عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (71)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“اُنْصُرُوْهُمْ يَنْصُرْكُمْ رَبُّكُمْ”.
نَفِّسُوْا عَنْهُمْ كُرُوْبَهُمْ يُنَفِّسْ عَنْكُمْ رَبُّكُمْ الْكَرْبَ الَّذِيْ حَلَّ بِكُمْ ، فَرِّجُوْا عَنْهُمْ هُمُوْمَهُمْ يُفَرِّجْ عَنْكُمْ رَبُّكُمْ الْهَمَّ الَّذِيْ أَقَضَّ مَضَاجِعَكُمْ ،
قَالَ تَعَالَى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:2] .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ”[1]، وَمَعْنَى : “لَا يُسْلِمُهُ” ، أَيْ : لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيِهِ ، بَلْ يَنْصُرُهُ ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ”[2]،
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَقْرَءؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا : {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة:105] ، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ”[3]،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا ، أَوْ مَظْلُومًا” ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ : “تَحْجُزُهُ ، أَوْ تَمْنَعُهُ ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ”[4]،
اللَّهُمَّ ، عَفْوَكَ ، وُغُفْرَانَكَ ، وَمَغْفِرَتَكَ ، كَمْ ، وَكَمْ قَصَّرْنَا فِيْ نُصْرَةِ إِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِيْنَ ، يُبَادُوْنَ ، وَيُسْتَأْصَلُوْنَ ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ الْخُنَاقَ ، وَيُنَكَّلُ بِهِمْ -هُمْ وَذَرَارِيْهِمْ ، وَنَسِائِهِمْ- فِيْ كُلِّ مَكَانٍ ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ ، وَلَا حَرَاكَ ، لَا نَاصِرَ لَهُمْ إِلَّا اللهُ ؛ {ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[الحج:39-40] ،
فَيَا قَوْمَنَا :
اُنْصُرُوْا هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِيْنَ ، وَالْمَسَاكِيْنَ ، وَالْمُهَجَّرِيْنَ ، وَالَّذِيْنَ يُسَاوَمُوْنَ عَلَى دِيْنِهِمْ، وَعَقِيْدَتِهِمْ ،
اُنْصُرُوْهُمْ ، مَا لَهُمْ بَعْدَ اللهِ إِلَّا أَنْتُمْ ،
اُنْصُرُوْهُمْ بِكُلِّ مَا أُوْتِيْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ،
اُنْصُرُوْهُمْ بِمَا تَقْدِرُوْنَ ،
اُنْصُرُوْهُمْ ، وَلَا تَخْذُلُوْهُمْ ، وَلَا تُسْلِمُوْهُمْ ، وَلَا تُعِيْنُوْا الْعَدُوَّ الْمُتَرَبِّصَ بِهِمْ ،
وَإِلَّا تَفْعَلُوْا ؛ فَإِنَّ عِقَابَ اللهِ عَنَّا لَيْسَ بِبَعِيْدٍ ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوَ ، وَالْعَافِيَةَ .
“اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَخَالِفْ بَيْنِ كَلِمَتِهِمْ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ ، وَعَذَابَكَ ، اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ ؛ أَهْلَ الْكِتَابِ ؛ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ، وَالْحِكْمَةَ ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ نَبِيِّكَ ، وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوَفُّوا بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ ، وَعَدُوِّهِمْ ، إِلَهَ الْحَقِّ ، وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ”.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَسَلِّمْ .
([1]) رواه البخاري (2442) ، ومسلم (6633) .
([2]) فتح الباري ؛ لابن حجر (5/97) .
([3]) رواه أبو داوود (4338) ، والترمذي (2168) ، وابن ماجه (4005) .
([4]) رواه البخاري (6952) .