القائمة إغلاق

تَحْذِيْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْإِيْمَانِ مِنْ مَكْرِ ، وَخِدَاعِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ ، وَالنِّفَاقِ .

رَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى كِتَابٍ يَحْتَفِي بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ عِنْدَنَا -فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ- يُرَوِّجُوْنَ لَهُ ؛ لِيُخَادِعُوْا بِهِ الْأَغْمَارَ ، وَأَتْبَاعَهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ الرَّعَاعِ .

[الجزء الثاني] 

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

(مُقَدِّمَةٌ)

في هذه الحلقة ، وما بعدها سنبدأ في الرد التفصيلي -بما ييسر الله- على كتاب : “مَسَائِلُ فِيْ الْمَنْهَجِيَّةِ الْعَامَّةِ ؛ فِيْ الْعَقِيْدَةِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالسُّلُوْكِ ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ ، وَالْمَاتُرِيْدِيَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ … رَسَائِلُ فِيْ التَّوَاصُلِ مَعَ إِخْوَتِنَا ؛ فِيْ التَّيَّارَاتِ السَّلَفِيَّةِ” ، فنقول ، وبالله التوفيق ، ومنه نستمد العون ، والتأييد ،

(1)

الْبَيَانُ بِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَلْتَقِي مَعَ الْبَاطِلِ الْبَتَةَ ، وَأَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ فِيْ عُلُوٍّ مَكِيْنٍ ، وَأَهْلَ الْبِدَعِ فِيْ سُفْلٍ مُهِيْنٍ ،

     الحق ، والباطل ضدان مختلفان ، لا يلتقيان أبدًا ، حق ، وباطل كيف يلتقيان ؟! الحق : هو سبيل الله الواحد الذي أرسل الله به الرسول صلى الله عليه وسلم ، منير ، مشرق ، مستقيم ، لا يتعدد ، بين طرق ، وسبل الباطل المتعددة ، وهي جواد مختلفة ، مظلمة ، معوجة ، وحيث قلنا إنه لا يتعدد ؛ ففي العقائد ، وكذلك -على الصواب- في الشرائع ، والمجتهد إن اجتهد ثم أخطأ في تعيين الصواب فقد اختار الباطل ، وقال به ، لكن قد يكون عند الله معذوراً ؛ لأنه “إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ ، فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ ، فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ”[1]،   

قَالَ اللهُ تَعَالَى : {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس:32] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153] ،

وَسُئل مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ عَمَّنْ أَخَذَ بِحَدِيْثٍ حَدَّثَهُ ثِقَةٌ ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فِيْ سَعَةٍ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ : لَا وَاللهِ ، حَتَّى يُصِيْبَ الْحَقَّ ، مَا الْحَقُّ إِلَّا وَاحِدٌ ، قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ يَكُوْنَانِ صَوَابًا جَمِيْعًا ؟! مَا الْحَقُّ ، وَالصَّوَابُ إِلَّا وَاحِدٌ”[2]،

وَعَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ : سَمِعْتُ مَالِكًا ، وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولَانِ -فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ : فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ ، فَقَالَ : “لَيْسَ كَذَلِكَ ، إِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ ، وَصَوَابٌ” ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي : إِنَّمَا التَّوْسِعَةُ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْسِعَةٌ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ ؛ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْسِعَةً لِأَنْ يَقُولَ النَّاسُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عِنْدَهُ فِيهِ فَلَا ، وَلَكِنَّ اخْتِلَافَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا ، فَاخْتَلَفُوا ، قَالَ أَبُوْ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : “كَلَامُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا حَسَنٌ جِدًّا”[3]،

وَقَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “ وَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُفْرَدًا ، مُعَرَّفًا تَعْرِيفَيْنِ ؛ تَعْرِيفًا بِاللَّامِ ، وَتَعْرِيفًـا بِالْإِضَــافَةِ ، وَذَلِكَ يُفِيــدُ تَعَيُّنَــهُ ، وَاخْتِصَــاصَــهُ ، وَأَنَّهُ صِــرَاطٌ وَاحِــدٌ ، وَأَمَّـا طُرُقُ أَهْــلِ الْغَضَـبِ ، وَالضَّـلَالِ فَإِنَّهُ سُبْحَـانَهُ يَجْمَعُهَـا ، وَيُفْرِدُهَـا ؛ كَقَـوْلِهِ : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَـرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: 153] ، فَـــوَحَّدَ لَفْـظَ الصِّـرَاطِ ، وَسَبِيـلِهِ ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ ، «وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ، وَقَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ ، وَعَنْ يَسَارِهِ ، وَقَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]» ،

وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] ، قَالَ الْحَسَنُ : مَعْنَاهُ صِرَاطٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ …”[4].

 وكما أن الحق واحد لا يتعدد فأهله كذلك طائفة واحدة ، لا مثيل لها ، ولا شبيه ، ولا نظير ، متفقة ، غير مفترقة ، متآلفة ، غير متعادية ، بخلاف غيرهم ، فإنهم فرق ، وجماعات ، مختلفون ، ومتخالفون ، متعارضون ، ومتعادون ،

 قَالَ تَعَالَى : {حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: 159] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:19] ،

وَقَالَ تَعَالَى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:92] ،

وَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ([5]).

 وَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَة” ، قَالُوا : وَمَا هُمْ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : “مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي”[6].

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : -مُعِلِّقًا عَلَى حَدِيْثِ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُوْرَةِ-“إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُوْرَةُ أَصْحَابَ الْحَدِيْثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ”[7]،

وَقَالَ الْإِمَامُ اِبْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “ فَلَمْ يَزَلِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا جَمِيعًا عَلَى أُلْفَةِ الْقُلُوبِ ، وَاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ ، كِتَابُ اللَّهِ عِصْمَتُهُمْ ، وَسُنَّةُ الْمُصْطَفَى إِمَامُهُمْ ، لَا يَسْتَعْمِلُونَ الْآرَاءَ ، وَلَا يَفْزَعُونَ إِلَى الْأَهْوَاءِ ، فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْقُلُوبِ بِعِصْمَةِ مَوْلَاهَا مَحْرُوسَةٌ ، وَالنُّفُوسُ عَنْ أَهْوَائِهَا بِعِنَايَتِهِ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى حَانَ حِينُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشِّقْوَةُ ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ السَّخْطَةُ ، وَظَهَرَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عِلْمِهِ مَخْذُولِينَ ، وَفِي كِتَابِهِ السَّابِقِ أَنَّهُمْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ مُسَلِّمُونَ ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطُونَ ، فَحِينَئِذٍ دَبَّ الشَّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ ، فَوَجَدَ مَسَاغًا لِبُغْيَتِهِ ، وَمَرْكِبًا وَطِيًّا إِلَى ظَفَرِهِ بِحَاجَتِهِ ، فَسَكَنَ إِلَيْهِ الْمُنْقَادُ إِلَى الشُّبُهَاتِ ، وَالسَّالِكُ فِي بَلِيَّـاتِ الطُّرُقَــاتِ ، فَاتَّخَذَهَـا دَلِيلًا ، وَقَائِدًا ، وَعَنِ الْوَاضِحَةِ حَائِدًا ، طَالِبُ رِيَاسَةٍ ، وَبَاغِي فِتْنَةٍ ، مُعْجَبٌ بِرَأْيِهِ ، وَعَابِدٌ لِهَوَاهُ ، عَلَيْهِ يَرِدُ ، وَعَنْهُ يَصْدُرُ ، قَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَلَمْ يَسْتَشْهِدْهُ ، وَلَمْ يَسْتَشِرْهُ ، فَفِي آذَانِهِمْ وَقَرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، كَأَنَّهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لَمْ يُنْدَبُوا ، وَعَنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ لَمْ يُزْجَرُوا ، فَهُمْ عَنْ سَبِيلِ مَنْ أَرْشَدَهُ اللَّهِ مُتَبَاعِدُونَ ، وَلِأَهْوَائِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَأْتُونَ ، وَيَذَرُونَ مُتَّبِعُونَ ، وَاسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْرَحِ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ، وَأَوْرَدَهُ بِحَارَ الْعَمَى ، فَهُمْ فِي حَيْرَةٍ يَتَرَدَّدُونَ ، فَجَارُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ …”[8]،

وَيَقُوْلُ أَبُوْ نَصْرٍ السِّجْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “ثُمَّ بُلِيَ أَهْلُ السُّنَّةِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ -بَعْدَ أَفْرَادٍ ذَكَرَهُمْ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ ، وَأَهْلِ الْاِعْتِزَالِ ، وَنَحْوِهِمْ- بِقَوْمٍ يَدَّعُوْنَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِتِّبَاعِ ، وَضَرَرُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَهُمْ : أَبُوْ مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابِ ، وَأَبُوْ الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ ، وَأَبُوْ الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ ، … ، وَفِيْ وَقْتِنَا أَبُوْ بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ بِبَغْدَادَ ، وَأَبُوْ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِيْنِي ، وَأَبُوْ بَكْرِ بْنِ فَوْرَكٍ بِخُرَاسَانَ ، فَهَؤُلَاءِ يَرُدُّوْنَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بَعْضَ أَقَاوِيْلِهِمْ ، وَيَرُدُّوْنَ عَلَى أَهْلِ الْأَثَرِ أَكْثَرَ مِمَّا رَدَوْهُ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ …”[9].

وَيَقُوْلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ -فِيْ شَرْحِ حَدِيْثِ الْاِفْتِرَاقِ-“وَصَفَ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ بِأَنَّهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْأَكْبَرُ ، وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ ، وَأَمَّا الْفِرَقُ الْبَاقِيَةُ ؛ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشُّذُوذِ ، وَالتَّفَرُّقِ ، وَالْبِدَعِ ، وَالْأَهْوَاءِ ، وَلَا تَبْلُغُ الْفِرْقَةُ مِنْ هَؤُلَاءِ قَرِيبًا مِنْ مَبْلَغِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِهَا ، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْفِرْقَةُ مِنْهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ ، وَشِعَارُ هَذِهِ الْفِرَقِ مُفَارَقَةُ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ ، فَمَنْ قَالَ بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْجَمَاعَةِ”[10]،

وَيَقُوْلُ أَيْضًا -رَحِمَهُ اللهُ- : “وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ ، وَأَحْوَالِهِ ، وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا ، وَسَقِيمِهَا ، وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا ، وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا ، وَاتِّبَاعًا لَهَا ؛ تَصْدِيقًا ، وَعَمَلًا ، وَحُبًّا ، وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا ، وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا ؛ الَّذِينَ يَرْدُوْنَ الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ ، وَالْحِكْمَةِ ؛ فَلَا يُنَصِّبُونَ مَقَالَةً وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ ، وَجُمَلِ كَلَامِهِمْ ؛ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، بَلْ يَجْعَلُونَ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ ، وَالْحِكْمَةِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ ، وَيَعْتَمِدُونَهُ[11].

وَقَالَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ اِبْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ -مُعَلِّقًا عَلَى حَدِيْثِ الْفِرَقِ- : “هَذِهِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ ؛ الَّذِيْنَ اِجْتَمَعُوْا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَقَامُوْا عَلَيْهِ ، وَسَارُوْا عَلَى نَهْجِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَهْجِ أَصْحَابِهِ ، هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَالْجَمَاعَةِ ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ ، السَّلَفِيُّوْنَ ؛ الَّذِيْنَ تَابَعُوْا السَّلَفَ الصَّالِحَ ، وَسَارُوْا عَلَى نَهْجِهِمْ فِيْ الْعَمَلِ بِالْقُرْآنِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُخَالِفُهُمْ فَهِيَ مُتَوَعَّدَةٌ بِالنَّارِ … ؛ كَـالْجَهْمِيَّةِ ، وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَالرَّافِضَةِ ، وَالْمُرْجِئَةِ[12]، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَغَالِبِ الصُّوْفِيَّةِ الَّذِيْنَ يَبْتَدِعُوْنَ فِيْ الدِّيْنِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ دَاخِلُوْنَ فِيْ الْفِرَقِ الَّتِي تَوْعَدَهَا الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ ، حَتَّى يَتُوْبُوْا مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعِ …”[13]،

وَقَالَ أَيْضًا -رَحِمَهُ اللهُ- : “هُمْ أَهْلُ الحَقِّ ، وَهُمْ دُعاةُ الهُدَى ، ولَو تَفَرَّقوا فِيْ الْبِلَادِ ، يَكُوْنُ مِنْهُمْ فِيْ الْجَزِيْرَةِ الْعَرَبيَّةِ ، وَيَكُوْنُ مِنْهُمْ فِيْ الشَّامِ ، وَيَكُوْنُ مِنْهُمْ فِيْ أَمْرِيْكَا ، وَيَكُوْنُ مِنْهُمْ فِيْ مِصْرَ ، وَيَكُوْنُ مِنْهُمْ فِيْ دُوَلِ أَفْرِيِقْيَا ، ويَكونُ مِنْهُمْ فِيْ آسِيَا ، فَهُمْ جَمَاعَاتٌ كَثيرةٌ ؛ يُعرَفونَ بِعَقِيْدَتِهِمْ ، وَأَعْمَالِهِمْ ، فَإِذَا كَانُوْا عَلَى طَرِيْقَةِ التَّوْحِيْدِ ، وَالْإِيْمَانِ بِاللّهِ ، وَرَسُوْلِهِ ، وَالْاِسْتِقَامَةِ عَلَى دِيْنِ اللّهِ الَّذِيْ جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ ، وَسُنَّةُ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَالْجَمَاعَةِ[14].

     وَلَقَدْ نَتَجَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُعْمِلْ هَذَا الْأَصْلَ -وهو وحدة الحق- انتكاسة في فطرته التي خلقه الله عليها ، فأصبح مسخًا مشوهاً ، جمع في عقله بين النقيضين ، وسوى بين المتخالفين ، فضل السبيل ، ولم يهتد لرشده القويم ، فتاه في غياهب الأفكار المضلة ، والمعتقدات المنحرفة ، وارتمى في سباطات الأفهام الفاسدة ، والـمعارف الـمتضاربة ، وانتهى به المقام إلى الإلحاد ، وإنكار وجود الواحد الخلاق ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}[الفرقان:68-70] ،

     وَأَمَّا مَنْ أَعْمَل هَذَا الْأَصْلَ ، فبقي على فطرته التي فطر عليها ، ودان بدين الله الرشيد ، واتبع سبيل المؤمنين ، وجانب سبل أهل الضلال ، والمبتدعين ، فإن الله تعالى سيجازيه -بسبب ثباته على دينه- بقرار ، وطمأنينة في قلبه ، وسلامة في عقله ، واهتداء في فعله ، {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22] ،   

     إِنَّ دُعَاةَ التَّقْرِيْبِ بين الحق ، والباطل ، هم في حقيقتهم دعاة ضلالة ، لا دعاة رشد ، وهداية ، يريدون بدعوتهم هذه إبطال الحق ، وتهوينه ، وإحقاق الباطل ، وتعميمه ، يتخذون لإنجاح خطتهم طريقة التلون ، والنفاق ؛ كحال أهل البدع ، أو عن طريق القوة ، والإلزام ؛ كحال هيئات الأمم ، التي سنت دساتير ، وقوانيين ملزمة ، لا يحل لأحد مخالفتها ، ومن ذلك : “قانون الحرية العقدية الدينية” ، “وقانون مكافحة خطاب الكراهية” ، وقانون الاعتراف بالديانات السماوية” ، وهذا منهم من أكبر خططهم لتقويض تعاليم الإسلام ، ومحو آثاره ، حتى لا يبقى منه إلا اسمه ، ولقد فرح بذلك أهل الابتداع ، وصاروا يتحامون بهذه القوانين الطاغوتية ضد أهل السنة ، والاتباع ، ولذا أصبح لهم دعم كبير من قبل دول الظلم ، والكفران .

     إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ مِنْ أَكْبَرِ الثَّغَرَاتِ الَّتِي وُجِدَتْ فِيْ جِدَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، والتي استطاع أهل الباطل من خلالها النفوذ إلى أوساط أهل السنة ، وتحريف عقيدتهم ، والتلاعب فيها ، ولقد نجحوا إلى حد ما ، وهذا ما فعله كاتب هذا الكتاب ؛ فإنه سود فقراته ، وكتب أبحاثه ، ثم قدمه إلى عوام الناس ليقول لهم -من خلاله- : أهل الحديث ، والأشاعرة ، والماترية أمة واحدة ، لا اختلاف بينهم ، ولا منابذة ، و-مع الأسف الشديد- قد أصابت سهامه هذه بعض المنتسبين للسنة ، نسأل الله لهم الهداية ،

     إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ -إضافة على ما ذكر- تتضمن تحريف دين الله ، المنزل على نبيه ، ومصطفاه ؛ فإن من يجيز العمل بين المتناقضين فهو -في حقيقة واقعه- مبطل للواجبات ، والشرائع الدينية ، والعقيدة الصافية النقية ؛ فاللهم الثبات الثبات !!

كُلُّ مَا مَضَى إِنَّمَا هُوَ تَأْصِيْلٌ ، وتدليل لكل من خدع ، وظن أن الحق يتعدد بين طائفة أهل السنة ، وطوائف أهل الأهواء ، وهو تأصيل ، وتدليل -أيضًا- لمن قرأ عنوان الكتاب ، فانـخدع به ؛ لعدم علمه ، وإدراكه ما بداخلة ، أما من تصفحه ، وقرأه ، وعلم ما بداخله ؛ فإني أقول له -ناصحًا- : انتبه ، ثم انتبه ، تيقظ ، وإياك أن تنخدع ، ثم اعلم -كي تنجو ، وتسلم-:

     أَنَّ الدَّعْوَى الَّتِي أَتَى بِهَا الْكَاتِبُ -في كتابه آنف الذكر- وهي أن الأشعرية ، والماتريدية ، وطائفة أهل التفويض أنهم من أهل السنة دعوى كاذبة ، وتقية مضللة ، وذلك لما يلي :

1] منهج الأشاعرة -في العقيدة- يخالف في مسائل متعددة منهج الماتريدية ، هؤلاء يخطئون هؤلاء ، وهؤلاء يخطئون هؤلاء ، بل قد يكفرونهم ؛ فلا اتفاق بينهم بإطلاق ، فـ:

اِنْظُرْ مَثَلًا : خلافهم في إيمان المقلد ، فالأشاعرة لا يصححون إيمانه ، وبعضهم يكفره ، بخلاف الماتريدية الذين يصححونه ،

وَانْظُرْ أَيْضًا : خلافهم في أفعال الله ؛ فالماتريدية ترى أن أفعال الله تعالى معللة ، وخالفتهم في ذلك الأشعرية فنفت الحكمة في أفعال الله ، والعياذ بالله .

وَانْظُرْ أَيْضًا : خلافهم في كلام الله ؛ فذهبت الماتريدية إلى أن كلام الله تعالى لا يسمع أبدًا ، لا حقيقياً ، ولا نفسياً ، وإنما الذي يسمع منه هو عبارة عن حروف ، وأصوات مخلوقة ، تدل على كلام الله ، وذهب الأشاعرة إلى جواز سماع كلام الله تعالى ، وأن الذي يسمع منه هو كلامه النفسي ، وذلك بأن يخلق الله في المستمع إدراكاً خاصًا ؛ ليفهم من خلاله كلام الله النفسي .

وَانْظُرْ أَيْضًا : خلافهم في فيمن يستثني في إيمانه ، فالأشعرية يصححونه ، والماتريدية يحرمونه ، بل يكفرونه[15]، وغير ذلك من الخلافات ،

يَقُوْلُ السُّبْكِيُّ الْأَشْعَرِيُّ -مُسْتَهْجِنًا مِمَّا فَعَلَهُ الْأَحْنَافُ بِطَائِفَتِهِ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيْ مَسْأَلَةِ الْاِسْتِثْنَاءِ فِيْ الْإِيْمَانِ- : “ وَبَعْدُ ، فَقَدْ عَلِمْت مَا ذَكَرْته -وَفَّقَكَ اللَّهُ- مِنْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ : “أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ” ، وَقَالُوا إنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُكَفُرُونَ بِذَلِكَ ، … ، فَلَمَّا بَلَغَنِي مَقَالَتَهُ تَأَلَّمْت لِذَلِكَ ، وَاسْتَهْجَنْت قَوْلَ قَائِلِهِ …”[16].

2] منهج الأشاعرة ، والماتريدية في تأويل صفات الباري جل وعلا يخالف -في التأصيل- منهج أهل التفويض ؛ فإن نصوصًا كثيرة نقلها المصنف -عمن يزعم زورًا أنهم من المفوضة- يجرمون ، ويحرمون تأويل صفات الله تعالى ، فـ:

اِنْظُرْ مَثَلًا ما نقله من قول الإمام ابن رجب رحمه الله[17]: “والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات ، وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة ؛ خصوصاً الإمام أحمد ، ولا خوض في معانيها”[18]، فكيف يكونون من أهل السنة ومن يدعي أنهم مفوضة تخطئ فعل صاحبتها المؤولة[19]، ولا تصححه ؟!!

3] منهج الأشاعرة ، والماتريدية مخالف لعقيدة أهل السنة السلفيين أعظم المخالفة ، ليس في صفات الله فقط ، بل في أبواب عدة منها ، وفي الفقرة التالية -إن شاء الله تعالى- سنبين عظم ، وكبر المخالفة التي وقعوا فيها .

4] أما قول المصنف : “رَسَائِلُ فِيْ التَّوَاصُلِ مَعَ إِخْوَتِنَا ؛ فِيْ التَّيَّارَاتِ السَّلَفِيَّةِ” ؛ فهو إقحام ليس في مكانه ، بل هي مخاتلة مفضوحة ؛ فكتابه كله قائم على البدعة ، مؤسس عليها ، وحقيقة الرسائل التي يريد التواصل من خلالها إنما هي إلى الفرق الخلفية الثلاث ؛ الأشاعرة ، والماتريدية ، وأهل التفويض ، أو المتصوفة المبتدعة ؛ ليبين لهم فيه أدلة كل فريق ، التي تصلح لمحاججة من خالفهم ، أما أهل السنة بحق ، والسلفيون الثابتون بصدق ؛ فلا مكان لهم في رسائل هذا الكتاب البتة ؛ بل هم -عنده- فيه منبذون ، مبتدعة ضالون ؛ ومجسمة مشبهون[20]، وأرى أنه ما وضع عنوان الكتاب بهذه الطريقة إلا ليخادع الجهال الأغمار ، والصغار الأغرار ، وإلا فأهل العلم الأثبات -والحمد لله ، الولي الرحمن- قد فطنوا لهذا المكر من أول وهلة ، فردوه ، ونبذوه ، وبعدما عرفوا حقيقة ما ينطوي عليه مؤلفه رفضوه ، وناهضوه ، فحذار ، حذار يا أهل السنة من هذه المكيدة ، فإنه شَرَكٌ أراد نصبه لكم أولو العقول السفيهة .

     وَأَبْشِرُوْا يَا أَهْلَ السُّنَّةِ الصَّادِقِيْنَ ، ثبتكم الله ، وأعانكم ، فالثابت منكم -إن شاء الله- في علو مكين ، وذكر جميل ، فاصبروا ؛ فإنكم -والله- على الحق المبين ، ولكم من الله الأجر الجزيل ، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:26] ،

     وَأَمَّا أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبِدْعَةِ ، فإنكم أخلاط ، وأمشاج من نحل مختلفات ، أتى لكم بها الشيطان من فلاسفة اليونان ؛ كأرسطو ، وأفلاطون ، وسقراط ، وتبلورت بين أهل الإسلام في معتقدات مضلات ، يقدمكم فيها الجهم بن صفوان ، والمريسي أخو المعتزلة الضلال ، والصوفي ابن عربي ، وقبله الحلاج ، فأنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان ؛ فإنكم -والله- على الباطل الصراح ، نعوذ بالله من شركم ، وشر كل مبتدع ، وانحراف ، {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:27] .

يَتْبَعُ …

          

  



([1]) رواه مسلم (4507) .

([2]) جامع بيان العلم وفضله (1700) .

([3]) جامع بيان العلم وفضله (1699) .

([4]) مدارج السالكين (1-39) .

([5]) رواه البخاري (7310) ، ومسلم (1920) .

([6]) أخرجه أبو داود (4596) ، والترمذي (2640) ، وابن ماجه (3993) .

([7]) رواه الحاكم في “معرفة علوم الحديث” ، ص : (3) .

([8]) الإبانة الكبرى (3/237-238) .

([9]) رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الصوت والحرف ، ص : (346) .

([10]) شرح حديث الافتراق (1/31) .

([11]) محموع الفتاوى (3/347) .

([12]) وفي مقطع صوتي له أدخل الأشاعرة من ضمن الفرق الهالكة ، وهذا رابطه : [https://www.youtube.com/watch?v=IJtf_iMg15s].

([13]) فتاوى نور على الدرب ؛ للطيار ، ص : (15) .

([14]) مجموع الفتاوى (8/182) .

([15]) راجع فيما ذكرناه هنا من مسائل كتاب : الماتريدية ؛ ص : (495-502) ، وسيأتي مزيد من ذلك في الفقرات التالية إن شاء الله .

([16]) فتاوى السبكي (1/53) .

([17]) فضل علم السلف على الخلف ، ص : (4) ، وانظر في كتاب المؤلف ، في صفحة : (50-51) .

([18]) وسيأتي في الفقرة التالبة توجيه كلام أحمد هذا ، وأنه جار على منهج السلف في إثبات حقيقة المعاني ، كما تليق بالله تعالى ، من غير تكييف .

([19]) وقد أورد طائفة من أقوالهم ، ص : (54) .

([20]) انظر في الكتاب : ص : (39) ، (50) .

%d مدونون معجبون بهذه: