القائمة إغلاق

“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .

حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا ، وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ ، وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .

حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ ، وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .

الْحَلْقَةُ (السَّادِسَةُ) :

-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-

“قِسْمُ الْأَخْلَاقِ” .

نسخة رقمية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :

“حِفْظُ الْبُيُوْتِ الْمُؤْمِنَةِ مِنَ التَّهْدِيْدَاتِ الْمُعَاصِرَةِ” .

(4)

وَبَعْدَ التَّهْدِيْدَاتِ الْعَقَدِيَّةِ تَأْتِي التَّهْدِيْدَاتُ الْأَخْلَاقِيَّةُ ، الَّتِي تَضْرِبُ فِيْ نَسِيْجِ الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ ؛ كَضَرْبِ السِّيَاطِ الْمُوْجِعَةِ ، بَلْ كَضَرْبِ الْأَمْوَاجِ الْعَاتِيَّةِ ، وَالزَّلَازِلِ الْـمُدَمِّرَةِ ؛ فـَ:

قَدْ سَاءَتْ أَخْلَاقُ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ -خَاصَّةً فِيْ هَذِهِ الْأَعْصَارِ- بِسَبَبِ بُعْدِهِمْ عَنْ رَبِّهِمُ الْوَاحِدِ الْخَلَّاقِ ، وَصَـارَتْ أَخْلَاقُهُمْ أَشَدَّ شَبَهًا بِأَخَلَاقِ الْيَهُـوْدِ ؛ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ ، أَوِ النَّصَارَى الضُّلَّالِ ، أَوِ الْمَلَاحِدَةِ الْفُجَّارِ ،

وَالْأَمْثِلَةُ فِيْ تَرَدِّي أَخْلَاقِ كَثِيْرٍ مِنْ مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ- وَاضِحَةٌ وُضُوْحَ الشَّمْسِ ؛ لَيْسَ دُوْنَـهَا سِتْرٌ ، أْوْ حِجَابٌ ؛ فَأَنْتُمْ تَرَوْنَ :

كَيْفُ قُطِّعَتِ الْأَرْحَامُ بِسَبَبِ دِرْهَمٍ ، أَوْ دِيْنَارٍ ،

وَكَيْفَ اِسْتُؤْنِسَ بِالْأَزْوَاجِ ، وَالْأَصْدِقَاءِ ، وَعُصِيَ الْآبَاءُ ، وَالْأُمَّهَاتُ ،

وَكَيْفَ أُهْمِلَتْ أَمَانَةُ تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ ؛ حَتَّى صَارُوْا يَرْتَعُوْنَ فِيْ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ فِيْ صُبْحِهِمْ ، وَالْمَسَاءِ ،

وَكَيْفَ صُدِحَ بِالْمُوْسِيْقَى ، وَالْغِنَاءِ ؛ حَتَّى عَلَتْ عَلَى صَوْتِ الْقُرْآنِ ،

وَكَيْفَ عُمِّـرَتِ الْمَسَــارِحُ ، وَالْمَلَاعِــبُ ، وَهُجِــرَتِ الْـمَسَاجِدُ ، أَوْ أُغْلِقَتْ دُوْنَهَا الْأَبْوَابُ ،

وَكَيْفَ تَعَرَّتِ النِّسَاءُ ، بِلَا خَوْفٍ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَلَا حَيَاءٍ ،

وَكَيْفَ صَارَتِ الدِّيَاثَةُ سِيْمَا كَثِيْرٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ،

وَكَيْفَ تَأَنَّثَ الرِّجَالُ ، وَتَرَجَّلَتِ النِّسَاءُ ،

وَكَيْفَ فَشَتِ الْفَاحِشَةُ فِيْ الْأَنَامِ ، فَصَارُوْا يَأْتُوْنَ إِلَيْهَا بِلَا جُهْدٍ ، وَلَا عَنَاءٍ ،

وَكَيْفَ اِنْقَلَبَتِ الْمَوَازِيْنُ ؛ فَأَصْبَحَ الْمُنْكَرُ مَعْرُوْفًا ، وَالْمَعْرُوْفُ مُنْكَرًا ، وَأَصْبَحَ السُّوْقَةُ ، وَالسِّفْلَةُ سَادَةً ، وَكُبَرَاءَ ، وَالصَّالِحُوْنَ مُجْرِمِيْنَ إِرْهَابِيِّيْنَ ، أَوْ عُصَاةً أَشْقِيَاءَ ،

وَكَيْفَ تَمَرَّدَتِ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ ؛ فَلَا سَمْعَ ، وَلَا طَاعَةَ ، وَلَا اِهْتِدَاءَ ،

وَكَيْفَ سَكَتْ وُجَهَاءُ الْعِلْمِ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ ؛ مُجَامَلَةً ، أَوْ خَوْفًا مِنَ الْإِقْصَاءِ ،   

وَكَيْفَ اِشْتَدَّتْ الْغُرْبَةُ عَلَى الصَّالِحِيْنَ ، وَالصَّالِحَاتِ ، حَتَّى بَيْنَ أَهْلِيْهِمْ ، وَالْأَقْرِبَاءِ ،

وَكَيْفَ صَارَ الرُّوَيْبِضَةُ هُوَ الَّذِيْ يَسُوْسُ شَأْنَ الْأُمَّةِ ، وَيُخَطِّطُ لَهَا مُسْتَقْبَلَهَا ،

وَكَيْفَ أُكِلَتِ الدُّنْيَا بِالدِّيْنِ ، وَاسْتُحِلَّتْ مَحَارِمُ اللهِ بِفَتَاوَى الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّيْنَ ،

وَكَيْفَ جُوْهِرَ بِالْمَعَاصِي ، حَتَّى أُقِرَّتْ ، ثُمَّ اسْتُحِلَّتْ ،

وَكَيْفَ كُبِتَ الْحَقُّ ، وَحَلَّ مَحَلَّهُ الْجَوْرُ ، وَالْبَغِيُّ ، 

وَكَيْفَ

وَكَيْفَ

هَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ ،

وَلَعَلَّ زَمَنَنَا هَذَا هُوَ الزَّمَنُ الَّذِيْ قَالَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنَّهَا سَتَأْتِـي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَـةٌ ، يُصَـدَّقُ فِيهَا الْكَـاذِبُ ، وَيُكَـذَّبُ فِيهَـا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ” ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : “الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ”[1].

وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ -إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنَّا رَبُّنَا ، وَيَتَجَاوَزْ- أَنْ تَحِلَّ بِنَا دَاهِيَةٌ دَهْيَاءُ ، أَوْ عُقُوْبَةٌ يَشِيْبُ لَهَا الْوِلْدَانُ ، أَوْ تَسْقُطُ مَا فِيْ أَرْحَامِهِنَّ النِّسَاءُ ، فـَ:

اللَّهُمَّ اُلْطُفْ بِنَا ، وَاعْفُ عَنَّا ، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَل الْعُصَاةُ مِنَّا ، وَالسُّفَهَاءُ ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى إِمَامِ الْحُنَفَاءِ ، وَسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِيْن ؛ أُوْلِي الْإِحْسَانِ ، وَالتُّقَى .

 



([1]) رواه ابن ماجه (4036) ، وأحمد (7912) .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: