عِبَرٌ ، وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ ؛ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ ، فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبَشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (105)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … ، أَمَّا بَعْدُ :
فُتُوْرُ الِإِجَازَاتِ ، وَضَيَاعُ الْأَوْقَاتِ .
يَقُوْلُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
“وَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، وَمَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ ، فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ لِلَّهِ ، وَبِاللَّهِ فَهُوَ حَيَاتُهُ ، وَعُمُرُهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ ، وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَاشَ عَيْشَ الْبَهَائِمِ ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ ، وَالسَّهْوِ ، وَالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ ، وَكَانَ خَيْرَ مَا قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ ، وَالْبِطَالَةُ فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ -وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ- لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ بِاللَّهِ ، وَلِلَّهِ …
وَقَدْ رَكَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْإِنْسَانِ نَفْسَيْنِ : نَفْسًا أَمَّارَةً ، وَنَفْسًا مُطْمَئِنَّةً ، وَهُمَا مُتَعَادِيَتَانِ ، فَكُلُّ مَا خَفَّ عَلَى هَذِهِ ثَقُلَ عَلَى هَذِهِ ، وَكُلُّ مَا الْتَذَّتْ بِهِ هَذِهِ تَأَلَّمَتْ بِهِ الْأُخْرَى ، فَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَإِيثَارِ رِضَاهُ عَلَى هَوَاهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْفَعُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَمَا جَاءَ بِهِ دَاعِي الْهَوَى ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْهُ ، وَالْمَلَكُ مَعَ هَذِهِ عَنْ يَمْنَةِ الْقَلْبِ ، وَالشَّيْطَانُ مَعَ تِلْكَ عَنْ يَسْرَةِ الْقَلْبِ ، وَالْحُرُوبُ مُسْتَمِرَّةٌ لَا تَضَعُ أَوْزَارَهَا إِلَّا أَنْ يُسْتَوْفَى أَجَلُهَا مِنَ الدُّنْيَا ، وَالْبَاطِلُ كُلُّهُ يَتَحَيَّزُ مَعَ الشَّيْطَانِ ، وَالْأَمَّارَةِ ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ يَتَحَيَّزُ مَعَ الْمَلَكِ ، وَالْمُطْمَئِنَّةِ ، وَالْحَرْبُ دُوَلٌ ، وَسِجَالٌ ، وَالنَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ ، وَمَنْ صَبَرَ ، وَصَابَرَ ، وَرَابَطَ ، وَاتَّقَى اللَّهَ فَلَهُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمًا لَا يُبَدَّلُ أَبَدًا : أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى ، وَالْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ، فَالْقَلْبُ لَوْحٌ فَارِغٌ ، وَالْخَوَاطِرُ نُقُوشٌ تُنْقَشُ فِيهِ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ نُقُوشُ لَوْحِهِ مَا بَيْنَ كَذِبٍ ، وَغُرُورٍ ، وَخُدَعٍ ، وَأَمَانِيِّ بَاطِلَةٍ ، وَسَرَابٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؟! فَأَيُّ حِكْمَةٍ ، وَعِلْمٍ ، وَهُدًى يَنْتَقِشُ مَعَ هَذِهِ النُّقُوشِ ؟! …”[1].