عِبَرٌ ، وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (83)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
فَتَاوَى ، وَوَصَايَا الْأَئِمَّةِ فِيْ النَّوَازِلِ ، وَالْفِتَنِ الْمُدْلَهِمَّةِ .
فَتْوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْإِفْتَاءِ ، بِرِئَاسَةِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ ، بِشَأْنِ :
حُكْمِ بِنَاءِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ فِيْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ ، مِنْ مِثْلِ : بِنَاءِ كَنَائِسَ لِلنَّصَارَى ، وَمَعَابِدَ لِلْيَهُوْدِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ ، …
الْجَوَابُ :
“كُلُّ دِيْنٍ غَيْرِ دِيْنِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْرٌ ، وَضَلَالٌ ،
وَكُلُّ مَكَانٍ لِلْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِ دِيْنِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بَيْتُ كُفْرٍ ، وَضَلَالٍ ؛ إِذْ لَا تَجُوْزُ عِبَادَةُ اللهِ إِلَّا بِمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِيْ الْإِسْلَامِ ، وَشَرِيْعَةُ الْإِسْلَامِ خَاتِمَةُ الشَّرَائِــــــــعِ عَامَّةً ؛ لِلثَّقَلَيْنِ ؛ الْجِنِّ ، وَالْإِنْسِ ، وَنَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى ،
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَهُوْدَ عَلَى حَقٍّ ، أَوِ النَّصَارَى عَلَى حَقٍّ ؛ سَوَاءً كَانَ مِنْهُمْ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ ؛ إِنْ كَانَ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، إِنْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ،
قَالَ اللهُ تَعَالَى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ:28] ،
وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158] ،
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران:19] ،
وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران:85] ،
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}[البينة:6] ،
وَثَبَتَ فِيْ الصَّحِيْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[1] ، …
وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيْمِ بِنَاءِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ ؛ مِثْلُ : الْكَنَائِسِ فِيْ بِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوْزُ اِجْتِمَاعُ قِبْلَتَيْنِ فِيْ بَلَدٍ وَاحِدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ ، …
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ بِنَاءَ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ ، وَمِنْهَا : الْكَنَائِسُ فِيْ جَزَيْرَةِ الْعَرَبِ ، أَشَدُّ إِثْمًا ، وَأَعْظَمُ جُرْمًا ؛ لِلْأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ الصَّرِيْحَةِ بِخُصُوْصِ النَّهْيِ عَنْ اِجْتِمَاعِ دِيْنَيْنِ فِيْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ ، مِنْهَا : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ”[2]، … ،
فَجَزِيْرَةُ الْعَرَبِ حَرَمُ الْإِسْلَامِ ، وَقَاعِدَتُهُ ؛ الَّتِيْ لَا يَجُوْزُ السَّمَاحُ ، أَوِ الْإِذْنُ لِكَافِرٍ بِاخْتِرَاقِهَا ، وَلَا التَّجَنُّسُ بِجِنْسِيَّتِهَا ، وَلَا التَّمَلُّكُ فِيْهَا ؛ فَضْلًا عَنْ إِقَامَةِ كَنِيْسَةٍ فِيْهَا لِعُبَّادِ الصَّلِيْبِ ، فَلَا يَجْتَمِعُ فِيْهَا دِيْنَانِ ، إِلَّا دِيْنًا وَاحِدًا ؛ هُوَ دِيْنُ الْإِسْلَامِ ؛ الَّذِيْ بَعَثَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ ، وُرَسُوْلَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وَلَا يَكُوْنُ فِيْهَا قِبْلَتَانِ ، إِلَّا قِبْلَةً وَاحِدَةً ؛ هِيَ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِيْنَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيْقِ ….
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ السَّمَاحَ ، وَالرِّضَا بِإِنْشَاءِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ ؛ مِثْلِ : الْكَنَائِسِ ، أَوْ تَخْصِيْصِ مَكَانٍ لَهَا فِيْ أَيِّ بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَعْظَمَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْكُفْرِ ، وَإِظْهَارِ شَعَائِرِهِ ، وَاللهُ عَزَّ شَأْنُهُ يَقُوْلُ : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:2] ،
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “مَنِ اِعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوْتُ اللهِ ، وَأَنَّ اللهُ يُعْبَدُ فِيْهَا ، أَوْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُوْدُ ، وَالنَّصَارَى عِبَادَةً للهِ ، وَطَاعَةً لِرَسُوْلِهِ ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ ، أَوْ يَرْضَاهُ ، أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا ، وَإِقَامَةِ دِيْنِهِمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ ، أَوْ طَاعَةٌ فَهُوَ كَافِرٌ”[3] ،
وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “مَنِ اِعْتَقَدَ أَنَّ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَنَائِسَهُمْ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدًّا”[4]انتهى .
عَائِذِيْنَ بِاللهِ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ بَعْدَ الْهِدَايَةِ ،
وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ نَصِيْبٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى : {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:25-28] .
وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَسَلَّمَ[5] .
تَنْبِيْهٌ :
جَزِيْرَةُ الْعَرَبِ هِيَ : “الْمَمْلَكَةُ الْعَرَبِيَّةُ السُّعُوْدِيَّةُ ، وَالْيَمَنُ ، وَدُوَلُ الْخَلِيْجِ ، كُلُّ هَذِهِ الدُّوَلُ دَاخِلَةٌ فِيْ الْجَزِيْرَةِ الْعَرَبِيَّةِ”.
[اِنْظُرْ مَجْمُوْعَ الْفَتَاوَى لِسَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ اِبْنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ (6/454)] .