عِبَرٌ ، وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ ؛ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ ، فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبَشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (104)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … ، أَمَّا بَعْدُ :
وَالْإِغَاظَةُ -وَهِيَ : الْمُرَاغَمَةُ- نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ ، جِهَادِ الْكُفَّارِ[1]، وَالْمُنَافِقِيْنَ[2]، وَقَدْ تَكُوْنُ -أَحْيَـانًا- أَنْكَـى فِـيْ نُفُوْسِهِمْ ، وَأَدْفَـعُ لِشَرِّهِـمْ ، وَهُـوَ مُتَيَـسِّرٌ لِكُـلِّ وَاحِـدٍ مِنَّـا ؛ كُلٌّ بِحَسَبِهِ ، وَعَلَى قَدْرِ اِسْتِطَاعَتِهِ ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ فِيْ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ ؛ خَاصَّةً فِيْ أَزْمِنَتِنَا هَذِهِ ؛ الَّتِيْ أَضْحَتِ الْأَعْدَاءُ فِيْنَا تَحَكَّمُ[3]، وَقَدْ جَاءَ فِيْ هَذَا :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}[التوبة:120] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:29] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء:100] ،
فَـيَا أَهْلَ الْإِيْمَانِ -رِجَالَهُمْ ، وَالنِّسَاءَ- أَغِيْظُوْا أَعْدَاءَ اللهِ ، وَرَاغِمُوْهُمْ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِإِعْلَانِ كَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا ، فِيْ كُلِّ مَكَانٍ ، وَزَمَانٍ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِتَحْكِيْمِ الشَّرِيْعَةِ ، وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَوَانِيْنِهِمُ الْوَضْعِيَّةِ ، وَوَاضِعِيْهَا ، وَأَحْكَامِهِمْ الطَّاغُوْتِيَّةِ ، وَالْقَاضِي بِهَا ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِالْاِعْتِزَازِ بِالسُّنَّةِ ، وَإِعْلَانِهَا ، وَالتَّمَسُّكِ بِهَا ، بَلْ وَالْعَضِّ عَلَيْهَا ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِهَجْرِ الْمَعَاصِي ، وَأَهْلِهَا ؛ دِيَارِهِمْ ، وَقَنَوَاتِهِمْ ، وَمَوَاقِعِهِمْ ، وَفَعَالِيَّاتِهِمْ ، وَمَهْرَجَانَاتِهِمْ ، وَمَلَاعِبِهِمْ ، وَمَسَارِحِهِمْ ، وَمَطَاعِمِهِمْ ، وَوَظَائِفِهِمْ ، …
أَغِيْظُوْهُمْ بِكَثْرَةِ الْإِنْجَابِ ، ثُمَّ تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ ، وَالْأَحْفَادِ عَلَى الْقُرْآنِ ، وَسُنَّةِ الْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِ ، بِفَهْمِ السَّلَفِ الْكِرَامِ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِإِظْهَارِ التَّعَفُّفِ ، وَالْعَفَافِ ، وَالْحِشْمَةِ ، وَالْاِحْتِشَامِ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِالصَّدْعِ بِالْحَقِّ ، أَمْرًا بِالْمَعْرُوْفِ ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِالْاِجْتِمَاعِ ، وَنَبْذِ الْفُرْقَةِ ، وَالْاِخْتِلَافِ ،
أَغِيْظُوْهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ ، وَعَدَمِ التَّنَازُلِ لَهُمْ فِيْ غَيِّهِمْ ، وَفُسُوْقِهِمْ ، وَفُجُوْرِهِمْ قِيْدَ أُنْمُلَةٍ ، وَلَوْ كَلَّفَ ذَلِكَ ذَهَابَ الْأَرْوَاحِ ، وَالْأَمْوَالِ ،
أَغِيْظُوْهُمْ ، وَرَاغِمُوْهُمْ ، وَتَعَبَّدُوْا لِلَّهِ بِذَلِكَ ؛ مُخْلِصِيْنَ ، مُحْتَسِبِيْنَ ؛ “فَمَنْ تَعَبَّدَ اللَّهَ بِـمُرَاغَمَةِ عَدُوِّهِ فَقَدْ أَخَذَ مِنَ الصِّدِّيقِيَّةِ بِسَهْمٍ وَافِرٍ ، وَعَلَى قَدْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ ، وَمُوَالَاتِهِ ، وَمُعَادَاتِهِ لِعَدُوِّهِ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ الْمُرَاغَمَةِ ، … ، وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ ، وَمَـنْ ذَاقَ طَعْمَـهُ ، وَلَذَّتَهُ بَكَى عَلَـى أَيَّامِهِ الْأُوَلِ ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”[4].
وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا الْأَمِيْنِ ، وَآلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .