عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (85)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
تَذْكِيْرٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ؛ فِيْ الْخَتْمِ ، وَالْاِبْتِدَاءِ .
بِمُنَاسَبَةِ قُرْبِ بَدْءِ الْعَامِ الْجَدِيْدِ أُحِبُّ أَنْ أَنْتَهِزَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ لِلتَّذْكِيْرِ ، وَالْعَمَلِ بِمَا يَلِي :
1] تَجْدِيْدُ الْإِيْمَانِ ؛ فـ”إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلَقُ ؛ فَسَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ”[1]، وَيَكُوْنُ هَذَا التَّجْدِيْدُ بِالْيَقِيْنِ ، وَالْاِعْتِقَادِ الصَّحِيْحِ ، وِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ؛ وَأَعْظَمُهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الفَرَائِضِ ، ثُمَّ النَّوَافِلِ ؛ كَقِيَامِ اللَّيْلِ ، وَالْاِسْتِغْفَارِ فِيْ الْأَسْحَارِ ، فَـ”بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ”[2]، قَبْلَ أَنْ يَحُوْلَ بَيْنَكُمْ ، وَبَيْنَهَا عَارِضُ الْمَرَضِ ، أَوِ الْمَوْتِ ، أَوِ السَّاعَةِ ، وَعَلَامَاتُهَا .
2] وَتَجْدِيْدُ الْأَرْوَاحِ ، وَتَصْفِيَةُ النُّفُوْسِ ، “وَغَسْلُهَا” مِنَ الضَّغَائِنِ ، وَالْأَحْقَادِ ؛ سَوَاءً كَانَتْ عَلَى الْأَقَارِبِ ، أَوِ الْأَبَاعِدِ ، أَوِ الْأَصْحَابِ ، ثُمَّ الصَّفْحُ عَنْهُمْ ، وَالْغُفْرَانِ ؛ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى :40] ، “قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : «هُوَ التَّقِيُّ ، النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا غِلَّ ، وَلَا حَسَدَ»”[3]، وَمِنْ عَلَامَةِ صَـفَـاءِ النَّفْـسِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِيـْنَ فِيْ ظَهْرِ الْغَيْبِ ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ : وَلَكَ بِمِثْلٍ”[4].
3] وَتَجْدِيْدُ الْأَخْلَاقِ ؛ وَالْحَذَرُ مِنْ سُوْءِ الظَّنِّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ؛ “فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ”[5] ، وَمِنْ تَجْدِيْدِ الْأَخْلَاقِ : الْمُحَافَظَةُ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ ، وَالْاِبْتِسَامَةِ ، وَالرِّفْقِ ، وَالتَّوَاضُعِ ، فـَ”أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ”[6]، وَتَبَسَّمُوْا ؛ فَإِنَّ التَّبَسُّمَ فِيْ وُجُوْهِ إِخْوَانِكُمِ الْمُسْلِمِيْنَ صَدَقَةٌ ؛ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيْ السُّنَّةِ [7] ، وَارْفُقُوْا فِيْ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ ؛ فَـ”إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ”[8]، “وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”[9].
4] وَتَجْدِيْدُ الْهِمَّةِ ، بِتَرْكِ الدَّعَةِ ، وَالْكَسَلِ ، وَالْتِزَامِ الْجِدِّ ، وَدَيْمُوْمَةِ الْعَمَلِ ، “وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ ؛ وَإِنْ قَلَّ”[10] ، فـاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ ، وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ ، وَالْهَرَمِ ، وَالْبُخْلِ”[11].
5] وَتَجْدِيْدُ التَّفَكُّرِ ؛ بِأَنَّ الْمَرْءَ فِيْ هَذِهِ الدُّنْيَا “كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا”[12] ، {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] ، أَيْ : الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ الْبَاقِيَةُ ؛ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا ، وَلَا اِنْقِطَاعٍ .
6] وَتَجْدِيْدُ التَّذْكِرَةِ ؛ بِأَنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ لَا بُدَّ لَهُ -فِيْ هَذِهِ الدُّنْيَا- مِنْ هَمٍّ يَحْمِلُهُ ، وَهَدَفٍ شَرِيْفٍ يَرْفَعُهُ ؛ يُوْصِلُهُ إِلَى مَرْضَاةِ اللهِ ، وَجَنَّتِهِ ، أَمَّا الَّذِيْ يَعِيْشُ بِلَا هَدَفٍ ؛ أَوْ يَعِيْشُ لِهَدَفٍ وَضِيْعٍ ؛ فَهَذَا أَشْبَهُ مَا يُكُوْنُ بِالْحَيَوَانَاتِ ، بَلْ أَضَلُّ ؛ و“مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ”[13] .
7] وَتَجْدِيْدُ الطَّرِيْقِ ، وَتَقْوِيْمُهُ ؛ بِالْمُحَاسَبَةِ الذَّاتِيَةِ الدَّائِمَةِ ، ثُمَّ الْاِسْتِغْفَارِ ، وَالنَّدَمِ ، وَالْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ الصَّالِحَاتِ ، وَتَرْكِ الْمُنْكْرَاتِ ، فـ“رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ : أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا ؟ ثُمَّ ذَمَّهَا ، ثُمَّ خَطَمَهَا ، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَانَ لَهَا قَائِدًا”[14].
أَسْأَلُ اللهَ لَنَا ، ولَكُمْ التَّوْفِيْقَ ، وَالرَّشَادَ ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى خَيْرِ الْعِبَادِ ، وَآلِهِ ، وَالْأَصْحَابِ .