تَحْذِيْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْإِيْمَانِ مِنْ مَكْرِ ، وَخِدَاعِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ ، وَالنِّفَاقِ .
رَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى كِتَابٍ يَحْتَفِي بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ عِنْدَنَا -فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ- يُرَوِّجُوْنَ لَهُ ؛ لِيُخَادِعُوْا بِهِ الْأَغْمَارَ ، وَأَتْبَاعَهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ الرَّعَاعِ .
[الجزء السادس]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
(مُقَدِّمَةٌ)
في هذه الحلقة -وهي السادسة- في الرد على كتاب ابن قديش اليافعي اليمني : “مَسَائِلُ فِيْ الْمَنْهَجِيَّةِ الْعَامَّةِ ؛ فِيْ الْعَقِيْدَةِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالسُّلُوْكِ ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ ، وَالْمَاتُرِيْدِيَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ …” ، فنقول ، وبالله التوفيق ،
(5)
الْبَيَانُ بِأَنَّ الْفِقْهَ السَّلَفِيَّ كَائِنٌ فِيْ الْاِتِّبَاعِ ، وَأَنَّ الْفِقْهَ الْخَلَفِيَّ كَائِنٌ فِيْ تَقْلِيْدِ أَقْوَالِ الرِّجَالِ .
إن من أكبر سمات المتبعين ، أهل السنة السلفيين أنهم لا يرضون بغير الدليل بديلاً ؛ بخلاف أهل البدعة الخلفيين ؛ فإنهم يعظمون ، ويقدسون علماءهم إلى درجة أنهم يردون الأدلة الصحيحة الصريحة بمجرد مخالفتها دين الآباء ، والأجداد ، وعندما نظرنا ، وتأملنا وجدنا أن من أكبر أسباب الانحراف العقدي -المعاصر ، وغير المعاصر- هو التقليد المذهبي ؛ بالتزام أحد الـمذاهب الأربعـة ، ومنـع الخـروج عـنها ؛ كـما يراه ، ويذهب إليه الـمتعصبون المقلدة ، ومنهم صاحب هذا الكتاب ؛ المردود عليه[1]، وهذه -وايم الله- “بدعة قبيحة حدثت في الأمة ، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام ، وهم أعلى رتبة ، وأجل قدرًا ، وأعلم بالله ، ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك ، وأبعد منه قول من قال : يلزمه أن يتمذهب بـمذهب عالم من العلماء ، وأبعد منه قول من قال : يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة ، فيالله العجب ، ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومذاهب التابعين ، وتابعيهم ، وسائر أئمة الإسلام ، وبطلت جملة ؛ إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأئمة ، والفقهاء ، وهل قال ذلك أحد من الأئمة ، أو دعا إليه ، أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه ؟ والذي أوجبه الله تعالى ، ورسوله على الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة ، لا يختلف الواجب ، ولا يتبدل ، وإن اختلفت كيفيته ، أو قدره باختلاف القدرة ، والعجز ، والزمان ، والمكان ، والحال فذلك -أيضًا- تابع لما أوجبه الله ، ورسوله”[2]،
لَقَدْ تَتَابَعَتْ الْأَدِلَّةُ ، وَأَقْوَالُ السَّلَفِ فِيْ ذَمِّ التَّقْلِيْدِ ، وَتَجْرِيْمِهِ ،
قَالَ تَعَالَى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}[المائدة:104]،
وَقَالَ تَعَالَى : {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}[يونس: 78]،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 24] ،
وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هِيَ حَلَالٌ ، فَقَالَ الشَّامِيُّ : إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : “أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا ، وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ ؟ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : “لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”[3]،
وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : ” كُنَّا نَدْعُو «الْإِمَّعَةَ» فِي الْجَاهِلِيَّةِ : الَّذِي يُدْعَى إِلَى الطَّعَامِ ، فَيَذْهَبُ مَعَهُ بِآخَرَ ، وَهُوَ فِيكُمُ الْمُحْقِبُ[4]دِينَهُ الرِّجَالَ ؛ الَّذِي يَمْنَحُ دِينَهُ غَيْرَهُ ، فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْغِيَرُ فِي دُنْيَاهُ ، وَيَبْقَى إِثْمُهُ عَلَيْهِ“[5]،
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : “أَلَا ، لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ“[6]،
وَقَالَ أَبُوْ حَنِيْفَةَ رَحِمَهُ اللهُ :”لا يحلُّ لمن يفتى من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت“[7]،
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ : “إنما أنا بشر ، أخطىء ، وأصيب ، فانظروا في رأيي ؛ فكل ما وافق الكتاب ، والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب ، والسنة فاتركوه“[8].
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها ، ودعوا ما قلته“[9]،
وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : “رأي الأوزاعـي ، ورأي مـالك ، ورأي سفيـان كـله رأي ، وهـو عنـدي سواء ، وإنما الحجة في الآثار“[10].
وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “لا تقلدني ، ولا تقلد مالكاً ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا“[11].
وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللهُ -بعد سرده لبعض ما سبق من آيات- : “وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها ؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما ، وإيمان الآخر ، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد ، كما لو قُلِّد رجل فكفر ، وقُلِّد آخر فأذنب ، وقُلِّد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها ، كان كلُّ واحد ملومًا على التقليد بغير حجة ؛ لأنَّ كلَّ ذلك تقليد ، يشبه بعضه بعضًا ، وإن اختـلفت الآثام فيه ، وقال الله عز وجل : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] ، وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا ، وفي ثبوته إبطال التقليد أيضًا ، فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول ؛ التي يجب التسليم لها ، وهي : الكتاب والسنة ، أو ما كان في معناهما ؛ بدليل جامع بين ذلك“[12]،
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين ، كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلاثة ، وجمهور الصحابة ، وكالخارجي الذي يقدح في عثمان ، وعلي رضي الله عنهما ، فهذه طرق أهل البدع ، والأهواء الذين ثبت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع أنهم مذمومون خارجون عن الشريعة ، والمنهاج الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء ؛ سواء تعصب لمالك ، أو الشافعي ، أو أبي حنيفة ، أو أحمد ، أو غيرهم ، ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلًا بقدره في العلم ، والدين ، وبقدر الآخرين فيكون جاهلًا ظالماً ، والله يأمر بالعلم ، والعدل ، وينهى عن الجهل ، والظلم“[13].
وَقَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “وكانوا يسمون الـمقلد : «الإمعة» ، و«مُحْقِبَ دينه» ؛ كما قال ابن مسعود : «الإمعة : الذي يحقب دينه الرجال» ، وكانوا يسمونه : «الأعمى الذي لا بصيرة له» ، ويسمون المقلدين : «أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل صائح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يركنوا إلى ركن وثيق» ، … ، وكما سماه الشافعي : «حاطب ليل» ، ونهى عن تقليده ، وتقليد غيره ؛ فجزاه الله عن الإسلام خيرًا ، لقد نصح لله ، ورسوله ، والمسلمين ، ودعا إلى كتاب الله ، وسنـة رسـوله ، وأمـر باتـباعهما دون قـوله ، وأمـرنا بأن نعرض أقواله عليهما ؛ فنقبل منـها ما وافقهمـا ، ونرد ما خالفهما ؛ فنحن نناشد المقلدين : هل حفظوا في ذلك وصيته ، وأطاعوه ، أم عصوه ، وخالفوه؟”[14]،
وَسُئِلَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ السؤال التالي : هل يمكن أن أختار أحد العلماء الأربعة مثلاً -المشهورين- لكي أعمل على طريقتهم دون الآخرين ، وأقرأ له لكي أتمكن من التطبيق فعلًا ؟
فأجاب : “ليس لك أن تقلد واحدًا مطلقًا ، بل عليك أن تسأل أهل العلم عما أشكل عليك ، والتقليد لا يجوز ؛ بل يجب على طالب العلم أن ينظر في الأدلة الشرعية ، ويختار ما تقتضيه الأدلة ؛ سواء وافق الأئمة الأربعة ، أو لـم يوافقهم ، وإذا كان عاميًا ؛ فإنه لا يقلد أحدًا من هؤلاء ، بل يسأل أهل العلم في زمانه ، أهل العلم بالسنة ، أهل البصيرة ، يسألهم عما أشكل عليه ، ويعمل بما يفتى به”[15].
إِنَّ أَعْظَمَ مُخَالَفَةٍ عَقَدِيَّةٍ يقع فيها كثير من أصحاب هذه البدعة تكمن في أنهم يتعمدون مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما أعظمهما من مخالفة !!
قَالَ تَعَالَى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب”[الحشر:7] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم”[النور:63] ،
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }[ المائدة: ١٠٤] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء:65] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[آل عمران:31] ،
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ : “عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفُوا اَلْإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ ؛ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيَانَ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم”[النور:63] ، أَتَدْرِي مَا اَلْفِتْنَةُ ؟ اَلْفِتْنَةُ : اَلشِّرْكُ ؛ لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ ، أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ اَلزَّيْغِ فَيَهْلِكَ”[16] .
قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : ” … ، وقال مَعْنُ بن عيسى القَزَّاز : سمعت مالكًا يقول : «إنما أنا بشر أُخطئ ، وأُصيب ، فانظروا في قولي ، فكلُّ ما وافق الكتاب ، والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق الكتابَ ، والسنة فاتركوه»[17]، فرضيَ اللَّه عن أئمة الإسلام ، وجَزَاهم عن نصيحتهم للأمة خيرًا ، ولقد امتثل وصيتَهم ، وسلك سبيلَهم أهلُ العلم ، والدين من أتباعهم ، وأما المتعصبون فإنهم عكسوا القضية ، ونظروا في السنة ، فما وافق أقوالَهم منها قبلوه ، وما خالفها تـحيَّلوا فـي ردِّه ، أو ردِّ دلالته ، وإذا جاء نظيرُ ذلك ، أو أضعفُ منه سندًا ، ودلالَةً ، وكان موافقًا قولَهم قبلوه ، ولم يستجيزوا رده ، واعتـرضـوا به على منُازعـيهم ، وأشاحوا …“[18].
وَقَالَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ بَكْرٌ أَبُوْ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ : “الواسطة بيننا ، وبيْن الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فنشهد بالله أَنه قد بلَّغَ الرسالة ، وأَدَّى الأَمانة ، وختم الله به النبوة ، والرسالة ، وأَكمل الله به الديانة ، وجعل شريعته ناسخة لكل شريعة ، قاضية على كل نحلة ، ووجهة ، فيجب على كل مسلم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتأسي به ، واتباع سنته ، فإِن مَن أَطاعه أَطاع الله ، ومَن عصاه فقد عصى الله ، وقد قال الله تعالى : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:50] ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن ربه ، وعلماء أمته مستقون مِن شريعته ، مستدلون بما أَوحاه الله إِليه ؛ فهم وسائط في البلاغ ، والاستدلال ، ونقل هذا الدِّين ، ونشره … لهذا فإن إِعراض كثير مِن أهل الأقطار عن الوحيين الشريفين ، وتقليص الاقتباس مِن نورهما في كراسي التعليم ، والاكتفاء بالمذاهب المدونة مِن أعظم الباطل ، وهو مخالِف لأَئمة تلك المذاهب ، وقد أَنتج هذا البلاء العظيم تحكيم القوانين الوضعية ، ثم تهدئة عواطف الأمة بدعوى المماطلة “تقنين الشريعة” ، وأَنتج : “الغَزْوَ الفِكْرِيَّ” بشتى ضروبه ، وأشكاله“[19].
وفيما قلناه ، ونقلناه كفاية في رد ما ذهب إليه مؤلف الكتاب : “ابن قديش اليمني” ، الداعي إلى التزام المذاهب الأربعة ، ومنع الخروج عنها .
(6)
الْبَيَانُ الْمُبِيْنُ فِيْ تَجْلِيَةِ ، وَكَشْفِ حَقِيْقَةِ التَّصَوِّفِ ، وَالْمُتَصَوِّفِيْنَ ،
أما التصوف المعتدل الذي يمتدحه صاحب الكتاب ؛ فهي دعوى ، لا حقيقة لها على أرض الواقع المعاصر ، بل إن السمة الظاهرة ، والعلامة الفارقة فـي هذا التصوف أنه تصوف بدعي ، شركي ؛ طرب ، ورقصات ، واستغاثات بغير الله ، رب الأرض ، والسموات ، وقد تظاهر صاحب الكتاب في كتابه بأنه يذم ، وينقد الغلو في التصوف ، لكنها ترويجات ، وتمويهات المبتدعة المعروفة عنهم ، وإلا هو نفسه قرر في كتابه هذا -المردود عليه- أنه يجوِّز طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وفي كتابه : “التوسل بالصالحين بين الـمجيزين ، والمانعين”[20] قرر شرعيـة الاستـغاثة بالرسـول صـلى الله عـليه وسـلم بعـد مـوته ، فـأي اعتدال يدعو إليه ، وأي غلو يحذر منه !!
وَسَأَنْقُلُ -هُنَا- أَدِلَّةً ، ونصوصاً عن الأئمة تبين ضلال أهل التصوف المعاصر ، المستغيثين بغير الله ، وطالبي المدد من الأموات ، فأقول :
الاستغاثة بالأموات ، وطلب المدد منهم كفر مخرج من الملة ، لا نشك في ذلك ، دل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة ،
قَالَ تَعَالَى : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[يونس:18]،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير * إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير}[فاطر:13-14] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون}[الأحقاف:4-5] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلا * أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء:56-57] ،
وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : “الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ” ، وَقَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، إِلَى قَوْلِهِ : {دَاخِرِينَ} [غافر: 60]”[21].
ومن أقوال العلماء :
قَالَ أَبُوْ الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيْلٍ رَحِمَهُ اللهُ (ت:513): “لما صعبت التكاليف على الجهال ، والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم ، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم -قال- : وهم عندي كفار بهذه الأوضاع ؛ مثل تعظيم القبور ، وإكرامها بما نهى عنه الشرع ؛ من إيقاد النيران ، وتقبيلها ، وتخليقها ، وخطاب الموتى بالألواح بالحوائج ، وكتب الرقاع فيها : يا مولاي افعل بي كذا ، وكذا ، وأخذ التراب تبركًا ، وإفاضة الطيب على القبور ، وشد الرحال إليها ، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات ، والعزى … ، والويل عندهم لمن لم يقبِّل مشهد الكف ، ولم يتمسح بآجرة مسجد الملموسة يوم الأربعاء ، ولم يقل الحمالون على جنازته : الصديق أبو بكر ، أو محمد ، وعلى ، أو لم يعقد على قبر أبيه أزجاً بالجص ، والآجر ، ولم يخرق ثيابه إلى الذيل ، ولم يرق ماء الورد على القبر…”[22].
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين”[23].
وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “سؤال الميت ، والغائب نبيًا كان ، أو غيره من المحرمات المنكرة ، باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ، ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ، ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين أن أحدًا منهم ما كان يقول إذا نزلت به ترة ، أو عرضت له حاجة لميت : يا سيدي فلان : أنا في حسبك ، أو اقض حاجتي ؛ كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى ، والغائبين ، ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ولا بغيره من الأنبياء ؛ لا عند قبورهم ، ولا إذا بعدوا عنها ، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال ، ويشتد البأس بهم ، ويظنون الظنون ، ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ، ولا غيره من المخلوقين ، ولا أقسموا بمخلوق على الله أصل ، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ، ولا قبور غير الأنبياء ، ولا الصلاة عندها“[24]،
وَقَالَ الْمِرْدَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : “قوله : فمن أشرك بالله ، أو جحد ربوبيته ، أو وحدانيته أو صفة من صفاته … ، أو سب الله تعالى ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم كفر … ، فائدة :
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ رَحِمَهُ اللهُ : وكذا الحكم لو جعل بينه ، وبين الله وسائط ؛ يتوكل عليهم ، ويدعوهم ، ويسألهم ، إجماعًا“[25]،
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمِقْرِيْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (ت:845) : “وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية ، وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية ، والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام ، وعباد الملائكة ، وعباد الجن ، وعُباد المشايخ ، والصالحين الأحياء ، والأموات ، الذين قالوا : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله ، وكرامته لهم قرب ، وكرامة ، كما هو المعهوم في الدنيا من حصول الكرامة ، والزلفى لمن يخدم أعوان الملك ، وأقاربه خاصته ، والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب ، وترده ، وتقبح أهله ، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى ، وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك ؛ من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ، ومن أجله ، وأصله : الشرك في محبَّة الله ، قال تعالى : {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}...”[26]،
وَقَالَ الشَّيْخُ صُنْعُ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ (ت:1120) : “هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بـين المسلمين جماعات يدَّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم ، وبعد الممات ، ويستغاث بهم في الشدائد ، والبليات ، وبهم تنكشف الـمُهمات ، فيأتون قبورهم ، وينادونهم في قضاء الحاجات ، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات ، وقرَّرهم على ذلك من ادعى العلم بمسائل ، وأمدهم بفتاوى ، ورسائل ، وأثبتوا للأولياء بزعمهم الإخبار عن الغيب بطريق الكشف لهم بلا ريب ، أو بطريق الإلهام ، أو منام ! وقالوا : منهم أبدال ، ونقباء ، وأوتاد نجباء ، وسبعين ، وسبعة ، وأربعين ، وأربعة ، والقطب هو الغوث للناس ، وعليه المدار بلا التباس ، وجوزوا لهم الذبائح ، والنذور ، وأثبتوا لهم فيهما الأجور ، وهذا كلام فيه تفريط ، وإفراط ، بل فيه الهلاك الأبدي ، والعذاب السرمدي ، لما فيه من روائح الشرك المحقق ، ومصادرة الكتاب العزيز المصدَّق ، ومخالفة لعقائد الأئمة ، وما أجمعت عليه هذه الأمة ، وفي التـنـزيل : «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً»[النساء:115]، فإن كان مثل هذا الوعيد للحذر عن الميل عن الطريق السديد ، فلا جرم أن الحق فيما لهم من الأحكام ، وفي طريقهم الاعتصام ، بل وبه يتميز أهل الإسلام من أهل الانتقام“[27]،
وَسُئِلَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : نسمع أقوامًا ينادون : مدد يا رسول الله ، أو مدد يا نبي ، فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب :
“هذا الكلام من الشرك الأكبر ، ومعناه طلب الغوث من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمع العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ، وأتباعهم من علماء السنة على أن الاستغاثة بالأموات من الأنبياء ، وغيرهم ، أو الغائبين من الملائكة ، أو الجن ، وغيرهم ، أو بالأصنام ، والأحجار ، والأشجار ، أو بالكواكب ، ونحوها من الشرك الأكبر ، لقول الله عز وجل : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18] ، وقوله سبحانه : {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر:13-14] ، وقول الله عز وجل : {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهذا العمل هو دين المشركين الأولين ؛ من كفار قريش ، وغيرهم“[28].
وَأَمَّا التَّصَوُّفُ ، وَالصُّوْفِيَّةُ -وطرقها ، وفرقها المعروفة- فهو أمر محدث في الإسلام ؛ قال صلى الله عليه وسلم : «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ؛ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، كُلُّهَا فِيْ النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ» ، قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : «مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ ، وَأَصْحَابِي»[29]، وقوله عليه الصلاة والسلام : «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً ، لَا يَضُرُّهُم مَنْ خَالَفَهُمْ ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ ؛ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وهم عَلى ذَلِكَ»[30]، “والـحـق هو اتباع القرآن الكريم ، والسنَّة النبويَّة الصحيحة الصريحة ، وهذا هو سبيل الله ، وهو الصراط المستقيم ، وهو قصد السبيل ، وهو الخط المستقيم المذكور في حديث ابن مسعود ، وهو الذي درج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وعن أتباعهم من سلف الأمَّة ، ومن سار على نهجهم ، وما سوى ذلك من الطرق والفِرق هي السبل المذكورة في قوله سبحانه وتعالى : {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153]”[31]، وروى ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أَنَّهُ خَطَّ خَطًّا ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيْلُ اللهِ ، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِيْنِهِ ، وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوْطًا ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ سُبُلٌّ ، عَلَى كُلِّ سَبِيْلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُوْ إِلَيْهِ”[32]،
وقد جاءت تحذيرات السلف رحمهم الله من الطائفة المتصوفة الضالة ، وتصرفتهم المحدثة ؛ ومن ذلك :
قَالَ الْمُسَيَّبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : كنا عند مالك ، وأصحابه حوله ، فقال رجل من أهل نصيبين : يا أبا عبد الله ، عندنا قوم يقال لهم الصوفية ، يأكلون كثيراً ، ثم يأخذون في القصائد ، ثم يقومون فيرقصون ، فقال مالك : الصبيان هم ؟ قال : لا ، قال : أمجانين ؟ قال : لا ، قوم مشائخ ،
قال مالك : ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا“[33].
وَقَالَ يُوْنُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى رَحِمَهُ اللهُ : سمعت الشافعي -رحمه الله- يقول : “لو أن رجلا تصوف أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق“[34].
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى كان يحذر من الحارث المحاسبي ، والسري السقطي أشد التحذير[35].
وَقَالَ الْحَافِظُ سَعِيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَرْدَعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : ” شهدت أبا زرعة -وقد سئل عن الحارث المحاسبى ، وكتبه- فقال للسائل : إياك وهذه الكتب ! هذه كتب بدع ، وضلالات ، عليك بالأثر …” ،
قَالَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ -معلقًا على الأثر السابق-:” وأين مثل الحارث ؟! فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين ؛ كالقوت لأبـي طالـب ؟ وأين مثـل القوت ؟ كيف لو رأى بـهجة الأسرار ؛ لابن جهضم ، وحقائق التفسير للسلمى ؟ لطار لبُّه ، كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك ، على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات ؟ كيف لو رأى الغنية ؛ للشيخ عبد القادر ! كيف لو رأى فصوص الحكم ، والفتوحات المكية ؟”[36].
ولفظ : “الصوفية” كما يطلق على المبتدعة المحدثين يطلقه بعض الناس على من عرف بالزهادة ، والورع ، والانقطاع للعبادة ، مع السنة ، والاتباع ؛ فلما انتشر هذا اللفظ ، وصار متداولاً أصبح العلماء المحققون يفصلون في القول عند الحكم على الصوفية ؛ فيقولون : الصوفية يعاملون بقدر تمسكهم بالسنة ؛ فإِنْ تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ فهم من أهلها ، وَإِنْ شطحوا ، وابتعدوا عنها ، وابتدعوا لم يكونوا من أهلها ، وَعَلَى هَذَا تنزل أقوال العلماء الأثبات الذين أثنوا على المعتدلين من الصوفية .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “وأهل السنة ، والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، وهو أن المؤمن يستحق وعد الله ، وفضله الثواب على حسناته ، ويستحق العقاب على سيئاته ، وإن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه ، وما يعاقب عليه ، وما يحمد عليه ، وما يذم عليه ، وما يحب منه ، وما يبغض منه ، فهذا هذا ، وإذا عرف أن منشأ «التصوف» كان من البصرة ، وأنه كان فيها من يسلك طريق العبادة ، والزهد ؛ مما له فيه اجتهاد ؛ كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه ، والعلم ما له فيه اجتهاد ، وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة ، وهي لباس الصوف ، فقيل في أحدهم : «صوفي»… ، وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق ، وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون ، … ، ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفي ؛ لكن هو في الحقيقة نوع من الصديقين ؛ فهو الصديق الذي اختص بالزهد ، والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيـه ؛ فكان الصديق من أهل هذه الطريق ؛ كما يقال : صديقو العلماء ، وصديقو الأمراء فهو أخص من الصديق المطلق ، ودون الصديق الكامل الصديقية ؛ من الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم ؛ … ، ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد ، والتنازع فيه تنازع النـاس فـي طـريـقهـم ؛ فطـائفة ذمـت الصوفية ، والتصوف ، وقالوا : إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف ، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه ، والكلام ، وطائفة غلت فيهم ، وادعوا أنهم أفضل الخلق ، وأكملهم بعد الأنبياء ، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم ، والصواب : أنهم مجتهدون في طاعة الله ؛ كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ؛ ففيهم السابق المـقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم الـمـقتصد الذي هو من أهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب ، أو لا يتوب ، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه ، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم ؛ كالحلاج مثلًا …“[37]،
والمؤلف كعادته ، يأتي من أقوال الأئمة -من علماء أهل السنة- ما يوافق هواه ، ولو كان ضعيفًا مطَّرحًا ؛ كـ:
الَّذِيْ أَوْرَدَهُ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ ، أنه قال : “من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق …” ؛ فهذه نسبتها إلى الإمام مالك رحمه الله تعالى مشكوك فيها ، وهي تخالف منهجه في التمسك بالسنة ، وتخالف -أيضًا- قوله السابق المتضمن عيب الصوفية ، وخزعبلاتهم .
وَكَذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ ، أنه قال في الصوفية : “تعلمت منهم ثلاث …” ؛ أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي[38]، بإسناد ضعيف ، فيه ضعفاء ، ومجاهيل .
وَكَذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ عَنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ ، أنه قال في الصوفية -وتواجدهم- : “دعهم يفرحون مع الله ساعة” ، هذه مقولة ذكرها ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية[39]، ثم قال عقيبها : “كذا روى هذه الرواية ، والمعروف خلاف هذا عنه” ، وقد بتر المؤلف تعليق ابن مفلح هذا ، ولم يأت به ؛ لأنه يخالف مذهبه ، وهواه ، قال الذهبي رحمه الله ، في ميزان الاعتدال[40]، في ترجمة علي بن الحسن الطرسوسي: صوفي ، وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية ، رواها عنه العتيقي” ، وقال ابن حجر رحمه الله في لسان الميزان[41] : “والحكاية المذكورة روينا في الطيوريات عن العتيقي عنه ، سألت سليمان بن أحمد الطبري ، سمعت عبد الله ابن أحمد بن حنبل ، سمعت أبي يقول ، … فذكر القصة ، وأخرج الخطيب في ترجمة نصير بن عيسى ، من كتاب الرواة ، عن مالك حديثًا من طريق العتيقي -أيضا- عن علي بن الحسن بن المترقف الطرسوسي بمصر ، عن العباس بن أحمد بن الفضل الخواتيمي حديثًا ، وقال : في سنده غير واحد من المجهولين فدخل هذا الطرسوسي فيهم”.
وَأَمَّا مَوْضُوْعُ كَرَامَاتِ الصُّوْفِيَّةِ ؛ فهو مرتع خصب ، يرعى فيه المتصوفة ، ويخوضون ، يذهبون فيه ، ويأتون ، ليبينوا للبسطاء من الناس أنهم هم أهل الولاية ، وأصحاب الحقيقة ؛ لذا فقد توسع المؤلف في مبحث الكرامات كثيراً ، وأكثر من النقولات ، والقصص ، مع علمنا أن الأصل فيما يوردونه من قصص لا حقيقة لها ، فهي من نسج الخيال ، أو من عمل الشيطان ، مع التنبيه على أن من “أصول أهل السنة ، والجماعة التصديق بكرامات الأولياء ، وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات ، في أنواع العلوم ، والمكاشفات ، وأنواع القدرة ، والتأثيرات ؛ كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف ، وغيرها ، وعن صدر هذه الأمة ؛ من الصحابة ، والتابعين ، وسائر قرون الأمة ، وهـي موجـودة فـيهـا إلـى يــوم القيـامـة”[42]، أمـا الخـوارق التـي يــأتــي بــهـا السـحـرة ، والـمشعوذون ، والخرافيون ، والـمبتدعة الضــالون ؛ كابن عربي ، والحلاج ، وابن الفارض ، ومن نحا نحوهم فليست من هذا الباب ، بل هي من باب إبليس ، وأعوانه الشياطين[43].
قَالَ شَيْخُ الِإْسَلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “وما يأتي به السحرة ، والكهان يمتنع أن يكون آيةً لنبي ، بل هو آية على الكفر ، فكيف يكون آيةً للنبوّة ، وهو مقدور للشياطين ؟! وآيات الأنبياء لا يقدر عليها جن ، ولا إنس ، وآيات الأنبياء آيات لجنسها ، فحيث كانت آيةً لله ، تدل على مثل ما أخبرت به الأنبياء ، وإن شئتَ قلت : هي أيات لله ، يُدل بها على صدق الأنبياء تارة ، وعلى غير ذلك تارة ، فما يكون للسحرة ، والكهان لا يكون من آيات الأنبياء ، بل آيات الأنبياء مختصة بهم ، وأما كرامات الأولياء فهي -أيضًا- من آيات الأنبياء ؛ فإنها إنما تكون لمن يشهد لهم بالرسالة ، فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة ، و-أيضًا- فإن كرامات الأولياء معتادة من الصالحين ، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك ؛ فانشقاق القمر ، والإتيان بالقرآن ، وانقلاب العصا حيّة ، وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء ، وكذلك خلق الطير من الطين ، ولكنَّ آياتهم صغار ، وكبار ؛ كما قال الله تعالى : {فَأَرَىٰهُ ٱلآيَةَ ٱلكُبرَىٰ}[النازعات: 20] ، فلله تعالى آية كبيرة ، وصغيرة ، وقال عن نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم : {لَقَد رَأَىٰ مِن ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلكُبرَىٰ}[النجم: 18] ؛ فالآيات الكبرى مختصة بهم ، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين ؛ مثل تكثير الطعام ، فهذا قد وجد لغير واحدٍ من الصالحين ، لكن لم يوجد كما وجد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أطعم الجيش من شيء يسير ، فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم ، لكن لا يماثلون في قدره ؛ فهم مختصون إما بجنس الآيات ؛ فلا يكون لمثلهم ؛ كالاتيان بالقرآن ، وانشقاق القمر ، وقلب العصا حية ، وانفلاق البحر ، وأن يخلق من الطين كهيئة الطير ؛ وإما بقدرها ، وكيفيتها ؛ كنار الخليل ؛ فإن أبا مسلم الخولاني ، وغيره صارت النار عليهم بردًا ، وسلامًا ، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم في عظمتها ؛ كما وصفوها ، فهو مشارك للخليل في جنس الآية ؛ كما هو مشارك في جنس الإيمان محبة الله ، وتوحيده ، ومعلومٌ أنّ الذي امتاز به الخليل من هذا لا يماثله فيه أبو مسلم ، وأمثاله ، وكذلك الطيران في الهواء ؛ فإن الجن لا تزال تحمل ناساً ، وتطير بـهم من مكان إلى مكان ؛ كالعفريت الذي قال لسليمان : {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}[النمل:39]، لكن قول الذي عنده علم من الكتاب : {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النمل:40] لا يقدر عليه العفريت ، ومسرى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى أمر اختص به ، بخلاف من يُحمل من مكان إلى مكان ، لا ليريه الله من آياته الكبرى ، أمر اختص به ، ولا يعرج إلى السماء“[44]،
وَقَالَ -أَيْضًا- رَحِمَهُ اللهُ : “وفي أصناف المشركين من مشركي العرب ، ومشركي الهند ، والترك ، واليونان ، وغيرهم من له اجتهاد في العلم ، والزهد ، والعبادة ؛ ولكن ليس بمتبع للرسل ، ولا يؤمن بما جاءوا به ، ولا يصدقهم بما أخبروا به ، ولا يطيعهم فيما أمروا ، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ، ولا أولياء لله ، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين ، وتنزل عليهم ، فيكاشفون الناس ببعض الأمور ، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر ، وهم من جنس الكهان ، والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين … فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم ، وأفعالهم ، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب ، والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان ، والقرآن ، وبحقائق الإيمان الباطنة ، وشرائع الإسلام الظاهرة … أما إذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات ، والخبائث التي يحبها الشيطان ، أو يأوي إلى الحمامات ، والحشوش ، التي تحضرها الشياطين ، أو يأكل الحيات ، والعقارب ، والزنابير ، وآذان الكلاب ؛ التي هي خبائث ، وفواسق ، أو يشرب البول ، ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان ، أو يدعو غير الله ؛ فيستغيث بالمخلوقات ، ويتوجه إليها ، أو يسجد إلى ناحية شيخه ، ولا يخلص الدين لرب العالمين ، أو يلابس الكلاب ، أو النيران ، أو يأوي إلى المزابل ، والمواضع النجسة ، أو يأوي إلى المقابر ، ولا سيما إلى مقابر الكفار ، من اليهود ، والنصارى ، أو المشركين ، أو يكره سـماع القرآن ، وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني ، والأشعار ، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن ، فهذه علامات أولياء الشيطان، لا علامات أولياء الرحمن … وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور ، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة ، مثل أن يشير إلى شخص فيموت ، أويطير في الهواء إلى مكة ، أو غيرها ، أو يمشي على الماء أحيانًا ، أو يملأ إبريقًا من الهواء ، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب ، أو يختفي أحيانا عن أعين الناس ، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب ، أو ميت فرآه قد جاءه ، فقضى حاجته ، أو يخبر الناس بما سرق لهم ، أو بحال غائب لهم ، أو مريض ، أو نحو ذلك من الأمور ، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله ، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء ، أو مشى على الماء ، لم يعتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموافقته لأمره ، ونهيه“[45].
أَمَّا إِحْيَاءُ الْمُوْتَى ؛ فهذا من آيات الأنبياء عليهم السلام ، وليس كل الأنبياء -أيضًا- بل لا يعرف أن الله أحيا الأموات على سبيل العموم إلا لعيسى بن مريم عليه الصلاة ، والسلام ، وأما القصص التي تروى ؛ فلا نعلم ثبوتها ، وإن ثبتت ، فربما تكون قضية معينة ؛ يكون الإنسان مثلاً ماتت راحلته فدعا الله أن يحييها حتى توصله البلد ، أو ما أشبه ذلك ؛ فهذا يذكر عن بعض التابعين أنه حصل له مثل هذا ، وأما على سبيل العموم فلا[46]، فهذا رجل من التابعين المتبعين ، دعا ربه لإحياء دابته ، وألـح ، فأجاب الله تعالى دعاءه ـ فأحياها له ، إلى أن أوصلته إلى بلده ، ثم ماتت ؛ فهذا منه دعاء ، ليس بإحياء ؛ كإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله ، وعليه يحمل ما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وغيره ؛ لكن الصوفية الضلال يريدون أن يتوصلوا بذلك إلى ما يجعلونه ، وينسبونه إلى شيوخهم -زوراً ، وكذباً- من التصرف في الكون ؛ من الإحياء ، والإماتة ، والخلق ، والرزق ، وإنزال المطر ، ونحو ذلك ، تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً ،
وَمَا قُلْنَاهُ -هنا- كفاية -إن شاء الله- لمن تدبر ، وتعقل .
وجملة القول :
الصوفية أهل بدعة ، وخرافة ؛ من أصحاب الاستغاثات الشركية ، والمحدثات الشيطانية ؛ فهم أعداء الله ، لا أولياء الله ، فكل ما يصدر منهم من خرق للعادات فهو من عمل الشياطين ، بلا شك ، ولا مين .
يَتْبَعُ …
([4]) “أراد الذي يقلد دينه لكل أحد ، أي : يجعل دينه تابعا لدين غيره ؛ بلا حجة ولا برهان ولا روية ، وهو من الإرداف على الحقيبة”[النهاية في غريب الحديث (1/412)].