عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (101)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“عَلَى الْبَاغِي تَدُوْرُ الدَّوَائِرُ” .
وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ :
قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[يونس:23]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {وكذلك جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ}[الأنعام: 123] .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»[1] .
فَالْبَغْيُ مَرْتَعُهُ وَخِيْمٌ ، وَسَيَصْرَعُ صَاحِبَهُ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ ، وَمَا أَعْطَى الْبَغْيُ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا أَخَذَ مِنْهُ الشَّيْءَ الْكَثِيْرَ ،
فَيَا أَيُّهَا الظَّلَمَةُ ، الْبُغَاةُ ؛ لَا مَفَرَّ لَكُمْ ، وَلَا مَنَاصَ ، اِنْتَظِرُوْا عِقَابَ اللهِ ؛ إِنْ فِيْ الدُّنْيَا ، أَوْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ ،
أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمَظْلُوْمُوْنَ ، الْمَبْغِيُّ عَلَيْهِمْ ، فَانْتَظِرُوْا -كَذَلِكَ- فَرَجَ اللهِ ، وَانْتِقَامَهُ مِن الظَّالِمِيْنَ الْمُعْتَدِيْنَ ، فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا نَصِيْرُ الْمَظْلُوْمِيْنَ ، مُدَافِعٌ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ ، وَقَدْ جَعَلَ الْعَاقِبَةَ ، وَالْإِدَالَةَ لِلْمُتَّقِيْنَ ؛ فَإِنْ صَبَرْتُمْ ، وَعَفَوْتُمْ فَإِنَّ اللهَ عَفُوٌّ غَفُوْرٌ ، وَإِنِ اِنْتَصَرْتُمْ -بِلَا تَعَدٍّ ، وَلَا ظُلْمٍ- فَهُوَ لَكُمْ حَقٌ مَشْرُوْعٌ ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيْلٍ * إِنَّمَا السَّبِيْلُ عَلَى الَّذِيْنَ يَظْلِمُوْنَ النَّاسَ وَيَبْغُوْنَ فِيْ الْأَرْضِ بَغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ}[الشورى:40-42]
اللَّهُمَّ أَعِنَّا ، وَلَا تُعِنْ عَلَيْنَا ، وَانْصُرْنَا ، وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْنَا ، وامْكُرْ لَنَا ، وَلَا تَمْكُرْ عَلَيْنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا ، وَاهْدِنَا ، وَيَسِّرْ الْهُدَى إِلَيْنَا ، رَبَّنَا أَجْبْ دَعَوَاتِنَا ، وَاهْدِ قُلُوْبَنَا ، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا ، وَاسْلُلْ سَخَائِمَ قُلُوْبِنَا[2]،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .
([2]) مقتبس من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا ، لَكَ ذَاكِرًا ، لَكَ رَاهِبًا ، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ ، مُخْبِتًا ، أَوْ مُنِيبًا ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي»[رواه أبو داوود (1510) ، والترمذي (3551) ، وابن ماجه (3830)] .