نَصَائِحُ مُرْسَلَةٌ … إِلَى مَنْ حَادَ عَنْ الصِرَاطِ ، أوْ جَانَبَ الصَّوَابَ .
نَصَائِحُ ، وَإِرْشَادَاتٌ مَنْهَجِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ ، مُوَجَّهَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْمُخَالَفَاتِ الْجَلِيَّةِ ؛ عَقَدِيَّةً كَانَتْ ، أَوْ فِقْهِيَّةً ، أَوْ اِجْتِمَاعِيَّةً ، أَوْ أَخْلاقِيَّةً ، أَوْ … ، نُنَاصِحُ ، وَنَرُدُّ ، نُنْكِرُ ، وَنُذَكِّرُ ، نُحَاوِرُ ، وَنُنَاقِشُ ، نَتَدَارَسُ ، وَنُدَارِسُ ؛ اللَّهُمَّ اِهْدِنَا ، وَسَدِّدْنَا .
الحلقة (7)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“إِلَى لَجْنَةِ اِخْتِبَارِ الْخُطَبَاءِ ، وَالْأَئِمَّةِ” .
(2)
وَفِيْ هَذِهِ الْحَلْقَةِ سَأُقَدِّمُ مُقْتَرَحًا مُنَاسِبًا ، إِذَا أُخِذَ بِهِ سَدَدْنَا -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- الثَّغْرَةَ الَّتِي مِنْ خِلَالِهَا قَدْ تَسَلَّلَ كَثِيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكَ الْـمُبْتَدِعَةِ إِلَى مَسَاجِدِنَا ، وَمَفَادُ هَذَا الْـمُقْتَـرَحِ -بِاخْتِصَارٍ- هُوَ أَنَّهُ : “يَجِبُ إِعَادَةُ الْآلِيَّةِ الْمُتَّبَعَةِ فِيْ اِخْتِبَارِ الْأَئِمَّةِ ، وَالْخُطَبَاءِ” ،
وَمِمَّا يُقْتَرحُ فِيْ ذَلِكَ مَا يَلِي :
1] يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ الْعَقْدُ الْـمُبْرَمُ بَيْنَ إِدَارَةِ الْمَسَاجِدِ ، وَالْإِمَامِ -أَوِ الْخَطِيْبِ- سَنَةً وَاحَدَةً فَقَطْ ، قَابِلٌ لِلتَّجْدِيْدِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَلَّغَ مَنْ تَمَّ تَعْيِيْنِهِمْ -قَدِيْمًا- بِهَذَا الْقَيْدِ ؛ لِيَكُوْنُوْا عَلَى بَيِّنَةٍ ، وَإِذَا لَمْ تَرَ اللَّجْنَةُ تَجْدِيْدَ عَقْدِهِ فَلَيْسَ لِلْمُتَقَدِّمِ السُّؤَالَ عَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ ، وَحَيْثِيَّاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاللَّازِمِ أَنْ يَكُوْنَ الْمُتَقَدِّمُ -الَّذِيْ لَمْ يُجَدَّدْ عَقْدُهُ- غَيْرَ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ ، أَوِ الْخَطَابَةِ ، فَقَدْ تَرَى اللَّجْنَةُ تَوْزِيْعَ الْفُرَصِ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ .
2] يَجِبُ أَنْ يَمُرَّ الْمُتَقَدِمُ لِلْإِمَامَةِ ، وَالْخَطَابَةِ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ :
الْمَرْحَلَةُ الْأُوْلَى : مَرْحَلَةُ جَمْعِ الْمَعْلُوْمَاتِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْرَى مَعَ الْمُتَقَدِّمِ -فِيْ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ- مَقُابَلَةٌ شَخْصِيَّةٌ شَفَهِيَّةٌ ، يَتَحَدَّثُ فِيْهَا عَنْ نَفْسِهِ ؛ فَيَذْكُرُ اِسْمَهُ ، وَعُمُرَهُ ، وَشَهَادَتَهُ ، وَشُيُوْخَهُ ، وَالْحَلْقَاتِ الْعِلْمِيَّةَ الَّتِي اِلْتَحَقَ بِهَا ، وَزُمَلَاءَهُ فِيْهَا ، وَأَنْشِطَتَهُ الدَّعَوِيَّةَ ، وَمَذْهَبَهُ الْفِقْهِيَّ ، وَالْعَقَدِيَّ ، وَمَسْجِدَ الْحَيِّ الَّذِيْ يُصَلِّي فِيْهِ ، مَعَ ذِكْرِ اِسْمِ إِمَامِ مَسْجِدِهِ ، وَاسْمِ الثَّانَوِيَّةِ ، أَوِ الْجَامِعِةِ الَّتِي تَخَرَّجَ مِنْهَا ، … ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ -لِزَامًا- إِحْضَارُ تَزْكِيَاتٍ مِنْ شُيُوْخِهِ الَّذِيْنَ تَتَلَمَذَ عَلَيْهِمْ .
الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ : مَرْحَلَةُ السُّؤَالِ عَنْهُ ، لِلتَّثَبُّتِ مِنْ صِحَّةِ مُعْتَقَدِهِ ، وَمَنْهَجِهِ ، فَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ إِمَامُ الْمَسْجِدِ الَّذِيْ يُصَلِّي فِيْهِ ، وَشُيُوْخُهُ ، وَجِيْرَانُهُ ، وَأَسَاتِذَتُهُ فِيْ الْجَامِعَةِ ، أَوِ الْمَدْرَسَةِ ، أَوِ الْمَسْجِدِ ، وَزُمَلَاؤُهُ الَّذِيْنَ صَاحَبَهُمْ ، وَهَكَذَا … ، يُسْأَلُ عَنْهُ سُؤَالًا دَقِيْقًا ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَجَلَ فِيْ قَبُوْلِهِ الْأَوَّلِيِّ حَتَّى تَصِلَ اللَّجْنَةُ إِلَى دَرَجَةِ الْاِطْمِئْنَانِ.
وَقَدْ كَانَ مِنْ طَرِيْقَةِ السَّلَفِ فِيْ كَشْفِ عَقِيْدَةِ الرَّجُلِ ، وَمَنْهَجِهِ أَنَّهُمْ يَقِيْسُوْنَهُ بِمَنْ يُصَاحِبُ ، وَيُجَالِسُ ، فَيُلْحِقُوْنَهُ -حُكْمًا- بِهِمْ ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ ، وَالشَّوَاهِدِ فِيْ ذَلِكَ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}[النساء:140] ،
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيْلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ”[1].
وَقَالَ الْأَعْمَشُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “كَانُوْا لَا يَسْأَلُوْنَ عَنِ الرَّجُلِ بَعْدَ ثَلَاثٍ : مَمْشَاهُ ، وَمَدْخَلُهُ ، وإِلْفُهُ مِنَ النَّاسِ”[2].
وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : “إِنَّمَا يُمَاشِي الرَّجُلُ ، وَيُصَاحِبُ مَنْ يُحِبُّهُ ، وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ”[3].
وَعَنِ الْفُضَيْلِ رَحِمَهُ اللهُ : “وَعَلَامَةُ النِّفَاقِ : أَنْ يَقُوْمَ الرَّجُلُ ، وَيَقْعُدُ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ”[4].
وَلَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ الْبَصْرَةَ جَعَل يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيْعِ بْنِ صُبَيْحٍ ، وَقَدْرِهِ عِنْدَ النَّــاسِ ، سَــأَلَ : أَيُّ شَــيْءٍ مَذْهَبُـهُ ؟ قَالُـوْا : مَا مَذْهَبُـهُ إلَّا السُّنَّةُ ، قَـــالَ : مَنْ بِطَـــانَتُهُ ؟ قَــالُوْا : أَهْلُ الْقَــدَرِ ، قَــالَ : “هُوَ قَدَرِيٌّ” ، وَقَدْ :
عَلَّقَ اِبْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْأَثَرِ بِقَوْلِهِ :
“رَحْـمـَةُ اللهِ عَلَى سُفْيَـانَ الثَّوْرِيِّ ؛ لَقَدْ نَطَقَ بِالْـحِكْمَةِ فَـصَدَقَ ، وَقَالَ بِعِلْمٍ فَوَافَقَ الْكِتَابَ ، وَالسُّنَّةَ ، وَمَا تُوْجِبُهُ الْـحِكْمَةُ ، وَيُدْرِكُهُ الْعَيَانُ ، وَيَعْــرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيْرَةِ ، وَالْبَيَانِ ؛ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]”[5]،
الْمَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ : مَرْحَلَةُ اِخْتِبَارِهِ الْاِخْتِبَارَ التَّحْرِيْرِيَّ ، وَالشَّفَوِيَّ ، وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ يَجِبُ أَنْ تَتِمَّ بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِنَ الْمَرْحَلَةِ الْأُوْلَى ، وَالثَّانِيَّةِ ، كَمَا يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا الْاِخْتِبَارُ تِلْقَائِيًّا ، أَيْ : غَيْرَ مَعْرُوْفٍ لِدَى الْمُتَقَدِّمِ مُسْبَقًا ، حَتَّى تَتَحَقَّقَ اللَّجْنَةُ مِنْ مَدَى قُوَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ ، وَصِحَّةِ عَقِيْدَتِهِ ، أَمَّا الطَّرِيْقَةُ الْمُتَّبَعَةُ الْآنَ ؛ وَهِيَ أَنْ يُعْطَى الْمُتَقَدِّمُ أَوْرَاقًا مُعَيَّنَةً ، فِيْهَا أَسْئِلَةٌ مُحَدَّدَةٌ ، فَيُذَاكِرَهَا ، لِيُقَدِّمَهَا فِيْ الْاِخْتِبَارِ ، فَهِيَ -مَعَ الْأَسَفِ- ثَغَرْةٌ وَاسِعَةٌ اِسْتَطَاعَ الْمُبْتَدِعَةُ أَنْ يَدْخُلُوْا مِنْ خِلَالِهَا ، وَكَانَتِ النَّتِيْجَةُ -كَمَا نَرَى- غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ ، فَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ أَسْئِلَةُ كُلِّ مُتَقَدِّمٍ مُنَاسِبَةً لَهُ ، غَيْرَ مَعْرُوْفَةِ مُسْبَقًا .
وَاللَّجْنَةُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لَنْ تَصِلَ إِلَى الْمَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ -أَوْ بُعْيْدِهَا- إِلَّا وَقَدْ عَلِمَتْ عِلْمَ يَقِيْنٍ مَدَى صَلَاحِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْإِمَامَةِ -أَوِ الْخَطَابَةِ- مِنْ عَدَمِهَا .
3] لِلَّجْنَـةِ أَحَقِيَّةُ إِعَادَةِ اِخْتِبَارِ الْمُتَقَدِّمِ مَتَى رَأَتْ ذَلِكَ ، وَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ مَنْصُوْصًا عَلَيْهِ فِيْ فِقَرَاتِ الْعَقْدِ الْـمُبْرَمِ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ .
هَذِهِ هِيَ مُقْتَرَحَاتِيْ ، وَنَصَائِحِي ، وَاللهُ أَعْلَى ، وَأَعْلَمُ .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَسَلِّمْ .