عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (100)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
تَبْدِيْلُ الشَّرِيْعَةِ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
(2)
وَمِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ فِيْ طَاغُوْتِيَّةِ ، وَكُفْرِ مُبَدِّلِي الشَّرِيْعَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِالْقَـوَانِيْنِ الْوَضِيْعَةِ الْوَضْعِيَّةِ :
قَوْلُ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء:65]- قال : {فَلَا} : فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ ، وَيَصُدُّونَ عَنْكَ إِذَا دُعُوا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، وَاسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ جَلَّ ذِكْرُهُ فَقَالَ : {وَرَبِّكَ} : يَا مُحَمَّدُ {لَا يُؤْمِنُونَ} ؛ أَيْ : لَا يُصَدِّقُونَ بِي ، وَبِكَ ، وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]”[1]؛
وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “وَالْإِنْسَانُ مَتَى حَلَّلَ الْحَرَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ ، أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ ، أَوْ بَدَّلَ الشَّرْعَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا ؛ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ”[2].
وَقَوْلُ الْإِمَامِ اِبْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “وَالطَّاغُوتُ : كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ ؛ مِنْ مَعْبُودٍ ، أَوْ مَتْبُوعٍ ، أَوْ مُطَاعٍ ؛ فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ ، وَرَسُـولِهِ ، أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْ اللَّهِ ، أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ ؛ فَهَذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ”[3].
وَقَوْلُ الْإِمَامِ اِبْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ : “فَمَنْ تَرَكَ الشَّرْعَ الْمُحْكَمَ الْمُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَتَحَاكَمَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ الْمَنْسُوْخَةِ كَفَرَ ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَحَاكَمَ إِلَى الْيَاسَا[4]، وَقَدَّمَهَا عَلَيْهِ ؟! مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِيْنَ”[5]،
وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ : “وَالطَّوَاغِيْتُ كَثِيْرَةٌ ، وَرُؤُوْسُهُمْ خَمَسَةٌ -وَذَكَرَ مِنْهُم- : الَّذِيْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]”[6]؛
وَقَوْلُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ آلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ : “إِنَّ مِنَ الْكُفْرِ الْأَكْبَرِ الْمُسْتَبِيْنِ تَنْزِيْلَ الْقَانُوْنِ اللَّعِيْنِ مَنْزِلَةَ مَا نَزَلَ بِهِ الرُّوْحُ الْأَمِيْنُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُوْنَ مِنَ الْمُنْذِرِيْنَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ ، فِيْ الْحُكْمِ بَيْنَ الْعَالَمِيْنَ ، وَالرَّدَّ إِلَيْهِ عِنْدَ تَنَازُعِ الْمُتَنَازِعِيْنَ ، مُنَاقَضَةً ، وَمُعَانَدَةً لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء:59] ،
وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “الْقَوَانِيْنُ كُفْرٌ ، نَاقِلٌ عَنِ الْمِلَّةِ … ، أَمَّا الَّذِيْ قِيْلَ فِيْهِ : “كُفْرٌ دُوْنَ كُفْرٍ”[7]إِذَا حَاكَمَ إِلَى غَيْرِ اللهِ مَعَ اِعْتِقَادِهِ أَنَّهُ عَاصٍ ، وَأَنَّ حُكْمَ اللهِ هُوَ الْحَقُّ : فَهَذَا الَّذِي يَصْدُرُ مِنْهَ الْمَرَّةَ ، وَنَحْوِهَا ، أَمَّا الَّذِي جَعَلَ قَوَانِيْنَ بِتَرْتِيْبٍ ، وَتَخْضِيْعٍ فَهُوَ كُفْرٌ ؛ وَإِنْ قَالُوْا : أَخْطَأْنَا ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ أَعْدَلُ”[8].
وَقَالَ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ : “وَهَؤُلَاءِ الْمُحَكِّمُوَنَ لِلْقَوَانِيْنِ لَا يُحَكِّمُوْنَهَا فِيْ قَضَيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ، خَالَفُوْا فِيْهَا الْكِتَابَ ، وَالسُّنَّةِ ؛ لِهَوًى ، أَوْ لِظُلْمٍ ، وَلَكِنَّهُمْ اِسْتَبْدَلُوْا الدِّيْنَ بِهَذَا الْقَانُوْنِ ، وَجَعَلُوْا هَذَا الْقَانُوْنَ يَحِلُّ مَحَلَّ شَرِيْعَةِ اللهِ ، وَهَذَا كُفْرٌ ؛ … إِنَّ مَنِ اِسْتَبْدَلَ شَرِيْعَةَ اللهِ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقَوَانِيْنِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ ؛ وَلَوْ صَامَ ، وَصَلَّى ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ كُفْرٌ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ”[9]؛
وَلِلْحَدِيْثِ بَقِيَّةٌ قَرِيْبَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ …
[7] يشير رحمه الله إلى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله : “لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ إِنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقِلُ عَنِ الْمِلَّةِ ،{وَمَنْ لَمْ حْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ”[رواه الحاكم في المستدرك (3219)] .
([4]) هو القانون الوضعي الذي وضعه جنكيز خان ، قائدُ التتار ، وألزم الناسَ بالتحاكم إليه .
([5]) البداية والنهاية (13/139) .
([7]) يشير رحمه الله إلى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله : “لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ إِنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقِلُ عَنِ الْمِلَّةِ ،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ”[رواه الحاكم في المستدرك (3219)] .