القائمة إغلاق

“الرَّدُّ الْعِلْمِيُّ الْمُخْتَصَرُ”

رُدُوْدٌ عِلْمِيَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، أَتَنَاوَلُ فِيْهَا -أُسْبُوْعِيًّا- كِتَابًا ، أَوْ مَقَالًا ، أَوْ مُحْتَوًى مِنْ مُحْتَوَيَاتِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ؛ مِمَّا يُنْتِجُهُ الْمُخَالِفُوْنَ ؛ سَوَاءً كَانُوْا مُبْتَدِعَةً مُحْدِثِيْنَ ، أَوْ لِيِبْرَالِيِّيْنَ ضَالِّيْنَ ، أَوْ مَنْ جَانَبَهُ الصَّوَابُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُوَحِّدِيْنَ .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

الرَّدُّ الثَّانِي :

عَلَى شَرْحٍ صَوْتِيٍ لِـ : “رِسَالَةِ اِبْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ” ؛ [الْمُقَدِّمَةِ ، وَجُزْءٍ يَسِيْرٍ من قِسْمِ الْعَقِيْدَةِ] .

لِشَارِحَهَا : عَبْدِ الْحَمِيْدِ الْمُبَارَكِ الْأَحْسَائِيِّ الْمَالِكِيِّ ،[شَيْخٍ مُعَاصِرٍ لِلْمَالِكِيَّةِ الْأَحْسَائِيَّةِ].

-(1)-

وَبَعْدَ اِطْلِاعِي عَلَى هَذِا الشَّرْح -فِيْ الْمَوْضِعِ الْمَذْكُوْرِ- خَرَجْتُ مِنْهُ بِمُلَاحَظَاتٍ ، مِنْ أَهَمِّهَا مَا يَلِي :

1] قَوْلُهُ : “إِنَّ أَبَانَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اِسْتَشْفَعَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حِيْنَ رَأَى اِسْمَهُ مَكْتُوْبًا مَعَ : “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ” ، وَهَذَا مِنْهُ كَلَامٌ بَاطِلٌ ، مُوَافِقٌ لِمَا يَذْكُرُهُ الصُّوْفِيَّةُ فِيْ كُتُبِهِمْ[1]، مُسْتَدِلِّيْنَ عَلَيْهِ بِحَدِيْثٍ مَوْضُوْعٍ ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيُّ ، قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، قَالَ : أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ : يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ ؟ قَالَ : يَا رَبِّ ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ ، وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا : «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ ، فَقَالَ اللَّهُ : صَدَقْتَ يَا آدَمُ ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ، ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ، وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ”[2].

وَهُوَ مَعَ تَصْحِيْحِ الْحَاكِمِ لَهُ إِلَّا إِنَّهُ حَدِيْثٌ مَوْضُوْعٌ ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ الذَّهَبِيُّ فِيْ تَعْلِيْقِهِ عَلَى الْمُسْتَدْرَكِ[3] .

2] قَوْلُهُ : “الْإِيْمَانُ عِنْدَ جُمْهُوْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ التَّصْدِيْقُ ، وَالْعَمَلُ شَرْطُ كَمَالٍ” ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ[4]، وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ مِنْ : أَنَّ الْإِيْمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ ، وَاعْتِقَادٌ بِالْجَنَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ ، نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَةِ الْكِبَارِ ، رَحِمَهُمُ اللهُ[5]،

3] قَوْلُهُ : “الْإِيْمَانُ يَزِيْدُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ : إِنَّهُ يَنْقُصُ ، وَالْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ : لَا يَنْقُصُ ، وَرَجَّحَهُ” ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ أَنَّ الْإِيْمَانَ يَزِيْدُ ، وَيَنْقُصُ ، “بَلْ قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ ؛ كَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ”[6]، وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ لَمْ يُخَالِفُ السَّلَفَ فِيْ نُقْصَانِهِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ نَفَى النُّقْصَانَ ، بَلِ الْمَنْقُوْلُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيْ النُّقْصَانِ ؛ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ رَحِمَهُ اللهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النُّقْصَانَ وَرَدَ فِيْ الْقُرْآنِ صَرِيْحًا[7]، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ اِبْنُ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ ، قَالَ : ” كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ : «الْإِيْمَانُ يَزِيْدُ» ، وَتَوَقَّفَ عَنِ النُقْصَانِ ، وَقَالَ : ذَكَرَ اللهُ زِيَادَتَهُ فِيْ غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَدَعِ الْكَلَامَ فِيْ نُقْصَانِهِ ، وَكُفَّ عَنْهُ[8]، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللهُ الزِّيَادَةَ ، وَالنُّقْصَانَ ؛ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ : قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، تَقُولُ : الْإِيمَانُ يَزِيدُ ، وَيَنْقُصُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، … ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ مَالِكَ يَحْكُونَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَزِيدُ ، وَلَا يَنْقُصُ ، فَقَالَ : بَلَى ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُ : يَزِيدُ ، وَيَنْقُصُ ، كَانَ ابْنُ نَافِعٍ يَحْكِيهِ عَنْ مَالِكٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : ابْنُ نَافِعٍ حَكَى عَنْ مَالِكٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ”[9].

-(2)-

وَالشَّارِحُ -فِيْمَا لُوْحِظَ عَلَيْهِ- مُنْتَهِجٌ مَنْهَجِ الْأَشَاعِرَةِ فِيْ تَقْرِيْرِهِمْ لِمَسْأَلَةِ الْإِيْمَانِ ، وَكَذَلِكَ -فِيْمَا يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ- يُوَافِقُهُمْ فِيْ بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الْاِعْتِقَادِ ، وَلَمْ أَتَبَيَّنْ قَوْلَهُ فِيْ صِفَةِ عُلُوِّ اللهِ ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ ، وَصِفَةِ كَلَامِهِ جَلَّ وَعَلَا ، لِأَنَّ الشَّرْحَ حُذِفَ مِنْهُ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنَّفِ فِيْ هَذِهِ الْمُسَائِلِ بِالْخُصُوْصِ[10]، وَأَرَى أَنَّ هَذِهِ قَرِيْنَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَشْعَرِيَّتِهِ .

وَمَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُلَاحَظَاتِ إِلَّا دِفَاعًا عَنْ عَقِيْدَةِ اِبْنِ أَبِي زَيْدٍ السَّلَفِيَّةِ ، وَالَّتِي يَزْعُمُ الْمُخَالِفُوْنَ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِعَقِيْدَةِ الْأَشَاعِرَةِ ، وَهُوَ مِنْهُمْ زَعْمٌ بَاطِلٌ ؛ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ الْعَاقِلِ[11].

وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ، وَالْهَادِي إِلَى سَبِيْلِ الرَّشَادِ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَمَنْ تَبِعَ .

تَنْبِيْهٌ :

فِيْ الْأُسْبُوْعِ الْقَادِمِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- سَنُوَاصِلُ الرَّدَّ عَلَى مَقْطَعٍ آخَرَ لِعَبْدِ الْحَمِيْد -هَذَا- ، قَدْ حَوَى مُغَالَطَاتٍ ، وَمُجَازَفَاتٍ كَثِيْرَةٍ ، فَانْتَظِرُوْنَا وَفَّقَكُمُ اللهُ .

 

 

 

 

 



([1]) انظر : شفاء السقام ؛ للسبكي ، ص : (296-297) .

([2]) رواه الحاكم (4228) .

([3]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “القاعدة الجليلة في التوسل ، والوسيلة” ، ص : (69)  : “ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب «المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم» : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ” ، وقال الذهبي رحمه الله -معلقاً على تصحيح الحاكم لهذا الحديث- : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو”اهـ.

([4]) انظر : “الإنصاف فيما يجب اعْتِقاده ، ولا يجوز الجهل به” ؛ للباقلاني ، ص : (22) ، والشهرستاني في : “الملل والنحل” (1/101) .

([5]) منهم أحمد رحمه الله ، انظر : “مناقب الإمام أحمد” ؛ لابن الجوزي ، ص : (228) ، وابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (9/238) .

([6]) انظر : “تفسير ابن كثير” (4/12) .

([7]) انظر : مجموع الفتاوى ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (7/506) .

([8]) انظر : “ترتيب المدارك” ؛ للقاضي عياض (1/53) .

([9]) انظر : “السنة للخلال” (1043) .

([10]) وأظن أن سبب الحذف هو الخوف من ردود أهل السنة عليه .

([11]) توثيق الملاحظات :

استمع ، وانظر للملاحظة الأولى الرابط التالي : [https://youtu.be/x1IP6afUQdw]، الدقيقة : (25:20) ، وما بعدها .

وللملاحظة الثانية الرابط التالي : [https://youtu.be/yCfihMERKlg] ، الدقيقة : (18:48) ، وما بعدها .

وللملاحظة الثالثة الرابط التالي : [https://youtu.be/yCfihMERKlg] ، الدقيقة : (25-26) ، وما بعدها .

%d مدونون معجبون بهذه: