القائمة إغلاق

Month: ربيع الثاني 1445هـ

نَصَائِحُ مُرْسَلَةٌ … إِلَى مَنْ حَادَ عَنْ الصِرَاطِ ، أوْ جَانَبَ الصَّوَابَ .

نَصَائِحُ ، وَإِرْشَادَاتٌ مَنْهَجِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ ، مُوَجَّهَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْمُخَالَفَاتِ الْجَلِيَّةِ ؛ عَقَدِيَّةً كَانَتْ ، أَوْ فِقْهِيَّةً ، أَوْ اِجْتِمَاعِيَّةً ، أَوْ أَخْلاقِيَّةً ، أَوْ … ، نُنَاصِحُ ، وَنَرُدُّ ، نُنْكِرُ ، وَنُذَكِّرُ ، نُحَاوِرُ ، وَنُنَاقِشُ ، نَتَدَارَسُ ، وَنُدَارِسُ ؛ اللَّهُمَّ اِهْدِنَا ، وَسَدِّدْنَا . 

الحلقة (11)

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

“إِلَى مَنِ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ”.

فِيْ النَّوَازِلِ الَّتِي تَعْصِفُ بِالْأُمَّةِ ، كَالَّذِي يَحْدُثُ -الْآنَ- فِيْ غَزَّةَ ، فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيْدُ نَجَاتَهُ -حَتَّى تَنْكَشِفَ الْغُمَّةُ- :

1] أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْهَوَى الْمُضِلِّ ؛ قَلِيْلِهِ ، وَكَثِيْرِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ}[القصص:50] ،

وَمِنَ الْهَوَى الْمُضِلِّ : التَّقْلِيْدُ الْأَعْمَى لِأَئِمَّةٍ مُضِلِّيْنَ ، وَعُلَمَاءِ سُوْءٍ مُخَذِّلِيْنَ ، قَدْ جَانَبُوْا الصِّدْقَ ، وَتَنَكَّبُوْا الْقِسْطَ ، وَصَدُّوْا الْخَلْقَ عَنِ اِتِّبَاعِ الْحَقِّ .

2] وَأَنْ يَرْجِعَ -فِيْمَا اُخْتُلِفَ فِيْهِ- إِلَى الْأَصْلَيْنِ الْمُشَرَّفَيْنِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء:59] ، 

فَيَعْمَلَ بِمَا جَاءَ فِيْهِمَا ، بِعَقْلٍ رَجِيْحٍ ، وَفَهْمٍ صَحِيْحٍ ، وَسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّبَّانِيِّيْنَ ؛ الْقَوَّالِيْنَ بِالصِّدْقِ ، وَالصَّدَّاعِيْنَ بِالْـحَقِّ ، وَالْمُوْفِيْنَ بِالْعَهْدِ ، وَالثَّابِتِيْنَ عِنْدَ التَّنَازُعِ ، وَالْبَيْنِ ، لَا يَخَافُوْنَ فِيْ اللهِ تَعَالَى لَوْمَ اللَّائِمِيْنَ ، وَلَا مَكْرَ الْمَاكِرِيْنَ ، وَلَا إِرْجَافَ الْمُرْجِفِيْنَ .

3] وَأَنْ يَهْرَعَ إِلَى اللهِ ؛ مُنْطَرِحًا بَيْنَ يَدِيْهِ ؛ يَدْعُـوْهُ ؛ طَالِبًا مِنْـهُ أَنْ يَهْـدِيَهُ سَـوَاءَ السَّـبِـيْـلِ ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُ صِرَاطَ الْغَاوِيْنَ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {اهْدِنَــــا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِيْنَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ*غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّيْنَ”[الفاتحة:5-7]

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا ، وَارْزُقْنَا اِتِّبَاعَهُ ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بِاطِلًا ، وَارْزُقْنَا اِجْتِنَابَهُ ، وَلَا تَجْعَلُهُ مُلْتَبِسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ ،

اللَّهُمَّ اُنْصُرْ عِبَادَكَ الْمُجَاهِدِيْنَ فِيْ غَزَّةَ -وَسِائِرَ فِلَسْطِيْنَ- عَلَى الْيَهُوْدِ الصَّهَايِنَةِ الْمُعْتَدِيْنَ ، وَأَعْوَانِهِمْ ؛ مِنَ الْكَفَرَةِ ، وَالْمُنَافِقِيْنَ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْأَمِيْنِ ، وَآلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .

 

 

“الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ السَّادِسُ (تَابِعٌ …) :

عَلَى شُبُهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَوْلَ : فِلَسْطِيْنَ ، وَالْقِتَالِ لِدَفْعِ الْغَاصِبِ الْمُحْتَلِّ مِنْهَا .

النَّاقِلُ : مَجْمُوْعَةٌ مِنَ اللِّيِبْرَالِيِّيْنَ ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْمُسْلِمِيْنَ .

(1)

رَدُّ الشُّبْهَةِ الرَّابِعَةِ :

وَهِيَ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْقِتَالَ الْحَقِيْقِيَ الَّذِيْ سَيُفْتَحُ بِهِ “بَيْتُ الْمَقْدِسِ” هُوَ الَّذِي سَيَقُوْدُهُ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيْ آخِرِ الزَّمَانِ ، أَمَّا هَذَا الْقِتَالُ -الْآنَ- فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ .

وَلِلْجَوَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَقُوْلُ :

هَذِهِ شُبْهَةٌ مُهَلْهَلَةٌ ، لَا قِيْمَةَ لَهَا ، مُطَّرَحَةٌ مِنْ أَصْلِهَا ، وَقَارِئُ التَّارِيْخِ الْبَسِيْطُ يَسْتَطِيْعُ الرَّدَّ عَلَيْهَا بِأَسْهَلَ مَا يَكُوْنُ ، وَذَلِكَ :

1] بَأَنْ يَقُوْلَ :

وَهَـلْ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِمْ -وَمَنْ مَعَهُمْ- لَمَّـا قَـاتَـلُوْا لِـفَتْحِ بَـيْـتِ الْـمَـقْـدِسِ هَلْ يُعْتَبَرُ قِتَالَ فِتْنَةٍ ؟!

وَهَلْ مَا قَامَ بِهِ صَلَاحُ الدِّيْنِ الْأَيُّوْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ لَمَّا فَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يُعْتَبَرُ قِتَالَ فِتْنَةٍ ؟! أَمْ هُوَ قِتَالٌ لِاسْتِرْدَادِ مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ الْمُغْتَصِبِيْنَ ؟![1] .

وَسَتَسْتَمِرُّ هَذِهِ الْفُتُوْحَاتُ ، فَكُلَّمَا سَقَطَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ سَعَى الْمُسْلِمُوْنَ الْمُوَحِّدُوْنَ لِاسْتِرْدَادِهِ ، كَمَا يَفْعَلُوْنَ الْآنَ .

2] ثُمَّ إِنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوْصِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيْ قِتَالِ الْيَهُوْدِ آخِرَ الزَّمَانِ -فِيْمَا أَعَلَمُ- جَاءَتْ عَامَّةً ، لَمْ تَخُصَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِفَتْحٍ ، وَلَا غَيْرِهِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ .

رَدُّ الشُّبْهَةِ الْخَامِسَةِ :

وَهِيَ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْقِتَالَ الدَّائِرَ -الْآنَ- هُوَ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْـسِ إِلَى التَّهْـلُكَـةِ ؛ لِأَنَّــهُ غَيْـرُ مُـتَكَافِئِ الْكِفَّتَيْنِ ، مِمَّا أَدَّى -كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ- إلى قَتْلِ الْأَبْرِيَاءِ ؛ مِنَ الْأَطْفَالِ ، وَالنِّسَاءِ ، وَالشُّيُوْخِ .

وَلِلْجَوَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَقُوْلُ :

لَيْسَ هُوَ -فِيْمَا أَرَى- إِلْقَاءً بِالنَّفْـسِ إِلَى التَّهْـلُكَـةِ ؛ لِلْأَسَبْابِ التَّالِيَةِ :

1] لِأَنَّهُ قِتَالُ دَفْعٍ لِعَدُوٍّ صَائِلٍ ، وَجِهَادُ الدَّفْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيْهِ تَكَافُؤُ الْعَدَدِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ -هُنَا-  الْعِبْرَةُ بِقُوَّةِ الْإِيْمَانِ ، مَعَ الْاِسْتِعْدَادِ بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ ، وَالْإِمْكَانِ ،

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “وَأَمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ ؛ فَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ الْحُرْمَةِ ، وَالدِّينِ ؛ فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا ، فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّينَ ، وَالدُّنْيَا لَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ دَفْعِهِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ ، بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَصْحَابُنَا ، وَغَيْرُهُمْ فَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الْكَافِرِ ، وَبَيْنَ طَلَبِهِ فِي بِلَادِهِ”[2]،

وَيَقُوْلُ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “وَإِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ ؛ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ ، فَالْأَقْرَبِ ؛ إذْ بِلَادُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَأَنَّهُ يَجِبُ النَّفِيرُ إلَيْهِ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ ، وَلَا غَرِيمٍ … … ، وَقِتَالُ الدَّفْعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا طَاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ ، لَكِنْ يُخَافُ إنْ انْصَرَفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ عَطَفَ الْعَدُوُّ عَلَى مَنْ يُخَلَّفُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَهُنَا قَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْذُلُوا مُهَجَهُمْ ، وَمُهَجَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِمْ فِي الدَّفْعِ حَتَّى يَسْلَمُوا ، وَنَظِيرُهَا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَكُونَ الْمُقَاتِلَةُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ ؛ فَإِنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلَوْا عَلَى الْحَرِيمِ ؛ فَهَذَا ، وَأَمْثَالُهُ قِتَالُ دَفْعٍ لَا قِتَالُ طَلَبٍ ، لَا يَجُوزُ الِانْصِرَافُ فِيهِ بِحَالٍ ، وَوَقْعَةُ أُحُدٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ”[3]،

2] ثُمَّ إِنَّ اَلْمُجَاهِدِينَ -اَلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي اَلْمَيْدَانِ- اَلْمُقَاوِمِينَ لِلْعَدُوِّ اَلْمُحْتَلِّ = هُمْ أَهْلُ اَلشَّأْنِ ، وَهُمُ اَلَّذِينَ يُقَدِّرُونَ اَلْمَفَاسِدَ ، وَالْمَصَالِــحَ ، وَيُقَرِّرُوْنَ مَـتَّـىْ يَصْلُحُ اَلْأِقْــدَامَ ، أَوْ اَلْإِحْـجَـامَ ، وَاَلَّذِي نَعْرِفُهُ عَنْهُمْ أَنَّ عِنْدَهُمْ عُلَمَاءَ ، وَفُقَهَاءَ -مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ ، وَمِنْ خَارِجِهَا- يَسْتَشِيرُوْنَهُمْ فِيمَا يُرِيدُوْنَ فِعْلَهُ ؛ فَلَمَّا اِطْمَأَنَّتْ نُفُوْسُهُمْ ، وَانْشَرَحَتْ صُدُوْرُهُمْ إِلَى مَا أَرَادُوْهُ أَقْدَمُوْا عَلَيْهِ ، واسْتَعْجَلُوْا بِالْبَدْءِ فِي مَعْرَكَةٍ عَاجِلَةٍ ، ضَرُوْرِيَّةٍ ؛ إِذْ أَنَّ اَلْأَمْرَ اَلَّذِي حَلَّ بِهِمْ ، وَبِبَيْتِ اَلْمَقْدِسِ عَصِيْبٌ جِدًّا ، وَأَنَّ اَلصَّهَايِنَةَ -لَعَنَهُمُ اللهُ- يَعْمَلُوْنَ عَلَى قَدَمٍ ، وَسَاقٍ لِتَهْوِيْدِ مَدِيْنَةِ اَلْقُدْسِ ، وَبِنَاءِ هَيْكَلِهِمُ اَلْمَزْعُوْمِ ، فَقَامُوْا بِمَا قَامُوا بِهِ مُتَحَمِّلِيْنَ مَا يُصِيبُهُمْ -وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ- مِنْ شِدَّةٍ ، وَضَرَّاءَ ، وَلَأَوَّاءَ ، صَبَّرَهُمُ اَللَّهُ ، وَأَعَانَهُمْ ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ ، وَسَدَّدَ رَأْيَهُمْ ، وَرَمْيَهُمْ .  

3] وَأَرَى أَنَّ اَلْقَوْلَ بِوُجُوبِ اَلْكَفِّ عَنْ اَلْمُقَاوَمَةِ -حَالِيًّا- بِحُجَّةِ عَدَمِ تَكَافُؤِ اَلْعَدَدِ قَوْلٌ ضَعِيْفٌ جِدًّا ، وَهُوَ عَيْنُهُ مَا يُرِيدُهُ اَلْيَهُودُ اَلصَّهَايِنَةُ ؛ لِيَتَوَسَّعُوْا ، وَيَتَمَكَّنُوْا ، خَاصَّةً إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ نُصَرَاءَهُمْ -مِنْ اَلْغَرْبِيِّيْنَ ، أَوْ مِنْ أَذْنَابِهِمُ اَلْمُنَافِقِيْنَ- يُؤَيِّدُوْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُعِيْنُوْنَهُمْ عَلَيْهِ ، وَيَدْعَمُوْنَهُمْ بِالْمَالِ ، وَالرَّأْيِ ، وَالسِّلَاحِ .

4] فَإِذَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ اَلْمُجَاهِدِينَ -بِمَا أَقْدَمُوْا عَلَيْهِ- مُجْتَهِدُوْنَ ، دَائِرُوْنَ بَيْنُ أَجْرِ اَلْمُجْتَهِدِ اَلْمُخْطِئِ ، أَوْ أَجْرَي اَلْمُجْتَهِدِ اَلْمُصِيْبِ ؛ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ النَّاصِحِ لِنَفْسِهِ ، وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ أن يُثَرِّبَ عَلَيْهِمْ ، أَوْ يَقْدَحَ فِي نِيَّاتِهِمْ ، أَوْ يُخَذِّلَهُمْ ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ ، وَيُثَبِّتَهُمْ ، وَيُعِيْنَهُمْ بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيعُهُ ، حَتَّى يَنَالُوا مَا اِبْتَغَوْهُ ، وَأَرَادُوهُ ؛ إِمَّا : اَلنَّصْرَ ، أَوْ اَلشَّهَادَةَ  .

وأخيرًا ، أَخْتُمُ بِكَلَامٍ لِسَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ اِبْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَى الْمُقَاوَمَةِ الْفِلَسْطِيْنِيَّةِ ،

يَقُوْلُ سَمَاحَتُهُ : “لَقَدْ ثَبَتَ لَدَيْنَا بِشَهَادَةِ اَلْعُدُوْلِ اَلثِّقَاتِ أَنَّ اَلِانْتِفَاضَةَ اَلْفِلَسْطِيْنِيَّةَ ، وَالْقَائِمِيْنَ بِهَا مِنْ خَوَاصِّ اَلْمُسْلِمِيْنَ هُنَاكَ ، وَأَنَّ جِهَادَهُمْ إِسْلَامِيٌّ ؛ لِأَنَّهُمْ مَظْلُوْمُوْنَ مِنْ اَلْيَهُودِ ، وَلِأَنَّ اَلْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ اَلدِّفَاعُ عَنْ دِينِهِمْ ، وَأَنْفُسِهِمْ ، وَأَهْلِيْهِمْ ، وَأَوْلَادِهِمْ ، وَإِخْرَاجُ عَدُوِّهِمْ مِنْ أَرْضِهِمْ بِكُلِّ مَا اِسْتَطَاعُوا مِنْ قُوَّةٍ ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اَلثِّقَاتُ اَلَّذِينَ خَالَطُوهُمْ فِي جِهَادِهِمْ ، وَشَارَكُوْهُمْ فِي ذَلِكَ عَنْ حَمَاسِهِمُ اَلْإِسْلَامِيِّ ، وَحِرْصِهِمْ عَلَى تَطْبِيْقِ اَلشَّرِيْعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَالْوَاجِبُ عَلَى اَلدُّوَلِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ، وَعَلَى بَقِيَّةِ اَلْمُسْلِمِيْنَ تَأْيِيْدُهُمْ ، وَدَعْمُهُمْ ؛ لِيَتَخَلَّصُوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ ، … وَلِأَنَّهُمْ مَظْلُوْمُوْنَ ، فَالْوَاجِبُ عَلَى إِخْوَانِهِمُ اَلْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ ؛ …

فَنَسْأَلُ اَللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ إِخْوَانَنَا اَلْمُجَاهِدِيْنَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، وَفِيْ غَيْرِهَا عَلَى عَدُوِّهِمْ ، وَأَنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَهُمْ عَلَى اَلْحَقِّ ، وَأَنْ يُوَفِّقَ اَلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا لِمُسَاعَدَتِهِمْ ، وَالْوُقُوفِ فِي صَفِّهِمْ ضِدَّ عَدُوِّهِمْ ، وَأَنْ يَخْذُلَ أَعْدَاءَ اَلْإِسْلَامِ أَيْنَمَا كَانُوْا ، وَيَنْزِلَ بِهُمْ بَأْسَهُ اَلَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ اَلْقَوْمِ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ”[4]،

هَذَا آخِرُ الْجَوَابِ عَلَى مَا أُوْرِدَ مِنْ شُبُهَاتٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيْمِ الْوَهَّابِ .

(2)

وَأَخِيْرًا :

أُهِيْبُ بِإِخْوَانِي طُلَّابِ اَلْعِلْمِ -فِي خَارِجِ فِلَسْطِينَ- أَلَّا يَتَنَازَعُوْا فِي أَمْرٍ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَأْنٌ ، وَلَا اِخْتِيَارٌ ، فَمُهِمَّةُ اَلْقِتَالِ -اَلدَّائِرِ اَلْآنَ فِي غَزَّةَ- قَدْ أُوْسِدَتْ إِلَى رِجَالٍ أَشِدَّاءَ ، أَشَاوِسَ ، هُمْ أَدْرَى بِسِيَاسَةِ الْحُرُوْبِ مِنْكُمْ ، فَمَا عَلَيْكُمْ -فِيْ حَالَتِكُمْ هَذِهِ- إِلَّا إِعَانَتُهُمْ ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ ، وَالشَّدُّ مِنْ أَزْرِهِمْ ، وَالْوُقُوفُ فِي صَفِّهِمْ ، وَاحْذَرُوْا كُلَّ اَلْحَذَرِ مِنْ خُذْلَانِهِمْ ، أَوْ اَلتَّخْذِيْلِ عَنْهُمْ ، وَالْوُقُوفِ فِي صَفِّ عَدُوّهُمْ !! وَإِنَّ كَانَ ثَمَّةَ رَأْيٌ تُرِيدُونَ طَرْحَهُ ، وَتَبْيِيْنَهُ ؛ فَلَيْسَ مِنْ اَللَّائِقِ بِكُمْ أَنْ تَطْرَحُوْهُ ، وَتُعْلِنُوْهُ عَلَى الْمَلَأِ اَلْآنَ ، فَوَقْتُهُ اَلْمُنَاسِبُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ ؛ وَذَلِكَ حَتَّى لَا تُوْقِعُوْا اَلْخِلَافَ فِيْ صُفُوفِ إِخْوَانِنَا اَلْمُجَاهِدِينَ ، وَتَفُتُّوْا فِي عَضُدِهِمْ ، وَحَتَّى -أَيْضًا- لَا تُشْمِتُوْا بِنَا اَلْأَعْدَاءَ ، أَوْ اَلْمُنَافِقِيْنَ اَلْبُغَضَاءَ ، وَإِنْ تَسَنَّى لَكُمْ نُصْحَهُمْ سِرًّا فُهُوَ الْمُتَعَيِّنُ عَلَيْكُمْ ، وَالْأَحْرَى بِكُمْ ، وَإِلَّا فَأَرْجِئُوْهُ حَتَّى تَضَعَ اَلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، فَعِنْدَئِذٍ اِجْلِسُوْا مَعَهُمْ ؛ لِتَتَبَاحَثُوْا مَعَ اَلْمَعْنِيِّيْنَ مِنْهُمْ بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ ؛ وَذَلِكَ لِتَأْتَلِفَ اَلْقُلُوبُ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ، وَيُوْصَدَ بَابُ الشَّرِّ عَلَى اَلشَّيْاطِيْنِ -وَأَعْوَانِهِم- مِنْ أَنْ يُحَرِّشُوْا بَيْنَ اَلْإِخْوَةِ ، وَالْأَصْفِيَاءِ ، وَاَللَّهُ اَلْمُوَفِّقُ إِلَى سَوَاءِ اَلصِّرَاطِ ،

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ،

وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ ، وَمُصْطَفَاهُ ، وَعَلَى الْآلِ ، وَالصَّحْبِ ، وَالْأَتْبَاعِ .

 

 



([1]) بعد الفتح الأول ظل بيت المقدس تحت حكم المسلمين خمسة قرون تقريبًا ؛ حتى استولى عليه الصليبيون في أثناء حكم العبيديين ، ومكث في أيديهم قريبًا من تسعين سنةً ، ثُمَّ استردَّه صلاح الدين ، والمسلمون ، وظل في حوزة المسلمين أَكْثَرَ من ثمانية قرون ، إلى أن جاء الاستعمارُ البريطاني الآثم فاستولى عليه ، وسلَّمه لليهود عليهم لعنة الله ، وسيرجع في أيدي المسلمين إن شاء الله ، طال الزمن ، أو قصر ، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:5] .

([2]) الفتاوى الكبرى (5/538-539) .

([3]) الفتاوى الكبرى (4/608) .

([4]) مجموع الفتاوى (18/417-418) .

“الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ السَّادِسُ (تَابِعٌ …) :

عَلَى شُبُهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَوْلَ : فِلَسْطِيْنَ ، وَالْقِتَالِ لِدَفْعِ الْغَاصِبِ الْمُحْتَلِّ مِنْهَا .

النَّاقِلُ : مَجْمُوْعَةٌ مِنَ اللِّيِبْرَالِيِّيْنَ ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْمُسْلِمِيْنَ .

رَدُّ الشُّبْهَةِ الثَّالِثَةِ :

وَهِيَ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْمُقَاوَمَةَ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِيْنَ جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَّةٌ ، تَنْتَسِبُ إِلَى حِزْبٍ إِرْهَابِيٍّ ، هُوَ حِزْبُ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِيْنَ ؛ فَعَلَيْهِ لَا يَجُوْزُ مُنَاصَرَتُهُمْ ، وَلَا إِعَانَتُهُمْ .

إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ كَمَا ذُكِرَ فِيْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ ؛ فَأَقُوْلُ مُجِيْبًا :

1] أَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْمُقَاوِمُوْنَ مُسْلِمِيْنَ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الدِّفَاعُ عَنْ أَخِيْهِ الْمُسْلِمِ ؛ فَـ : “لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، وَلَا يُسْلِمُهُ”[1]؟!

وَأَلَيْسَ عَدُوُّهُمُ الْمُتَرَبِّصُ الْيَهُوْدَ ؛ الَّذِيْنَ جَمَعُوْا الْخُبْثَ ، وَالْعَدَاوَةَ مِنْ جَمِيْعِ أَطْرَافِهَا ؛ كَمَا قَالَ اللهُ عنْهُمْ : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82] ؟!

وَأَلَيْسُوْا مَظْلُوْمِيْنَ ، وَالْوَاجِبُ نَصْرُ الْمَظْلُوْمِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا ، فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِ ؟! فَقَدْ :  

قَالَ تَعَالَى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2] ،

وَقَالَ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا ، أَوْ مَظْلُومًا” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : “تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ”[2].

2] ثُمَّ إِنَّ الْبِدَعَ الَّتِي هُمْ وَاقِعِوْنَ فِيْهَا لَيْسَتْ مُـخْرِجَةً عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ ؛ كَبِدْعَةِ الرَّفْضِ ، أَوِ التَّجَهُّمِ ، بَلْ هِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ؛

يَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “فَإِذَا تَعَذَّرَ إقَامَةُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الْعِلْمِ ، وَالْجِهَادِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ فِيهِ بِدْعَةٌ ؛ مَضَرَّتُهَا دُونَ مَضَرَّةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَانَ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ مَعَ مَفْسَدَةٍ مَرْجُوحَةٍ مَعَهُ خَيْرًا مِنْ الْعَكْسِ  … ، وَدِينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ”[3]، وَأَمَّا الرَّافِضَةُ -وَمَنْ نَحَا نَحْوُهُمْ ؛ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ ، وَأَشْبَاهَهُمْ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمُشْرِكَةِ- فَلَا يُرْتَـجَى مِنْهُمْ نَصْرٌ ، وَلَا إِعَانَةٌ ؛ بَلْ بِالْعَكْسِ[4]،

وَيَقُوْلُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ ذِكْرِ بَعْضِ فَوَائِدِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَّةِ- : “وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَهْلَ الْبِدَعِ ، وَالْفُجُورِ ، وَالْبُغَاةِ ، وَالظَّلَمَةِ إِذَا طَلَبُوا أَمْرًا يُعَظِّمُونَ فِيهِ حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أُجِيبُوا إِلَيْهِ ، وَأُعْطُوهُ ، وَأُعِينُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ مَنَعُوْا غَيْرَهُ ؛ فَيُعَاوَنُونَ عَلَى مَا فِيهِ تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَبَغْيِهِمْ ، وَيُمْنَعُونَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، فَكُلُّ مَنِ الْتَمَسَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى مَحْبُوبٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، مُرْضٍ لَهُ أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ ؛ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ مَبْغُوضٌ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَهَذَا مِنْ أَدَقِّ الْمَوَاضِعِ ، وَأَصْعَبِهَا ، وَأَشَقِّهَا عَلَى النُّفُوسِ”[5].

3] ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدِيْنَ يُدَافِعُوْنَ عَـنْ بَيْـتِ الْمَقْدِسِ -وَأَكْنَافِهِ- ؛ الْـمُحْتَلِّ مِنْ قِبَلِ الصَّهَايِنَةِ ؛ الطُّغَاةِ ، الْبُغَاةِ ، وَلَا يُوْجَدُ أَحَدٌ -الْآنَ- يُدَافِعُ عَنْ مُقَدَّسَاتِنَا السَّلِيْبَةِ فِيْ فِلَسْطِيْنَ إِلَّا هُمْ ؛ فَدِفَاعُهُمْ شَرْعِيٌّ ، وَجِهَادُهُمْ وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ ؛ “فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِيْ يُفْسِدُ الدِّيْنَ ، وَالدُّنْيَا لَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيْمَانِ مِنْ دَفْعِهِ”[6]،

4] ثُمَّ إِنَّ جِهَادَهُمْ هَذَا -فِيْمَا نَحْسَبُهُمْ- لَيْسِ عَنْ حِزْبِهِمُ الْمُبْتَدَعِ ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَرْضِهِمْ الَّتِي وَرَّثَهُمْ اللهُ إِيَّاهَا -كَيْفَ وَفِيْهَا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى- فَمَا يَفْعَلُوْنَهُ مِنْ جِهَادٍ ، أَوْ دِفَاعٍ لَهُ أُصُوْلُهُ فِيْ الشَّرْعِ ؛ فَلَنْ يَسْتَطِيْعَ أَحَدٌ إِنْكَارَهُ ، أَوْ إِهْمَالَهُ ، بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُدَافِعُ عَنْ أَرْضِهِ مِنْهُمْ شَهِيْدًا -إِنْ شَاءَ اللهُ- ؛ لَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ”[7][8].

5] ثُمَّ إِنْ حَقِيْقَةَ دِفَاعِهِمْ هَذَا لَيْسَ عَنْ أَرْضِهِمْ فَحَسْبُ ؛ بَلْ هُوَ عَنْ جَمِيْعِ الْبِلَادِ السُّنِيَّةِ ، الَّتِي تَقَعُ عَلَى حُدُوْدِهِمْ ، أَوْ هِيَ قَرِيْبَةٍ مِنْهُمْ ، وَالَّتِي يُرِيْدُ الصَّهَايِنَةُ الْيَهُوْدُ -عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهُ- أَنْ يَحْتَلُّوْهَا ، فَإِنَّ مَشْرُوْعَ الصَّهَايِنَةِ التَّوَسُعِيَّ -كَمَا هُوَ مُعْلَنٌ- يَـمْتَدُّ مِنْ النِّيْلِ إِلَى الْفُرَاتِ ، وَأَطْمَاعُهُمْ ، وَأَحْلَامُهُمْ تَتَّجِـُه إِلَى خَيْبَرَ ؛ التَّابِعَةِ لِلْمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ ، فَلَوْ تَخَاذَلَ هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُوْنَ عَنِ الْجِهَادِ لَوَصَلَ الصَّهَايِنَةُ -بِمُبَارَكَةٍ عَالَمِيَّةٍ- إِلَى بِلَادِنَا السُّنِيَّةِ ، لَا بَلَّغُهُمْ اللهُ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ تَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ هُوَ تَفَرُّقُ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَخَوَرُهُمْ ، وَتَرْكُهُمُ الْجِهَادَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ ، وَمُقَارَعَةَ الْأَعْدَاءِ .

6] ثُمَّ إِنَّ أَحْكَامَ التَّعَامُلِ مَعَ الْمُبْتَدِعَةِ تَخْتَلِفُ فِيْ السِّلْمِ عَنْهَا فِيْ الْحَرْبِ ، فَكُلٌّ لَهُ حُكْمُهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ السَّلَفِيِّ فِيْ ذَلِكَ ، وَفَهْمِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ : النَّقْدُ الْعَلَنِيُّ ، وَإِظْهَارُ أَخْطَاءِ الْمُجَاهِدِيْنَ عَلَى الْمَلَأِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَفُتُّ فِيْ عَضِدِهِمْ أَمَامَ عَدُوِّهِمْ ، وَالنُّصْحُ -فِيْ هَذَا الْمَقَامِ- يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ فِيْ السِّرِّ ، بِمَا يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ قُوَّتَهُمْ ، وَلَا يُظْهِرُ الشَّمَاتَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَعْدَائِهِمْ[9].

7] وَإِنْ أَبْرَزَ مَا انْتُقِدَ عَلَى هَؤُلَاءِ اَلْمُجَاهِدِينَ هُوَ تَعَاوُنُـهُمْ مَعَ اَلرَّافِضَةِ اَلْمُشْرِكِينَ !! لَكِنَّهُمْ -مًجِيْبِيْنَ عَلَى هَذَا النَّقْدِ- يَقُولُونَ : اَلِاسْتِعَانَةُ بِالْمُشْرِكِينَ -فِيْ بَعْضِ اَلْأَحْوَالِ- جَائِزَةٌ[10]، وَفِعْلُنَا -فِي هَذِهِ اَلِاسْتِعَانَةِ- لِلضَّرُورَةِ اَلْقُصْوَى ؛ كَضَرُوْرَةِ الْأَكْلِ مِنَ الْمَيْتَةِ ، وَلَوْلَا اَلضَّرُورَةُ لَمَا فَعَلْنَا[11]، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ كَيْفَ تَخَلَّى عَنَّا اَلْقَرِيبُ ، وَالْبَعِيدُ ، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَى دِينِنَا ، وَأَرْضِنَا ، وَأَعْرَاضِنَا مِنْ أَنْ تُسْتَبَاحَ ، وَتُنْتَهَكَ ، وَإِنَّا قَدْ اِسْتَعَنَّا بِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَمِنَّا مَكْرَهُمْ ؛ هَكَذَا يَقُولُونَ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَنا ، وَإِيَّاهُمْ مِنْ مَكْرِ الرَّافِضَةِ ، وَخُبْثِهِمْ[12].

8] ثُمَّ إِنَّ مِنْ اَلْعَجَائِبِ اَلَّتِي وُجِدَتْ عِنْدَ بَعْضِ اَلنَّاسِ أَنَّهُمْ صَبُّوْا جَامَ غَضَبِهِمْ عَلَى هَذَا اَلْفَصِيْلِ اَلْمُبْتَدِعِ ، وَنَسُوْا اَلْمُعْتَدِينَ اَلْأَصْلِيِّينَ ، أَوْ خَفَّفُوْا مِنْ نَقْدِهِمْ ، أَوْ هَوَّنُوْا مِنْ أَعْمَالِهِمْ اَلْبَشِعَةِ ؛ فِـيْ قَتْلِهِمُ اَلْأَطْفَالَ ، وَالنِّسَاءَ ، وَالشُّيُوخَ ، بَــلْ إِنَّ بَعْــضَ اَلْمَخْــذُوْلِيْنَ بَــرَّرَ فِعْلَتَـهُمْ ، وَقَالَ : هُوَ دِفَاعٌ مَشْرُوعٌ ، وَسَبَبُ هَذَا كُلِّهُ : اَلْجَهَالَةُ فِيْ اَلدِّينِ ، أَوْ حِقْدٌ فِيْ اَلْقُلُوبِ دَفِينٌ . 

9] ثُمَّ إِنَّ مَا نَتَحَدَّثُ فِيْهِ -هُنَا- دَاخِلٌ فِيْ مَسْأَلَةِ : “الْوَلَاءِ ، وَالْبَرَاءِ” ، وَمُظَاهَرَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كُفْرٌ بِاللهِ[13]، فَحَذَارِ ، حَذَارِ أَيُّهَا الْمُتَعَجِّلُوْنَ !! فَقَدْ تَدْخُلُوْنَ -بِتَخْطِئَتِكُمْ الْمُقَاوِمِيْنَ ، وتَبْرِيْرِكُمْ أَفْعَالَ الْأَعْدَاءِ فِيْ شَأْنِ الْجِهَادِ ، وَالْمُجَاهِدِيْنَ- فِيْ حُكْمِ الْمُظَاهِرِيْنَ لِلْكَافِرِيْنَ ، فَتَكُوْنُوْا مِنَ الْهَالِكِيْنَ .

10] إِنَّ اِنْسِيَاقَنَا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ سُقُوْطٌ فِيْ الْفَخِّ الَّذِي نَصَبَهُ لَنَا أَعْدَاؤُنَا الصَّلِيْبِيُّوْنَ ؛ فَانْظُرُوْا كَيْفَ جَرَّمُوْا الْمُدَافِعِيْنَ عَنْ أَرْضِهِمْ ، وَعَدَّوْهُ -فِيْ مَجَالِسِهِمُ الْأُمَمِيَّةِ- مِنَ الْأَحْزَابِ الْإِرْهَابِيَّةِ ، وَفِيْ الْمُقَابِلِ بَرَّرُوْا لِلْمُحْتَلِّ الْمُغْتَصِبِ ، وَجَعَلُوْا مَا يَفْعَلُهُ مِنْ جَرَائِمَ حَقًا لَهُ قَانُوْنِيًّا ، بَلْ أَمَرُوْا الْحُكُوْمَاتِ الْعَرَبِيَّةَ أَنْ تُطَبِّعَ مَعَهُ ، فَإِلَى اللهِ الْمَفْزَعُ ، وَالْمُشْتَكَى .

نَكْتَفِي بِهَذَا ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ فِقَرَاتِ هَذَا الرَّدِّ كَافِيَةٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ- فِيْ الْجَوَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ ، وَالْمُعِيْنُ ، وَهُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيْلِ .

يَتْبَعُ



([1]) انظر : ما رواه البخاري (4244) ، ومسلم (6674) .

([2]) رواه البخاري (2443) .

([3]) مجموع الفتاوى (28/213-214) .

([4]) يَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُسَمَّوْنَ بالْنُصَيْرِيَّة هُمْ ، وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ ، وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ ، وَأَكْفَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَضَرَرُهُمْ عَلَى أُمَّةِ مُحـَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ ؛ مِثْلَ كُفَّارِ التَّتَارِ، وَالْفَرَنْجِ ، وَغَيْرِهِمْ … ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ عِنْدَنَا أَنَّ السَّوَاحِلَ الشَّامِيَّةَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا النَّصَارَى مِنْ جِهَتِهِمْ ، وَهُمْ دَائِمًا مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ فَهُمْ مَعَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ فَتْحُ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّوَاحِلِ ، وَانْقِهَارُ النَّصَارَى ؛ بَلْ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّتَارِ”[مجموع الفتاوى (35/149-151) .

([5]) زاد المعاد (3/269) .

([6]) مجموع الفتاوى الكبرى ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5/538) .

([7]) رواه أبو داوود (4772) ، والترمذي (1421) .

([8]) انظر فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الشأن ، في مجموع الفتاوى (18/93) .

([9]) قال بعض السلف : ” مَنْ وعظ أخاه فيما بينه ، وبينَه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه”[جامع العلوم والحكم ، ص  : (1/225)] .

([10]) انظر مجموع الفتاوى ؛ لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10/10) .

([11]) الضرورة تقدر بقدرها ، ولا ينبغي تجاوز حدها .

([12]) هم اجتهدوا ، ويا ليتهم لم يفعلوا ؛ لأن الأصل في الرافضة الخبث ، والمكر ، والنفاق ؛ كحال النصيرية ، الذي تقدم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في شأنهم .

([13]) انظر : الناقض الثامن ، من نواقض الإسلام ؛ لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .

 “الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ السَّادِسُ (تابع …) :

عَلَى شُبُهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَوْلَ : فِلَسْطِيْنَ ، وَالْقِتَالِ لِدَفْعِ الْغَاصِبِ الْمُحْتَلِّ مِنْهَا .

النَّاقِلُ : مَجْمُوْعَةٌ مِنَ اللِّيِبْرَالِيِّيْنَ ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْمُسْلِمِيْنَ [1].

(1)

رَدُّ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ :

وَهِيَ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ “الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى” الْمَذْكُوْرَ فِيْ النُّصُوْصِ لَيْسَ هُوَ الْمَوْجُوْدَ فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، بَلْ هُوَ فِيْ مَكَانٍ آخَرَ ، أَمَّا الْمَوْجُوْدُ -الْآنَ- فَأَصْلُهُ كَانَ مَعْبَدًا لِلْيَهُوْدِ ، حَوَّلَهُ الْمُسْلِمُوْنَ -لَمَّا اِسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ- إِلَى مَسْجِدٍ .

وَلَمَّا قِيْلَ لَهُمْ أَيْنَ أَدِلَّتُكُمْ فِيْ ذَلِكَ أَتَوْا بِمَا يَضْحَكُ عَلَيْهِمُ بِهِ الْعَامِيُّ قَبْلَ الْعَالِمِ ، وَالصَّغِيْرُ قَبْلَ الْكَبِيْرِ ، فَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ فِيْ ذَلِكَ :

مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ -فِيْ مَغَازِيِهِ- وَهُوَ قَوْلُهُ : “وَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ؛ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ، فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَـى الْمَدِينَــةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِـرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ ؛ لِاثْنَتَـيْ عَشْـرَةَ بَقِيَـتْ مِـنْ ذِي الْقَـعْـدَةِ لَيْلًا ، فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ ؛ فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ الْأَدْنَى ، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ”[2].  

وَلِلْجَوَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَقُوْلُ :

1] لَوِ اِفْتَرَضْنَا صِحَّةَ مَا أَتَى بِهِ الْوَاقِدِيُّ ؛ فَإِنَّ النُّصُوْصَ صَرَيِحَةٌ فِيْ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى -بَيْتَ الْمَقِدِسَ- الَّذِي أُسْرِيَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِفِلَسْطِيْنَ ، وَيُسَمَّى : إِيْلْيَاءَ ، وَأَصْرَحُ شَيْءٍ فِيْ ذَلِكَ -الَّذِي يَقْطَعُ حُجَّةَ الْمُخَالِفَ- مَا جَاءَ :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى”[3]، وَيُحَدِّدُ مَكَانَ “الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى” فِيْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا جَاءَ :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ ، وَمَسْجِدِي ، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ”[4].

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “ وَأَمَّا إِيلِيَاءُ ؛ فَهُوَ : “بَيْتُ الْمَقْدِسِ” ، … ، وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ”[5].

2] أَمَّا قَوْلُ الْوَاقِدِيُّ : “الْمَسِجَد الْأَقْصَى” ؛ فَإِنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ ، فَهُوَ أَقْصَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْجِدِ الْأَدْنَى ، وَهَذَا وَاضِحٌ -لِمَنْ تَخَلَّى عَنِ الْهَوَى- فِيْ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا ؛ فَإِنَّ فِيْ الْجِعْرَانَةِ مَسْجِدَيْنِ : أَقْصَى ، وَأَدْنَى ، وَالرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ -أيضًا- فِيْ ذَلِكَ :

 مَا رَوَاهُ الرَّافِضَةُ فِيْ كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى يَقَعُ فِيْ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ[6]، وَيَكْفِي فِيْ رَدِّ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّافِضَةِ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهِ -وَلَمْ يُرَ أَكْذَبَ مِنَ الرَّافِضَةِ ، وَأَقْبِحْ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ- يُرِيْدُوْنَ بِمَرْوِيَّاتِهِمْ ، وَخُرَافَاتِهِمْ -هَذِهِ- أَنْ يَصْرِفُوْا وُجُوْهَ النَّاسِ عَنِ الْمَسَاجِدِ الْمُقَدَّسَةِ إِلَى مَسَاجِدِهِمُ الْوَثَنِيَّةِ .  

يَتْبَعُ 



([1])  كـ: يوسف زيدان ، وأمثاله ، وهذا ، وأمثاله قد جعلوا أنفسهم أبواقاً للصهاينة لينفذوا مخططهم الخبيث لتهويد مدينة القدس ، وهدم المسجد الاقصى ، واقامة هيكلهم المزعوم .

([2]) المغازي (1/385) .

([3]) رواه البخاري (1189) ، مسلم (3364) .

([4]) رواه مسلم (3366) .

([5]) شرح مسلم (9/168) .

([6]) انظر تفسير العياشي الرافضي (2/302) .

 “الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ السَّادِسُ :

عَلَى شُبُهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَوْلَ : فِلَسْطِيْنَ ، وَالْقِتَالِ لِدَفْعِ الْغَاصِبِ الْمُحْتَلِّ مِنْهَا .

النَّاقِلُ : مَجْمُوْعَةٌ مِنَ اللِّيِبْرَالِيِّيْنَ ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْمُسْلِمِيْنَ [1].

(1)

وَسَأَسْرُدُ -هُنَا- بَعْضَ الشُّبُهَاتِ حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوْعِ ، ثُمَّ نُجَاوِبُ عَلَيْهَا -بِمَا يُيَسِّرُ اللهُ لِيْ- فَمِنَ هَذِهِ الشُبُهَاتِ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ لِلْيَهُوْدِ حَقًّا فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، بَلْ هُمْ سُكَّانُهَا الْأَصْلِيُّوْنَ قَدِيْمًا ، أَوْ قَوْلُهُمْ : إِنَّ أَهْلَ فِلَسْطِيْنَ هُمْ الَّذِيْنَ بَاعُوْا الْيَهُوْدَ أَرْضَهُمْ ، فَصَارَتْ بِهَذَا لَهُمْ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُم فِيْهَا .

وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ “الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى” الْمَذْكُوْرَ فِيْ النُّصُوْصِ لَيْسَ هُوَ الْمَوْجُوْدَ فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، بَلْ هُوَ فِيْ مَكَانٍ آخَرَ ، أَمَّا الْمَوْجُوْدُ -الْآنَ- فَأَصْلُهُ كَانَ مَعْبَدًا لِلْيَهُوْدِ ، حَوَّلَهُ الْمُسْلِمُوْنَ -لَمَّا اِسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ- إِلَى مَسْجِدٍ .

وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ الْمُقَاوَمَةَ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِيْنَ جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَّةٌ ، تَنْتَسِبُ إِلَى حِزْبٍ إِرْهَابِيٍّ ، هُوَ حِزْبُ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِيْنَ ؛ فَعَلَيْهِ لَا يَجُوْزُ مُنَاصَرَتُهُمْ ، وَلَا إِعَانَتُهُمْ .

وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ الْقِتَالَ الْحَقِيْقِيَ الَّذِيْ سَيُفْتَحُ بِهِ “بَيْتُ الْمَقْدِسِ” هُوَ الَّذِي سَيَقُوْدُهُ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيْ آخِرِ الزَّمَانِ ، أَمَّا هَذَا الْقِتَالُ -الْآنَ- فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ .

وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ الْقِتَالَ الدَّائِرَ -الْآنَ- هُوَ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْـسِ إِلَى التَّهْـلُكَـةِ ؛ لِأَنَّــهُ غَيْـرُ مُـتَكَافِئِ الْكِفَّتَيْنِ ، مِمَّا أَدَّى -كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ- إلى قَتْلِ الْأَبْرِيَاءِ ؛ مِنَ الْأَطْفَالِ ، وَالنِّسَاءِ ، وَالشُّيُوْخِ .

رَدُّ الشُّبْهَةِ الْأُوْلَى :

وَهِيَ :

قَوْلُهُمْ : إِنَّ لِلْيَهُوْدِ حَقًّا فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، بَلْ هُمْ سُكَّانُهَا الْأَصْلِيُّوْنَ قَدِيْمًا ، أَوْ قَوْلُهُمْ : إِنَّ أَهْلَ فِلَسْطِيْنَ هُمْ الَّذِيْنَ بَاعُوْا الْيَهُوْدَ أَرْضَهُمْ ، فَصَارَتْ بِهَذَا لَهُمْ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُم فِيْهَا .

وَلِلْجَوَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَقُوْلُ :

1] فِلَسْطِيْنُ -وَفِيْهَا بَيْتُ اَلْمَقْدِسِ- لِلْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَوَّلِ مَا وُجِدَا ؛ فَإِنَّ اَلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْمُوَحِّدِينَ ؛ مِنْ عَهْدِ أَبِينَا آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ، وَمَا بَعْدُهُ ، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ ، وَمَنْ فِيْهَا ؛ فَالْيَهُودُ قَبْلَ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَبْلَ أَنْ يُحَرِّفُوا اَلتَّوْرَاةَ كَانُوا عَلَى اَلتَّوْحِيدِ ، وَكَانُوا هُمْ اَلَّذِينَ وَرِثُوْا اَلْأَرْضَ ، وَأَقَامُوْا فِيْهَا اَلشَّرِيعَةَ اَلْإِلَهِيَّةَ ، فَلَمَّا حَرَّفُوا دِيْنَهُمْ ، وَكَفَرُوْا لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ ، بَلْ وَجَبَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ اَلْحَقُّ أَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُمْ بِالْقُوَّةِ ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيْ اَلنَّصَارَى ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ اَلنَّاسِخَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ تَعَالَى صَارَ لَهُ ، وَلِأُمَّتِهِ اَلْأَحَقِّيَّةُ بِهَذِهِ اَلْأَرْضِ إِلَى قِيَامِ اَلسَّاعَةِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:68] ،

أَمَّا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[المائدة:30]  ؛ فـ”الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ -فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ- هِيَ فِلَسْطِيْنُ ؛ وَإِنَّمَا كَتَبَ اللهُ أَرْضَ فِلَسْطِيْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيْلَ فِيْ عَهْدِ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ عِبَادُ اللهِ الصَّالِحُوْنَ ؛ وَاللهُ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى يَقُوْلُ : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: 105] ، وَقَالَ مُوْسَى لِقَوْمِهِ : {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] ، ثم قال : {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: 128] ؛ إذاً الْمُتَّقُوْنَ هُمُ الْوَارِثُوْنَ لِلْأَرْضِ ؛ لَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيْلَ الْيَوْمَ لَا يَسْتَحِقُّوْنَ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوْا مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ ؛ أَمَّا فِيْ وَقْتِ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَكَانُوْا أَوْلَى بِهَا مِنْ أَهْلِهَا ؛ وَكَانَتْ مَكْتُوْبَةً لَهُمْ ، وَكَانُوْا أَحَقَّ بِهَا ؛ لَكِنْ لَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذِهِ الْأَرْضُ الْمُسْلِمُوْنَ”[2].

فَعَلَيْهِ أَقُوْلُ :

لَيْسَ لِلْكَافِرِ حَقٌ فِيْ أَرْضٍ يَسْكُنُهَا ، وَالْأَرْضُ اَلَّتِي يَسْكُنُهَا اَلْكُفَّارُ أَرْضُ كُفْرٍ ، يَجِبُ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ أَنَّ يُنْتَزَعُوْهَا مِنْهُمْ بِقُوَّةِ اَلشَّرِيعَةِ ؛ وَلِذَا شَرَعَ اَللَّهُ لَهُمْ جِهَادَ اَلطَّلَبِ ، لِيَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ؛ لَكِنْ لِمَّا كَانَتْ عُهُودُ اَلصُّلْحِ ، وَالْمَوَاثِيقُ اَلدَّوْلِيَّةُ اَلَّتِي تُبْرَمُ مَعَ اَلْكُفَّارِ -اَلْآنَ- لِمُسَالَمَتِهِمْ ؛ بِسَبَبَ ضَعْفِ اَلْمُسْلِمِينَ = أُقِرُّوا عَلَى أَرَاضِيْهِمْ ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتٌ تَكُونُ اَلْغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَحُكِمَ فِيْهِ بِالشَّرْعِ اَلْإِسْلَامِيِّ ؛ فَإِنَّ اَلْكُفَّارَ -بَعْدَ اَلدَّعْوَةِ إِلَى اَلدِّيْنِ اَلْحَنِيفِ- إِمَّا أَنْ يَقْبَلُوا بِالدُّخُولِ فِيْ اَلْإِسْلَامِ ، وَيُقَرُّوْا عَلَى أَرَاضِيْهِمْ ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعُوا اَلْجِزْيَةَ ، وَإِمَّا يُقَاتَلُوْا ، وَتُنْتَزَعُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ قَهْرًا ؛ “لِأَنَّ مَقْصُودَ الدَّعْوَةِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، وَإِنَّمَا أَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ لِلضَّرُورَةِ الْعَارِضَةِ ، وَالْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِالضَّرُورَةِ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِهَا … ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: 105] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ : «اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ، وَرَسُولِهِ»[3]، فَعِبَادُهُ الصَّالِـحُونَ هُمْ وَارِثُـوهَا ، وَهُمُ الْمُلَّاكُ لَهـَا عَـلَى الْحَقِيقَةِ ، وَالْكُفَّارُ فِيهَا تَبَعٌ ؛ يَنْتَفِعُـوْنَ بِـهَا لِضَــرُورَةِ إِبْــقَائِهِمْ بِالْجِزْيَةِ ، فَلَا يُسَاوُوْنَ الْمَالِكِينَ حَقِيقَةً…”[4]، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا ، وَأَقَمْتُمْ فِيْهَا فَسَهْمُكُمْ فِيْهَا ، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ ، وَرَسُولَهُ ؛ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ”[5].

2] أَمَّا قَوْلُهُمْ : هُمْ سُكَّانُهَا الْأَصْلِيُّوْنَ قَدِيْمًا ؛ فَلَيْسَ بِصَحِيْحٍ ؛ فَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْعَرَبُ الْكَنْعَانِيُّوْنَ[6]،

3] أَمَّا قَوْلُهُمْ : أَهْلُ فِلَسْطِينَ هُمْ اَلَّذِينَ بَاعُوْا أَرْضَهُمْ لِلْيَهُودِ ؛ فَهَذِهِ أُكْذُوبَةٌ خَرْقَاءُ ، يُرَوِّجُهَا أَهْلُ اَلْبَاطِلِ ، وَيُبْطِلُهَا اَلتَّارِيخُ ؛ فَهَذِهِ الْأُكْذُوْبَةُ اِخْتَرَعَتْهَا اَلْمُخَابَرَاتُ اَلْبِرِيْطَانِيَّةُ ، بِالتَّعَاوُنِ مَعَ اَلْيَهُودِ ، وَتَلَقَّفَهَا بَعْضُ أَبْنَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ ، أَمَّا كَوْنُ وَاحِدٍ ، أَوْ اِثْنَيْنِ ، أَوْ أَفْرَادٍ قَلِيْلِيْنَ جِدًّا قَدْ قَصَّرُوْا ، أَوْ فَرَّطُوْا ، أَوْ اِقْتَرَفُوا اَلْخِيَانَةَ لَا يَجْعَلُنَا نُعَمِّمُ اَلْحُكْمَ عَلَى كُلِّ اَلشَّعْبِ ، فَالشَّاذُّ ، لَا حُكْمَ لَهُ ، مَعَ أَنَّ بَيْعَ هَذِهِ اَلشِّرْذِمَةِ غَيْرُ صَحِيْحٍ ، وَلَا يُثْبِتُ لَهُ حُكْمٌ ، فـَ “اَلْأَصْلُ أَنَّ فِلَسْطِيْنَ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ وَقْفِيَّةٌ ، يَحْرُمُ شَرْعًا بَيْعُ أَرَاضِيْهَا ، وَتَمْلِيكُهَا لِلْأَعْدَاءِ ، فَهِيَ تُعَدُ مِنْ اَلنَّاحِيَةِ اَلشَّرْعِيَّةِ مِنْ اَلْمَنَافِعِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ اَلْعَامَّةِ ، لَا مِنْ اَلْأَمْلَاكِ اَلشَّخْصِيَّةِ اَلْخَاصَّةِ ، وَتَمْلِيكُ اَلْأَعْدَاءِ لِدَارِ اَلْإِسْلَامِ بَاطِلٌ ، وَيُعَدَّ خِيَانَةً لِلَّهِ تَعَالَى ، وَرَسُوْلِهِ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِأَمَانَةِ اَلْإِسْلَامِ . . . ، آثِمٌ مَنْ يَبِيعُ أَرْضَهُ لِأَعْدَائِهِ ، أَوْ يَأْخُذُ تَعْوِيضًا عَنْهَا ؛ لِأَنَّ بَائِعَ اَلْأَرْضِ لِلْأَعْدَاءِ مُظَاهِرٌ عَلَى إِخْرَاجِ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ . . . ، بَيْعُ اَلْأَرْضِ لِلْأَعْدَاءِ ، وَالسَّمْسَرَةُ عَلَيْهَا لَهُمْ يَدْخُلُ فِيْ اَلْمُكَفِّرَاتِ اَلْعَمَلِيَّةِ ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ اَلْوَلَاءِ لِلْكُفَّارِ اَلْمُحَارِبِيْنَ ، وَهَذَا اَلْوَلَاءُ مَخْرِجٌ مِنَ اَلْمِلَّةِ ، وَيُعْتَبِرُ فَاعِلُهُ مُرْتَدًّا عَنِ اَلْإِسْلَامِ ، خَائِنًا لِلَّهِ ، وَرَسُولِهِ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدَيْنِهِ ، وَوَطَنِهِ ، يَجِبُ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ مُقَاطَعَتُهُ ، فَلَا يُعَامِلُونَهُ ، وَلَا يُزَوِّجُونَهُ ، وَلَا يَتَوَدَّدُوْنَ إِلَيْهِ ، وَلَا يَحْضُرُوْنَ جَنَازَتَهُ ، وَلَا يُصَلُّوْنَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَدْفِنُونَهُ فِيْ مَقَابِرِ اَلْمُسْلِمِيْنَ”[7].

يَتْبَعُ 

 

 

 

 

 

 



([1])  كـ: يوسف زيدان ، وأمثاله .

([2]) تفسير سورة البقرة ؛ لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1/168) .

([3]) رواه البخاري (6944) .

([4]) أحكام أهل الذمة ؛ لابن القيم (1/586-594) .

([5]) رواه مسلم (4595) .

([6]) انظر “البداية والنهاية” ؛ لابن كثير (2/124) .

([7]) فتوى المفتي العام للقدس ، والديار الفلسطينية ، الشيخ محمد أحمد حسين ، على الشبكة .