عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (77)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“الْجَشِعُوْنَ ، الْبَطِرُوْنَ ، الْمُتْرَفُوْنَ ، عُبَّادُ الدِّيْنَارِ ، وَالدِّرْهَمِ“
أَكَلَةُ الرِّبَا ، وَالْمَالِ الْحَرَامِ ، بِالْغِشِّ وَالْخِدَاعِ ، وَالنَّصْبِ وَالْاِحْتِيَالِ ،
خُابُوْا ، وَخَسِرُوْا ، تَعِسُوْا ، وَانْتَكَسُوْا ، وَإِذَا شِيْكُوْا فَلَا انْتُقِشُوْا ،
الْمُصِرُّوْنَ ، الْمُجَاهِرُوْنَ ، الْوَاقِعُوْنَ فِيْ حُدُوْدِ اللهِ بِأَهْوَائِهِمْ ،
الظَّالِمُوْنَ ، الْمُعْتَدُوْنَ ، الْمُغْتَصِبُوْنَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ ،
الْفَاحِشُوْنَ ، الْمُتَفَحِّشُوْنَ ، الْمُنْفِقُوْنَ مَا سَرَقُوْا عَلَى شَهَوَاتِهِمْ ،
فَلْيَأْكُلُوْا ، وَلْيَهْنَؤُوْا ، وَلْيَفْرَحُوْا بِمَا نَالُوْهُ مِنْ لُعَاعِ الدُّنْيَا ، وَحُطَامِهَا ؛ فَعَمَّا قَلِيْلٍ سَيُصْبِحُوْنَ تَحْتَ تُرَابِهَا ، تَاركِيْنَ مَا جَمَعُوْهُ -مِنْ أَمْوَالٍ مُحَرَّمَةٍ- حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فِيْ النَّارِ ، يَوْمَ الْخِزْيِ ، وَالشَّنَارِ ، كَمَا قَالَ الْمَوْلَى جَلَ وَعَلَا : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون * لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون}[الأنفال:36-37] ،
فَيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُوْنَ ، وَالْمُنْتَهَكُ حُقُوْقُهُمْ ، وَالْمَظْلُوْمُوْنَ لَا تَعْجَبُوْا مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُنَاةِ الْمَرْذُوْلِيْنَ ، فَعُبَّادُ الدِّرْهَمِ ، وَ”الدُّوْلَارِ” ، وَالدِّيْنَارِ هَذِهِ حَالُهُمْ ؛ لِجَمْعِهَا يَنْصَبُوْنَ ، وَيَتْعَبُوْنَ ، وَلِأَجْلِهَا يَحْيَوْنَ ، وَيَمُوْتُوْنَ ، وَلِفَسَادِهِمْ ، وَإِفْسَادِهِمْ يُبَدِّدُوْنَ أَمْوَالَهُمْ ، وَمُنْتَهَبَاتِهِمْ ، وَلَا يَرْعَوُوْنَ ، {قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}[الأنعام:43] ، مِنَ اللهِ ، وَأَوْلِيَائِهِ بَعِيْدُوْنَ ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ ، وَأَعْوَانِهِ قَرِيْبُوْنَ .
وَهُنَا رِسَالَتَانِ :
أَمَّا الْأُوْلَى ؛ فَهِيَ : لَكُمْ أَيُّهَا الْمَظْلُوْمُوْنَ ،
فَمَا سُلِبْتُمْ مِنْ أَمْوَالٍ ، وَانْتُهِكَتْ حُقُوْقُكُمْ بِالْقَسْرِ وَالْإِجْبَارِ -وَلَا حِيْلَةَ لَكُمْ بِإِرْجَاعِهَا وَلَا اِقْتِدَارٍ- فَاسْأَلُوْا اللهَ الْعَلِيَّ الْقَهَّارَ -وَهُوَ مَفْزَعُكُمْ فِيْ كُلِّ آنٍ- أَنْ يُرْجِعَ مَا فَاتَكُمْ مِنْهَا كَامِلَةً مُوَفَّرَةً ، وَأَنْ يَنْتَصِفَ لَكُمْ مِمَّنْ ظَلَمَكُمْ ، فَهُوَ -جَلَّ فِيْ عُلَاهُ- ذُوْ جَبَرُوْتٍ وَعِزَّةٍ ؛ مُذِلُّ الطُّغَاةِ الْجَبَابِرَةِ ، وَالْبُغَاةِ الْأَبَاطِرَةِ ، سَيُجِيْبُ دُعَاءَكُمْ ، وَيَكْشِفَ مَا لَمَّ ، وَحَلَّ بِكُمْ ، وَلَنْ يُضَيَّعَكُمْ ، وَهُوْ الرُّؤُوْفُ بِكُمْ ، الْعَلِيْمُ بِحَالِكُمْ .
أَمَّا الثَّانِيَةُ ؛ فَهِيَ : لَكُمْ أَيُّهَا الظَّالِمُوْنَ ،
فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنَ اللهِ ؟ لَا مَفَرَّ لَكُمْ ، وَلَا مَهْرَبٌ ؛ فَـ:
فِيْ الدُّنْيَا سَتَنَالُوْنَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- مِنْ عَوَالِجِهَا ، وَمَصَائِبِهَا مَا سَيَقُضُّ مَضَاجِعَكُمْ ، وَيُبَدِّدُ أَمْوَالَكُمْ ، وخُطَطَكُمْ ، وَمَشَارِيْعَكُمْ ؛ جَزَاءً وِفَاقًا عَلَى مَا كَسَبَتْهُ قُلُوْبُكُمْ ، وَجَنَتْهُ أَيْدِيْكُمْ ،
وَأَمَّا الْآخِرَةُ ؛ فَإِنَّكُمْ بَعْدَ الْبَعْثِ ، وَالنُّشُوْرِ سَتَقِفُوْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ -سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى- فِيْ يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيْهِ مَالٌ ، وَلَا بَنُوْنٌ ، سَتَقِفُوْنَ ذَلِيْلِيْنَ ، حَقِيْرِيْنَ ، مُهَانِيْنَ ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ ، وَيَنْتَصِرَ لِلْمَظْلُوْمِيْنَ ، وَعِنْدَهَا سَتَنْدَمُوْنَ ، وَتَوَدُوْنَ الرَّجْعَةَ ، فَأَنَّى لَكُمْ ذَلِكَ ، فَقَدْ فَاتَ الْفَوَاتُ ، وَعَلَى الْبَاغِي تَدُوْرُ الدَّوَائِرُ .
“رَبَّنَا أَعِنَّا ، وَلَا تُعِنْ عَلَيْنَا ، وَانْصُرْنَا ، وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْنَا ، وَامْكُرْ لَنَا ، وَلَا تَمْكُرْ عَلَيْنَا ، وَاهْدِنَا ، وَيَسِّرْ الْهُدَى لَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا” ،
اللَّهُمَّ آمِيْن .
وَصَلِّ إِلَهَنَا وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَمَنْ تَبِعَ .