تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ
الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ
بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ
عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ
، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (55)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ
، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ …
أَمَّا بَعْدُ :
“كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ”
(1)
وَمِنَ الْبِدْعِ الدَّوْرِيَّةِ الَّتِيْ تَحْدُثُ كُلَّ عَامٍ : الْأَعْيَادُ
الْمُخْتَرَعَةُ ؛ كَـ: “عِيْدِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ” ، وَ”عَيْدِ
الْمِيْلَادِ” ، وَ”عِيْدِ الْيَوْمِ الْوَطَنِيِّ” ، وَ”عِيْدِ
الْأُمِّ” ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَعْيَادِ ، وَهَذِهِ أَعْيَادٌ يَحْتَفِي وَيَحْتَفِلُ
بِهَا كَثِيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ هَدَاهُمُ اللهُ ، وَهِيَ مُحْدَثَاتٌ مُحَرَّمَةٌ
فِيْ الشَّرْعِ بَلَا شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ ، وَجَاءَ حُكْمُ التَّحْرِيْمِ عَلَيْهَا
لِأَمْرَيْنِ اِثْنَيْنِ -مُجْتَمِعَيْنِ ، أَوْ مُنْفَرِدَيْنِ-:
–
أَوَّلُهُمَا : مِنْ حَيْثُ مُشَابَهَتُهَا لِلْأَعْيَادِ الْمَشْرُوْعَةِ ؛ حَيْثُ
يُقْصَدُ تَعْظِيْمُهَا -فِيْ أَيَّامٍ مَعْلُوْمَةٍ- كُلَّ عَاٍم ، وَيُظْهَرُ لَهَا
الْفَرَحُ وَالسُّرُوْرُ ، وَالتَّهْنِئَةُ بِقُدُوْمِهَا ، كَمَا يُفْعَلُ
لِعِيْدَيْ الْمُسْلِمِيْنَ : الْفِطْرِ ، وَالْأَضْحَى ،
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»([1])، وَ”مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”([2]).
وَقَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ
مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ”([3])،
زَادَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : “وكُلُّ ضَلالَةٍ فِي
النَّارِ”([4]) .
–
وَثَانِيْهُمَا : مِنْ حَيْثُ مُشَابَهَتُهَا لِأَعْيَادِ الْكُفَّارِ ، وَلَوْ
لَمْ يَقْصِدْ فَاعِلُهَا أَصْلَ الْمُشَابَهَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِيْ
الزِّيِّ الظَّاهِرِ تَدْعُوْ إِلَى الْمُوَافَقَةِ فِيْ الْهَدْيِّ الْبَاطِنِ ؛
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَرْعُ وَالْعَقْلُ وَالْحِسُّ”([5])،
قَالَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”([6])،
وَقَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “وَلِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خُطَبٌ ، وَعُهُوْدٌ ، وَوَقَائِعُ
؛ فِيْ أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ : مِثْلَ يَوْمٍ بَدْرٍ ، وُحُنَيْنٍ ، وَالْخَنْدَقِ
، وَفَتْحِ مَكَّةَ ، وَوَقْتِ هِجْرَتِهِ ، وَدُخُوْلِهِ الْمَدِيْنَةَ ،
وَخُطَبٌ لَهُ مُتَعَدِّدَةٌ
يَذْكُرُ فِيْهَا قَوَاعِدَ الدِّيْنِ ، لَمْ يُوْجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَتَّخِذَ أَمْثَالَ
تِلْكَ الْأَيَّامِ أَعْيَادًا ،
وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِثْلَ
هَذَا النَّصَارَى الَّذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ أَمْثَالَ أَيَّامِ حَوَادِثِ عِيْسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْيَادًا ، أَوِ الْيَهُوْدُ ، وَإِنَّمَا الْعِيْدُ شَرِيْعَةٌ،
فَمَا شَرَعَهُ اللهُ اُتُّبِعَ ، وَإِلَّا لَمْ يُحْدَثْ فِيْ الدِّيْنِ مَا لَيْسَ
مِنْهُ”([7]).
وَقَالَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ شَأْنِ الْعِيْدِ الْوَطَنِيِّ-: “فَإِنَّ تَخْصِيْصَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ بِخَصِيْصَةٍ دُوْنِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ يَكُوْنُ بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمُ عِيْدًا ، عَلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فِيْ نَفْسِهِ وَمُحَرَّمٌ وَشَرْعُ دِيْنٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ … ،
وَتَعْيِيْنُ يَوْمٍ ثَالِثٍ مِنَ السَّنَةِ لِلْمُسْلِمِيْنَ فِيْهِ
عِدَّةُ مَحَاذِيْرٍ شَرْعِيَّةٍ :
أَحَدُهَا : الْمُضَاهَاتُ بِذَلِكَ لِلْأَعْيَادِ الشَّرْعِيَّةِ .
الْمَحْذُوْرُ الثَّانِي : أَنَّهُ مُشَابَهَةٌ لِلْكُفَّارِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ فِيْ إِحْدَاثِ أَعْيَادٍ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوْعَةً
أَصْلًا …
الْمَحْذُوْرُ الْخَامِسُ : أَنَّ ذَلِكَ شَرْعُ دِيْنٍ لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللهُ ، فَإِنَّ جِنْسَ الْعِيْدِ الْأَصْلُ فِيْهِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ
إِلَى اللهِ تَعَالَى ، مَعَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَقَدْ
قَالَ تَعَالَى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوْا لَهُمْ مِنَ الدَّيْنِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللهُ}([8])،
وَسُئِلَتْ اللَّجْنَةُ
الدَّائِمَةُ بِرَئَاسَةِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ بْنِ بَازٍ رَحِمَهُ
اللهُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْيَادِ ، فَكَانَ جَوْابُهَا :
أَوَّلًا : الْعِيْدُ
: اِسْمٌ لِمَا يَعُوْدُ مِنَ الْاِجْتِمَاعِ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ ؛ إِمَّا بِعَوْدِ
السَّنَةِ ، أَوِ الشَّهْرِ ، أَوِ الْأُسْبُوْعِ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَالْعِيْدُ
يَجْمَعُ أُمُوْرًا ،
مِنْهَا : يَوْمٌ عَائِدٌ
؛ كَيْوْمِ عِيْدِ الْفِطْرِ ، وَيَوْمِ الْجُمْعَةِ
،
وَمِنْهَا : الِاْجِتْمَاعُ
فِيْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ،
وَمِنْهَا : الْأَعْمَالُ
الَّتِيْ يُقَامُ بِهَا فِيْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ؛ مِنْ عِبَادَاتٍ ، وَعَادَاتٍ .
ثَانِيًا : مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَقْصُوْدًا بِهِ : التَّنَسُّكُ وَالتَّقَرُّبُ
، أَوِ التَّعْظِيْمُ كَسْبًا لِلْأَجْرِ ، أَوْ كَانَ فِيْهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ
الْجَاهِلِيَةِ ، أَوْ نَحْوِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ الْكُفَّارِ ؛ فَهُوَ : بِدْعَةٌ
مُحْدَثَةٌ مَمْنُوْعَةٌ ، دَاخِلَةٌ فِيْ عُمُوْمِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ
مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ” ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، مِثَالُ ذَلِكَ :
الْاِحْتِفَالُ بِعِيْدِ الْمَوْلِدِ ، وَعِيْدِ الْأُمِّ ، وَالْعِيْدِ الْوَطَنِيِّ”([9]).
وَيَشْتَدُّ الْأَمْرُ وَيَعْظُمُ
خَطَرُهُ إِنْ صَاحَبَ هَذِهِ الْبِدَعَ مُنْكَرَاتٌ ؛ كَتَبَرُّجِ النِّسَاءِ
، وَاخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ ، وَالْاِسْتِمَاعِ إِلَى الْمَعَازِفِ ، وَهُوَ
حَادِثٌ -كَمَا بَلَغَنَا- فِيْ مِثْلِ هَذِهِ الْاِحْتِفَالَاتِ كُلَّ عَامٍ ، نَسْأَلُ
اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ .
نَسْأَلُ
اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيْمِ ، وَأَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ
الْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلَاتِهِمْ لِمَا فِيْهِ خَيْرٌ لِلْإِسْلَامِ
وَالْمُسْلِمِيْنَ ، وَتَحْكِيْمِ شَرْعِهِ الْمُحْكَمِ الْمُبِيْنِ ،
وَآخِرُ
دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ،
وَصَلِّ
اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ
.