نَصَائِحُ مُرْسَلَةٌ … إِلَى مَنْ حَادَ عَنْ الصِرَاطِ ، أوْ جَانَبَ الصَّوَابَ .
نَصَائِحُ ، وَإِرْشَادَاتٌ مَنْهَجِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ ، مُوَجَّهَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْمُخَالَفَاتِ الْجَلِيَّةِ ؛ عَقَدِيَّةً كَانَتْ ، أَوْ فِقْهِيَّةً ، أَوْ اِجْتِمَاعِيَّةً ، أَوْ أَخْلاقِيَّةً ، أَوْ … ، نُنَاصِحُ ، وَنَرُدُّ ، نُنْكِرُ ، وَنُذَكِّرُ ، نُحَاوِرُ ، وَنُنَاقِشُ ، نَتَدَارَسُ ، وَنُدَارِسُ ؛ اللَّهُمَّ اِهْدِنَا ، وَسَدِّدْنَا .
الحلقة (6)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
(2)
وَكَمَا حَذَّرْنَاكُمْ -قَبْلُ- مِنَ الْغُلُوِّ ، وَالْإِفْرَاطِ فِيْ التَّبْدِيْعِ -وَالتَّفْسِيْقِ ، وَالتَّكْفِيْرِ- فَإِنَّا نُحَذِّرُكُمْ -هُنَا- مِنَ التَّفْرِيْطِ ، وَالْجَفَاءِ فِيْهَا ، “وَكِلَا طَرَفِيْ قَصْدِ الْأُمُوْرِ ذَمِيْمُ”[1] ، فَطَرَفُ الْغُلُوِّ ذَمِيْمٌ ، كَذَلِكَ الْاِنْكِفَافُ عَنْ تَبْدِيْعِ -أَوْ تَفْسِيْقِ ، أَوْ تَكْفِيْرِ- مَنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ جَفَاءٌ ، وَتْفْرِيْطٌ ، بَلْ هُوَ إِرْجَاءٌ شَدِيْدٌ ، مَقِيْتٌ ، فَـ:
تَكْفِيْرُ الْيَهُوْدِ ، وَالنَّصَارَى -وَكُلِّ مَنْ لَا يَدِيْنُ بِدِيْنِ الْإِسْلَامِ- أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيْهِ مُسْلِمٌ مُوَحِّدٌ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، خَالِدِيْنَ فِيْهَا أَبَدًا ؛ إِنْ مَاتُوْا عَلَى أَدْيَانِهِمُ الْمَنْسُوْخَةِ ، وَيُلْحَقُ بِهِمْ عُبَّادُ الْقُبُوْرِ ، وَالْمَسْتَغِيْثُوْنَ بِغَيْرِ اللهِ ، وَنَحْوُهُمْ ، فَالْأَمْرُ -أَيُّهَا الطُّلَّابُ- خَطِيْرٌ ؛ جِدُّ خَطِيْرٍ ؛ فَمَنْ أَفْرَطَ ، وَكَفَّر مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْفِيْرِ رَجَعَ الْكُفْرُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ فَرَّطَ ؛ وَلم يُكَفِّرْ الْمُشْرِكِيْنَ ، أَوْ شَكَّ فِيْ كُفْرِهِمْ ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ صَارَ كَافِرًا مِثْلَهُمْ[2].
وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِيْ التَّبْدِيْعِ ؛ فَمَنْ جَرَى عَلَى أُصُوْلِ الْمُبْتَدِعَةِ ، وَالْتَزَمَ مَذْهَبَهُمْ ، مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ؛ بِبِدَعَتِهِ الْوَاقِعِ فِيْهَا ؛ وَالْبِدَعُ أَنْوَاعٌ ؛ فَـ: “الْبِدَعُ فِيْ الْعِبَادَاتِ ، وَالْاِعْتِقَادَاتِ مُحَرَّمَةٌ ، وَلَكِنِ التَّحْرِيْمُ يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ نَوْعِيَّةِ الْبِدْعَةِ ، فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ ؛ كَالطَّوَافِ بِالْقُبُوْرِ ؛ تَقَرُّبًا إِلَى أَصْحَابِهَا ، وَتَقْدِيْمِ الذَّبَائِحِ ، وَالنُّذُوْرِ لَهَا ، وَدُعَاءِ أَصْحَابِهَا ، وَالْاِسْتَغَاثَةِ بِهِمْ ، وَكَأَقْوَالِ غُلَاةِ الْجَهْمِيَّةِ ، وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ وَسَائِلِ الشِّرْكِ ؛ كَالْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُوْرِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا ، وَمِنَهَا مَا هُوَ فِسْقٌ اِعْتِقَادِيٌ ؛ كَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ ، وَالْقَدَرِيَّةِ ، وَالْمُرْجِئَةِ ، فِيْ أَقْوَالِهِمْ ، وَاعْتِقَادِاتِهِمْ الْمُخَالِفَةِ لِلْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ ؛ كَبِدْعَةِ التَّبَتُّلِ ، وَالصِّيَامِ قَائِمًا فِيْ الشَّمْسِ…”[3]،
وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِيْ التَّفْسِيْقِ ؛ وَالْفَاسِقُ : مَنْ أَتَى كَبِيرَةً ، أَوْ دَاوَمَ عَلَى صَغِيرَةٍ ، وَهُوَ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ ؛ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَيُرَدُّ خَبَرُهُ ، وَيَعْظُمُ أَمْرُهُ إِنْ جَاهَرَ بِمَعْصِيَتِهِ .
وَلَكِنْ :
يَجِبُ عَلَى مَنِ اِشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَمْرٌ فِيْ ذَلِكَ أَلَّا يَقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعِلْمٍ مُحَقَّقٍ ، وَمِنْ قِبَلِ الْعُلَمَاءِ مُؤَيَّدٌ[4] .
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا ، وَيَزِيْدَنَا عِلْمًا ، وَعَمَلًا يَرْضَاهُ عَنَّا .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ ، وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى الآل ، والصَّحْبِ ، وَمَنْ تَبِعَ .
([1]) شطر بيت لشاهد من الشواهد الشعرية المعروفة ، قال عبد القادر البغدادي : “ولا أعلم قائل هذين البيتين ، ولا رأيتهما إلا في كتاب العباب ، في شرح أبيات الآداب ، وكتاب الآداب : تأليف ابن سنا ؛ الملك بن شمس الخلافة”[خزانة الأدب (2/123)] .