“الدِّفَاعُ عَنْ عَقِيْدَةِ الْمُوَحِّدِيْنَ مِنْ إِغْوَاءِ الْمُضِلِّيْنَ ، وَدَعَاوَى الْمُشَبِّهِيْنَ” .
دِفَاعٌ سُنِّيٌّ ، وَرَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى دَاعِيَةٍ مِنْ دُعَاةِ الْبِدَعِ فِيْ بِلَادِنَا -وَخَارِجِ بِلَادِنَا- الصَّوُفِيِّ الْأَشْعَرِيِّ : “عَبْدِ الْإِلَهِ الْعَرْفَجِ” ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَقْطَعٍ مَرْئِيٍّ مُنْتَشِرٍ لَهُ ، يُشَارِكُ فِيْهِ -عَنْ بُعْدٍ- طَائِفَتَهُ الْأَشْعَرِيَّةَ فِيْ مُؤْتَمَرٍ مَعْقُوْدٍ لَهُمْ فِيْ دَوْلَةِ “لِيْبِيَا” .
-الحلقة الثامنة-
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
(مُقَدِّمَةٌ)
هذه هي الحلقة الثامنة -والأخيرة- في الرد على داعية الأشاعرة “العرفج” ، وسأخصص هذه الحلقة -إن شاء الله- في بيان طرائق المبتدعة في التعامل مع مخالفيهم ، من أهل السنة ، وذلك في الباب الذين وعدت بعقده -هنا- ، وهو :
الْبَابُ السَّادِسُ :
طَرَائِقُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُلْتَوِيَةُ فِيْ تَعَامُلِهِمْ مَعَ مُخَالِفِيْهِمْ ؛ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ ؛ أَصْحَابِ الْعَقِيْدَةِ السَّلَفِيَّةِ ؛ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ ، وَالْأَئِمَّةِ السَّلَفِيِّيْنَ ؛ أَصْحَابِ الدَّعْوَةِ النَّجْدِيَّةِ .
ثم سنختم -بحول الله- هذه السلسلة في الرد على داعية الشاعرة “العرفج” ، وذلك في الباب الذين وعدت بعقده -هنا- ، وهو :
الْبَابُ السَابِعُ :
خَاتِمَةٌ مُجَلِّيَةٌ ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَصَائِحَ مُوَجَّهَةٍ ، وَلِصَاحِبِ الْمَقْطَعِ الْمَذْكُوْرِ مُخَصَّصَةٍ .
فأقول وبالله بالتوفيق :
(1)
طُرُقُ تَعَامُلِ أَهْلِ الْاِبْتِدَاعِ مَعَ مُخَالِفِيْهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْاِتِّبَاعِ .
وَأَبْرَزُهَا سِتَّةٌ ، هِيَ :
1
1] الْفُجُوْرُ ، واللَّدَدُ فِيْ الْخُصُوْمَةِ مَعَهُمْ ، و”الفجور -واللدد- هو : الميل عن الحق ، والاحتيال في رده”[1]، ومن فجور أهل الابتداع في خصومتهم أهل الاتباع أنهم لا يزالون يكذبون عليهم كذبات متتابعـة كلما سنحت لهم الفرصة ، ويحرفون كلامهم عن معناه الصحيح ليتوصلوا إلى ذمهم ، وتحذير ، وتنفير الناس منهم ، وتشويه الحق الذي أتو به ؛ ككذبهم على السلف بأنهم مفوضة للصفات ، وككذبهم على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بأنه من المجسمة الـمبتدعة ، وأنه هو أول من اخترع ، وقال بـ : “المعنى الظاهر في نصوص الصفات” ، وافتراؤهم -كذلك- على علماء الدعوة السلفية بأنهم متذبذبون ، مضطربون في عقيدتهم ؛ كما فعلوا مع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ، وفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمهم الله جميعًا ، وغيرهم ، حسبنا الله ونعم الوكيل ،
قَالَ تَعَالَى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:203] ،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”[2].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ”[3]،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ”[4].
وَقَالَ اِبْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : “فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة ؛ سواء كانت خصومته في الدين ، أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق”[5].
2] غِلُّ النُّفُوْسِ ، وَحِقْدُهَا ، وَشَحْنَاؤُهَا عَلَيْهِمْ ، وأهل الأهواء بأنواعهم المختلفة ، مختلفون ، وللحق مخالفون ، وفي كلمتهم ورأيهم متفرقون ، لكنهم إن أرادوا الاجتماع فإنهم لا يجتمعون إلا على أهل السنة ؛ شنآنًا ، وحقدًا ، وبغيًا ، والتاريخ شاهد بذلك.
ومن نظر في حال أهل البدع اليوم ، ورأى تآليفهم المتنوعة ، ومحاضراتهم المختلفة وجد الحقد ، والكراهية ، والبغضاء تنزف منها نزفاً ، يفرون في أعراض أهل السنة فرياً ، انظروا -مثالاً لذلك-كيف يتوارثون الحقد على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كابرًا عن كابر ، وقديماً أفتى شيخ لهم : أن من سمى ابن تيمة بـ: “شيخ الإسلام” ؛ فهو كافر ، وقد تصدى له ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله (ت:834ه) ، في كتاب ألفه بعنوان : “الرد الوافر على من زعم : بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر” ، عاملهم الله بما يستحقون ، ورد كيدهم في نحورهم ، وأراح الأمة من شرورهم ،
رَوَى أَبُوْ عَثْمَانَ الصَّابُوْنِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ ، قَالَ : “ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو مبغض أهل الحديث ، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه”[6].
وَقَالَ اِبْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : “وعن الأوزاعي أنه قال : «المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة» ، وكذا قال ابن ثوبان : «المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، الطاعن على أمته ، السافك دماءهم» ، وهذا الشحناء ؛ أعني : شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين ، واستحلال دماءهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ؛ كبدع الخوارج ، والروافض ، ونحوهم ، فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها ، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء ، والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة ، وبغضهم ، والحقد عليهم ، واعتقاد تكفيرهم ، أو تبديعهم ، وتضليلهم ، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين ، وإرادة الخير لهم ، ونصيحتهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر: 10]”[7].
3] النِّفَاقُ ، وَالتَّظَاهُرُ بِالنُّصْحِ لِلْعِبَادِ ، {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد:30] ، يظهرون للناس -كذباً ، ومينًا- أنهم نصحة بررة ، لكن من نظر في كلامهم نظر إنصاف ، وتأمله جيدًا بعين البصيرة ، والإبصار رأى -صدقًا ، وحقًا- أنهم مخاتلون ، غششة ، فانظروا إلى كتاباتهم ، وإلى محاضراتهم ؛ فكم من عالم سلفي قد اتهموه في عقيدته ، بل … وبدعوه !! وكم من داعية إلى التوحيد قد اتهموه في دينه ، بل … وكفروه !!
كل ذلك بلسان ذلق ، وعبارة رقيقة ، ليغشوا ، ويخادعوا الدهماء أكثر ، وأكثر ، وانظروا -مثالاً لذلك- : كتاب “مفهوم البدعة” ؛ لداعية الأشاعرة “العرفج” ، وكتاب : “ليلة النصف من شعبان” ، له -أيضًا- ، وتأملوا في محاضرته هذه جيدًا تجدون حقيقة ما أقول لكم ، قدح بين ، واضح ، في علماء هذه البلاد ؛ السلفيين الأثبات ، واتهامهم بأنهم مضطربون في الفتوى ، بل ، وفي الاعتقاد ، بل إني أظن -بظن غالب- أنه ما أنشأ مـحـاضـرته -مداخلته- هـذه ، ولا ألف كتبه تلك -ونحوها- إلا للقدح في علماء الدعوة السلفية رحم الله أمواتهم ، وحفظ أحياءهم ، ومتعهم بالصحة ، والعافية ، أما ألسنتهم -في التعامل المباشر- فهي حداد مع أهل السنة ، والتوحيد ، وأما مع الرافضة المشركين -ونحوهم- فما ألين منها !
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ”[8].
وعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ : هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : “يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ”[9].
وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ رَحِمَهُ اللهُ ، قَالَ : “مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين ؛ كلامهم شتى ، وجماع أَمرهم النفاق”[10]،
وَقَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -في وصف عليمي اللسان- : “ ومن صفاتهم أنهم أعذب الناس ألسنة ، وأمرهم قلوباً ، وأعظم الناس مخالفة بين أعمالهم ، وأقوالهم ، ومن صفاتهم أنهم لا يجتمع فيهم حسن صمت وفقه فى دين أبداً ، ومن صفاتهم أن أعمالهم تكذب أقوالهم ، وباطنهم يكذب ظاهرهم ، وسرائرهم تناقض علانيتهم …
ومن صفاتهم : معارضة ما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم بعقول الرجال ، وآرائهم ، ثم تقديمها على ما جاءَ ، فهم معرضون عنه ، معارضون له ، زاعمون أن الهدى فى آراءِ الرجال ، وعقولهم ، دون ما جاءَ به فلو أعرضوا عنه ، وتعوضوا بغيره لكانوا منافقين ، فكيف إذا جمعوا مع ذلك معارضته ، وزعموا أنه لا يستفاد منه هدى ،
ومن صفاتهم : كتمان الحق ، والتلبيس على أهله ، ورميهم له بأدوائهم : فيرمونهم إذا أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، ودعوا إلى الله ، ورسوله بأنهم أهل فتن مفسدون فى الأرض ، وقد علم الله ، ورسوله ، والمؤمنون بأنهم أهل الفتن المفسدون فى الأرض ، …
وجملة أمرهم أنهم فى المسلمين كالزغل فى النقود ، يروج على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد ، ويعرف حاله الناقد البصير من الناس ، وقليل ما هم ، وليس على الأديان أضرَّ من هذا الضرب من الناس ، وإنما تفسد الأديان من قبلهم”[11].
وَإِنَّ مِنَ النِّفَاقِ الْمُعَاصِرِ -عِنْدَنَا- فِيْ بِلَادِنَا :
مجاملة ، ومصانعة أهل الحدث ، والابتداع ؛ نجد ذلك واضحًا جليًا في شريحة كبيرة من المنتسبين إلى العلم ، والسنة ، التزموا في دروسهم ، ومحاضراتهم ، وكتاباتهم الحياد -زعموا- ، يقررون فيها -إجمالًا- معتقد أهل السنة ، لكن … لا يضللون مخالفيهم ، ولا يذكرون الفرق المخالفة لهم ؛ يصمتون صمت المخاتلين ، ويخرسون خرس الـمداهنين ، ولسان حالهم يقول : «كل منا حر فيما يعتقد» .
قَالَ تَعَالَى : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9] ،
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ”[12]،
وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ : “لا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق”[13]،
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ :-في تفسير الآية السابقة ، وهي قوله تعالى : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}- قال : “هذا عام في كل مكذب ، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب ، وإن كان السياق في شيء خاص ، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكت عن عيب آلهتهم ، ودينهم ، ويسكتوا عنه ، ولهذا قال : {وَدُّوا} ؛ أي : المشركون {لَوْ تُدْهِنُ} ؛ أي : توافقهم على بعض ما هم عليه ، إما بالقول ، أو الفعل ، أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه ، {فَيُدْهِنُونَ} ، ولكن اصدع بأمر الله ، وأظهر دين الإسلام ، فإن تمام إظهاره ، بنقض ما يضاده ، وعيب ما يناقضه“[14].
4] اِتِّبَاعُ الْمُتَشَابِهِ مِنَ النُّصُوْصِ ؛ اِبْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ ، ومن أمثل الأمثلة في ذلك تحريفهم كلام السلف في قولهم في نصوص الصفات: “أمروها كما جاءت” ، وقول مالك : “الاستواء معلوم” ، وجملة من كلام كلام الإمام الشافعي ، والإمام أحمد رحمهم الله جميعًا ؛ التي فسروها بتفسيرات أهل التفويض ، وقد ذكرنا أمثلة لذلك في حلقات الرد السابقة .
قَالَ تَعَالَى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:7] ،
قَالَ اِبْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ -في تفسير الآية السابقة- : “أي : إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ؛ فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ، ولهذا قال : {اِبْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} ؛ أي : الإضلال لأتباعهم ، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن ، وهذا حجة عليهم لا لهم ، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى : {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}[الزخرف: 59] ، وبقوله : {إِنْ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ} [آل عمران: 59] ، وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله ، وعبد ، ورسول من رسل الله”[15].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : “تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ} ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»”[16]،
وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّالَكَائِيُّ رَحِمَهُ اللهُ -واصفاً حال الداعية من أهل الابتداع-: “فهو راكض ليله ، ونهاره في الرد على كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والطعن عليهما ، أو مخاصما بالتأويلات البعيدة فيهما ، أو مسلطًا رأيه على ما لا يوافق مذهبه بالشبهات المخترعة الركيـكـة ، حتـى يتـفـق الـكـتاب ، والسـنة عـلى مـذهبـه ، وهيـهات أن يتفق!! ولو أخذ سبيل الـمـؤمنين ، وسـلك مـسلك الـمتبعين ، لبـنى مـذهـبه عليهما ، واقتدى بهما ، ولكنه مصدود عن الخير مصروف ، فهذه حالته إذا نشط للمحاورة في الكتاب ، والسنة ، فأما إذا رجع إلى أصله ، وما بنى بدعته عليه اعترض عليهما بالجحود ، والإنكار ، وضرب بعضها ببعض من غير استبـصار ، واستقبل أصلهما ببهت الجدل ، والنظر من غير افتكار ، وأخذ في الهزو ، والتعجب من غير اعتبار ، استهزاء بآيات الله ، وحكمته ، واجتـراء على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنته”[17]،
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “والمقصود هنا : أن أئمة السنة ؛ كأحمد بن حنبل ، وغيره كانوا إذا ذكرت لهم أهل البدع الألفاظ المجملة ؛ كلفظ الجسم ، والجوهر ، والحيز ، ونحوها لم يوافقوهم ؛ لا على إطلاق الإثبات ، ولا على إطلاق النفي ، وأهل البدع بالعكس ابتدعوا ألفاظًا ، ومعاني ؛ إما في النفي ، وإما في الإثبات ، وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم ؛ الذي يجب اعتقاده ، والبناء عليه ، ثم نظروا في الكتاب ، والسنة ، فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه ، وإلا قالوا هذا من الألفاظ المتشابهة المشكلة ؛ التي لا ندري ما أريد بها ، فجعلوا بدعهم أصلًا محكمًا ، وما جاء به الرسول فرعًا له ، ومشكلًا إذا لم يوافقه ، وهذا أصل الجهمية ، والقدرية ، وأمثالهم ، وأصل الملاحدة ؛ من الفلاسفة الباطنية ، جميع كتبهم توجد على هذا الطريق ، ومعرفة الفرق بين هذا ، وهذا من أعظم ما يعلم به الفرق بين الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله ، وبين السبل المخالفة له ، وكذلك الحكم في المسائل العلمية الفقهية ، ومسائل أعمال القلوب ، وحقائقها ، وغير ذلك ؛ كل هذه الأمور قد دخل فيها ألفاظ ، ومعان محدثة ، وألفاظ ، ومعان مشتركة ؛ فالواجب أن يجعل ما أنزله الله من الكتاب ، والحكمة أصلًا في جميع هذه الأمور ، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك ، ويبين ما في الألفاظ الـمجملة من الـمعاني الموافقة للكتاب ، والسنة ؛ فتقبل ، وما فيها من المعاني المخالفة للكتاب ، والسنة فترد”[18].
5] الْإِدْبَارُ عَنِ الْعُلُوْمِ السَّلَفِيَّةِ ، وَلَيُّ الْأَلْسُنَةِ بِالْقَدْحِ فِيْهَا ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْعُلُوْمِ الْخَلَفِيَّةِ ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيْ الْاِنْتِصَارِ لَهَا ، وَتَفْضِيْلُهَا عَلَى غَيْرِهَا ، بل يهرعون مسرعين إليها ، تاركين علوم السلف الأصيلة ، مشككين ، ومتشككين فيها ، وما ذاك منهم إلا لأنها لم توافق أهواءهم ، ومشاربهم ، وإذا نظرنا إلى ما جاء في محاضرة داعية الأشاعرة “العرفج” هذا وجدنا اعتناءه البالغ المبالغ بالعلماء الخلفيين ، وقد نصب مذاهبهم ولكأنها هي الميزان الذي توزن به الأقوال ، والأفعال ، والاعتقادات ؛ كما فعل -معتمدًا ، محتفيًا- بأقوال تاج الدين السبكي ، ووالده ، وفي المقابل نجد إعراضه الواضح عن علوم أصحاب القرون المفضلة ، المبنية على الكتاب ، والسنة ، وإجماع سلف الأمة ، وإذا استشهد بأقوال أحد منهم فإنه لا يأتي بالصريح منها ، بل بالمتشابه الخفي ، المصروف إلى ما يهواه ، ويعتقده ، مع كثرة الجدل ، والخصومة التي لا طائل تحتها إلا المشاققة ،
قَالَ تَعَالَى : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[التوبة:100] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] ،
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : -وقد سأله شخص يستنصحه- : فأجابه قائلاً : “فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون مما قد جرت سنته ، وكفوا مؤنته ، فعليكم بلزوم السنة ، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ ، والزلل ، والحمق والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصر نافذ قد كفوا ، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى ، وبفضل لو كان فيه أجري ، فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم ، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ، ورغب بنفسه عنهم ، إنهم لهم السابقون ، فقد تكلموا منه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم مقصر ، وما فوقهم مخسر ، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم”[19].
وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّالَكَائِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “أما بعد : فإن أوجب ما على المرء : معرفة اعتقاد الدين ، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده ، وصفاته ، وتصديق رسله بالدلائل ، واليقين ، والتوصل إلى طرقها ، والاستدلال عليها بالحجج ، والبراهين ، وكان من أعظم مقول ، وأوضح حجة ، ومعقول : كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله رضي الله عنه ، وصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ، ثم التمسك بمجموعها ، والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع ، والاستماع إليها مما أحدثها المضلون”[20].
وَقَالَ اِبْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : “وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا فظنوا أن من كثر كلامه ، وجداله ، وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك ، وهذا جهل محض ، وانظر إلى أكابر الصحابة ، وعلمائهم ؛ كأبي بكر ، وعمر ، وعلي ، ومعاذ ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، كيف كانوا ؟! كلامهم أقل من كلام ابن عباس ، وهم أعلم منه ، وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة ، والصحابة أعلم منهم ، وكذلك تابعوا التابعين ؛ كلامهـم أكـثر مـن كـلام التابـعين ، والتابعون أعلم منهم ، فليس العلم بكثرة الرواية ، ولا بكثرة المقال ، ولكنه نور يقذف في القلب ، يفهم به العبد الحق ، ويميز به بينه ، وبين الباطل ، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة ، محصلة للمقاصد ، وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم ، واختصر له الكلام اختصاراً ، ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام ، والتوسع في القيل ، والقال … وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم ؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ، ومن بعدهم ؛ لكثرة بيانه ، ومقاله ، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين ، وهذا يلزم منه ما قبله ؛ لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولًا ممن كان قبلهم ؛ فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولًا بطريق الأولى ؛ كالثوري ظن والأوزاعي ، والليث ، وابن المبارك ، ، وطبقتهم ، وممن قبلهم من التابعين ، والصحابة أيضاً ، فإن هؤلاء كلهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم ، وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح ، وإساءة ظن بهم ، ونسبته لهم إلى الجهل ، وقصور العلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة أنهم أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علوماً ، وأقلها تكلفاً ، وروي نحوه عن ابن عمر أيضاً ، وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً ، وأكثر تكلفاً”[21].6)
6] نَبْزُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالتَّوْحِيْدِ -خَاصَّةً الْمُتَأَخِّرِيْنَ مِنْهُمْ- بِالْأَلْفَاظِ الْبَذِيْئَةِ ، وتضليلهم ، أو الإشارة إلى تكفيرهم ، والفت في عضد الجماعة المسلمة في بلادنا ، وذلك بطريقة التهوين ، والتشكيك في عقيدتهم السلفية ، والتحذير من علمائهم ، والتقليل من شأنهم ، وإخراجهم بأنهم علماء ضلالة ، وأن مناهج الدولة الدينية -التي يدرسونها- مناهج مبتدعة ، منحرفة ، ومن الأمثلة في ذلك ما فعله داعية الأشاعرة هنا لما نبز أهل السنة ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن تبعه من تلاميذ مدرسته بأنهم مجسمة ممثلة ، وارجعوا إلى كتابات ، ومحاضرات داعية الأشاعرة هذا -وأمثاله- تجدون صدق ما أقول لكم هنا ،
يَقُوْلُ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللهُ : “وسمعت أبي يقول : «وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية ، يريدون إبطال الآثار ، وعلامة الجهمـية تسميتهم أهل السنة مشبهة ، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة ، وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة ، ونقصانية ، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة»”[22]،
وَيَقُوْلُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ نُوْنِيَّتِهِ الْمَشْهُوْرَةِ- [23]:
كَمْ ذَا مُشَبِّهَةٌ مُجَسِّمَةٌ نَوَا |
|
بِتَةٌ مَسَبَّةَ جَاهِلِ فَتَّانِ |
أَسْمَاءُ سَمِّيْتُمْ بِهَا أَهَلَ الْحَـ |
|
ـدِيْثِ وَنَاصِرِيْ الْقُرْآنِ وَالْإِيْمَانِ |
سَمَّيْتُمُوْهُمْ أَنْتُمُ وَشُيُوْخُكُمْ |
|
بُهْتًا بِهَا مِنْ غَيْر مَا سُلْطَانِ |
وَجَعَلْتُمُوْهَا سُبَّةً لِتُنَفِّرُوْا |
|
عَنْهُمْ كَفِعْلِ السَّاحِرِ الشَّيْطَانِ |
مَا ذَنْبُهُمْ وَاللهِ إِلَّا أَنَّهُمْ |
|
أَخَذُوْا بِوَحِيِّ اللهِ وَالْفُرْقَانِ |
وَأَبَوْا بِأَنْ يَتَحَيَّزُوْا لِمَقَالَةٍ |
|
غَيْرِ الْحَدِيْثِ وَمُقْتَضَى الْقُرْآنِ |
إِلَى أَنْ قَالَ :
هَذَا وَثَمَّ لَطِيْفَةٌ أُخْرَى |
|
سُلْوَانُ مَنْ قَدْ سُبَّ بِالْبُهْتَانِ |
تَجِدُ الْمُعَطِّلَ لِاعِنًا لِمُجَسِّمٍ |
|
وَمُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِالْإِنْسَانِ |
وَاللهُ يَصْرِفُ ذَاكَ عَنْ أَهْلِ الْهُدَى |
|
كَمُحَمَّدٍ وَمُذَمَّمِ إِسْمَانِ |
هُمْ يَشْتُمُوْنَ مُذَمَّمَا وَمُحَمَّدٌ |
|
عَنْ شَتْمِهِمْ فِيْ مَعْزَلٍ وَصِيَانِ |
صَانَ الْإِلَهُ مُحَمَّدًا عَنْ شَتْمِهِمْ |
|
فِيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى هُمَا صُنْوَانِ |
كَصِيَانَةِ الْأَتْبَاعِ عَنْ شَتْمِ الْمُعَـ |
|
ـطِّلِ لِلْمُشَبِّهِ هَكَذَا الْإِرْثَانِ |
وَالسَّبُّ مَرْجِعُهُ إِلَيْهُمُ إِذْ هُمُ |
|
أَهْلٌ لِكُلِّ مَذَمَّةٍ وَهَوَانِ |
وَكَذَا الَمُعَطِّلُ يَلْعَنُ اِسْمَ مُشَبِّهٍ |
|
وَاسْمُ الْمُوَحِّدِ فِيْ حِمَى الرَّحْمَن |
هَذِي حِسَانُ عَرَائِسٍ زُفَّتْ لَكُمْ |
|
وَلَدَى الْمُعَطِّلِ هُنَّ غَيْرُ حِسَانِ |
وَالْعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِّ مُوَفَّقٍ |
|
مِنْ غَيْرِ بَوَّابٍ وَلَا اِسْتِئْذَانِ |
وَيَرُدُّهُ الْمَحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِهِ |
|
لَا تُشْقِنَا اللَّهُمَّ بِالْحِرْمَانِ |
وَيَقُوْلُ الشَّيْخُ بَكْرٌ أَبُوْ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ : “وهذا مطمع -أي : القدح في علماء الأمة- مؤكد من خطط أعداء الملة ؛ لعدائها ، والاستعداء عليها في منظومتهم الفَسْلَة لكيد المسلمين ، ومنها : أن الكفار تكلموا طعنا في راوية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه دون غيره من الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأنه أكثرهم رواية ؛ فإذا استسهل الطعن فيه تبعه من دونه رواية ؛ لهذا فقد أطبق أهل الملة الإسلامية على أن : «الطَّعْنَ فِيْ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ زَنْدَقَةٌ مَكْشُوْفَةٌ» ، وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر ؛ علماء الأمة العاملين ؛ لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله ، وشرعه ؛ ولهذا أطبق العلماء رحمهم الله تعالى على أن : «مِنْ أَسْبَابِ الْإِلْحَادِ الْقَدْحُ بِالْعُلَمَاءِ» ، قال الدورقي رحمه الله تعالى : «مَنْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ بِسُوْءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ» ، وقالها أحمد رحمه الله تعالى في حق يحيى بن معين ، وقيلت في حق أبي زرعة ، وعكرمة رحم الله الجميع … ، ومازالت ثائرة أهل الأهواء توظف هذه المكيدة في ثلب علماء الأمة ، فقد لجُّوا في الحط على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ؛ لأنه عمدة في القرون المتأخرة ؛ لإحياء منهج السلف ، ونشروا في العالم التشنيع على دعوة علماء السلف في قلب الجزيرة العربية بالرجوع إلى الوحيين الشريفين ، ونبزهم بشتى الألقاب للتنفير”[24].
(2)
خَاتِمَةٌ جَامِعَةٌ .
وبعد هذه الحلقات الثمان -والتي خصصتها في الرد على داعية الأشاعرة “العرفج”- أحب في نهاية المطاف أن أوجه دعوة صادقة للمردود عليه ، ولمن خطا خطاه من تلاميذه ، وأتباعه ، فأقول لهم -بعبارات مختصرة موجزة- :
سَارِعُوْا ، وبادروا إلى الله تعالى بالتوبة النصوح قبل أن يمضي وقتها ،
وَاعْلَمُوْا أن “أشجع الناس أشدهم من الهوى امتناعًا”[25] ، وأن “خير الناس من أخرج الشهوة من قلبه ، وعصى هواه في طاعة ربه”[26]،
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله …
وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ إِلَى قَبُوْلِ الْحَقِّ ، وَالْعَمَلِ بِهِ ، وَتَرْكِ الْبَاطِلِ ، وَالنُّفُوْرِ مِنْهِ ،
اللَّهُمَّ آمِيْن ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .