القائمة إغلاق

“الدِّفَاعُ عَنْ عَقِيْدَةِ الْمُوَحِّدِيْنَ مِنْ إِغْوَاءِ الْمُضِلِّيْنَ ، وَدَعَاوَى الْمُشَبِّهِيْنَ” .

دِفَاعٌ سُنِّيٌّ ، وَرَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى دَاعِيَةٍ مِنْ دُعَاةِ الْبِدَعِ فِيْ بِلَادِنَا -وَخَارِجِ بِلَادِنَا- الصَّوُفِيِّ الْأَشْعَرِيِّ : “عَبْدِ الْإِلَهِ الْعَرْفَجِ” ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَقْطَعٍ مَرْئِيٍّ مُنْتَشِرٍ لَهُ ، يُشَارِكُ فِيْهِ -عَنْ بُعْدٍ- طَائِفَتَهُ الْأَشْعَرِيَّةَ فِيْ مُؤْتَمَرٍ مَعْقُوْدٍ لَهُمْ فِيْ دَوْلَةِ “لِيْبِيَا” .

-الحلقة الأولى-

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

(مُقَدِّمَةٌ)

اطلعـت علـى مقطـع مرئـي[1]للداعـية الأشـعري الصـوفي : “عبـد الإلـه العـرفج” ، يـشارك فيـه -عـن بعد- طائفتـه الأشعـرية المبتـدعـة ، في مؤتـمرهـم الـمـسمى : “الـمؤتمر الدولي الأول للهوية الدينية الليبية” ، والذي عقد في كلية الدعوة ، وأصول الدين في الجامعة الليبية الأسمرية .

فلما شاهدت ، واستمعت إلى المقطع المذكور وجدت أن صاحبه -كعادته- لم يأت بجديد ، وإنما هي شنشنة ، ودندنة الأشاعرة التي نعرفها عنهـم ؛ فكلمـا سنحـت لهم الفرصـة لينفثـوا سمـومهم ، وشبهاتهم ، عبر الندوات ، أو المؤتمرات ، أو من خلال منصات الإعلام المختلفة فإنهم يهرعون إليها مسرعين ؛ جازمين غير مترددين ؛ ليضلوا العباد ، ويجتالوهم عن عقيدتهم ، ودينهم القويم ، وهذه حال دعاة الضلالة في مختلف الأعصار ، والأمصار ، والأماكن ، والبلدان ؛ تشابهت قلوبهم ، وتآلفت أهواؤهم ، وتشاكلت مقاصدهم ، وهو إمعان منهم ، وإصرار على الجهالة ، والهوى ، والبغي ؛ الذي امتلأت أدمغتهم بها ، واسودت صدورهم من آثارها ، نسأل الله العفو ، والعافية .

وفي هذا المقال -ذي الحلقات المتعددة- سوف أبين ادعاءات ، وافتراءات داعية الأشاعرة ، صاحب المقطع المذكور ؛ لأكشف زيف ما تفوه به عند المخدوعين ، والمتابعين له ، ولأقيم عليه الحــجة ؛ لعــله يهتـدي ، ويرعـوي ، ويسلك الصراط السوي ، هداه الله ، وأصلحه ،

وستكون فقرات الرد مكونة من جزئين :

الْجُزْءِ الْأَوَّلُ : مُلَخَّصٌ لِمَا وَرَدَ فِيْ الْمَقْطَعِ الْمَذْكُوْرِ ، وَفِيْهِ رَدٌّ مُجْمَلٌ عَلَى بَعْضِ مَا جَاءَ فِيْهِ .

وَالْجُزْءِ الثَّانِي : الرَّدُّ التَّفْصِيْلِيُّ ، وَالَّذِيْ سَيَضُمُّ عِدَّةَ أَبْوَابٍ :

الْبَابُ الْأَوَّلُ : النُّصُوْصُ ، وَالْآثَارُ السَّلَفِيَّةُ الْمُبَيِّنَةُ بِجَلَاءٍ أَنَّ الْحَقَّ فِيْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ إِنَّمَا يَكُوْنُ لِلَّفْظِ ، وَالْمَعْنَى ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ ، وَغَوَى ، وَأَضَاعَ نَصِيْبَهُ ، وَمَا اِهْتَدَى.

الْبَابُ الثَّانِي : عَقِيْدَةُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوْعِيْنَ فِيْ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَأَنَّ إِثْبَاتَهُمْ لَهَا كَانَ عَلَى الْجَادَّةِ السَّلَفِيَّةِ .

الْبَابُ الثَّالِثُ : بَرَاءَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُفَوِّضَةِ الْمُبْتَدَعِ ، وَفِيْهِ الْجَوَابُ عَلَى شُبُهَاتِ الْمُشَبِّهِيْنَ فِيْ ذَلِكَ .

الْبَابُ الرَّابِعُ : بَيَانُ عَقِيْدَةِ السَّلَفِ فِيْ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ عُمُوْمًا ؛ وَفِيْ كَلَامِ اللهِ تعالى ، وَالْعُلُوِّ ، والْاِسْتِوَاءِ ، وَالنُّزُوْلِ الْإِلَهِيِّ ، وَفِيْ صِفَةِ يَدِ الرَّحْمَنِ ، وَسَاقِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوْصِ .  

الْبَابُ الْخَامِسُ : بَيَانُ ضَلَالِ الْمُعَطِّلَةِ -الْأَشَاعِرَةِ ، وَالْمُفَوِّضَةِ- وَانْحِرَافِهِمْ عَنِ سَبِيْلِ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ بَابِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى .

الْبَابُ السَّادِسُ : طَرَائِقُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُلْتَوِيَةُ فِيْ تَعَامُلِهِمْ مَعَ مُخَالِفِيْهِمْ ؛ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ ؛ أَصْحَابِ الْعَقِيْدَةِ السَّلَفِيَّةِ ؛ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ ، وَالْأَئِمَّةِ السَّلَفِيِّيْنَ ؛ أَصْحَابِ الدَّعْوَةِ النَّجْدِيَّةِ .

الْبَابُ السَابِعُ : خَاتِمَةٌ مُجَلِّيَةٌ ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَصَائِحَ مُوَجَّهَةٍ ، وَلِصَاحِبِ الْمَقْطَعِ الْمَذْكُوْرِ مُخَصَّصَةٍ .

وَسَنُتْبِعُ كَلَّ بَابٍ -إِنْ شَاءَ اللهُ- بِبَعْضِ الْمُلْحَقَاتِ ؛ إِنْ لَزَمَ الْأَمْرُ  .

فَنَقُوْلُ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ ، وَمِنْهُ نَسْتَمِدُّ الْعَوْنَ ، وَالتَّأْيِيْدَ :

الْجُزْءِ الْأَوَّلُ :

مُلَخَّصٌ لِمَا وَرَدَ فِيْ الْمَقْطَعِ الْمَذْكُوْرِ ، وَفِيْهِ رَدٌّ مُجْمَلٌ عَلَى بَعْضِ مَا جَاءَ فِيْهِ .

سوف نلخص -بالمعنى- ما قاله داعية الأشاعرة في مقطعه المذكور -والذي أكثر فيه من الحشو الذي لا طائل تحته- بما يلي :

1] الأشاعرة كانوا على الطريقة المرضية في إثبات الصفات ، وهو : تأويلها ؛ آخذين تأويلهم هذا مما ثبت عن الصحابة ؛ وأئمة المذاهب المتبوعة ؛ كمالك ، والشافعي .

2] جرى اختلاف قديم بين الأشاعرة ، ومتقدمي الحنابلة في مسائل من العقيدة ؛ منها : تأويل الصفات ، وحقيقة كلام الله ، فـ:

– الأشاعرة أوَّلوا الصفات ،

– ومتقدمو الحنابلة -وفيهم إمامهم الإمام أحمد- فوَّضوها .

3] متقدمو الحنابلة وإن اختلفوا مع الأشاعرة في طريقة إثبات الصفات إلا إنهم اتفقوا معهم في النتيجة ، التي هي : “التنزيه” ، فكلا الفرقتين متفقتان على تنزيه الباري من حلول الحوادث ، والأعضاء ، والأدوات ، …  

4] سار على ذلك جمهور فقهاء المذاهب ؛ فإنهم اتفقوا مع الأشاعرة -في طريقة إثبات الصفات- في الجملة ، فأظهر بعضهم التأويل ، وآخرون أظهروا التفويض .

5] مثبتة الصفات بمعانيها -أي : السلفيين الأثريين ؛ كابن تيمية ، وأئمة الدعوة النجدية- يُصنفون من الفرق الضالة -وقد ألمح إلى تكفيرهم-:

– مشبهـــــة ، مجسمة ؛ لأنهم أثبتوا الصفات بمعانيها ،

– قائلون بخلق القرآن ؛ لأنهم يقررون -معتقدين- أن كلام الله حادث الآحاد .

6] سبب انحراف الناس -بعد القرون الأولى- وتركهم السير على على عقيدة الأشاعرة -أو المفوضة- في إثبات صفات الله هو اتباعهم : “ابن تيمية” ؛ الذي فسر الصفات على ظاهرها ، وخالف الحق في هذه المسألة .

7] علماء الدعوة السلفية النجدية مضطربون في العقيدة ؛ كابن إبراهيم ، وابن عثيمين ، وابن جبرين ، … ،

8] ختم مقطعة المذكور بخلاصة جامعة ، يقول فيها : العلماء ثلاثة أنواع :

النوع الأول : علماء أجلاء انطوى جمهور أهل السنة ، والجماعة تحت لوائهم ، وكان من أبرزهم الإمام أحمد ابن حنبل ، وإليه ينسب متقدمو الحنابلة ؛ (أي : المفوضة) .

النوع الثاني : الإمام أبو الحسن الأشعري ، وإليه ينسب الأشاعرة ، من فقهاء المالكية ، والشافعية ، والإمام أبو منصور الماتريدي ، وإليه ينسب الماتريدية ؛ من فقهاء الحنفية ، (أي : المؤولة) .

النوع الثالث : بقية علماء المذاهب الفقهية ، وهم شرذمة شاذة ، مترنحون ما بين : اعتزال ، وتجسيم .

التَّعْلِيْقُ :

بعد إيراد هذا الملخص -لما ذكره داعية الأشاعرة في مقطعه المذكور- أريد أن أشير إلى ما يلي :

1)   هذا الملخص هو -مني- ملخص صريح لما ذكر في المقطع ، إذ المستمع له بهدوء ، وروية لن يجد الصدق ، والصراحة التي توصله إلى المراد بسهولة ؛ لأن المكر ، ولي الكلام ، ولبس الحق بالباطل ، ونفث الشبهات السامة ، واتباع المتشابه واضح من خلال عباراته ، وسرد تقريراته ، ونقولاته ، وهذه الأمور -ومثلها- معروفة عند أهل الأهواء ، فإنهم قد “عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مخالفون للكتاب ، مختلفون في الكتاب ، مجتمعون على مفارقة الكتـــــاب ، يقولون على الله ، وفي الله ، وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ؛ فنعوذ بالله من فتن المضلين”[2]، فصاحب المقطع وإن لانت عباراته فيه ، وتظاهر بالسكينة ، والوقار ، والهدوء إلا إن أقواله “عند التقلب في أنيابها العطب” .

2)  وأخطر ما في مقطعه -هذا- هو تعطيل نصوص الصفات عن مرادها بالتأويل ، والتفويض ، زاعماً أنه يريد التنزيه ، وفي حقيقته التعطيل ، “وطريقُ أهل الضلال ، والبدع أنهم يجعلون الألفاظ التي أحدثوها ، ومعانيها هي الأصل ، ويجعلون ما قاله الله ، ورسوله تبعًا لهم ؛ فيردُّونها بالتأويل ، والتحريف إلى معانيهم”[3].

3)  واضح من خلال المقطع المذكور أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الرحمن ، وأسكنه فسيح الجنان- قد أصاب أهل الأهواء في مقتل ، لقد جن جنونهم من حججه السلفية ، وإلزاماته الأثرية ، والتي تتابع متقدموهم ، ومعاصروهم على أن يجدوا طريقًا إلى القدح فيها فلم يجدوا لذلك سبيلاً ، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل ؛ لقد أيده ربه ومولاه ، ثبته ، وأعلا به كلمته ، ونصر به الإسلام ، والسنة ؛ فجزاه الله خيرًا كفاء ما قام به ، وجمعنا به في أعالي الجنان ، مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، اللهم آمين . 

سنكمل في الحلقة التالية -إن شاء الله- .



(1) وهذا رابطه : [https://youtu.be/ifT5_5Hg3pQ] .

(2) الرد على الجهمية ؛ للإمام أحمد ، ص : (5) .

(3) مجموع الفتاوى ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية (17/355) .

%d