القائمة إغلاق

 عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …

الحلقة (75)

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون}[التوبة:32] .

وَلَوْ كَرِهَ الضَّالُّوْنَ اللِّيِبْرَالِّيُّوْنَ ، وَالْحَدَاثِيُّوْنَ ، وَالتَنْوِيْرِيُّوْنَ ، وَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ ، وَوَقَعَ فِيْ أَوْحَالِهِمْ ،  

لَقَدْ بَاءَتْ بِالْفَشَلِ -مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيْخِ- جَمِيْعُ مُحَاوَلَاتِ أَهْلِ الزَّيْغِ فِيْ تَبْدِيْلِ الدِّيْنِ ، وَتَشْوِيْهِهِ ، بِدْءًا مِنْ إِبْلِيْسَ اللَّعِيْنِ ، وَمُرُوْرًا بِمُسَيْلِمَةِ الْكَذَّابِ الْبَغِيْضِ ، وَالرَّافِضَةِ السَّبَئِيِّيْنَ ، وَالزَّنَادِقَةِ الْمُلْحِدِيْنَ ، وَالْوَضَّاعِيْنَ الَّذِيْنَ وَضَعُوْا أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً ، وَنَسَبُوْهَا إِلَى الْمُصْطَفَى الْأَمِيْنِ ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ صَلَاةٍ ، وَأَتَمُّ تَسْلِيْمٍ ، وَانْتِهَاءً بِالْمُسْتَشْرِقِيْنَ الْغَرْبِيِّيْنَ ، وَأَذْنَابِهِمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ -زُوْرًا ، وَكَذِبًا- إِلَى الْمُسْلِمِيْنَ ،

لَقَدْ بَاءَتْ مُحَاوَلَاتُ هَؤُلَاءِ ، وَسَتَبُوْءُ مُحَاوَلَاتُ غَيْرِهِمْ ، مِمَّنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبِّي جَلَّ وَعَلَا ، قَدْ تَكَفَّل بِحِفْظِ دِيْنِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}[الحجر:9] ؛

فَالشَّرِيْعَةُ -الْكِتَابُ الْكَرِيْمُ ، وَالسُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ – فِيْ حِفْظٍ مَصُوْنٍ ، وَحِرْزٍ مَكْنُوْنٍ ، لَنْ يَسْتَطِيْعَ أَحَدٌ -إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ- أَنْ يُغَيِّرَهَا ، أَوْ يُبَدِّلَهَا ؛ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، أَوْ مِنْ وَسْوَسَاتِ شَيْطَانِهِ ، لَنْ يَسْتَطِيْعَ حَتَّى لَوِ اِسْتَدْعَى ، وَأَجْلَبَ لِهَذَا الْأَمْرِ كُلَّ شَيْاطِيْنِ الْإِنْسِ ، وَالْجَانِّ ، وَجَمِيْعَ سَحَرَةِ الْمَنْطِقِ ، وَالْبَيَانِ ؛ لَنْ يَسْتَطِيْعَ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ؛ فَإْنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُه الْخَبِيْثَةُ فَأَرَادَ أَنْ يُحَرِّفَ فِيْ دِيْنِ اللهِ فَإِنَّ صَوَاعِقَ الْحَقِّ ، وَعَوَاصِفَ الرَّدِّ -بِتَأْيِيْدٍ مِنَ اللهِ جَلَّ ، وَعَزَّ- سَتُحِيْطُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَصَوْبٍ ، قَاصِفَةً سَاحِقَةً ، حَارِقَةً مَاحِقَةً ، دَامِغَةً زَاهِقَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون}[الأنبياء:18] ، {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون}[يوسف:21] .

فَهَذَا سَيِّدُهُمْ إِبْلِيْسُ ، لَمَّا حَاوَلَ أَنْ يُدْخِلَ فِيْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى مَا لَيْسَ مِنْهُ رَدَّ اللهُ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَأخْزَاهُ ، وَأَذَلَّهُ ، هُوَ ، وَأَتْبَاعَهُ ، وَعَبِيْدَهُ ، وَأَوْلِيَاءَهُ ، وَأَصْفِيَاءَهُ ، وَأَنْزَلَ فِيْهِ -وَفِيْهِمْ- آيَاتٍ تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ :

 قَال تَعَالَى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الحج:52-53] ،

وَأُوْلَئِكَ الْكَذَبَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ مِنَ الزَّنَادِقَةِ ، وَأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ حَاوَلُوْا مُحَاوَلَاتٍ عَدِيْدَةٍ أَنْ يَدُسُّوْا فِيْ سُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ مِنْهَا ؛ فَقَيَّضَ اللهُ فُرْسَانًا جَهَابِذَةً ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيْثِ ، وَنَقَلَةِ أَخْبَارِهِ ، وَنُقَّادِ مَرْوِيَّاتِهِ ؛ لِيَذُبُّوْا عَنْ سُنَّةِ حَبِيْبِهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا قَدَّرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَشَرَّفَهُمْ بِهِ إِلَّا لِأَنَّ “كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، … ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[النساء:113] ؛ فَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ ، وَالْحِكْمَةُ : السُّنَّةُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ»[1]، … ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ”[2]، وَقَدْ نَقَلَتْ لَنَا كُتُبُ التَّارِيْخُ “أَنَّ الرَّشِيْدَ أَخَذَ زِنْدِيْقًا لِيَقْتُلَهُ ، فَقَالَ : أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ -وَقِيْلَ : أَرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيْثٍ- وَضَعْتُهَا؟ قَالَ : فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ -رَحِمَهُمَا اللهُ- يَنْخُلَانِهَا نَخْلًا ؛ فَيُخْرِجَانِهَا ؛ حَرْفًا ، حَرْفًا”[3].

وَفِيْ عَصْرِنَا الْحَاضِرِ يُحَاوَلُ الزَّنَادِقَةُ الْجُدُدُ ؛ مِنَ اللِّيِبْرَالِّيِّيْنَ ، وَالْعَلْمَانِيِّيْنَ ، وَأَمْثَالِهِمْ أَنْ يَطْعَنُوْا ، وَيُشَكِّكُوْا فِيْ السُّنَّةِ ؛ لِيُضِلُّوْا الْعَوَامَ ، وَالطَّغَامَ ، وَيَنْشُرْوَا فِيْ الْأَرْضِ الْفَسَادَ ؛ وَمِنْ مُحَاوَلَاتِهِمْ فِيْ ذَلِكَ تَشْنِيْعُهُمْ الْمَعْرُوْفُ عَلَى صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِيْ دَوَّنَتْ السُّنَّةَ ، فَقَدْ قَالُوْا فِيْهَا مِنَ الْهُرَاءِ مَا قَالُوْا ، وَمِمَّا قَالُوْا -وَبِئْسَ مَا قَالُوْا- :

لَنْ نَقْبَلَ مِمَّا سُطِّرَ فِيْ تِلْكَ الْكُتُبِ ، وَأَمْثَالِهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُتَوَاتِرًا ، أَوْ مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ ، وَلَمْ يُخَالِفْ الْعَقْلَ ، وَقَوَاعِدَ الْمَنْطِقِ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ سَقِيْمِ أَقْوَالِهِمْ ، وَزُبَالَاتِ أَفْكَارِهِمْ ،

وَإِنَّا -عَلَى عُجَالَةٍ- نَقُوْلُ لِهَؤُلَاءِ : فَهَلِ السُّنَّةُ -يَا ضُلَّالُ- تُخَالِفُ الْقُرْآنَ ؟ فَكِلَاهُمَا وَحِيٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[النجم:3-5] ، لَكِنْ لَمَّا فَسَدَتْ عُقُوْلُكُمْ ، وَتَبَلَّدَتْ ، وَأُشْرِبْتَ قُلُوْبُكُمْ مِنَ الْهَوَى حَتَّى اِمْتَلَأَتْ لَمْ تَكَدْ تَفْهَمُ ، أَوْ تُمَيِّزُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَأَكْرَمَ .

وَالْقَوْمُ لَمْ يَكْتَفُوْا بِذَلِكَ ؛ فَقَدْ أَشَاعُوْا هُرَاءَهُمْ ذَاكَ ، وَأَعْلَنُوْهُ ، كَتَبُوْهُ ، وَدَوَّنُوْهُ ، وَفِيْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ قَدْ أَذَاعُوْهُ ، لَكِنَّ اللهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ ؛ فَسَيُخْزِيْهِمُ اللهُ كَمَا أَخْزَى أَسْلَافَهُمْ الْمَاضِيْنَ ، وَسَيَرُدُّهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ صَاغِرِيْنَ ، فَلْيَنْتَظِرُوْا فَإِنَّا مَعَهُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِيْنَ .

اللَّهُمَّ أَرِنَا -عَاجِلًا- فِيْ أَعْدَائِنَا يَوْمًا أَسْوَدَ ؛ تُفْرِحُ بِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ ، وَتُخْزِي ، وَتُحْزِنُ فِيْهِ أَهْلَ الْبِدْعَةِ ، وَالزَّنْدَقَةِ ، اللَّهُمَّ آمِيْن ،

وَصَلَّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ . 



([1]) رواه أبو داوود (4604) .

([2]) مختصر الصواعق المرسلة (2/371) .

([3]) انظر : تذكرة الحفاظ (1/201) .

%d