القائمة إغلاق

“الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ الْأَوَّلُ :

عَلَى كِتَابِ : “رِسَالَةٌ فِيْ شَرْحِ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ” ؛

لـِمُؤَلِّفِهِ : مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَيْرِ الْأَحْسَائِيِّ الشَّافِعِيِّ (ت : 1299ه) .

اِعْتَنَى بِالرِّسَالَةِ : فَيْصَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخَطِيْبُ .

طبُعَتْ عَامَ : 1436ه ، فِيْ : دَارِ الضِّيَاءِ ، لِلنَّشْرِ ، وَالتَّوْزِيْعِ ، فِيْ دَوْلَةِ الْكُوْيْتِ .

-(1)-

وَبَعْدَ اِطْلِاعِي عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ خَرَجْتُ مِنْهَا بِمُلَاحَظَاتٍ عَدِيْدَةٍ ، مِنْ أَهَمِّهَا مَا يَلِي :

1) يُفَسِّرُ الْمُؤَلِّفُ كَلِمَةَ التَّوْحِيْدِ : “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ” بِتَفْسِيْـرِ الْأَشَـاعِرَةِ ، حَيْـثُ يَقُوْلُ : “اللهُ تَعَالَى وَاحِدٌ ؛ لَا شَرِيْكَ لَهُ ، فَرْدٌ ؛ لَا مِثْلَ لَهُ ، صَمَدٌ ؛ لَا ضِدَّ لَهُ ، مُتَفَرِّدٌ ؛ لَا نِدَّ لَهُ”[1]، وَهُوَ تَفْسِيْرٌ مِنْهُ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ” بِتَوْحِيْدِ الرُّبُوْبِيَّةِ -بِالْمَعْنَى الَّذِيْ يَعْرِّفُوْنَهُ بِهِ- أَمَّا تَفْسِيْـرُ أَهْلِ السُّنَّةِ ؛ مِنَ السَّلَفِ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ يُفَسِّرُوْنَهَا بِمَا فَسَرَّهُ الْقُرْآنُ ؛  كَمَا قَالَ تَعَالَى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير}[لقمان:30] ، وَالْمَعْنَى الصَّحِيْحُ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ : “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ” : “لَا مَعْبُوْدَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ”[2] .

وَلَمَّا لَمْ يُدْخِلِ الْأَشَاعِرَةُ الْعِبَادَةَ فِيْ تَعْرِيْفِ التَّوْحِيْدِ وَقَعَ كَثِيْرٌ مِنْهُمْ فَيْ أَنْوَاعٍ مِنْ شِرْكِ الْأُلُوْهِيَّةِ ؛ كَدُعَاءِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى ؛ كَمَا نَرَاهُمْ يَدْعُوْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْأَوْلِيَاءَ الصَّالِحِيْنَ ، وَيَسْـأَلُوْنَـهُمُ الشَّفَـاعَةَ ، وَالْمَـدَدَ ، وَهُـوَ مَـعْرُوْفٌ مِنْ حَالِ الصُّوْفِيَّةِ الْمُتَمَشْعِرَةِ ؛ فِـيْ كَثِيْرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ .

 2) يَرَى الْمُؤَلِّفُ أَنَّ صِفَاتِ اللهِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ ؛ تُثْبَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِيْ قَالَهُ اللهُ ، وَبِالْمَعْنَى الَّذِيْ أَرَادَهُ[3]، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُفَوِّضَةِ الْأَشَاعِرَةِ ، الَّذِيْنَ يَجْعَلُوْنَ صِفَاتِ اللهِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ ؛ يُؤْمَنْ بِهَا لَفْظًا فَقَطْ ، وَأَمَّا مَعَانِيْهَا فَإِنَّهُمْ يُفَوِّضُوْنَهَا إِلَى اللهِ ؛ أَيْ : يُفَوِّضُوْنَ كَيْفِيَّةَ صِفَاتِ اللهِ ، وَمَعَانِيْهَا ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ السَّلَفِ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ مَعَانِي الصِّفَاتِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ([4])، بَلْ يُثْبِتُوْنَ الْمَعْنَى ، عَلَى مَا يَلِيْقُ بِاللهِ جَـلَّ ، وَعَـلَا ، وَيُفَـوِّضُوْنَ الْكَيْفِيَّةَ ، فَيُثْبِتُــوْنَ -مَثَلًا- مَعْنَى صِفَةَ الْاِسْتِوَاءِ إِثْبَاتًا حَقِيْقِيًّا ، وَمِنْ مَعَانِيْهَا : الْعُلُوُّ ، وَالْاِرْتِفَاعُ ، وَالْاِسْتِقَرَارُ ، وَالصُّعُوْدُ ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ ؛ فَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ ؛ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى .

3) يَرَى الْمُؤَلِّفُ أَنَّ اللهَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ أَزَلِيٍّ قَدِيْمٍ[5]، وَهَذَا تَفْسِيْرُ الْأَشَاعِرَةِ -الْمُتَقَدِّمِيْنَ مِنْهُمْ- إِذْ يَرَوْنَ أَنَّ كَلامَ اللهِ أَزَلِيٌّ ، وكلُّه واحِدٌ ؛ الأمْرُ ، والنَّهْيُ ، وَالْوَعْدُ ، وَالْوَعِيْدُ ؛ كلُّه كَلامٌ واحِدٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مَتَى شَاءَ بِصَوْتٍ ، وَحَرْفٍ ، بلْ كَلامُه سُبْحانَه -عنْدَهم- صِفةٌ قَديمةٌ ؛ لا تَجَدُّدَ لها ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ ؛ مِنَ السَّلَفِ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ؛ فَيَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ مَتَى شَاءَ ، بِكَلَامٍ حَقِيْقِيٍّ ، بِصَوْتٍ ، وَحَرْفٍ ؛ كَمَا يَلِيْقُ بِهِ سُبْحَانَهُ ، وَأَنَّ كَلَامَهُ قَدِيْمُ النَّوْعِ ، مُتَجَدِّدُ الْآحَادِ[6] .

-(2)-

وَبَعْدُ : نَتَبَيَّنُ مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا ، وَالْمُعْتَنِي بِهَا مَاشِيَانِ عَلَى مَنْهَجِ الْأَشَاعِرَةِ فِيْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُعْتَنِي بِالرِّسَالَةِ فِيْ مُقَدِّمَتِهَا ، وَأَمَّا زَعْمُ هَذَا الْمُعْتَنِي أَنَّ مَنْهَجَ الْأَشَاعِرَةِ هُوَ مَنْهَجُ السَّلَفِ فَهُوَ مِنْهُ زَعْمٌ بَاطِلٌ ، تَرَدُّهُ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيْحَةُ ، وَكَلَامُ السَّلَفِ[7].

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى دِيْنِكَ ، وَاهْدِ مَنْ ضَلَّ مِنْ عِبَادِكَ ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ .



([1]) ص : (17) ، وانظر : قواعد العقائد للغزالي ، ص : (50) .

([2]) انظر تفسير ابن جرير الطبري (9/479) .

([3]) ص : (18) ، وانظر : “قواعد العقائد” ؛ للغزالي ، ص : (52) .

([4]) انظر : “تأويل مشكل القرآن” ؛ لابن قتيبة ، ص : (66-67) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ، ولا من الأئمة ؛ لا أحمد بن حنبل ، ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه”[مجموع الفتاوى (13/295)] .

([5]) ص : (24) ، وانظر : “قواعد العقائد” ؛ للغزالي ، ص : (58) ، وله أيضًا : “الاقتصاد في الاعتقاد” ، ص : (68) .

([6]) انظر : “رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف ، والصوت” ، ص : (151-167) ، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “وكلامه جلَّ ، وعلا جنسه قديم ، لم يزل مُتكلِّمًا سبحانه ، وتعالى ، ولكنه حادث الأنواع ؛ فكلامه مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم غير كلامه مع موسى ، بعد موسى ، وهكذا كلامه يوم القيامة للناس ، وكلامه لأهل الجنة يا أهلها ، هل رضيتُم ؟ كلامٌ جديدٌ ، بعدما دخلوا الجنة ، وليس بقديمٍ ، فصفات الله جلَّ ، وعلا قديمة النوع ، حادثة الآحاد”[فتاوى الدروس (الموقع الرسمي)] .

([7]) والمعتني بالرسالة له اعتقاد سيء في القرآن ، يتضح ذلك من النقل الذي نقله عن المرتضى الزبيدي -مقراً به- ص : (24) ، ومن أراد التوسع في هذا الباب فلينظر في ردي الموسع على داعية الأشاعرة “العرفج” ، على الرابط التالي -وما يتبعه- : [https://aalnajim.com/1723-2/1444/02/21/] .

%d مدونون معجبون بهذه: