عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (102)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“الْمُؤْمِنُ مُكَفَّأٌ بِالْبَلَاءِ” .
تَارَاتٌ بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَاتٌ بِضِدِّهَا ،
وَمِنَ الْاِبْتِلَاءَاتِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الْعِبَادُ فِيْ هَذِهِ الْأَزْمَانِ :
اِبْتِلَاءٌ فِيْ الدِّيْنِ ، بِشُبُهَاتٍ -أَوْ شَهَوَاتٍ- يَبُثُّهَا الْمُبْطِلُوْنَ الْمُنَافِقُوْنَ ، عَبْرَ الْقَنَوَاتِ ، أَوِ الصُّحُفِ ، وَالْمُؤَلَّفَاتِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِالشَّيَاطِيْنِ ، وَنَفْخِهِمْ فِيْ النُّفُوْسِ الضَّعِيْفَةِ : الْعُجْبَ ، وَالْكِبْرَ ، وَالتَّعَالِى عَلَى الْعِبَادِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِحَسَدِ الْأَقْرَانِ ، وَتَخَلِّي الْأَصْدِقَاءِ ، وَظُلْمِ الْجِيْرَانِ ، وَأَذِيَّةِ الزَّوْجَاتِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِفَقْدِ الْأَحْبَابِ ؛ مِنْ عُلَمَاءَ ، أَوْ آبَاءَ ، أَوْ أَقَارِبَ ، أَوْ خِلَّانٍ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِظُهُوْرِ الْجَهْلِ ، والْجُهَلَاءِ ، وَالْمُتَعَالِمِيْنَ الْبُلَدَاءِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِجَوْرِ السَّلَاطِيْنِ ، وَظُلْمِهِمْ ، وَاسْتِئْثَارِهِمْ بِالْأَمْوَالِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِكَثْرَةِ مُنْكَرَاتِ الْفَجَرَةِ الْفُسَّاقِ ، وَمُجَاهَرَتِهِمْ لَهَا ، وَضَعْفِ أَهْلِ الْإِيْمَانِ فِيْ التَّصَدِّي لَهُمْ بِالرَّدِّ ، وَالْمَنْعِ ، وَالْإِنْكَارِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِتَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ ، وَهَيْمَنَتِهِمْ -قَسْرًا ، وَجَبْرًا ، وَإِرْهَابًا- عَلَى الدُّوَلِ ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ ،
وَاِبْتِلَاءٌ بِالْفَقْرِ الْمُدْقِعِ ، أَوِ الْغِنَى الْمُفْحِشِ ، أَوِ الْمَرَضِ الْمُوْجِعِ ،
وَغَيْرُهَا مِنَ الْاِبْتِلَاءَاتِ ،
فَالْمُسْلِمُ يُبْتَلَى بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْاِبْتِلَاءَاتِ ؛ لَيَرَى اللهُ قَدْرَ صَبْرِهِ ، وَثَبَاتِهِ عَلَى دِيْنِهِ ، “فَإِنْ كَانَ فِيْ دِيْنِهِ صَلَابَةٌ زِيْدَ فِيْ بَلَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ“[1]، وَ”اللهُ عِنْدَهُ مِنَ الْمَنَازِلِ الْعَالِيَةِ فِيْ دَارِ كَرَامَتِهِ مَا لَا يَنَالُهَا إِلَّا أَهْلُ الْبَلَاءِ”[2]، وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَفْرَحُوْنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُنَا بِالْعَافِيَةِ ، وَالرَّخَاءِ”[3]،
«اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا ، وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»[4].
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .
[3] مقتبس من حديث رواه ابن ماجه في سننه (4024) ، قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ ، قَالَ : «إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلَاءُ ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الْأَجْرُ» ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : «الْأَنْبِيَاءُ» ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : «ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَحُوبُهَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ» .