عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (74)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ .
هَذَا هُوَ الْحَالُ الْحَقِيْقِيُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ؛ الْتِي تَنْتَسِبُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَالدِّيَارِ الْمُسْلِمَةِ ،
ضَعْفٌ فِيْ الدِّيْنِ ، وَتَفْرِيْطٌ فِيْ التَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِيْنَ ،
وَانْحِرَافٌ عَرِيْضٌ ؛ فُجُوْرٌ ، وَفُسُوْقٌ ، وَعِصْيَانٌ ، وَتَمَرُّدٌ عَلَى الدِّيْنِ ، وَمُسَلَّمَاتِهِ ، وَإِلْحَادٌ صُرَاحٌ ،
هَمُّهُمْ جَمْعُ الْأَمْوَالِ ، وَاللَّهَثُ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ ، وَمَلءُ بُطُوْنِهِمْ بِمَا لَذَّ وَطَابَ ،
بَأْسُهُمْ فِيْمَا بَيْنَهُمْ شَدِيْدٌ ، يُقَابِلُهُ حُبُّ ، وَوُدٌّ كَبِيْرٌ ، لِلْكُفَّارِ الْمُجْرِمِيْنَ ؛ الْمَجُوْسِ ، وَالْبُوْذِيِّيْنَ ، وَالْكِتَابِيِّيْنَ ،
رَضُوْا بِأَنْ يَكُوْنُوْا أُلْعُوْبَةً فِيْ أَيْدِي الْأَعْدَاءِ الْأَوْغَادِ ؛ يَتَصَرَّفُوْنَ فِيْهِمْ كَيْفَمَا شَاؤُوْا ، طَوْرًا ذَاتَ الْيَمِيْنِ ، وَطَوْرًا ذَاتَ الشِّمَالِ ؛ فَقَدْ بَلَغُوْا مِنَ الْمَهَانَةِ -مِنْ قِبَلِهِمْ- مَبْلَغَهَا ، وَمِنَ الذِّلَّةِ أَقْصَاهَا ، وَمِنَ الْوَهْنِ أَكْثَرَهُ ، وَأَعْظَمَهُ ،
هَذِهِ خُلَاصَةٌ مُوْجَزَةٌ لِحَالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَمَا بُلُوْا بِذَلِكَ إِلَّا لَمَّا تَخَلَّوْا عَنْ شَرِيْعَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ ، وَالْاِعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ الْمَتِيْنِ ، هَانُوْا عَلَى اللهِ فَخَذَلَهُمْ ، وَلَوْ عَزُّوْا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ ، وَنَصَرَهُمْ ، وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ ، كَمَا قَالَ تعالى : {وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَالَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}[الحج:18][1] ،
وَقَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْحَالَ ، بِأَخْصَرِ ، وَأَعْظَمِ بَيَانٍ ، فَقَالَ : “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ ؛ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا” ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ ؛ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ” ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : “حُبُّ الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”[2].
نَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ،
لَكِنْ ، فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ قَلِيْلَةٌ ، “اُنَاسٌ صَالِحُونَ ، فِيْ أُنَاسِ سُوْءٍ كَثِيْرٍ ، مَنْ يَعْصِيْهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ”[3] هُمُ : الْغُرَبَاءُ ، الثَّابِتُوْنَ ، الْمُوَفَّقُوْنَ ، الْمُسَدَّدُوْنَ ، بَاقُوْنَ عَلَى الْعَهْدِ ، لَا يُغَيِّرُوْنَ ، وَلَا يُبَدِّلُوْنَ ، طَّائِفَةُ مَنْصُوْرَةُ ، وَفِرْقَةُ نَاجِيَةُ ، نُزَّاعُ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ ، يُحِبُّهُمْ رَبُّهُمْ الْأَعْلَى ، وَيُحِبُّوْنَهُ ، لَا يَخَافُوْنَ فِيْ اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَلَا تُرْهِبُهُمْ عُدَدُ الْأَعْدَاءِ ، وَلَا عَتَادُهُمْ ، إِذَا دَعَا دَاعِي الْجِهَادِ رَفَعُوْا رَايَةَ التَّوْحِيْدِ ، لِإْعْلَاءِ كَلِمَةَ الْعَزِيْزِ الْكَرِيْمِ ، وَقَاتَلُوْا مُسْتَبْسِلِيْنَ ، غَيْرَ مُدْبِرِيْنَ ، وَلَا نَاكِصِيْنَ ، حَتَّى يَنَالُوْا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ؛ النَّصْرَ ، أَوِ الشَّهَادَةَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ .
اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ ، يَا عَزِيْزُ ، يَا كَرِيْمُ اُكْتُبْ لَنَا الْجِهَادَ فِيْ سَبِيْلِكَ ، لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِكَ ، وَإِعْزَازِ دِيْنِكَ ، وَدَحْرِ أَعْدَائِكَ ، وَنُصْرَةِ أَوْلِيَائِكَ ، وَلِيَكُوْنَ الدِّيْنُ كُلُّهُ لَكَ ، اِبْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ ، وَإِخْلَاصًا لِوَجْهِكَ ،
اللَّهُمَّ آمِيْن ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى الْمُصْطَفَى الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ .
([1]) انظر : الجواب الكافي ، ص : (58) .
([2]) رواه أبو داوود (4297) .
([3]) رواه أحمد (6650) .