَلَا حَزَنٍ ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ”[2]،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ”[3]، “وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ”[4]،
فَاهْرَعْ إِلَى رَبِّكَ أَيُّهَا الْمَهْمُوْمُ :
بِالصَّلَاةِ ، فقد “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى”[5]،
وَبِدَوَامِ الذِّكْرِ ؛ {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28] ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيْ السُّنَّةِ :
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ ، وَحَزَنٌ : اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : “أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ”[6].
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ ، وَالحَزَنِ ، وَالعَجْزِ ، وَالكَسَلِ ، وَالبُخْلِ ، وَالجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”[7].
وَعَالِجْ مَا أَصَابَكَ مِنْهَا بِالصَّبْرِ ، وَهُوَ مِنَ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ ،
قَالَ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:153] ،
وَهُوَ عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى ، “وَمَنْ أَحَبَّهُ اِنْقَشَعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الظُّلُمَاتِ ، وَانْكَشَفَتْ عَنْ قَلْبِهِ الْهُمُوْمُ ، وَالْغُمُوْمُ ، وَالْأَحْزَانُ ، وَعَمُرَ قَلْبُهُ بِالسُّرُوْرِ ، وَالْأَفْرَاحِ ، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ وُفُوْدُ التَّهَانِي ، وَالْبَشَائِرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَإِنَّهُ لَا حُزْنَ مَعَ اللهِ أَبَدًا ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ؛ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ : {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التوبة:40] ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا حُزْنَ مَعَ اللهِ ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ فَمَا لَهُ وَلِلْحُزْنِ ؟ وَإِنَّمَا الْحُزْنُ كُلُّ الْحُزْنِ لِمَنْ فَاتَهُ اللهُ ، فَمَنْ حَصَلَ اللهُ لَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَحْزَنُ ؟ وَمَنْ فَاتَهُ اللهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَفْرَحُ ؟”[8].
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هُمُوْمَنَا ، وَنَفِّسْ كُرُوْبَنَا ، وَاقْضِ دُيُوْنَنَا ،
اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا اِجْعَلْ مَا أَصَابَنَا ، وَأَهَمَّنَا رِفْعَةً فِيْ دَرَجَاتِنَا ، وَتَكْفِيْرًا لِسَيِّئَاتِنَا ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ .
([1]) رواه مسلم (7610) .
([2]) رواه مسلم (6660) .
([3]) رواه الترمذي (2396) ، وابن ماجه (4031) ، واللفظ له .
([4]) رواه ابن ماجه (4024) .
([5]) رواه أبو داوود (1319) .
([6]) رواه أحمد (3712) .
([7]) رواه البخاري (2893) .
([8]) طريق الهجرتين ؛ لابن القيم رحمه الله ، ص : (280) .