عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (96) / [الجزء الثالث] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
اِعْرِفْ عَدُوَّكَ ، وَعَدَاوَتَهُ ؛ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِيْنَ !!!
(3)
وَمِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ أَنَّهُمْ مُرْجِئَةٌ غَالِيَةٌ ؛ كَإِرْجَاءِ الْجَهْمِيَّةِ الْغَاوِيَةِ ؛ الْقَائِلِيْنَ بِأَنَّ الْإِيْمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَحَسْبُ ، فَمَهْمَا يِأْتِي الْمَرْءُ مِنْ كُفْرِيَّاتٍ ، أَوْ فِسْقِيَّاتٍ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ -عِنْدَهُمْ- فِيْ إِيْمَانِهِ ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ ذَرِيْعَةً إِلَى ظُهُوْرِ الْمَعَاصِي ، وَالْمُنْكَرَاتِ ؛ بَلْ اِسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَالتَّشْكِيْكِ فِيْ الثَّوَابِتِ ، وَالْمُسَلَّمَاتِ -كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ- فَلِهَذَا عَظُمَ الْقَوْلُ فِيْ ذَمِّ الْإِرْجَاءِ -مِنْ قِبَلِ أَسْلَافِنَا الْعُلَمَاءِ- حَتَّى :
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “لَفِتْنَتُهُمْ -يَعْنِي : الْمُرْجِئَةَ- أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ “الْأَزَارِقَةِ” -يَعْنِي : الْخَوَارِجَ- ،
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “مَا اُبْتُدِعَتْ فِيْ الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ الْإِرْجَاءِ” ،
وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي -وَذَكَرَ الْمُرْجِئَةَ- فَقَالَ : “هُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ -حَسْبُك بِالرَّافِضَةِ خُبْثًا- وَلَكِنَّ الْمُرْجِئَةَ يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ”[1].
وَفَسَادُ أَقْوَالِ الْمُرْجِئَةِ– خَاصَّةً غُلَاتِهِمْ- يَعْلَمُهُ الْمُوَحِّدُ ضَرَوْرَةً مِنْ دِيْنِ الْإِسْلَامِ ؛ فَـ”يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ نُؤْمِنُ بِمَا جِئْتَنَا بِهِ بِقُلُوبِنَا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ؛ وَنُقِرُّ بِأَلْسِنَتِنَا بِالشَّهَادَتَيْنِ ؛ إلَّا أَنَّا لَا نُطِيعُك فِي شَيْءٍ مِمَّا أَمَرْت بِهِ ، وَنَهَيْتَ عَنْهُ ؛ فَلَا نُصَلِّي ، وَلَا نَصُومُ ، وَلَا نَحُجُّ ، وَلَا نُصَدِّقُ الْحَدِيثَ ، وَلَا نُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ، وَلَا نَفِي بِالْعَهْدِ ، وَلَا نَصِلُ الرَّحِمَ ، وَلَا نَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي أَمَرْت بِهِ ، وَنَشْرَبُ الْخَمْرَ ؛ وَنَنْكِحُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالزِّنَا الظَّاهِرِ ، وَنَقْتُلُ مَنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ ، وَأُمَّتِكَ ، وَنَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ ، بَلْ نَقْتُلُكَ -أَيْضًا- وَنُقَاتِلُكَ مَعَ أَعْدَائِكَ ؛ هَلْ كَانَ يَتَوَهَّــمُ عَاقِلٌ أَنَّ النَّبِـيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَـهُمْ : أَنْتُمْ مُؤْمِنُونَ كَامِلُو الْإِيمَانِ ، وَأَنْتُمْ مِـنْ أَهْــلِ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُــرْجَى لَكُــمْ أَلَّا يَدْخُلَ أَحَــدٌ مِنْــكُمْ النَّارَ ، بَلْ كُلُّ مُسْلِمٍ يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ أَكْفَرُ النَّاسِ بِمَا جِئْتُ بِهِ ، وَيَضْرِبُ رِقَابَهُمْ ؛ إنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ ذَلِكَ”[2].
وَلِلْحَدِيْثِ بَقِيَّةٌ يَسِيْرَةُ ، سَنُتِمُّهَا -إِنْ شَاءَ اللهُ- فِيْ الْأُسْبُوْعِ الْقَادِمِ …