القائمة إغلاق

“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .

حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .

حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .

الحلقة (الخامسة عشرة) :

-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-

“وَصْفُ عَقِيْدَةِ أَهْلِهَا الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَأَخْلَاقِهِمْ” .

نسخة رقمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :

(مقدمة)

في هذه الحلقة -بإذن الله- سوف نتحدث عما ينقض عبادة الدعاء ، ويوقع صاحبها في الشرك ، والعياذ بالله ، فنقول وبالله التوفيق :

نَوَاقِضُ عِبَادَةِ الدُّعَاءِ ،

مما لا يخفى على كل موحد -وهي قاعدة عامة- أن من صرف شيئًا من العبادات ، يتقرب بها صاحبها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر ، الذي يخرج من الملة .

وفي موضوعنا هذا نقول : عبادة الدعاء جاء النص عليها أنها لا تكون إلا لله وحده ، -وقد قدمنا ضوابطها ، والأدلة عليها في حلقات سابقة- فمن :

دعا ، أو استغاث ، أو استعاذ ، أو استعان بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، أو فعل شيئاً من هذه العبادات مع الأموات ، أو الغائبين فقد وقع في الشرك الأكبر ، المخرج من الملة ، والمحبط للعمل ،

أما من دعا ، أو استغاث ، أو استعاذ ، أو استعان بأحد غير الله ؛ من الأحياء ، الحاضرين ، فيما يقدرون عليه ، من أعمال يقدمونها له ليساعدوه فيها ، فلا يعتبر هذا من الشرك ، بل هو أمر مشروع ؛ لأنه من قبيل المعروف الذي يقدم للخلق ، وستأتي الأدلة على ذلك فيما سنورده من النقول -إن شاء الله- .

ومن أقوال أهل العلم في ذلك :

قَالَ الْإِمَامُ اِبْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ -في تفسير قول الله تعالى : {فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت:65] : “يقول تعالى ذكره : فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر ، فخافوا الغرق ، والهلاك فيه {دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ} ، يقول : أخلصوا لله -عند الشدة التي نزلت بهم- التوحيدَ ، وأفردوا له الطاعة ، وأذعنوا له بالعبودة ، ولم يستغيثوا بآلهتهم ، وأندادهم ، ولكن بالله الذي خلقهم ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ} ، يقول : فلما خلَّصهم مما كانوا فيه، وسلَّمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكاً في عبادتهم ، ويدعون الآلهة والأوثان معه أرباباً[1]،

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “فمن جعل الملائكة ، والأنبياء وسائط يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ، ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ، فهو كافر بإجماع المسلمين ، وقد قال تعالى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:26-29] ، وقال تعالى :{لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلَا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا}[النساء:172] ، وقال تعالى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم: 88 -95] ، وقال تعالى : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] ، وقال تعالى : {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}[النجم: 26] ، وقال تعالى : {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة: 255] ، وقال : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فلا راد لفضله}[يونس: 107] ، وقال تعالى : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}[فاطر: 2] ، وقال تعالى : {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر: 38] ، ومثل هذا كثير في القرآن ،

ومن سِوَى الأنبياء -من مشايخ العلم ، والدين- فمن أثبتهم وسائط بين الرسول ، وأمته ، يبلغونهم ، ويعلمونهم ، ويؤدبونهم ، ويقتدون بهم ، فقد أصاب في ذلك ، وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة ، لا يجتمعون على ضلالة ، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول ، إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق ، بل كل أحد من الناس يؤخذ من كلامه ، ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوْا دِيْنَارًا ، وَلَا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرَّثُوْا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»[2]،

وإن أثبتم وسائط بين الله ، وبين خلقه -كالحجَّاب الذين بين الملك ، ورعيته- بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه فالله إنما يهدى عباده ، ويرزقهم بتوسطهم ، فالخلق يسألونهم ، وهم يسألون الله ، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس ، لقربهم منهم ، والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك ، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك ؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج ، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهؤلاء مشبهون لله ، شبهوا المخلوق بالخالق ، وجعلوا لله أندادًا ، وفي القرآن من الرد على هؤلاء ، ما لم تتسع له هذه الفتوى ؛ فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس ، يكونون على أحد وجوه ثلاثة :

الوجة الأول : إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه ، ومن قال : إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة ، أو الأنبياء ، أو غيرهم فهو كافر ، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ، ولا في السماء ، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات ، لا يشغله سمع عن سمع ، ولا تغلطه المسائل ، ولا يتبرم بإلحاح الملحين .

الوجه الثاني : أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رعيته ، ودفع أعدائه -إلا بأعوان يعينونه- فلابد له من أنصار ، وأعوان ، لذله ، وعجزه ، والله سبحانه ليس له ظهير ، ولا ولي من الذل ، قال تعالى : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}[سبأ: 22] ، وقال تعالى : {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ َكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111] ، وَكُلُّ مَا في الوجود من الأسباب فهو خالقه ، وربه ، ومليكه ، فهو الغني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه ، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم -في الحقيقة- شركاؤهم في الملك ، والله تعالى ليس له شريك في الملك ، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .

والوجه الثالث : أن يكون الملك ليس مريدًا لنفع رعيته ، والإحسان إليهم ، ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج ؛ فإذا خاطب الملك من ينصحه ، ويعظمه ، أو من يدل عليه ، بحيث يكون يرجوه ، ويخافه تحركت إرادة الملك ، وهمته في قضاء حوائج رعيته ، إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير ، وإما لما يحصل من الرغبة ، أو الرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ، ومليكه ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وهو إذا  أجرى نفع العباد بعضهم على بعض ، فجعل هذا يحسن إلى هذا ، ويدعو له ، ويشفع فيه ، ونحو ذلك ، فهو الذي خلق ذلك كله ، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان ، والدعاء ، والشفاعة ، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده ، أو يعلمه ما لم يكن يعلم ، أو من يرجوه الرب ، ويخافه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقُوْلَنَّ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِيْ إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ اِرْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ»[3]، والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه ، كما قال : {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255] ، وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء:28] ، وقال تعالى : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}[سبأ:22-23] ، فَبَيَّنَ أنَّ كُلَّ من دعي من دونه ليس له ملك ، ولا شرك في الملك ، ولا هو ظهير ، وأن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له ، وهذا بخلاف الملوك ، فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك ، وقد يكون شريكًا لهم في الملك ، وقد يكون مظاهرًا لهم ، معاونًا لهم على ملكهم ، وهؤلاء يشفعون عند الملوك ، بغير إذن الملوك ؛ هم ، وغيرهم ، والملك يقبل شفاعتهم ، تارة بحاجته إليهم ، وتارة لخوفه منهم … ، والله تعالى لا يرجو أحدًا ، ولا يخافه ، ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني ، قال تعالى : {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[يونس:66] ، إلى قوله : {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[يونس: 68] ، والمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة ، قال تعالى : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18] ، وقال تعالى : {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأحقاف: 28] ، وأخبر عن المشركين أنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] ، وقال تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران:80] ، …”[4]،

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ : “كل ذنب يرجى له العفو إلا الشرك ، والدليل قوله تعالى : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[سورة الزمر آية:65] ، وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [سورة النساء آية:116] ، وقال تعالى : {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[سورة المائدة آية:72] ، ومن نوع هذا الشرك : أن يعتقد الإنسان في غير الله : من نجم ، أو إنسان أو نبي ، أو صالح ، أو كاهن ، أو ساحر ، أو نبات ، أو حيوان ، أو غير ذلك ، أنه يقدر بذاته على جلب منفعة من دعاه ، أو استغاث به ، أو دفع مضرة ، فقد قال الله تعالى : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}[سورة فاطر آية: 2] ، وقال تعالى : {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}[سورة يونس آية:107] .

فإذا تبين في القلب أنه عز وجل بهذه الصفة ، وجب أن لا يستغاث إلا به ، ولا يستعان إلا به ، ولا يدعى إلا هو ؛ ولذلك قال تعالى : {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[سورة التوبة آية:51] ،  وقال تعالى موبخًا لأهل الكتاب الذين يستغيثون بعيسى ، وعزير ، عليهما السلام ، لما أنزل الله عليهم القحط ، والجوع : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [سورة الإسراء آية: 56-57] ، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [سورة الكهف آية:110] ، وقال تعالى : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف آية:188]”[5]،

وَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُمُ اللهُ : “واعلم أن الدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة ؛ كما حققه غير واحد ؛ منهم : شيخ الإسلام ، وابن القيم ، وغيرهما ، ويراد به في القرآن هذا تارة ، وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما ، وهما متلازمان ؛ فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع ، أو كشف ضر ، فالمعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع ، والضر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرًّا ، ولا نفعًا كقوله : {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[سورة المائدة:76] ،  وقوله : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[سورة يونس:18] ، وذلك كثير في القرآن ؛ يبين أن المعبود لا بد ، وأن يكون مالكًا للنفع ، والضر ، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة ، ويدعى خوفًا ، ورجاء دعاء العبادة ، فعلم أن النوعين متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، وبهذا التحقيق يندفع عنك ما يقوله عباد القبور إذ احتج عليهم بما ذكر الله في القرآن من الأمر بإخلاص الدعاء له ، قالوا : المراد به العبادة ، فيقولون في مثل قوله تعالى : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[سورة الجن:18]  ؛ أي : لا تعبدوا مع الله أحدًا ، فيقال لهم : وإن أريد به دعاء العبادة ، فلا ينفي أن يدخل دعاء المسألة في العبادة ، لأن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة ، كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة ، هذا لو لم يرد في دعاء المسألة بخصوصه من القرآن إلا الآيات التي ذكر فيها دعاء العبادة ، فكيف وقد ذكر الله في القرآن في غير موضع ، قال الله تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً}[سورة الأعراف:55-56] ، وقال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[سورة آل عمران:135] ، وقال تعالى : {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[سورة النساء:32] ، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام:40-41] ، وقال تعالى : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[سورة الرعد:14] ، وقال تعالى: عن إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}[سورة إبراهيم:39] ، … ، فكفى بهذه الآيات نجاة ، وحجة ، وبرهانًا في الفرق بين التوحيد ، والشرك عمومًا ، وفي هذه المسألة خصوصًا”[6]،

وَجَاءَ فِيْ فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ بِرِئَاسَةِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ بْنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -في موضوع الاستغاثة ، والاستعانة ، والاستعاذة- : “أما الاستغاثة بالأموات من الأنبياء وغيرهم فلا تجوز ، بل هي : من الشرك الأكبر ، وأما الاستغاثة بالحي ، الحاضر ، والاستغاثة به فيما يقدر عليه فلا حرج ؛ لقول الله سبحانه في قصة موسى : {فَاسَتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيْعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[القصص:15][7] ،

وَجَاءَ فِيْهَا -أَيْضًا- : “الاستعانة بالحي ، الحاضر ، القادر فيما يقدر عليه جائزة ، كمن استعان بشخص ؛ فطلب منه أن يقرضه نقودًا ، أو استعان به في يده ، أو جاهه عند سلطان ، لجلب حق ، أو دفع ظلم ، والاستعانة بالميت شرك ، وكذلك الاستعانة بالحي الغائب شرك ؛ لأنهم لا يقدرون على تحقيق ما طلب منهم ؛ لعموم قوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18] وقوله سبحانه {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}[يونس :106] ، وقوله عز وجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُــــكَ مِثْلُ خَبِـيرٍ} [فاطر :13-14] ،

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، والله المستعان ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم”[8]،

وَقَالَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ : ” أما الاستعاذة بالمخلوق ؛ ففيها تفصيل : فإن كان المخلوق لا يقدر عليه ؛ فهي من الشرك ، … ،

ومن ذلك -أيضًا- الاستعاذة بأصحاب القبور ؛ فإنهم لا ينفعون ، ولا يضرون ؛ فالاستعاذة بهم شرك أكبر ، سواء كان عند قبورهم ، أم بعيدًا عنهم ،

أما الاستعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه ؛ فهي جائزة ، وقد أشار إلى ذلك الشارح الشيخ سليمان في “تيسير العزيز الحميد”[9]، وهو مقتضى الأحاديث الواردة في صحيح مسلم ، لما ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفتن قال : «فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ»[10]، وكذلك قصة المرأة التي عاذت بأم سلمة[11]، والغلام الذي عاذ بالنبي صلى الله عليه وسلم[12]، وكذلك في قصة الذين يستعيذون بالحرم ، والكعبة[13]، وما أشبه ذلك ، وهذا هو مقتضى النظر ، فإذا اعترضني قطاع طريق ، فعذت بإنسان يستطيع أن يخلصني منهم ؛ فلا شيء فيه …”[14].

نكمل في الحلقات التالية إن شاء الله .

 

 



([1]) تفسير الطبري (18/440) .

([2]) رواه أبو داوود (3641) ، والترمذي (2682) ، وابن ماجه (223) .

([3]) رواه البخاري (6339) ، ومسلم (6911) .

([4]) مجموع القتاوى (1/124-129) .

([5]) الدرر السنية (2/7-8) .

([6]) تيسير العزيز الحميد ص : (176-177) .

([7]) فتاوى اللجنة الدائمة (1/106) .

([8]) فتاوى اللجنة الدائمة (1/174) .

([9]) قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله : “فإذا تحقق العبد بهذه الصفات : الرب ، والملك ، والإله ، وامتثل أمر الله واستعاذ به ، فلا ريب أن هذه عبادة من أجل العبادات ، بل هو من حقائق توحيد الإلهية، فإن استعاذ بغيره فهو عابد لذلك الغير ، كما أن من صلى لله وصلى لغيره يكون عابدًا لغير الله ؛ كذلك في الاستعاذة ، ولا فرق ، إلا أن المخلوق يطلب منه ما يقدر عليه ، ويستعاذ به فيه ، بخلاف ما لا يقدر عليه إلا الله ، فلا يستعاذ فيه إلا بالله ؛ كالدعاء ، فإن الاستعاذة من أنواعه”[تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد ، ص : (173)].

([10]) رواه مسلم (7350) .

([11]) رواها مسلم بسنده ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ ؛ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا” ، فَقُطِعَتْ[أخرجه مسلم (4431)].

([12]) رواها مسلم بسنده عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلاَمَهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ ، فَقَالَ : أَعُوذُ بِرَسُولِ اللهِ ، فَتَرَكَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَأَعْتَقَهُ”[أخرجه مسلم (4322)] ، وفي لفظ آخر قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ : كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي ، «اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ» ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ ، قَــــــالَ : فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» ، قَالَ : فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي ، فَقَالَ : «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ» ، قَالَ : فَقُلْتُ : لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا [أخرجه مسلم (4319)].

([13]) رواها مسلم بسنده ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ ، قَالَ : دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، فَسَأَلاَهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ” ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ : “يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ”[أخرجه مسلم (7342)].

([14]) مجموع الفتاوى (9/249) .

%d