عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (95)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
(3)
“وَمِنْ خَصَائِصِ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا وَقْفٌ فِيْ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ ؛ عَلَى مَنْ قَالَ : “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ” ، وَقَامَ بِحَقِّهِمَا ،
وَهِيَ -أَيْ : هَذِهِ الْجَزِيْرَةُ- وَدِيْعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمَّتِهِ ، الَّتِي اِسْتَحْفَظَهُمْ عَلَيْهَا فِيْ آخِرِ مَا عَهِدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : “لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُوْدَ ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعُ إِلَّا مُسْلِمًا”[1]، فَهِيَ دَارٌ طَيِّبَةٌ ، لَا يَقْطِنُهَا إِلَّا طَيِّبٌ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُوْنَ خَبِيْثِيْنَ بِشِرْكِهِمْ حُرِّمَتْ عَلَيْهمْ جَزِيْرَةُ الْعَرَبِ ، … ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ إِخْرَاجَهُم فِيْ حَيَاتِهِ -لِعَهْدٍ مُبْرَمٍ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَهُمْ- أَوْصَى صَحَابَتَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَقَالَ : “أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ”[2]، فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -بَعْدُ- لَمَّا نَقَضُوْا الْعَهْدَ[3].
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ :
لَا يَحِقُّ لِأَيِّ كَافِرٍ -وَلَا يَجُوْزُ السَّمَاحُ لَهُ- دُخُوْلُ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ لِلْاِسْتِيْطَانِ فِيْهَا ، وَلَا التَّجَنُّسُ بِجِنْسِيَّتِهَا ،
وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ -وَلَا يَجُوْزُ السَّمَاحُ- لَهُ بِبِنَاءِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ فِيْهَا ؛ وِفْقَ شَرَائِعَ مَنْسُوْخَةٍ ؛ يَهُوْدِيَّةٍ ، أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ ، أَوْ غَيْرِهَا ؛ لِا بِيْعَةٍ ، وَلَا صَوْمَعَةٍ ، وَلَا بَيْتِ نَارٍ ، وَلَا نَصْبِ صَنَمٍ ؛ تَطْهِيْرًا لِهَذِهِ الْجَزِيْرَةِ عَنِ الدِّيْنِ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ دِيْنٍ غَيْرِ دِيْنِ الْإِسْلَامِ ؛ فَهُوَ كُفْرٌ ، وَضَلَالٌ ، وَكُلُّ مَكَانٍ يُعَدُّ لِلْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِ دِيْنِ الْإِسْلَامِ ؛ فَهُوَ بَيْتُ كُفْرٍ ، وَضَلَالٍ ، إِذْ لَا تَجُوْزُ عِبَادَةُ اللهِ إِلَّا بِمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِيْ الْإِسْلَامِ ، وَشَرِيْعَةِ الْإِسْلَامِ ؛ خَاتِمَةِ الشَّرَائِعِ عَامَّةً ؛ لِلثَّقَلَيْنِ ؛ الْجِنِّ ، وَالْإِنْسِ ، وَنَاسِخَةً لِمَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى .
هَذَا ، وَمَنِ اِعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوْتُ اللهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ اللهَ يُعْبَدُ فِيْهَا ، أَوْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُوْدُ ، وَالنَّصَارَى عِبَادَةٌ لِلَّهِ ، وَطَاعَةٌ لِرَسُوْلِهِ ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ ، أَوْ يَرْضَاهُ ، أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا ، وَإِقَامَةِ دِيْنِهِمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ ، أَوْ طَاعَةٌ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدًّا[4][5].
وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ -وَلَا يَجُوْزُ السَّمَاحُ- لِأَيِّ كَافِرٍ أَنْ يُظْهِرَ فِيْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ شَيْئًا مِنْ الْأَعْيَادِ الْكُفْرِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَمِيْمِ شَعَائِرِهِمْ الدِّيْنِيَّةِ الْمَمْنُوْعِ -شَرْعًا- عَلَيْهِمْ إِظْهَارُهَا ،
مِثْلُ : عِيْدِ رَأْسِ السَّنَةِ النَّصْرَانِيَّةِ ، أَوِ الْيَهُوْدِيَّةِ ،
وَمِثْلُ : عِيْدِ مِيْلَادِ الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ السَّلَامِ ؛ الْمُسَمَّى -عِنْدَهُمْ- بِـ”الْكِريِسْمِسِ” ،
وَمِثْلُ : عِيْدِ الْأَنْوَارِ الْيَهُوْدِيِّ “حَانُوْكَا” ، وَهُوَ -عِنْدَهُمْ- عِيْدُ فَرَحٍ لِلْعَامَّةِ ،
وَمِثْلُ : عِيْدِ الْحُبِّ النَّصْرَانِيِّ ، الَّذِيْ يُقَامُ ذِكْرًى لِلْقِدِّيْسِ “فَالِنْتَيْن“ ،
وَمِثْلُ : اِحْتِفَالَاتِ الْهَالْوِويْنِ ؛ الَّتِي تُقَامُ عَشِيَّةَ عِيْدِ “الْقِدِّيْسِيْنَ” ،
وَغْيِرِهَا مِنَ الْأَعْيَادِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا -مُؤَخَّرًا- تُقَامُ لِلْيَهُوْدِ ، وَالنَّصَارَى فِيْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَلَا حَوْلَ ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ .
سَنُكْمِلُ فِيْ الْحَلْقَةِ التَّالِيَةِ بِإِذْنِ اللهِ …