القائمة إغلاق

“الدِّفَاعُ عَنْ عَقِيْدَةِ الْمُوَحِّدِيْنَ مِنْ إِغْوَاءِ الْمُضِلِّيْنَ ، وَدَعَاوَى الْمُشَبِّهِيْنَ” .

دِفَاعٌ سُنِّيٌّ ، وَرَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى دَاعِيَةٍ مِنْ دُعَاةِ الْبِدَعِ فِيْ بِلَادِنَا -وَخَارِجِ بِلَادِنَا- الصَّوُفِيِّ الْأَشْعَرِيِّ : “عَبْدِ الْإِلَهِ الْعَرْفَجِ” ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَقْطَعٍ مَرْئِيٍّ مُنْتَشِرٍ لَهُ ، يُشَارِكُ فِيْهِ -عَنْ بُعْدٍ- طَائِفَتَهُ الْأَشْعَرِيَّةَ فِيْ مُؤْتَمَرٍ مَعْقُوْدٍ لَهُمْ فِيْ دَوْلَةِ “لِيْبِيَا” .

-الحلقة الخامسة-

         نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

(مُقَدِّمَةٌ)

هذه هي الحلقة الخامسة في الرد على داعية الأشاعرة “العرفج” ، وسنخصص هذه الحلقة -إن شاء الله- في الدفاع عن الإمام أحمد رحمه الله ، ورد ، ودفع الشبهات التي افتراها عليه ، ثم سنتبعه بالدفاع عن بقية الأئمة ؛ الذين تقول عليهم بأنهم مؤولة للصفات ، أو مفوضة لها ،  

فنقول ، وبالله التوفيق :

الْبَابُ الثَّالِثُ :

بَرَاءَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُفَوِّضَةِ الْمُبْتَدَعِ ، وَفِيْهِ الْجَوَابُ عَلَى شُبُهَاتِ الْمُشَبِّهِيْنَ فِيْ ذَلِكَ .

لنبدأ :

(أَوَّلًا) :

رَدُّ ، وَدَفْعُ الِاْفْتِرَاءَاتِ الَّتِيْ اِفْتَرَاهَا دَاعِيَةُ الْأَشَاعِرَةِ “الْعَرْفَجُ” عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ .

الْفِرْيَةُ الْأُوْلَى :

زَعْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ بِمَا تَقُوْلُهُ الْمُفَوِّضَةُ ، مِنْ أَنَّ مَعَانِي الصِّفَاتِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى ،

فقد أورد في مقطعه -المذكور آنفًا- :

قَوْلَهُ : “فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن أحاديث التي تروى : أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ، وأن الله يُرى ، وأنه يضع قدمه ، وما أشبهه ، فقال : نؤمن بها ، ونصدق بها ، ولا كيف ، ولا معنى ، ولا نرد منها شيئاً” .

 التَّعْلِيْقُ :

     “أَصْلُ ضَلَالِ بَنِي آدَمَ مِن الألفاظ المـجملة ، والمعاني المشتبهة ، ولا سيَّما إذا صـادفـت أذهـانًا سقيمة ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى ، وتعصب”[1]؛ فالتعلق بها -أي : بالألفاظ المجملة ، والمعاني المشتبهة- في النصوص الشرعية ، وكلام أهل العلم هي طريقة أهل الأهواء في بث الشبهات ، وتزييف الحقائق ؛ لإضلال العباد ، ونشر الفساد في البلدان ، وهذا عينه هو الذي فعله داعية الأشاعرة “العرفج” ، حين أتى إلى نصوص لأئمة الإسلام حمالة لوجوه من المعاني فحملها على معنى محدد أراده -هو ، وأتباعه في حزبه- وخرج بنتيجة مفادها أن الأئمة يعتقدون بهذه العقيدة ، أو بتلك ، ولو أنه أنصف ورجع إلى الصريح ، والمبين من أقوالهم ، وحمل المجمل منها على الصريح فيها لحمد قوله ، وسلم من تبعة المؤاخذة ، و:

أَنَا فِيْ تَعْلِيْقِي هُنَا -على هذه الفقرة- سأستخدم هذه الطريقة -وهي طريقة حمل غير الصريح على الصريح ؛ من أقوال الإمام أحمد ، أو غيره من العلماء رحمهم الله- لأبرئ ساحتهم مما ألصقه بهم داعية الأشاعرة هذا .

     وأما الرد على الفقرة السابقة فسيكون في النقاط التالية :

أَوَّلًا : مر بنا في الحلقة السابقة نقل إجماع السلف على أن المعاني تحمل على ظاهرها المعروف في اللغة ، وأما الكيف فلا يعلمه إلا الله ؛ كما نقل ذلك السجزي ، وأبو عثمان الصابوني ، وابن عبد البر ، والبغوي ، وغيرهم كثير ، رحمهم الله جميعًا ، فهذه عقيدة السابقين الأولين من الصحابة ، ومن تبعهم بإحسان ، فهموها من كلام الله ، وكلام رسوله فهماً لا مرية فيه .

ثانيًا : مر بنا -كذلك- النقل الصريح من كلام الإمام أحمد على بعض نصوص الصفات ، وأنه أراد بذلك ظاهرها ، من مثل :  

قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -وقد سأله ابنه عبد الله عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ؟- فقال : بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت”[2]،

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ -وقيل له : واللَّه تعالى فوق السماء السابعة ، على عرشه ، بائن من خلقه ، وقدرته ، وعلمه بكل مكان ؟- قال : نعم ، على عرشه ، لا يخلو شيء من علمه”[3]،

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ : -وقد سئل : ما تقول فيمن يقول : إن اللَّه ليس على العرش ؟- قال : كلامهم كله يدور على الكفر”[4].

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ : “من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75] مشددة”[5].

ونزيد هنا :

قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:280ه) -من تلاميذ الإمام أحمد رحمه الله- في مسائله المشهورة ، قال في بدء تقرير معتقد السلف : “ هذا مذهب أئمة العلم ، وأصحاب الأثر ، وأهل السنة المعروفين بها ؛ المقتدى بهم فيها ، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق ، والحجاز ، والشام ، وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب ، أو طعن فيها ، أوعاب قائلها فهو مبتدع ، خارج من الجماعة ، زائل عن منهج السنة ، وسبيل الحق ، وهو مذهب أحمد ، وإسحاق ابن إبراهيم بن مخلد ، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وسعيد بن منصور ، وغيرهم ممن جالسنا ، وأخذنا عنهم العلم ؛ فكان من قولهم : الإيمان قول ، وعمل ، ونية ، وتمسك بالسنة ، …

إِلَى أَنْ قَالَ : وخلق الله سبع سماوات ؛ بعضها فوق بعض ، وسبع أرضين ؛ بعضها أسفل من بعض ، وبين الأرض العليا ، والسماء الدنيا مسيرة خمس مائة عام ، وبين كل سماء بين مسيرة خمس مائة عام ، والماء فوق السماء السابعة ، وعرش الرحمن فوق الماء ، والله تبارك وتعالى على العرش ، والكرسي موضع قدميه ، وهو يعلم ما في السماوات السبع ، وما في الأرضين السبع ، وما بينهن ، وما تحتهن ، وما تحت الثرى ، وما في قعر البحار ، ومنبت كل شعرة ، وكل شجرة ، وكل زرع ، وكل نبت ، ومسقط كل ورقة ، وعدد ذلك كله ، وعدد الحصا ، والرمل ، والتراب ، ومثاقيل الجبال ، وقطر الأمطار ، وأعمال العباد ، وأثارهم ، وكلامهم وأنفاسهم ، وتمتمتهم ، وما توسوس به صدورهم ، يعلم كل شيء ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو على العرش ، فوق السماء السابعة ، …

وَقَالَ : فإن احتج مبتدع ، أو مخالف ، أو زنديق بقول الله تبارك ، وتعالى اسمه : {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]، وبقوله : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}[الحديد:4] ، وبقوله : {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}[المجادلة:7] ، ونحو ذلك من متشابه القرآن ، فقل : إنما يعني بذلك العلم ؛ لأن الله تبارك ، وتعالى على العرش ، فوق السماء السابعة العليا ، يعلم ذلك كله ، وهو بائن من خلقه ، لا يخلو من علمه مكان ، … ،

وَقَالَ : وينزل كل ليلة ، إلى السماء الدنيا ؛ كيف شاء ، وكما شاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيْرُ}[الشورى:11] ، وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، ويرعيها ما أراد ، وخلق آدم بيده على صورته ، والسماوات ، والأرضون يوم القيامة في كفه ، وقبضته ، ويضع قدمه في جهنم فتزوى ، ويخرج قوم من النار بيده ، وينظر أهل الجنة إلى وجهه ، يزورونه فيكرمهم ، ويتجلى لهم فيعطيهم ، ويُعرض عليه العباد يوم الفصل والدين فيتولى حسابهم بنفسه لا يولي ذلك غيره – عز ربنا وجل وهو على ما يشاء قدير ، …” [6].

فَيَا دَاعِيَةَ الْأَشَاعِرَةِ :

هل من يقول : إن الله في العلو ، بائن من خلقه ، مستو على عرشه ، وعرشه في العلو ، فوق السماء السابعة ،

وأنه -جل وعلا- يتكلم بصوت ، وحرف ،

وأن له -سبحانه- يدين ، صفتان ثابتتان بالكتاب ، والسنة- لا تؤولان بالنعمة ، ولا بغيرها ، 

هل من يقول ذلك -يا داعية الأشاعرة- يكون من مفوضة الصفات ؟!!

وهذا ينسحب على كل الصفات الإلهية ، فإنه -رحمه الله تعالى- يعتقد فيها ما اعتقده السلف الصالح ؛ من إجرائها على ظاهرها ، والكف عن تكييفها ، أو ذكر معنى يخالف ظاهرها .

ثَالِثًا : فإذا عرفنا ما مضى استطعنا أن نفسر ما نقل عن أحمد رحمه الله من ألفاظ مجملة ، لا صراحة فيها .

فما نقله داعية الأشاعرة عن الإمام أحمد -إن صح عنه[7]– وهو قَوْلَهُ : “فقد سئل الإمام أحمد ابن حنبل عن الأحاديث التي تروى : أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ، وأن الله يُرى ، وأنه يضع قدمه ، وما أشبـهه ، فقال : نؤمن بـها ، ونصـدق بـها ، ولا كيف ، ولا معـنى ، ولا نرد منها شيئاً” ؛ فـ:

إِنَّهُ يُفَسَّرُ بِمَا يَلِي :

نؤمن بصفات الله ، ونصدق بها ، ولا كيف ، ولا معنى يخالف ظاهرها ، على نحو ما أولت به المعطلة يد الله بالنعمة ، وكلامه بالكلام النفسي ، ونزوله بنزول أمره ، واستواءه على عرشه بالاستيلاء ، ونحو ذلك من نصوص الصفات ، بل يمرها -رحمه الله- كما جاءت ، وهذه النصوص إنما جاءت حين جاءت باللسان العربي المبين ، الفصيح ، المعقول ، المفهوم ، بخلاف كيفيته ، فإنه لا يعرف كيف هو الله إلا الله ، هذا اعتقاد أحمد ، وغيره من السلف ، ومن سار على طريقهم ، أما المخالفون ، المختلفون فقد عطلوها بـ: التشبيه ، أو التأويل ، أو التفويض ، فضلوا عن سواء السبيل ، والحمد الله العفو والعافية ، ومما يؤيد ما قلناه هنا :

قَوْلُ اِبْنِ قُتَيْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ (ت:276ه) : “الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله حيث انتهى في صفته ، أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا نزيل اللفظ عمَّا تعرفه العرب ، وتضعه عليه ، ونمسك عمَّا سوى ذلك”[8].

وَقَوْلُ اِبْنِ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:463ه) : “أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن ، والسنة ، والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة ، لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع ، والجهمية ، والمعتزلة كلها ، والخوارج ؛ فكلهم ينكرها ، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة”[9].

وَقَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ الْكَرْجِيِّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:489ه) : “وكل صفة وصف بها نفسه ، أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقية لا مجازية”[10].

وَقَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ (ت:535ه) -وقد سئل عن صفات الله تعالى- فقال : “مذهب مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وإسحاق بن راهويه : أن صفات الله التي وصف بها نفسه ، أو وصفه بها رسوله ؛ من السمع ، والبصر ، والوجه ، واليدين ، وسائر أوصافه ، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور ، من غير كيف يتوهم فيه ، ولا تشبيه ، ولا تأويل ، قال سفيان بن عيينة : «كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره» ، أي : على ظاهره ، لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل”[11]،

قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه ، وأنه لا يسكت عن بيانه ، وتفسيره ، بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة ، من غير تحريف له عن مواضعه ، أو إلحاد في أسماء الله ، وآياته”[12].

وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “أما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه ، وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر عنها ، وذلك في حق الله : هو كنه ذاته ، وصفاته التي لا يعلمها غيره ، ولهذا قال مالك ، وربيعة وغيرهما : «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول» ،  وكـذلـك قـال ابـن الماجـوشون ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما من السلف ، يقولون : «إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه ، وإن علمنا تفسيره ، ومعناه”[13].

وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “والمنتسبون إلى السنة من الحنابلة ، وغيرهم الذين جعلوا لفظ التأويل يعم القسمين -يعني : النفي ، والإثبات في صفات الله تعالى- يتمسكون بما يجدونه في كلام الأئمة في المتشابه ؛ مثل قول أحمد -في رواية حنبل «لا كيف ، ولا معنى» ، ظنُّوا أن مراده أنَّا لا نعرف معناها ، وكلام أحمد صريح بخلاف هذا في غير موضع ، وقد بين أنه إنما ينكر تأويلات الجهمية ، ونحوهم الذين يتأولون القرآن على غير تأويله ، وصنف كتابه في : «الرد على الزنادقة ، والجهمية فيما أنكرته من متشابه القرآن ، وتأولته على غير تأويله» ، فأنكر عليهم تأويل القرآن على غير مراد الله ، ورسوله ، وهم إذا تأولوه يقولون : معنى هذه الآية كذا ، ، والمكيفون يثبتون كيفية ؛ يقولون: إنهم علموا كيفية ما أخبر به من صفات الرب ؛ فنفى أحمد قول هؤلاء ، وقول هؤلاء ؛ قول المكيفة الذين يدعون أنهم علموا الكيفية ، وقول المحرفة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويقولون : معناه كذا ، وكذا”[14].

الْفِرْيَةُ الثَّانِيَةُ :

زَعْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ يُثْبِتُ صِفَاتٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طَرِيْقَةِ السَّلَفِ ،

فقد أورد في مقطعه -المذكور آنفًا- :

قَوْلَهُ : “ونص الإمام أبو بكر الخلال على جملة اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل ؛ بأن الله واحد ، لا يجوز عليه التجزؤ ، والقسمة ، وأن يديه صفة له ، وليست جارحتين ، ولا مركبتين ، وأن استواءه ليس بماسة ، ولا ملاقاة ، وأن الله لا يلحقه تغير ، ولا تبدل ، ولا تلحقه الحدوث قبل العرش ، ولا بعد خلق العرش ، وأنكر على من يقول بالجسم ، لأن أهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول ، وعرض ، وسمك ، وتركيب ، وصورة ، وتأليف ، والله تعالى منزه عن ذلك كله … ، ومن الجدير بالذكر أن طريقة  السلفية في تقرير الصفات هي النفي المجمل والإثبات المفصل ، وهذا الإمام أحمد يخالفهم على التفصيل ، التجزء ، والجارحة ، والتركيب ، والمماسة ، والتغير ، والحدوث ، والجسمية ، وغيرها” ،

التَّعْلِيْقُ :

سنجيب على هذه الفقرة بما يلي :

أَوَّلًا : المطلع على نصوص الإمام أحمد رحمه الله في الصفات يعرف تحريه الشديد ، وتوقيه من أن يأتي بألفاظ لم ترد بها الشريعة ، انظر -مثلاً- ما :

     قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ الْمَرُّوْذِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:275) ، قَالَ : سألت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل رحمه اللَّه عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات ، والأسماء ، والرؤية ، وقصة العرش ؟ فصححها ، وقال : تلقتها العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت”[15].

وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : أرسل أبو بكر ، وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد اللَّه يستأذنانه في أن يحدثا بهذِه الأحاديث التي تردها الجهمية ، فقال أبو عبد اللَّه : حدثوا بها ، فقد تلقاها العلماء بالقبول ، وقال أبو عبد اللَّه : تسلم الأخبار كما جاءت”[16]،

والسني المتتبع لأقوال أحمد رحمه الله يوقن أن هذا النقل ليس من جملة أقواله ، بل هي محكية ، مروية عنه رحمه الله ، على وفق فهم صاحبها ، وقد نقل جمع من طلابه ، وأبنائه مقولاته الكثيرة في العقيدة ، لم يكن هذه منها ، بل هو من رواية أبو الفضل التميمي ؛ عبد الواحد بن عبد العزيز ، وهو من جملة التميميين الحنابلة ، المتأثرين بالكلابية ، والأشاعرة ،

يَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “ فلا بد في الطوائف المنتسبة إلى السنة والجماعة من نوع تنازع ، لكن لا بد فيهم من طائفة تعتصم بالكتاب ، والسنة ؛ كما أنه لا بد أن يكون بين المسلمين تنازع ، واختلاف ، لكنه لا يزال في هذه الأمة طائفة قائمة بالحق ، لا يضرها من خالفها ، ولا من خذلها حتى تقوم الساعة ، ولهذا لما كان أبو الحسن الأشعري ، وأصحابه منتسبين إلى السنة والجماعة كان منتحلًا للإمام أحمد ، ذاكرًا أنه مقتد به متبع سبيله ، وكان بين أعيان أصحابه من الموافقة ، والمؤالفة لكثير من أصحاب الإمام أحمد ما هو معروف ، حتى إن أبا بكر عبد العزيز يذكر من حجج أبي الحسن في كلامه مثل ما يذكر من حجج أصحابه ؛ لأنه كان عنده من متكلمة أصحابه ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَائِلِيْنَ إِلَيْهِمْ التَمِيْمِيُّوْنَ : أبو الحسن التميمي ، وابنه ، وابن ابنه ، ونحوهم ؛ وكان بين أبي الحسن التميمي ، وبين القاضي أبي بكر بن الباقلاني من المودة ، والصحبة ما هو معروف مشهور ؛ ولهذا اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد -لما ذكر اعتقاده- اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي ، وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه ؛ ولم يذكر فيه ألفاظه ، وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه ، وجعل يقول : «وكان أبو عبد الله» ، وهو بمنزلة من يصنف كتابًا في الفقه على رأي بعض الأئمة ، ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ، ورآه وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه ، وأفهم لمقاصده ؛ فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة ، ومن المعلوم أن أحدهم يقول : حكم الله كذا ، أو حكم الشريعة كذا ، بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة ؛ بحسب ما بلغـــه ، وفهمه ، وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة ، وأعماله ، وأفهم لمراده ، فهذا أيضًا من الأمور التي يكثر وجودها في بني آدم ، ولهذا قد تختلف الرواية في النقل عن الأئمة ؛ كما يختلف بعض أهل الحديث في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم ، فلا يجوز أن يصدر عنه خبران متناقضان في الحقيقة ، ولا أمران متناقضان في الحقيقة إلا وأحدهما ناسخ ، والآخر منسوخ ، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمعصوم”[17].

ثانيًا : الكتاب المنقول منه تلك العبارة المحتفى بها من قبل داعية الأشاعرة “العرفج”  كتاب اسمه : “العقيدة ، برواية أبي بكر الخلال” -وله أسماء متعددة أخرى-  وفي صحة نسبته إلى الإمام أحمد نظر ؛ كما قدمنا ؛ لأنه ضم بعض عبارات ليست جارية على منهاج السلف ، ولم يعهد من أحمد رحمه الله أن يقول بمثلها ، هذا في شأن المتن ، أما السند فهناك انقطاع بين التميمي ، وأبي بكر الخلال رحمه الله .

ولا بد أن نعلم -أيضًا- أن هذا الكتاب ليس هو كتاب : “السنة” ، للخلال رحمه الله ، فإنه كتاب له شأنه في المكتبة العقدية ؛ كما هو معروف .

ثَالِثًا : في العبارة التي أوردها داعية الأشاعرة في مقطعه -المذكور آنفًا- ألفاظ مجملة ، مع أخطاء أخرى سنتكلم عليها -مع غيرها- قريباً ، إن شاء الله .  

فَإِذًا نَخْلُصُ مِنْ هَذَا :

أن العبارة المنقولة عن أحمد -رحمه الله- لا اعتبار لها في الميزان العلمي ؛ لضعف نسبتها إليه رحمه الله ، خاصة إذا علمنا أن قائلها له علاقة وثيقة بالأشاعرة ، والكلابية ، ومتأثر بهم .

(ثَانِيًا) :

الدِّفَاعُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ ؛ الَّذِيْنَ تَقَوَّلَ عَلَيْهِمْ دَاعِيَةُ الْأَشَاعِرَةِ “الْعَرْفَجُ” بِأَنَّهُمْ مُؤَوِّلَةٌ لِلصِّفَاتِ ، أَوْ مُفَوِّضَةٌ لَهَا ، أَوِ اِدَّعَى عَلَيْهِمْ بِدَعَوَاتِ بَاطِلَةٍ غَيْرِهَا .

الْفِرْيَةُ الْأُوْلَى :

زَعْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ يَقُوْلُ بِمَا تَقُوْلُهُ الْمُفَوِّضَةُ ، مِنْ أَنَّ مَعَانِي الصِّفَاتِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى ،

فقد أورد في مقطعه -المذكور آنفًا- :

قَوْلَهُ : “ثم ادعوا أن علماء الأشاعرة المتمذهبين بالمذاهب الفقهية مخالفون لأئمة مذاهبهم في العقيدة ، موافقون لهم في الفروع ، وقد نقضنا في هذا البحث ما يتعلق بالإمام الشافعي عندما نسبوا إليه عقيدة برواة الضعفاء ، والمتروكين ، والوضاعين ، مع أنه صرح فيها بأن معاني الصفات لا تدرك حقيقتها بالفكر ، والروية ، وهو عين عقيدة التفويض ، متفقة مع قوله : “آمنت باللهِ ، وبما جاء عن اللهِ على مرادِ اللهِ ، وآمنت برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، وبما جاء عن رسولِ اللهِ على مرادِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم” ، ومن الثابت عنه أوَّل الوجه في قول الله : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة:115] ، بمعنى : فثم الوجه الذي وجههكم الله إليه” .

التَّعْلِيْقُ :

سنجيب على هذه الفقرة بما يلي :

أَوَّلًا : بينا في الحلقة السابقة أن الأئمة الأربعة رحمهم الله سائرون على منهاج السابقين الأولين في الاعتقاد ، من حيث إثباتهم الصفات على ظاهرها المعروف في اللغة ، وذكرنا ذلك من طريقين :

الطريق الأولى : نقل إجماع السلف ؛ والذي يدخلون فيه ضمناً ، وسننقل شيئًا منها في جوابنا على الفرية الثانية ، إن شاء الله .

والطريق الثانية : أقوال لهم صريحة في طريقة إثباتهم للصفات ، وقد ذكرنا من أقوال الشافعي رحمه الله :

قَوْلَهُ رَحِمَهُ اللهُ : “القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت أصحابنا عليها ؛ أهل الحديث الذين رأيتهم ، وأخذت عنهم ؛ مثل : سفيان ، ومالك ، وغيرهما : الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن اللهَ تعالى على عرشه ، في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء ، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ؛ كيف شاء”[18]،

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ -حاكماً للمسلم المعترف بأن الله في السماء بأنه من أهل الإيمان- قال : “والله تعالى أعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة إلا مؤمنة … ، وإنما رد الله عز ذكره أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين ؛ فمن أعتق في ظهار غير مؤمنة فلا يجزئه ، وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة ، قال : وأحب إلي أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة ؛ فإن كانت أعجمية فوصفت الإسلام أجزأته ، أخبرنا مالك ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم ، أنه قال : «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي ، فَجِئْتهَا وَفَقَدَتْ شَاةً مِنْ الْغَنَمِ ، فَسَأَلْتهَا عَنْهَا ، فَقَالَتْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ ، فَأَسِفْت عَلَيْهَا ، وَكُنْت مِنْ بَنِي آدَمَ ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا ، وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأَعْتِقُهَا ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ اللَّهُ ؟ فَقَالَتْ : فِي السَّمَاءِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنَا ؟ فَقَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَعْتِقْهَا»[19].

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ -في قول الله عزَّ وجلَّ : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين:15]- أعلمنا بذلك أن ثم قوماً غير محجوبين ، ينظرون إليه ، لا يضامون في رؤيته ، وهو المؤمنون”[20].

وَفِيْ لَفْظٍ لَهُ رَحِمَهُ اللهُ -في تفسير الآية السابقة- قَالَ : “فلما حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلاً على أنه يرونه في الرضا ، قال الربيع : قلت يا أبا عبد الله : وبه تقول ؟ قال : نعم ، به أدين اللهَ”[21]،

ونزيد هنا :

قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ : “والقرآن على ظاهره ، حتى تأتي دلالة منه ، أو سنة ، أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر”[22].

وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللهُ : “وأنه على ظاهره ، ولا يحال إلى باطن ، ولا خاص إلا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا عن غيره”[23].

وأقول -كما قلت سابقاً- : فهل من يقول -يا داعية الأشاعرة- : إن الله تعالى على عرشه ، في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء ، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ؛ كيف شاء يكون من المفوضة ؟!

ثَانِيًا : نعم ، كثير من المتمذهبة -خاصة المتأخرين منهم- انتسبوا إلى أئمتهم في الفروع ، وخالفوهم في أصول الاعتقاد ، وكثير منهم ثبت على معتقده ، ولم ينتسب إلى الأشعري ، وهذا أمر مشهور لا أريد أن أقف عنده طويلاً .

يَقُوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت:532ه) : “وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني الشافعي (ت:406ه)- شديد الإنكار على الباقلاني ، وأصحاب الكلام ، قال : ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ، ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبـه عليه ، وينهـون أصحـابهم ، وأحبابهم عن الحوم حواليه ، على ما سمعت عدة من المشايخ ، والأئمة ؛ منهم : الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي ، يقولون : سمعنا جماعة من المشايخ الثقات ، قالوا : كان الشيخ أبو حامد ؛ أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني ؛ إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا ، وأصحابًا ، إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي ، المحاذي للجامع ، ويقبل على من حضر ، ويقول اشهدوا علي : بأن القرآن كلام الله ، غير مخلوق ؛ كما قاله الإمام ابن حنبل ، لا كما يقوله الباقلاني ، وتكرر ذلك منه جمعات ، فقيل له في ذلك فقال : حتى ينتشر في الناس ، وفي أهل الصلاح ، ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه -يعني : الأشعرية- وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني ، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ، ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه ، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة ، فيظن ظان أنهم مني تعلموه قبل ، وأنا ما قلته،  وأنا بريء من مذهب البلاقلاني ، وعقيدته”[24].

وَيَقُوْلُ الْوَزِيْرُ اِبْنُ هُبَيْرَةَ رَحِمَهُ اللهُ (ت:560 ه) : “والله ما نترك أمير المومنين علي بن أبى طالب مع الرافضة ، نحن أحق به منهم ؛ لأنه منَّا ، ونحن منه ، ولا نترك الشافعي مع الأشعرية ، فإنًّا أحق به منهم”[25].

ثَالِثًا : لا أدري ما يقصد بـ: “العقيدة” ؛ المنسوبة إلى الشافعي ؟ فإن كان يقصد -وهو الظاهر لأن ما نقله جاء فيها- العقيدة المسماة : “اعتقاد الإمام الشافعي” ، فصحيح نسبتها إليه رحمه الله ؛ فقد رويت عنه بعدة طرق ؛ أصحها ما رواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول : “لله أسماء وصفات …” فذكر عقيدته[26]، وهذا سند صحيح ، لا مرية فيه ، وقد اعتمد هذه العقيدة أئمة جهابذة ، مقرين بما فيها ؛ كابن أبي حاتم الرازي (ت:327ه) ، وأبي طاهر السلفي (ت:576ه) ، والذهبي (ت:748ه) ، وابن القيم (ت:751ه) ، والألوسي (ت:1342ه) ، رحمهم الله الجميع[27].

وسأتكلم عن المنقول عنه -رحمه الله- ، ومدى موافقته لمذهب المفوضة ، أو المؤولة ، فـ :

أَمَّا قَوْلَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَ رَحِمَهُ اللهُ صَرَّحَ فِيْهَا : بِأَنَّ مَـعَانِيَ الصِّــفَاتِ لَا تُـدْرَكُ حَقِيْقَتَهَا بِالْفِكْرِ … ، وأنه متفق مع قوله رحمه الله : «آمنت باللهِ ، وبما جاء عن اللهِ على مرادِ اللهِ ، وآمنت برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، وبما جاء عن رسولِ اللهِ على مرادِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم»” ، فـ:

أَقُوْلُ : هذه من الألفاظ المجملة ، التي تفسر على جادته السلفية ، فيكون معنى العبارة -إن صحت عنه- رحمه الله : معاني الصفات لا تدرك حقيقة كنهها ، وكيفيتها بالفكر … ، وبهذا التفسير تتفق عبارته مع قوله -رحمه الله- : «آمنت بالله ، وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم»” ؛ أي : آمنت بالله ، وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء عن رسول الله ، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ طاعة ، وتسليماً ، لا على مراد الهوى ، والتعصب المذهبي ، فنؤمن بأسماء الله ، وصفاته تعالى الواردة في الكتاب والسنة ، على نحو ما جاء فيهما ، بالمعنى ، واللغة الذي أمرنا أن نفهم القرآن ، والسنة من خلالها ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}[الزمر:28] ، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس معاني جميع ما جاء في القرآن فقال : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:44] ، وأما الكيفيات الغيبية فنؤمن بها إجمالاً ، على معنى ما جاء فيهما ، أما حقيقتها ، وكيفيتها فلا يعلمها إلا الله ؛ لأنها في علم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى ؛ فالجنة ، والنار ، وأحداث يوم القيامة ، ونحوها -وما فيها- من أمور الغيب لا يعلم كنهه ، وكيفيته إلا الله ، أما المعاني فهي معلومة ، معروفة ، معقولة ، فكل عاقل يعلم أن في الجنة أشجارًا ، وأنهارًا ، وطعامًا ، وشرابًا ، ويعلم معناها ، لكن لا أحد يعرف كيفية هذه الأشجـار ، والأنهـار ، والطعـام ، والشـراب ؛ لأنها من أمور الغيب ، على حد قوله المصطفى صلى الله عليه وسلم -فيما يرويه عن ربه تعالى- : “ قَالَ اللَّهُ : «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَؤُوْا إِنْ شِئْتُمْ : {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:17]”[28]، وكذلك الله ، فالله تعالى قد احتجب ع خلقه ، فلن يروه إلا في الآخرة ، فكيفيات صفاته -جل وعلا- لا يعلمها إلا هو ، سبحانه وتعالى .

قَالَ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:279ه) : “وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث -أي : حديث : «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ»[29] وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ،  ونزول الرب تبارك ، وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، قالوا : قد تثبت الروايات في هذا ، ويؤمن بها ، ولا يتوهم ، ولا يقال : كيف ، هكذا روي عن مالك ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ؛ أنهم قالوا في هذه الأحاديث : «أمروها بلا كيف» ، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا : «هذا تشبيه» ، وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه : اليد ، والسمع ، والبصر ، فتأولت الجهمية هذه الآيات ؛ ففسروها على غير ما فسر أهل العلم ، وقالوا : «إن الله لم يخلق آدم بيده» ، وقالوا : «إن معنى اليد هاهنا القوة » ، وقال إسحاق بن إبراهيم : «إنما يكون التشبيه إذا قال : يد كيد ، أو مثل يد ، أو سمع كسمع ، أو مثل سمع ، فإذا قال : سمع كسمع ، أو مثل سمع ، فهذا التشبيه ، وأما إذا قال كما قال الله تعالى : يد ، وسمع ، وبصر ، ولا يقول : كيف ، ولا يقول : مثل سمع ، ولا كسمع ، فهذا لا يكون تشبيهًا ، وهو كما قال الله تعالى في كتابه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيْرُ} [الشورى: 11]”[30].

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “فالقول في صفاته كالقول في ذاته ، والله تعالى ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها ، فعلم الله ، وكلامه ، ونزوله ، واستواؤه هو كما يناسب ذاته ، ويليق بها ، كما أن صفة العبد هي كما تناسب ذاته ، وتليق بها ، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته ؛ ولهذا قال بعضهم : إذا قال لك السائل : كيف ينزل ، أو كيف استوى ، أو كيف يعلم ، أو كيف يتكلم ، ويقدر ، ويخلق؟ فقل له : كيف هو في نفسه ؟ فإذا قال : أنا لا أعلم كيفية ذاته ؛ فقل له : وأنا لا أعلم كيفية صفاته ، فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف”[31].    

وَأَمَّا قَوْلَهُ : “وَمِنَ الثَّابِتِ عَنْهُ أَنَّهُ أَوَّلَ الْوَجْهَ فِيْ قَوْلِ اللهِ : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة:115] ، بمعنى : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه” ، فهذه الآية مما اختلف فيه السلف -ومن سار على خطاهم- هل هي من آيات الصفات ، أولا ؟ وممن اختار أنها ليست من آيات الصفات : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[32]؛  

فَعَلَيْهِ أَقُوْلُ :

من قال من السلف -ومن تبعهم بإحسان-: إن {وَجْهُ اللهِ} الوارد في الآية بمعنى الجهة ، لا يكون من مؤولة الصفات ؛ لأنه مما اختلف السلف في تفسيره[33].

وَلْنَفْرِضْ جَدَلًا أن نسبة هذه العقيدة إلى الإمام الشافعي رحمه الله غير صحيح فكان ماذا ؟ نحن نقلنا إجماع السلف على المعتقد السلفي الصحيح ، والشافعي -رحمه الله تعالى- معدود منهم ، ثم إنه قد ثبت للشافعي رحمه الله كلام في المعتقد غير موجود في معتقده المنسوب إليه ، وقد نقلت -شيئاً لا بأس به- منه .

لَكِنِ الْغَرِيْبُ مِنْ دَاعِيَةِ الْأَشَاعِرَةِ هَذَا -فِيْ مَقْطَعِهِ الْمَذْكُوْرِ آنِفًا-أَنَّهُ : أثبت مرة أن الشافعي رحمه الله من المفوضة ، وبعد ثوان معدودة أثبت أنه من المؤولة ؛ فغريب صنيعه -هذا- جداً !!!

لكنا نقول : إنه -رحمه الله- سلفي المعتقد ، ولا يشكك في ذلك إلا أهل الأهواء .

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ عن رجلين اختلفا في الاعتقاد ؛ فقال أحدهما : من لا يعتقد أن الله سبحانه وتعالى في السماء فهو ضال ، وقال الآخر : إن الله سبحانه لا ينحصر في مكان ، وهما شافعيان ، فبينوا لنا ما نتبع من عقيدة “الشافعي” رضي الله عنه ؟ فأجاب :

“اعتقاد الشافعي رضي الله عنه ، واعتقاد سلف الأمة ؛ كمالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه هو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم ؛ كالفضيل بن عياض ، وأبي سليمان الداراني ، وسهل بن عبد الله التستري ، وغيرهم ، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة ، وأمثالهم نزاع في أصول الدين ، وكذلك أبو حنيفة رحمه الله ؛ فإن الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد ، والقدر ، ونحو ذلك موافق لاعتقاد هؤلاء ، واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وهو ما نطق به الكتاب ، والسُّنَّة”[34].

وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “قد وقع فيه طوائف كثيرة من المتأخرين المنتسبين إلى السنة ، والفقه والحديث ؛ المتبعين للأئمة الأربعة ، المتعصبين للجهمية ، والمعتزلة ، بل وللمرجئة أيضًا ، لكن لعدم معرفتهم بالحقائق التي نشأت منها البدع يجمعون بين الضدين ، ولكن من رحمة الله بعباده المسلمين أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق ؛ مثل : الأئمة الأربعة ، وغيرهم ؛ كمالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وكالشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن ، والإيمان ، وصفات الرب ، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف ؛ من أن الله يرى في الآخرة ، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق … “[35].

الْفِرْيَةُ الثَّانِيَةُ :

زَعْمُهُ أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ اِبْنَ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَظْهَرَ مُخَالَفَتَهُ لِلْمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ ؛ بِتَبِنِّيْهِ الْقَوْلَ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِيْ تَفْسِيْرِ نُصُوْصِ الصِّفَاتِ ، ثُمَّ نَسَبَهُ إِلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ .  

فقد أورد في مقطعه -المذكور آنفًا- :

قَوْلَهُ : “لقد كان جمهور فقهاء المذاهب الأربعة معتقدين عقيدة الأشعري ، أو موافقين لها في الجملة ، وقد ضربنا مثالاً على ذلك بمسألة الصفات ، إلى أن أظهر الإمام ابن تيمية مخالفته للإشاعرة ، وكان من مخالفته لهم أنه أثبت الصفات بمقتضى ظاهر اللغة العربية ، ونسبه إلى السلف الصالح ، ووصف عقيدة التفويض شر أقوال أهل البدع ، والإلحاد ؛ لأنها تقتضي أن في القرآن ما لا يعلم أحد معناه إلا الله ، وأن الاعتقاد به يقدح في القرآن الكريم ، والنبي الرسول ، ويمكن رد الكلام بتقـرير أن نصـوص القـرآن لـو كـانـت كلهـا ظاهـرة واضحـة لكانـت آيـاته محكمات ، ولما كان فيها آيات متشابهات ، وهذا مخالف لقول الله عز وجل ، {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ …}[آل عمران:7]”

وَقَوْلَهُ : “وقد تتابع السلفيون على قبول كلام الإمام ابن تيمية ، ثم ادعى بعضهم ؛ كالشيخ محمد ابن عثمين إجماع السلف على إثبات صفات الله بمقتضى ظاهر اللغة العربية ، مع اعترافه بأنه يتعذر أن نجد نقلاً عن السلف -وخصوصًا الصحابة- بأنهم أثبتوا اليد لله نصًا ، وكان استدلاله بالإجماع متكلفاً ؛ ذلك أنه قرر أن القرآن نزل باللسان العربي ، ولم يثبت عن الصحابة ما يخالف ما يتلونه في الليل ، والنهار ، فتوصل إلى أنهم مجمعون على القول بظاهر نصوص الصفات ، أي أن سكوتهم عن تفسيرها صار عنده كتفسيرها على ظاهرها ، فيحق لنا أن نسأل عن الفهم الذي استقر في عقول الصحابة رضي الله عنهم حول نصوص الصفات التي سمعوها ، وقرأوها باللسان العربي ؛ فإن كان واضحاً لهم فلماذا سكتوا عنه ؟ لماذا يفسروه ، ويشرحوه ؟ ألم يقل عبد الله ابن عباس رض الله عنه : «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر» ، ثم استشهد بقول الشاعر : وقامت الحرب بنا عن ساق ، على تفسير الساق بالشدة ، في قوله تعالى : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}[القلم:42]” .

التَّعْلِيْقُ :

سنجيب على هذه الفقرة بما يلي :

أَوَّلًا : القول الصفات بمقتضى ظاهر اللغة العربية ليس هو من اختراع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل هو إجماع للسلف ، وقد تبع شيخ الإسلام رحمه الله في ذلك سلفه الصالحين ، الهداة المهتدين ، المزكين من رب العالمين  ، تبعهم في اعتقادهم في صفات رب السموات والأرضين ، وقد نقلنا -فيما سبق- الإجماع على ذلك ، وسنذكر بها هنا لعله به ينجلي ما وصم على قلوب بعض الناس من الغفلة ، والهوى ،

قَالَ الْإِمَامُ أَبُوْ الْعَبَّاسِ ؛ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ اِبْنِ سُرِيْجٍ الْبَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:303ه) : “حرام على العقول أن تمثل الله ، وعلى الأوهام أن تحده ، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله ، وقد صح عن جميع أهل الديانة ، والسنة إلى زماننا : أن جميع الآي ، والأخبار الصادقة عن رسول الله يجب على المسلمين الإيمان بكل واحد منه ؛ كما ورد … [و] اعتقادنا فيه -أي : فيما وصف الله نفسه- وفي الآي المتشابه في القرآن أن نقبلها ، ولا نردها ، ولا نتأولها بتأويل المخالفين ، ولا نحملها على تشبيه المشبهين ، ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية ، ونسلم الخبر الظاهر ، والآية الظاهر تنزيلها”[36]،

وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُوْ نَصْرٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيْدٍ السِّجْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:444ه) : “وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفاً ، وكذلك شرحها لا يجوز إلا بتوقيف ، فقول المتكلمين في نفي الصفات ، أو إثباتها بمجرد العقل ، أو حملها على تأويل مخالف للظاهر ضلال”[37]،

وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (ت:463ه) : “أهل السنة مجمعون على الإِقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن ، والسنة ، والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة ، لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع ، والجهمية ، والمعتزلة كلها ، والخوارج ، فكلهم ينكرها ، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة ، ويزعمون أنّ من أقر بها مشبه ، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود ، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله ، وسنة رسوله ، وهم أئمة الجماعة ، والحمد لله”[38]،

وَقَالَ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ ؛ أَبُوْ مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُوْدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:516ه) -بعد أن ساق في كتابه “شرح السنة” صفات الله : الأصابع ، والنفس ، والوجه ، واليدين ، والعين ، والرجل ، والإتيان ، والمجيء ، والنزول إلى السماء الدنيا ، والاستواء على العرش ، والضحك ، والفرح ، وغيرها- قال :

“فهـذه ، ونـظائرهـا صفـات لله عـز وجـل ، ورد بـها السمـع ، يجـب الإيـمـان بها ، وإمرارهـا على ظاهرها ، معرضاً عن التأويل ، مجتنباً عن التشبيه ، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق ، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق ، قال الله سبحانه وتعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيْرُ}[الشورى:11] ، وعلى هذا مضى سلف الأمة ، وعلماء السنة ، تلقوها جميعاً بالقبول ، والتسليم ، وتجنبوا فيها عن التمثيل ، والتأويل ، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل ، كما أخبر الله سبحانه ، وتعالى عن الراسخين في العلم ، فقال عز وجل : {وَالرَّاسِخُوْنَ فِيْ الْعِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عمران:7] ….”[39].

ثانيًا : أما ما وصف به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقيدة التفويض بأنها شر أقوال أهل البدع ، والإلحاد ؛ فهذا حق منه ، وصواب رحمه الله تعالى ؛ وسنورد كلامه -رحمه الله- هنا ليتبين للمنصف المراد منه :

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله ، وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها ؛ فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء ، والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ، ولا الملائكة ، ولا السابقون الأولون ، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن ، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه ، بل يقولون كلاماً لا يعقـلون معنـــاه ، وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة ، والنصوص المثبتة للأمر ، والنهي ، والوعد ، والوعيد عند طائفة ، والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة ، ومعلوم أن هذا قدح في القرآن ، والأنبياء ، إذ كان الله أنزل القرآن ، وأخبر أنه جعله هـدي ، وبيـاناً للنـاس ، وأمـر الرسـول أن يبـلغ البـلاغ الـمبين ، وأن يبين للناس ما نزل إليهـم ، وأمر بتدبر القرآن ، وعقله ، ومع هذا ؛ فأشرف ما فيه ؛ وهو ما أخبر به الرب عن صفاته ، أو عن كونه خالقاً لكل شيء ، وهو بكل شيء عليم ، أو عن كونه أمر ، ونهي ، ووعـد ، وتوعد ، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه ، فلا يعقل ، ولا يتدبر ، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ، ولا بلغ البلاغ المبين ، وعلي هذا التقدير فيقول كل ملحد ، ومبتدع : الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي ، وعقلي ، وليس في النصوص ما يناقض ذلك ، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة ، لا يعلم أحد معناها ، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به ، فيبقي هذا الكلام سداً لباب الهدى ، والبيان من جهة الأنبياء ، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول : إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء ، لأنا نحن نعلم ما نقول ، ونبينه بالأدلة العقلية ، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون ؛ فضلاً عن أن يبينوا مرادهم ، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة ، والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد”[40]،

وإن لم يكن في أهل الإلحاد “المفوضة” من شر إلا أنهم عطلوا الله جل وعلا من صفاته التي وصف به نفسه في كتابه ، ووصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته ، لكان كافيًا ؛ لأنهم بذلك افتروا على الله كذبًا ، وقالوا عليه بغير علم ، وهم بذلك قد شابهوا المعتزلة المعطلة الذين أثبتوا لله أسماء مجردة ، لا معاني لها .

ثَالِثًا : وقد رد داعية الأشاعرة “العرفج” على القائلين بمقتضى الظاهر في نصوص صفات الله تعالى ، فقال : “ويمكن رد الكلام بتقـرير أن نصـوص القـرآن لـو كـانـت كلهـا ظاهـرة واضحـة لكانـت آيـاته محكمات ، ولما كان فيها آيات متشابهات ، وهذا مخالف لقول الله عز وجل ، {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ …}[آل عمران:7]” ،

وَالْجَوَابُ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ :

التشابه في هذه الآية لا يراد منه ما تريده أنت ، والمفوضة معك ؛ من أن في القرآن معاني لا تعرف معناها ، ومنها -على زعمكم- معاني نصوص الصفات ، فليس هذا معناه عند السلف ، بل معنى التشابه فيه هو : أن الراسخين في العلم يعلمون تفسير المتشابهات من الآيات ، دون غيرهم من غير الراسحين في العلم ، لكنهم لا يعلمون حقيقة ما يؤول إليه الكلام ، وكنهه ، وكيفيته ؛ من أمور الساعة ، أو أخبار اليوم الآخر ، أو كيفية صفات الله ؛ فهذه لا يعلمها إلا الله ، 

يَقُوْلُ ابن قتيبة رَحِمَهُ اللهُ (ت:276) : ولسنا ممن يزعم أنَّ المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم ، وهذا غلط من متأوليه على اللغة ، والمعنى ، ولم ينزل الله شيئا من القرآن إلا لينفع به عباده ، ويدل به على معنى أراده ، فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال ، وتعلق علينا بعلة ، وهل يجوز لأحد أن يقول : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم  لم يكن يعرف المتشابه ؟! وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى : {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: 7] جاز أن يعرفه الربَّانيون من صحابته ،  فقد علم عليًّا التفسير ، ودعا لابن عباس ، فقال : «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ ، وَفَقِّهْهُ فِيْ الدِّيْنِ»[41]، …”[42].

وَيَقُوْلُ اِبْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:310) -في الكلام على هذه المسألة-: “فقد تبين ببيان الله جل ذكره أن :

مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْقُرْآنِ على نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك تأويل جميع ما فيه ، من وجوه أمره : وواجبه ، وندبه ، وإرشاده ، وصنوف نهيه ، ووظائف حقوقه ، وحدوده ، ومبالغ فرائضه ، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه ، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتأويله ، بنص منه عليه ، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله ،

وَأَنَّ مِنْهُ ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار : وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة ، وأوقات آتية ، كوقت قيام الساعة ، والنفخ في الصور ، ونزول عيسى ابن مريم ، وما أشبه ذلك ؛ فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها ، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه”[43]،

وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “… ، وأما الصنف الثالث : وهم أهل التجهيل : فهم كثير من المنتسبين إلى السنة ، وأتباع السلف ، يقولون : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف معاني ما أنزل الله عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني تلك الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات : إن معناها لا يعلمه إلا الله ، مع أن الرسول تكلم بهذا ابتداءً ، فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] ، فإنه وقف كثير من السلف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} ، وهو وقف صحيح ، لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام ، وتفسيره ، وبين التأويل الذي انفرد الله تعالى بعلمه ، وظنوا أن التأويل المذكور في كلام الله تعالى هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين ، وغلطوا في ذلك”[44]،

وَيَقُوْلُ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “والوقف هنا -يعني : على قوله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ}- على ما دل عليه أدلة كثيرة ، وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمهور التابعين ، وجماهير الأمة ، ولكن لم ينف علمهم بمعناه ، وتفسيره ، بل قال : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[ص:29] ، وهذا يعم الآيات المحكمات ، والآيات المتشابهات ، وما لا يعقل له معنى : لا يتدبَّر ، وقال : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}[النساء:82] ، ولم يستثن شيئًا منه نهى عن تدبره ، والله ، ورسوله إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة ، وابتغاء تأويله ، فأما من تدبَّر المحكم ، والمتشابه كما أمره الله ، وطلب فهمه ، ومعرفة معناه فلم يذمه الله ، بل أمر بذلك ومدح عليه”[45].

وَيَقُوْلُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “ المقام الرابع : مقام “اللا أدرية” ؛ الذين يقولون لا ندري معاني هذه الألفاظ ، ولا ما أريد منها ، ولا ما دلت عليه ، وهؤلاء ينسبون طريقتهم إلى السلف ، وهي التي يقول المتأولون إنها أسلم ، ويحتجون عليها بقوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] ، ويقولون هذا هو الوقف التام عند جمهور السلف ، وهو قول أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وغيرهم ؛ من السلف ، والخلف ، وعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء ، والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ، ولا الصحابة ، والتابعون لهم بإحسان ، بل يقرؤون كلامًا لا يعقلون معناه ، … وقول هؤلاء -أيضًا- باطل ؛ فــإن الله سبــحانه أمــر بتــدبر كتابه ، وتفهـمه ، وتعقـله ، وأخبر أنه بيان ، وهدى ، وشفاء لما في الصدور ، وحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصفات ، والقدر ، والأفعال ، واللفظ الذي لا يعلم ما أراد به المتكلم لا يحصل به حكم ، ولا هدى ، ولا شفاء ، ولا بيان … ،  وهؤلاء لم يفهموا مراد السلف بقولهم لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ؛ فإن التأويل في عرف السلف المراد به التأويل في مثل قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف53] …  فتأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به ، والمنهي عنه ؛ كما قال ابن عيينة : السنة تأويل الأمر ، والنهي”[46].

رَابِعًا : وأما قوله : “وقد تتابع السلفيون على قبول كلام الإمام ابن تيمية ، ثم ادعى بعضهم ؛ كالشيخ محمد ابن عثمين إجماع السلف على إثبات صفات الله بمقتضى ظاهر اللغة العربية” ، فَنَقُوْلُ لَهُ :

لم يكن إجماع السلف على القول في صفات الله بمقتضى ظاهر اللغة دعوى يدعيها السلفيون المتمسكون بالكتاب السنة ؛ بل هي حقيقة ناصعة ، ونصوص واضحة ، لا يجحدها إلا المكابرون ، أو المدلسون ؛ الذين يلبسون الحق بالباطل ، وقد نقلنا قبل قليل -وفي حلقة سابقة- نصوصاً كثيرة ؛ لعلماء أثبات ، سابقين لعصر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وهم قدوة خير للسلفيين المعاصرين-فيها التصريح الواضح بإجماع السلف على إجراء معاني نصوص الصفات على ظاهرها في اللغة ، فارجع إليها ، إن كنت تريد الحقيقة .    

خَامِسًا :

وأما قوله : “وكان استدلاله -أي : فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى- بالإجماع متكلفاً ؛ ذلك أنه قرر أن القرآن نزل باللسان العربي ، ولم يثبت عن الصحابة ما يخالف ما يتلونه في الليل ، والنهار ، فتوصل إلى أنهم مجمعون على القول بظاهر نصوص الصفات ، أي أن سكوتهم عن تفسيرها صار عنده كتفسيرها على ظاهرها ، فيحق لنا أن نسأل عن الفهم الذي استقر في عقول الصحابة رضي الله عنهم حول نصوص الصفات التي سمعوها ، وقرأوها باللسان العربي ؛ فإن كان واضحاً لهم فلماذا سكتوا عنه ؟ لماذا يفسروه ، ويشرحوه ؟

فَجَوَابُنَا عَلَى هَذَا أَنْ نَقُوْلَ :

ما قاله فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى حق ، وسأنقل قوله بتمامه ؛ ليتبين المراد منه ،

قَالَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّدُ اِبْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ : “فأهل السنة والجماعة يثبتون هذه المعاني لله عز وجل على سبيل الحقيقة ، لكن أهل التحريف يقولون : لا يمكن أن يوصف بها أبداً ، لكن ذكر مكر الله ومكرهم من باب المشاكلة اللفظية ، والمعنى مختلف ؛ مثل : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] ، ونحن نقول لهم : هذا خلاف ظاهر النص ، وخلاف إجماع السلف ، وقد قلنا سابقاً : إذا قال قائل : أئت لنا بقول لأبي بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو علي يقولون فيه : إن المراد بالمكر ، والاستهزاء ، والخداع الحقيقة ! فنقول لهم : نعم ؛ هم قرؤوا القرآن ، وآمنوا به ، وكونهم لم ينقلوا هذا المعنى المتبادر إلى معنى آخر ؛ يدل على أنهم أقروا به ، وأن هـذا إجمـاع ، ولهـذا يكـفـينا أن نـقول فـي الإجـماع : لم ينقـل عـن واحـد منهم خلاف ظاهر الكلام ، وأنه فسر الرضى بالثواب ، أو الكيد بالعقوبة …. “[47].

لأنه من المتقرر عند فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، وعند كل سلفي بحق أن “الطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول أن تعرف ألفاظه الصحيحة ، وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ ، والمعنى ، ولغتهم التي كانوا يتخاطبون بها”([48])، فلغة العرب هي المرجع في معرفة معاني نصوص الكتاب ، والسنة ؛ لأن القرآن نزل بلغتهم ، والعرب الأقحاح يعرفون المعاني جبلة ، لا يحتاجون إلى أحد أن يترجمها لهم ، وهكذا في صفات الله ؛ فـ:”كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره ، لا كيف ، ولا مثل” ؛ “يعني : أنها بينة واضحة في اللغة ، لا يبتغى بها مضائق التأويل ، والتحريف”[49].

 يَقُوْلُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:204ه) : ” فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده ، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، ويتلو به كتاب الله ، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير ، وأمر به من التسبيح ، والتشهد ، وغير ذلك ، وما ازداد من العلم باللسان ، الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته ، وأنزل به آخر كتبه كان خيرًا له ؛ … ، وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره ؛ لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحـد جهـل سعـة لسـان الـعرب ، وكثـرة وجوهـه ، وجماع معانيـه ، وتفرقهـا ، ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها”[50].

 وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب ؛ التي أنزل بها ، بل قد نزل بلغة قريش ، كما قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم :4] ، وقال : {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:195] ، فليس لأحد أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك ؛ من عرف عام ، واصطلاح خاص”[51].

والظاهر المعروف في المعنى متفق عليه بين العرب لا يختلفون فيه ، فإذا سمعوا كلمة : “الكهف” ؛ مثلاً ، فالعربي الأصيل لا يمكن أن يسأل عن معناها ؛ لأنهـم يعرفـون معنـاها جبلـة ؛ وهكذا القول في صفات الله ؛ إذا سمعوا مثلًا : كلمة : “السميع” ، أو أن الله في السماء لا يحتاجون إلى أن يسألوا عن معناها ؛ لأنه معروف عندهم بالظاهر من اللفظ ، السابق معناه إلى الأذهان ،     

يَقُوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَرْجِيُّ الْقَصَّابُ رَحِمَهُ اللهُ (ت:360) : “لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به نبيه ، وكل صفة وصف بها نفسه ، أو وصفه بها نبيه فهي صفة حقيقية ، لا صفة مجاز ، قلت -أي : الإمام الذهبي رحمه الله-: نعم ، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ، ولقيل : معنى البصر : كذا ، ومعنى السمع : كذا ، ولفُسّرت بغير السابق إلى الأفهام ، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز ، وإنما هي حق بين”[52].

وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “ثم هذا الرسول الأمي العربي بعث بأفصح اللغات ، وأبين الألسنة ، والعبارات ، ثم الأمة الذين أخذوا عنه كانوا أعمق الناس علمًا ، وأنصحهم للأمة ، وأبينهم للسنة ، فلا يجوز أن يتكلم هو ، وهؤلاء بكلام يريدون به خلاف ظاهره ؛ إلا وقد نصب دليلًا يمنع من حمله على ظاهره ، إما أن يكون عقليًّا ظاهرًا ، مثل قوله : {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] ، فإن كل أحد يعلم بعقله أن المراد : أوتيت من جنس ما يؤتاه مثلها ، وكذلك : {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] ، يعلم المستمع : أن الخالق لا يدخل في هذا العموم ، أو سمعيًّا ظاهرًا ، مثل الدلالات في الكتاب ، والسنة التي تصرف بعض الظواهر ، ولا يجوز أن يحيلهم على دليل خفي ، لا يستنبطه إلا أفراد الناس ، سواء كان سمعيًّا ، أو عقليًّا ؛ لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى ، وأعاده مرات كثيرة ، وخاطب به الخلق كلهم ، وفيهم الذكي ، والبليد ، والفقيه ، وغير الفقيه ، وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ، ويعقلوه ، ويتفكروا فيه ، ويعتقدوا موجبه ، ثم أوجب ألا يعتقدوا بهذا الخطاب شيئًا من ظاهره ؛ لأن هنـاك دليـلًا خـفيًّا يسـتنبطه أفـراد النـاس يـدل عـلى أنـه لم يـرد ظـاهره ، كان هذا تدليسًا ، وتلبيسًا ، وكان نقيض البيان ، وضد الهدى ، وهو بالألغاز ، والأحاجي أشبه منه بالهدى ، والبيان ، فكيف إذا كانت دلالة ذلك الخطاب على ظاهره ، أقوى بدرجات كثيرة من دلالة ذلك الدليل الخفي على أن الظاهر غير مراد ؟! أم كيف إذا كان ذلك الخفي شبهة ليس لها حقيقة؟”[53].

فَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ :

العرب إذا سمعوا شيئًا من القرآن ؛ من نصوص الصفات ، أو غيرها فإنهم يعرفونها ، ويعقلونها بلغتهم التي فطروا عليها ، والتي نزل القرآن بها ، وإن لم يفصحوا عنها ، ويتفوهوا بها ؛ لأن لغتهم -هذه- هي القاموس المحفوظ عندهم ، المجمع عليه بينهم ، والذي نشأ عليه الصغير ، وشاب عليه الكبير ، هذا هو مقصود فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى -من كلامه الذي نقله داعية الأشاعرة “العرفج”- وتخريج له ، وإلا فالإجماع منعقد عند السلف على القول بالمعنى الظاهر في نصوص الصفات ، والعيي ، والجاهل يسأل الراسخين في العلم ليدلوه إلى المعنى الصحيح .

الْفِرْيَةُ الثَّالِثَةُ :

زَعْمُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ السَّلَفِيِّيْنَ الْمُعَاصِرِيْنَ اِضْطَرَبُوْا فِيْ تَفْسِيْرِ كَلَامِ اِبْنِ قُدَامَةَ فِيْ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ “لُمْعَةُ الْاِعْتِقَادِ” ، مِنْهَا : تَفْوِيْضُهُ لِنُصُوْصِ الصِّفَاتِ .   

فقد أورد في مقطعه -المذكور آنفًا- :

قَوْلَهُ : “ومن علماء الحنابلة الذين سنتوقف عندهمم قليلاً الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله ، ومن مؤلفاته العقدية كتاب : «لمعة الاعتقاد» ، وقد قال فيه : «وكل ما جاء في القرآن ، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به ، وتلقيه بالتسليم ، والقبول ، وترك التعرض له بالرد ، والتأويل ، والتشبيه ، والتمثيل ، وما أشكل من ذلك وجب اثباته لفظاً ، وترك التعرض لمعناه ، ونرد علمه إلى قائله ، ونكل عهدته على ناقله» ، وقال -أيضًا- في كتابه ذم التأويل : «تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ، وأن متبعه من أهل الزيغ ، وأنه محرم -أي التأويل- على كل أحد ، ويلزم من هذا أن يكون المتشابه ، وما يتعلق بصفات الله تعالى ، وما أشبهها ، دون ما قيل أنه المجمل ، أو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين ، أو الحروف المقطعة» ، ورغم تصريح الإمام ابن قدامة من السكوت على آيات الصفات ؛ لأنها من المتشابه الذي لا يعلمه الله عز وجل فقد اضطرب الشارحون لمعته من السلفيين المعاصرين ؛ كالشيخ محمد بن عثيمين ، والشيخ محمد بن إبراهيم ، في بعض فتاواه ، سئل عن النص السابق فقال : «ما ذكره في اللمعة فإنه ينطبق على مذهب المفوضة ، وهو من شر المذاهب وأخبثها ، والمصنف رحمه الله إمام في السنة ، وهو من أبعد الناس عن مذهب المفوضة ، وغيرهم من المبتدعة» ، هكذا قال ، أما الشيخ محمد بن عثيمين فقد قال عند شرحه : «تنقسم نصوص الكتاب ، والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين ، واضح جلي ، ومشكل خفي» ، إلى أن قال  : «وأما المشكل فهو ما لم يتضح معناه ؛ لإجمال في دلالته ، أو قصر في فهم قارئه ، فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به ، والتوقف في معناه» ، إلى أن قال : «أما من حيث واقع النصوص الشرعية فليس فيها بحمد ما هو مشكل» ، إلى أن قال : «لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين ، وهذا يقتضي ألا يكون في النصوص بأنه مشكل بحسب الواقع» ، فتأملوا أيها الإخوة تقريره أولاً بوجود نصوص مشكلة ، ثم تقريره بأنه لا توجد نصوص مشكلة في الواقع ، وما هذا التناقض إلا فرار من تفويض معاني الصفات الإلهية .

التَّعْلِيْقُ :

سنجيب على هذه الفقرة بما يلي :

أَوَّلًا : ابن قدامة رحمه الله (ت:620ه) إمام في السنة ؛كما قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وحري بنا -على قدر استطاعتنا- أن نتأول لكلامه بما يوافق كلام السلف ؛ فإن وجدنا إلى ذلك سبيلاً ؛ فالحمد لله ، وإلا تعاملنا مع ما قال بأنه مجانبة منه للصواب ، ومخالفة لما ثبت عن السلف في نصوص الصفات ، لكن قد وجد بعض العلماء لما قال تخريجاً ، يوافق كلام السلف رحمهم الله ، وأنه يقصد بالتفويض تفويض الكيفية ، لا تفويض المعنى ، والله أعلم .

لكن داعية الأشاعرة “العرفج” لمز -هنا- كعادته علماء أهل السنة المعاصرين ؛ لمزهم بأنهم مضطربون ؛ اتهمهم -مـن قبـل- بـأنهـم مـضـطـربـون فـي الفتـوى ، وهـنا يضـيف بأنـهم -أيـضًا- مضطربـون في العقيــدة ؛ حين رأى اختلاف بعضهم في تفسير كلام ابن قدامة هذا ، فهم لم يختلفوا في أصل الدين ، وإنما اختلفوا في تفسير كلام عالم من العلماء ، وابن قدامة رحمه الله بشر من البشر ، ليس بمعصوم ، وحين يختلف أئمة أهل السنة في تفسير كلامه ؛ فهذا حق لهم ، وصواب منهم ؛ لأنهم متجردون للحق ، غير مقلدين في دينهم ، وعقيدتهم الرجال ؛ بلا دليل ؛ كما يصنع أهل الأهواء ، فـ: “الحق لا يعرف بالرجال ، بل الرجال يعرفون بالحق” ، فافهم هذا يا داعية الأشاعرة ، وتفطن له .  

ثانيًا : وأما ما يتعلق بكلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فداعية الأشاعرة قد بتره ، ولم يأت به كاملاً لتتضح منه دلالته ، ودلالاته واضحة من النص المبتور من كلام فضيلته ، وسأعرض كلامه تاماً ؛ لتتضح لمنصفين ، والمتجردين للحق الحقيقة كاملة ،

قَالَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّدُ اِبْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ : “تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها :

تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين : واضح جلي ، ومشكل خفي ؛ فالواضح : ما اتضح لفظه ، ومعناه ؛ فيجب الإيمان به لفظاً ، وإثبات معناه حقًّا ، بلا رد ، ولا تأويل ، ولا تشبيه ، ولا تمثيل ؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به ، وتلقيه بالقبول ، والتسليم .  وأما المشكل ؛ فهو : ما لم يتضح معناه ؛ لإجمال في دلالته ، أو قصر في فهم قارئه ؛ فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به ، والتوقف في معناه ، وترك التعرض له ؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه ، فنرد علمه إلى الله ورسوله ، وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين :

الطريقة الأولى : طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم ، والمتشابه ، وقالوا : {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] ، وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته ، والإحاطة به ؛ تعظيمًا لله ، ورسوله ، وتأدبًا مع النصوص الشرعية ، وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله : {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] .

الطريقة الثانية : طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه ؛ طلبا للفتنة ، وصدًّا للناس عن دينهم ، وعن طريقة السلف الصالح ، فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون ، لا إلى ما يريه الله ، ورسوله ، وضربوا نصوص الكتاب ، والسنة بعضها ببعض ، وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة ، والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ، ويعموهم عن هدايتها ، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 7] ،

تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح ، والإشكال :

إن الوضوح ، والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي يختلف به الناس بحسب العلم ، والفهم فقد يكون مشكلاً عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر ، والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق ؛ من ترك التعرض له ، والتخبط في معناه ؛ أما من حيث واقع النصوص الشرعية فليس فيها -بحمد الله- ما هو مشكل لا يعرف أحد من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ، ودنياهم ؛ لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين ، وبيان للناس ، وفرقان ، وأنه أنزله تبيانًا لكل شيء ، وهدى ، ورحمة ، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع ؛ بحيث لا يمكن أحد من الأمة معرفة معناه”[54]،

فالتحرير الذي أتى به الشيخ وضح ، وبين المجمل من كلامه الذي أتي به أولاً ، وهذا -واضح ، جلي- لا يحتاج إلى تكثير الكلام فيه ، والحمد لله ،

وَسَنُكْمِلُ الرَّدَّ فِيْ الْحَلَقَاتِ التَّالِيَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ .  

([1]) مختصر الصواعق المرسلة ؛ لابن القيم ، ص : (134) .

([2]) السنة ؛ لعبد الله بن الإمام أحمد (518) .

([3]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ؛ للالكائي (674) .

([4]) اجتماع الجيوش الإسلامية ؛ لابن القيم ، ص : (92)  .

([5]) مسائل الميميوني (27) .

([6]) مسائل حرب (3/967-975) .

([7]) بعض العلماء يضعف أن يكون هذا المنقول من كلام أحمد رحمه الله ، يقول ابن القيم رحمه الله : “إنها غلط عليه [يعني : على الإمام أحمد] ؛ فإن حنبلًا تفرد به عنه ، وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه ، وإذا تفرد بما خالف المشهور عنه ، فالخلال ، وصاحبه عبد العزيز لا يثبتون ذلك رواية ، وأبو عبد الله بن حامد ، وغيره يثبتون ذلك رواية ، والتحقيق أنها رواية شاذة ، مخالفة لجادة مذهبه ، هذا إذا كان ذلك من مسائل الفروع ، فكيف في هذه المسألة؟!“[ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للبعلي ؛ ص : (474) .

([8]) الاختلاف في اللفظ ، والرد على الجهمية ؛ ص : (44) .

([9]) التمهيد (7/145) .

([10]) الاعتقاد القادري ؛ ص: (247).

([11]) انظر : العرش للذهبي (2/ 459- 460) ، والعلو له ؛ ص : (192) .

([12]) مجموع الفتاوى (13/295) .

([13]) درء تعارض العقل والنقل (1/207) .

([14]) مجموع الفتاوى (17/363) .

([15]) طبقات الحنابلة (1/138) .

([16]) الشريعة للآجري (671، 672) .

([17]) مجموع الفتاوى (4/168) .

([18]) العلو ؛ للذهبي ، ص : (120) .

([19]) الأم (5/289) .

([20]) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ؛ لابن عبد البر ، ص : (79) .

([21]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ؛ للالكائي (883) .

([22]) الرسالة ، ص : (580) .

([23]) الأم (4/138) .

(2) درء التعارض (2/96) .

(1) ذيل طبقات الحنابلة (2/156) . 

([26]) انظر : تهذيب الكمال ؛ للمزي (32/513) ، وتذكرة الحفاظ ؛ للذهبي (2/84) .

([27]) انظر : كتاب : الرسائل والمسائل المنسوبة إلى الإمام الشافعي ، جمعًا ، ودراسة ، ص : (90-91) .

([28]) رواه البخاري (2344) ، ومسلم (7234) .

([29]) رواه البخاري (1410) ، ومسلم (2305) ، والترمذي (662) .

([30]) سنن الترمذي ، بعد حديث (662) .

([31]) مجموع الفتاوى (5/330) .

([32]) انظر : مجموع الفتاوى (2/429) .

([33]) انظر : تفسير الطبري (2/459) .

([34]) مجموع الفتاوى (5/256) .

([35]) مجموع الفتاوى (7/402) .

([36]) العلو ؛ للذهبي ، ص : (208) .

([37]) رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت ، ص : (121) .

([38]) التمهيد (7/145) .

([39]) شرح السنة (1/170) .

([40]) درء تعارض العقل والنقل (1/204-205) .

([41]) رواه أحمد (2397) .

([42]) تأويل مشكل القرآن ، ص : (66-67) .

([43]) تفسير الطبري (1/68) .

([44]) الفتوى الحموية ، ص : (286-287) .

([45]) مجموع الفتاوى (13/275) .

([46]) الصواعق المرسلة (3/922-923) .

([47]) شرح العقيدة الواسطية (1/382-383) .

([48]) بيان تلبيس الجهمية (1/474) .

([49]) العلو ؛ للذهبي ؛ ص : (251) ، والعبارة المعلق عليها من كلام الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله .

([50]) الرسالة ، ص : (47) .

([51]) بيان تلبيس الجهمية (3/192) .

([52]) تذكرة الحفاظ ؛ للذهبي (3/101) .

([53]) الرسالة المدنية ، ص : (8) .

([54]) تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد ، ص : (34) .

%d مدونون معجبون بهذه: