عِبَرٌ ، وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ ؛ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ ، فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبَشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (103)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … ، أَمَّا بَعْدُ :
“اُحْثُوْا فِيْ وُجُوْهِ الْمَدَّاحِيْنَ التُّرَابَ”[1].
جَزَاءَ مَا اقْتَرَفُوْهُ مِنْ غُلُوٍّ ، وَإِسْرَافٍ ، فِيْ الْمَدِيْحِ ، وَالثَّنَاءِ ،
وَيَعْظُمُ الْأَمْرُ إِذَا كَانَ هَذَا الْغُلُوُّ وَاقِعًا عَلَى الْعُلَمَاءِ ، أَوِ الْأُمَرَاءِ ، أَوْ كُبَرَاءِ الْقَوْمِ ، وَالْوُجَهَاءِ ،
وَيَشْتَدُّ الْخَطْبُ إِنْ قَارَنَ هَذَا الْإِطْرَاءَ رَفْعُ صُوَرٍ لِلْمَمْدُوْحِ ؛ مُزَيَّنَةً ، مُجَمَّلَةً ؛ مَرْقُوْمَةً كَانَتْ ، أَوْ مُجَسَّمَةً ،
وَيَسْتَفْحِلُ الْإِثْمُ إِنْ كَانَ الْمَمْدُوْحُ مِنَ الظَّلَمَةِ الْمُتَسَلِّطِيْنَ ، أَوِ الْفَجَرَةِ الْغَاوِيْنَ ، أَوْ الْفُسَّاقِ الْمُجَاهِرِيْنَ ،
وَفِيْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْإِجْتِمَاعِيِّ -وَيَا لَلْأَسَفِ- صَارَتْ لِلْمَدَّاحِيْنَ وَظَائِفُ مَرْمُوْقَةٌ ؛ يَتَقَاضَوْنَ عَلَيْهَا رَوَاتِبَ مُجْزِيَةً ، وَمُكَافَئَاتٍ مُغْرِيَةً ،
وَانْتَشَرَ هَذَا الدَّاءُ فِيْ الْأُمَّةِ حَتَّى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ -هَدَاهُمُ اللهُ- صَارُوْا يَقِيْسُوْنَ وَلَاءَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمَ ، وَصِحَّةَ اِنْتِمَائِهِ لِدِيْنِهِ ، وَعَقِيْدَتِهِ بِكَثْرَةِ ثَنَائِهِ ، وَإِطْرَائِهِ لِحُكَّامِ ، وَأُمَرَاءِ وَطَنِهِ ؛ وَهَذَا -فِيْمَا أَرَى- هُوَ أَحَدُ أَسْبَابِ خُرُوْجِ وَبَاءِ النِّفَاقِ ، وَالْمُنَافِقِيْنَ فِيْ زَمَنِنَا هَذَا .
نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ ،
قَالَ اللهُ تَعَالَى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}[النساء:171] ،
وَقَالَ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ”[2] ،
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا مُحَـمَّدُ ، يَا سَيِّدَنَا ، وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا ، وَابْنَ خَيْرِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، عَبْدُ اللهِ ، وَرَسُولُهُ ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ”[3]،
نَسْأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّيْنِ ، بِلَا غُلُوٍّ ، أَوْ تَفْرِيْطٍ ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ،
وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا الْأَمِيْنِ ، وَآلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .