تَحْذِيْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْإِيْمَانِ مِنْ مَكْرِ ، وَخِدَاعِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ ، وَالنِّفَاقِ .
رَدٌّ عِلْمِيٌّ عَلَى كِتَابٍ يَحْتَفِي بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ عِنْدَنَا -فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ- يُرَوِّجُوْنَ لَهُ ؛ لِيُخَادِعُوْا بِهِ الْأَغْمَارَ ، وَأَتْبَاعَهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ الرَّعَاعِ .
[الجزء السابع -الأخير]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
(مُقَدِّمَةٌ)
في هذه الحلقة -وهي السابعة ، والأخيرة- في الرد على كتاب ابن قديش اليافعي اليمني : “مَسَائِلُ فِيْ الْمَنْهَجِيَّةِ الْعَامَّةِ ؛ فِيْ الْعَقِيْدَةِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالسُّلُوْكِ ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ ، وَالْمَاتُرِيْدِيَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ …” ، فنقول ، وبالله التوفيق ،
(7)
مُلْحَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، ثَمَّ الْخَاتِمَةُ .
وَمِنَ الْمُلْحَقَاتِ هَذِهِ الْمُلَخِّصَاتُ الْجَامِعَاتُ :
1] مؤلف الكتاب : “ابن قديش اليافعي” من المناظرين ، والمنظِّرين لطائفته الأشعرية ، الصوفية ، حاله كحال الكوثري من قبل ، ومن المعاصريين : الجفري اليمني ، وسعيد فودة ، وعبد القادر الحسين الشاميان ، والعوني المكي ، والعرفج الأحسائي ، وغيرهم ، وفي غالب من الظن أنه ما كتب الذي كتب إلا ليبين لأتباعه الأدلة التي تساعدهم لمناظرة أهل السنة .
2] ومن مكر ، وخداع ، ونفاق مؤلف الكتاب :
– أَنَّهُ أظهر للقراء أنه يخاطب في كتابه هذا -من جملة من يخاطب- أهل السنة السلفيين ، والذي يقرأه ، ويتأمل ما فيه أدنى تأمل يجد أن الكتاب -برمته- موجه إلى مـن يعتـقد عقيـدة الأشاعرة -مفوضة ، ومـؤولة- وإخوانـهم الماتريدية ، والذي يسميهم -مخادعة ، ومراوغة- بأهل السنة ، أما أهل السنة باصطلاحنا -نحن- فهم عنده من المجسمة المشبهة .
– وَأَنَّهُ لما أظهر لهم أن التوسل بذوات الصالحين ، والأنبياء أمر مختلف فيه أدخل فيه مثالاً ؛ وهو الطلب من الأموات ، وسؤالهم الشفاعة ، والذي يعتبره أهل العلم كفرًا مخرجًا من الملة .
– وَأَنَّهُ إن أتى بأقوال علماء أهل السنة فإنه يأتي بالمتشابه منها ، أما الصريح -الوارد عنهم- فإنه يغفله كل الإغفال .
– وَأَنَّهُ ينتقي مما يورد -من أدلة ، أو أقول- ما يوافق مذهبه ، وهواه ، ولو كان ضعيفًا ، أما ما يخالفها فإنه يعرض عنه إعراضًا كاملاً ، ولو كان صحيحًا .
– وَأَنَّهُ يتلاعب بالألفاظ ، والمصطلحات ؛ فيجعل من تنزيه الله تفويض صفاته ، أو تأويلها ، ويجعل دعاء الأموات توسلًا مشروعًا ، ويجعل مثبتة الصفات الإثبات السلفي مجسمة مشبهة ، والمتصوفة الطرقيين هم أهل الولاية ، والتحقيق ، ويجعل من كرامات الصوفية ما هو خاص برب البرية .
– وَأَنَّهُ يظهر في الكتاب الهدوء في الطرح ، والنصح للخلق ، والاعتدال ، ونبذ الغلو المفرط ، وهذا -والله- من حيل أهل الأهواء لتفنيق أباطيلهم ، وأي اعتدال وهو ممن يجيز الاستغاثة ، وطلب الشفاعة من الأموات .
3] يكثر في الكتاب النقول عن الرجال ، أما الأدلة فهي قليلة جداً ؛ وما أرى سببًا لهذا إلا أن المتصوفة يقدسون الرجال ، ويعظمونهم أكثر من تعظيمهم النصوص .
4] يبتر النصوص ، والنقول إن استلزم عنده الأمر .
وَبِاخْتِصَارِ فالمؤلف قد قام -بجدارة- بوظيفة أهل التحريف ، وهو من أعظم “مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال ، التي تقلب الشريعة ، وتغير صفحتها ، من شرع منزل إلى شرع مبدل ، ودين محرف ، وجماعها : اتباع الهوى ، والحكم بالمتشابه ، وحجية الكشف ، والإلهام ، والرؤيا ، وفتيا القلب (حدثني قلبي عن ربي) ، والطعن في خبر الآحاد ، ودعوى مخالفة النص للمعقول ، وتحكيم العوائد ، وزخرفة الباطل ، والاستدلال المقلوب بالاستحسان ، وبالمصالح المرسلة على الأهواء ، وبتر النقول والنصوص ، والدس في كلام أهل السنة ، بل في السنة ، والتحريف فيها «التأويل بالباطل» ، وفاسد القياس ، ومعارضة النص بالرأي ، وبدعة التعصب ، وتقديس الأشياخ ، وتعظيم خطر مخالفتهم بما يخرج عن حدود الشرع ، وتحكيم ظواهر النصوص من غير التفات إلى مقاصدها ، والاحتجاج بالسواد الأعظم ، وتقييد المطلق بالتشهي ، وعكسه ، والتهويل بدعوى الإجماع ، والاحتجاج بمقامات الشيوخ ، والتغالي فيهم ، واستغلال الغلط في تقسيم البدعة إلى حسنة ، وسيئة ، …”[1].
قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : “والتحريف العدول بالكلام عن وجهه ، وصوابه إلى غيره ؛ وهو نوعان : تحريف لفظه ، وتـحـريف معنـاه ، والنـوعـان مأخـوذان مـن الأصـل عـن الـيهـود ؛ فهـم الراسخون فيهـما ، وهم شيوخ المحرفين وسلفهم ؛ فإنهم حرفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة ، وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه ، ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم ، ودرج على آثارهم الرافضة ؛ فهم أشبه بهم من القذة بالقذة ، والجهمية ؛ فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود ، ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرفوا معانيه ، وسطوا عليها ، وفتحوا باب التأويل لكل ملحد يكيد الدين ؛ فإنه جاء فوجد بابًا مفتوحًا ، وطريقًا مسلوكة ، ولم يمكنهم أن يخرجوه من باب ، أو يردوه من طريق قد شاركوه فيها ، وإن كان الملحد قد وسع بابًا هم فتحوه ، وطريقًا هم اشتقوه ، … ، وتأويل التحريف هو الباطل ؛ فتأويل التحريف من جنس الإلحاد ؛ فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه ؛ إما بالطعن فيها ، أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها ، وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها ، وتارة يكون بإنكار الـمسمى بها ، وتارة يكون بالتشريك بينه ، وبين غيره فيها ؛ فالتأويل الباطل هو إلحاد ، وتحريف ، وإن سـماه أصحابه تـحقيقًا ، وعرفانًا ، وتأويلًا”[2]،
وَقَالَ الشَّيْخُ بَكْرٌ أَبُوْ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ : “وأما المنافقون فهم أول من قدح شرارة التبديل في الأمة ، وفيهم أنزل الله قرآنًا ، فقال سبحانه : {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ …}[الفتح:15] ، …
ومـا مـن فرقـة مـن الـفـرق الـمخـالـفـة ؛ الـمنتسبـة إلـى الإسلام ؛ كالرافضة ، والجهمية ، والقدرية ، والجبرية ، والمعتزلة ، والأشاعرة .. إلا وقد ضربت بسهم وافر من التحريف ، ويقال : تأويل التحريف ؛ لصياغة ما ينتمون إليه من مذاهب بما يشبه الحق ، وهو باطل محض … ، وعلى أعقاب هؤلاء حلت قارعة التحريف في كل من غلا في المذاهب ، وجفا النصوص … وهذه فعلة شنعاء ، وجريمة كبرى أفرزتها البدعة الضالة : «بدعة التعصب المذهبي» …”[3].
وَمِنَ الْمُلْحَقَاتِ -أَيْضًا- هَذِهِ الوَصَايَا الْمُذَكِّرَاتُ ، الَّتِي أَقُوْلُ فِيْهَا :
1] احذروا -يا أهل السنة- ثم احذروا من مكر أعدائنا أهل البدعة ؛ فإن أمضى أسلحتهم الآنية هي إظهار المسكنة ، والتمسكن ، وإظهار حب التعايش ، والتقرب ؛ وهذا فخ منصوب لكم من قبلهم ؛ فإن قبلتم أقوالهم ، وصححتم مقاصدهم فقد وقعتم في فخهم ، والدواء الناجع لمكرهم هو عزلهم عن محيط أهل السنة البتة ، وهجرهم الهجران التام ، وعدم قبول أي شيء يأتي من قبلهم .
2] ثم اعلموا أن حجج أهل الباطل ضعيفة مهلهلة ، فلا تغرنكم كتبهم ، ولا كتاباتهم ، فليست بشيء ؛ وإن اضطررتم لمناظرتهم فتعلموا كيف تناظروهم ، وإن من أمضى الأسلحة التي تأتي على حججهم جملة ، وتتهاوى كلها من ضربة واحدة -فتريحوا ، وتستريحوا- هي :
– استخدام الأدلة ، الصريحة ، الـمحكمة ،
– والاستشهاد بأقوال علماء السلف المتقدمين ؛ الواضحة وضوح الشمس ،
فَإِذَا أَرَدْتُمْ -مثلاً- أن تردوا على المفوضة منهم -أو المؤولة- فانتقلوا سريعًا إلى الكلام عن : صفة علو الله ، وكلامه جل وعلا ، واحشدوا لهم الأدلة ، والنقول الصريحة من كلام العلماء من سلف الأمة ، فبإذن الله ستكون عليهم حجة قاصمة ، قاطعة لحجج المنازعين من أهل الابتداع بَتَّةً ، “ولا غيظ أغيظ على الكفار ، والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة ، وقد تهزم العساكر الكبار ، والحجة الصحيحة لا تغلب أبدًا ؛ فهي أدعى إلى الحق ، وأنصر للدين من السلاح الشاكي ، والأعداد الجمة ، … ، قال تعالى : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:149] ، وقال تعالى : {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}[الأنبياء:18] “[4].
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “فكل من لم يناظر أهل الإلحاد ، والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفّىَ بموجب العلم ، والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور ، وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم ، واليقين”[5].
وَخِتَامًا :
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا مَا كَتَبْنَاهُ مِنْ دِفَاعٍ عَنْ عَقِيْدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْإِيْمَانِ ، مِنْ مَكْرِ ، وَخِدَاعِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ ، وَالنِّفَاقِ ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ رَبِّنَا الْكَرِيْمِ الْمُتَعَالِ ، كَمَا أَسْأَلُهُ أَنْ يَحْمِيَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شُرُوْرِ أَهْلِ التَّحْرِيْفِ ، وَالْإِلْحَادِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى التَّوْحِيْدِ الْخَالِصِ حَتَّى الْمَمَاتِ ، إِنَّ رَبِّي لَطِيْفٌ ، بَرٌ ، جَوَادٌ .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِالْبِرِّ ، وَالْإِحْسَانِ .